التَّرَفُ وَالمُتْرَفُون 3

 

قُلْنَا إِنَّ المُتْرَفِيِنَ هُم فِئَةٌ مِنَ النَّاسِ لَهَا صِفَاتٌ وَاحِدَةٌ، تَتَكَامَلُ لِتُنْتِجَ شَخْصَ المُتْرَفِ، ذَكَرْنَا مِنْهَا أَرْبَعَةً، وَنَسْتَأنِفُ هَذِهِ الصِّفَاتِ كَالتَّالِى:

.

5 ـ التَسَلُّفُ:

المُتَسَلِّفُ عَلَى حِسَابِ الكِتَابِ مُتْرَفٌ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى:

وَكَذَ‌ٰلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍۢ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٍۢ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَـٰرِهِم مُّقْتَدُونَ﴿٢٣﴾الزخرف.

فَهَؤُلاَءِ يُمَثِّلُونَ قُوَى المُعَارَضَةِ لِكُلِّ مَا هُوَ ءَاتٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَالمُكَذِّبُونَ بِرُسُلِ اللهِ، لِيَرْتَضُوا وَيَنْصُرُوا مَا بَيْنَ أيْدِيهِم مِن تُرَاثٍ أبَوِىٍّ، وَبِالتَالِى فَقَدْ اجْتَمَعَ مَع التَسَلُّفِ هَجْر الكِتَابِ، والنُّكُوصِ عَنْهُ.

.

6 ـ كُرْهُ الحَقِّ:

وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى فِيهِم:

حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْـَٔرُونَ ﴿٦٤﴾ لَا تَجْـَٔرُوا ٱلْيَوْمَ ۖ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ ﴿٦٥﴾ قَدْ كَانَتْ ءَايَـٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰٓ أَعْقَـٰبِكُمْ تَنكِصُونَ ﴿٦٦﴾ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِۦ سَـٰمِرًا تَهْجُرُونَ﴿٦٧﴾أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا ٱلْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلْأَوَّلِينَ ﴿٦٨﴾ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُۥ مُنكِرُونَ ﴿٦٩﴾ أَمْ يَقُولُونَ بِهِۦ جِنَّةٌۢۚ بَلْ جَآءَهُم بِٱلْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَـٰرِهُونَ﴿٧٠﴾المُؤَمِنُون.

وَهَل هُنَاكَ حَقٌّ أوْضَحُ مِمَّا جَآءَ بِكِتَابِ اللهِ؟! …وَلَكِنَّهُم يَكْرَهُونَ الحَقَّ، وَكُلَّ مَا يَمُتّ للهِ بِصِلَةٍ، فَضْلاً عَمَا عَرِفْنَاهُ عَنْهُم ـ قَبْلاً ـ مِنْ كُفْرِهِم بَالرُسُُلِ، وَنُكُوصِهِم عَنِ الأَيَاتِ.

.

7 ـ فَسَادُ المَنْطِقِ:

وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى فِيهِم:

وَقَالَ ٱلْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَآءِ ٱلْءَاخِرَةِ وَأَتْرَفْنَـٰهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا مَا هَـٰذَآ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ﴿٣٣﴾ وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَـٰسِرُونَ ﴿٣٤﴾ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَـٰمًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ ﴿٣٥﴾ ۞ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ﴿٣٦﴾ إِنْ هِىَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴿٣٧﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُۥ بِمُؤْمِنِينَ ﴿٣٨﴾ المُؤَمِنُون.

فَنَجِدُ أنَّنَا أمَامَ مَنْطِقٍ فَاسِدٍ مُنْقَطِعِ النَّظِيرِ. فَقَدْ كَفَرُوا بِالرَسُولِ لِكَوْنِهِ بَشَرٌ مِثْلَهُم. وَكَفَرُوا بِالبَعْثِ بِحُجَّةِ اسْتِمْرَارِيَّةِ المَوْتِ وَالحَيَاةِ، وَكَذَلِكَ فَقَدْ سَبَقَ أنْ طَالَعَنا قَوْلِهِم بِصِحَّةِ مَا هُم عَلَيْهِ بِحُجَّةِ أنَّهُم الأَكْثَرُ أوْلاَدًا وَأَمْوَالاً. وَهَكَذَا يَسِيرُ مَنْطِقُهُم عَلَى غَيْرِ هُدَىً، وَبِفَسَادِ اسْتِدْلاَلٍ.

.

8 ـ الضَّلاَلُ:

وَذَلِكَ لِتَسْمِيَةِ اللهِ لَهُم بِالضَّالِّيِن، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ فِيهِم:

إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَ‌ٰلِكَ مُتْرَفِينَ﴿٤٥﴾ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ ﴿٤٦﴾ وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَـٰمًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴿٤٧﴾ أَوَءَابَآؤُنَا ٱلْأَوَّلُونَ ﴿٤٨﴾ قُلْ إِنَّ ٱلْأَوَّلِينَ وَٱلْءَاخِرِينَ ﴿٤٩﴾ لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَـٰتِ يَوْمٍۢ مَّعْلُومٍۢ﴿٥٠﴾ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضَّآلُّونَ ٱلْمُكَذِّبُونَ﴿٥١﴾ لَءَاكِلُونَ مِن شَجَرٍۢ مِّن زَقُّومٍۢ﴿٥٢﴾ فَمَالِـُٔونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ ﴿٥٣﴾فَشَـٰرِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِ﴿٥٤﴾فَشَـٰرِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ ﴿٥٥﴾ هَـٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ ٱلدِّينِ ﴿٥٦﴾ الوَاقِعَة.

.

9 ـ الطُّغْيَانُ:

وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى فِيهِم:

حَتَّىٰٓ إِذَآأَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْـَٔرُونَ ﴿٦٤﴾المُؤَمِنُون.

إِلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:

۞ وَلَوْ رَحِمْنَـٰهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّۢلَّلَجُّوا فِى طُغْيَـٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ﴿٧٥﴾“.

فَاَثْبَتَ لَهُم اللهُ طُغْيَانَهُم الَّذِى لاَ يُفَارِقُونَهُ حَتَّى وَلَوْ عَادُوا.

.

10 ـ الاسْتِكْبَارُ:

وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى فِيهِم، امْتِدَادًا لِلأَيَاتِ السَّابِقَةِ:

وَلَقَدْ أَخَذْنَـٰهُم بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴿٧٦﴾ حَتَّىٰٓ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍۢ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴿٧٧﴾“.

قَدْ كَانَتْ ءَايَـٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰٓ أَعْقَـٰبِكُمْ تَنكِصُونَ ﴿٦٦﴾ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِۦ سَـٰمِرًا تَهْجُرُونَ﴿٦٧﴾المُؤَمِنُون.

.

والصِفَاتُ غَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَلَكِنِّى أكْتَفِى بِأَظْهَرِهَا، وَعَلَى مَن يُرِيدُ المَزِيدَ أنْ يُرَتِّلَ الأَيَاتِ، فَهَى نُورٌ مِنَ اللهِ الكَرِيم. أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَحْفَظَنَا أَنْ نَقَعَ فِى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَلَوْ شَيْئًا قَلِيِلاً.

.

تَحَرَّرَ فِى ظُهْرِ يَوْمِ الجُمُعَة 14/11/2014 سعة 3.22 م

المَقَالُ السَّابِقُ

المَقَالُ التَّالِى: لاَ يُوجَد