1/1/1 ـ الإيِمَانُ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ:

1/1/1 ـ الإيِمَانُ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ:

الإِيِمَانُ هُوَ المُنْتَجُ القَلْبِىُّ الَّذِى يُمَثِّلُ أَصْلَ كُلِّ حَرَكَةٍ مِنْ حَرَكَاتِ العَاقِلِ مِنَ الثِقَلَيْنِ، وَبُرْهَانُهَا (فَلْسَفَتُهَا)، وَالدَّافِعُ إِلَيْهَا. وَهُوَ (أَى الإِيِمَانُ) لَيْسَ نُقْطَةَ وُصُولٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مِسَاحَةٌ مَشْغُولَةٌ مِنَ العَقْلِ، وَالفُؤَادِ، وَالقَلْبِ، وَالفِكْرِ، تَتَحَرَّكُ فِيِهَا القَنَاعَةُ (العَقْلُفُؤَادِيَّةُ)، الَّتِى تَسْبِقُ أىَّ فِعْلٍ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ فِعْلُ السُّكُونِ المَقْصُودِ (1). وَلِذَا فَإِنََّ الإِيِمَانَ هُوَ فِعْلٌ مٌسْتَمِّرٌ دَائِمٌ، ءَاخِذٌ فِى النُّمُوِّ، بِاسْتِطْرَادٍ، بِغَيْرِ طَفَرَاتٍ، يَبْدَأُ، وَلاَ يَنْتَهِى إِلاَّ بِمَوْتِ صَاحِبِهِ.

وَصِفَةُ الإِيِمَانِ لِلبَاحِثِ الدَّارِسِ لِكِتَابِ اللهِ (خُصُوصًا)، وَالبَاحِثِ فِى أَىِّ فَرْعٍ مِنْ فُرُوعِ العِلْمِ (عُمُومًا) هَىَ صِفَةٌ بَدِيِهِيَّةٌ، لاَبُدَّ وَأَنْ تَتَوَفَّرَ لأَىِّ مِنْهُمَا. وَهِىَ صِفَةٌ لَهَا جُزْئِيَّاتُهَا، وَدَرَجَاتُهَا، المُصَاحِبَةُ دَائِمًا، لأَىِّ جُزْئِيَّةٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِ البَحْثِ. فَمَثَلاً؛ البَاحِثُ العِلْمِىُّ لِفَرْعٍ مِنْ فُرُوعِ الأَحْيَاءِ، كَالوُرَاثَةِ، لاَبُدَّ وَأَنْ يُؤْمِنَ (يُصَدِّقَ)، وَيَقْتَنِعَ، بِمَا دَرَسَهُ مِنْ أَوَّلِيَّاتِ عِلْمِ الأَحْيَاءِ وَالوُرَاثَةِ، لِيُبْحِرَ فِى أبْحَاثِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ فَلاَبُدَّ مِنْ أنْ يُؤْمِنَ بِكُلِّ جُزْئِيَّةٍ يَصِلُ إلَيْهَا بَحْثَهُ، لِيَنْتَقِلَ إلَى مَا بَعْدَهَا، وَهَكَذَا.

وَلَمَّا كَانَ لِلإِنْسَانِ مُعْطَيَاتُهُ المَّادِّيَّةُ، المُتَمَثِّلَةُ فِى الجِسْمِ، والمَعْنَوِيِّةُ، المُتَمَثِّلَةُ فِى النَّفْسِ، وَالفَوْقُ نَفْسِجِسْمِيَّةِ، المُتَمَثِّلَةُ فِى ذَاتِ الإِنْسَانِ وَإِرَادَتِهِ؛ وَلَمَّا كَانَ التَّشَابُكُ وَاقِعٌ بَيْنَ ثَلاَثَتِهِم، فِى عِلاَقَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ (2)، بِحَيْثُ نَشَأَتَ الحَاجَاتُ والدَّوَافِعُ، الَّلاَزِمَةُ لِلحَرَكَةِ، فَقَدْ مَثَّلَ الإِيِمَانُ نُقْطَةَ البِدَايَةِ لِكُلِّ مَا يَلِيِهِ، إذْ يُمَثِّلُ جَوْهَرَ الإِرَادَةِ، وَمِحْوَرَ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ، وَرَكِيِزَةَ حَرَكَتِهِ، وَأَسَاسَهَا، وَكّذَلِكَ فَهُوَ الاقْتِنَاعُ؛ المُحَرِّكُ وَالمُصَاحِبُ لِكُلِّ حَرَكَةٍ فِى اتِّجَاهِ الإِسْلاَمِ لِرَبِّ العَالَمِيِن. وَهُوَ الدَّافِعُ الأَوَّلُ لِمَا سَيَلِيِهِ مِنْ دَوَافِعٍ، بِمَا فِى ذَلِكَ مَوْضُوعُنَا هُنَا، وَهُوَ تَدَبُّرِ القُرْءَانِ، وَالإبِحَارِ فِى عَبَابِهِ. وَعَلَيْهِ فَإنَّهُ يُمَثِّلُ الجَانِبَ الفِكْرِىَّ المُمَيِّزَ لِلإِنْسَانِ، وَالَّذِى يَمُدُّهُ بِالطَّاقَةِ طُوالَ رِحْلَةِ البَحْثِ وَالدِّرَاسَةِ، وَبِالقُدْرَةِ عَلَى التَّطْبِيِقِ لِمَا يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ نَتَائِجٍ، وَالإِسْلاَمِ والتَسْلِيِمِ لِمَا اطْمَئَنَّ لَهُ مِمَّا وَضَحَ لَهُ مِنْ جُزْئِيَّاتِ بَحْثِهِ فِى كِتَابِ رَبِّهِ، وَأَخِيِرًا فَهُوَ أَيْضًا؛ الاقْتِنَاعُ؛ المُحَرِّكُ، وَالمُصَاحِبُ، لِكُلِّ حَرَكَةِ حَنْفٍ يُصَحِّحُ بِهَا الدَّارِسُ، مَا وَقَعَ فِيِهِ مِنْ أخْطَاءٍ بَحْثِيَّةٍ، وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا مِنْ عَمَلٍ غَيْرِ صَحِيِحٍ.

يَقُولُ اللهُ تَعَالَى عَنْ الإِيِمَانِ وَالمُؤْمِنِيِنَ:

إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَـٰتُهُۥ زَادَتْهُمْ إِيمَـٰنًۭا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴿٢﴾ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ ﴿٣﴾ أُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقًّۭا ۚ لَّهُمْ دَرَجَـٰتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌۭ وَرِزْقٌۭ كَرِيمٌۭ ﴿٤﴾الأَنْفَال.

فَانْظُر كَيْفَ أثَّرَ الإِيِمَانُ عَلَى قَلْبِ صَاحِبِهِ، وَكَانَ هُوَ الدَّافِعُ وَالقَنَاعَةُ لِحَرَكَتِهِ المَعْنَوِيَّةِ القَلْبِيَّةِ، الَّتِى انْتَقَلَ تَأْثِيِرُهَا إلَى حَرَكَتِهِ المَادِّيَّةِ الجِسْمِيَّةِ؛ فَأَقَامَ صَاحِبَهُ الصَّلَواةَ، وَأنْفَقَ مِمَّا رَزَقَهُ اللهُ، . . وَهَكَذَا، حَتَّى قَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ أنَّهُ وَمِثْلَهُ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا، بَعْدَ أنْ أخَذَ إِيَمَانُهُم بِيَدِهِم إلَى الإِسْلاَمِ لِرَبِّ العَالَمِيِنَ.

وَعَلَيْهِ؛ فَلاَ حَرَكَةَ (عُمُومًا) بِغَيْرِ إيِمَانٍ. فَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَم أَيْضًا أَنَّهُ لاَ إسْلاَمَ بِلاَ حَنْفٍ، وَلاَ حَنْفَ بِلاَ كِتَابٍ، وَلاَ كِتَابَ بِلاَ بَحْثٍ وَدِرَاسَةٍ وَتَدَبُّرٍ، وَلاَ شَيْءَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ إِلاَّ بِالإِِيِمَانٍ بِدَايَةً. فَالإِيِمَانُ هُوَ نُقْطَةُ البِدَايَةِ، وَالصَّاحِبُ لِلنِّهَايَةِ، وَالقَاعِدَةُ لِكُلِّ مَا فَوْقَهُ (3).

وَعَلَيْهِ؛ فَيَجِبُ أنْ تَكُونَ الصِّفَةُ الأُولَى لِلبَاحِثِ الحَقِّ فِى كِتَابِ اللهِ هِىَ أنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا: بِاللهِ تَعَالَى كَمَصْدَرٍ لِلوُجُودِ بِمَا فِيِهِ. وَ: بِمَلاَئِكَتِهِ، وَاسِطَةُ نُزُولِ الكِتَابِ. وَ: بِكِتَابِهِ المُنَزَّلِ، مَوْضُوعِ البَحْثِ وَالدِّرَاسَةِ. وَ: بِرَسُولِهِ المُبِلِّغِ (لِتَكْتَمِلَ بِهِ الحَلْقَةَ)، وَذَلِكَ قَبْلَ أنْ يَبْدَأَ بَحْثَهُ (4)، لِيَضْمَنَ سَلاَمَةَ البِدَايَةِ، وَدَافِعَ البَدْءِ، وَالاسْتِمْرَارَ بِنَفْسِ القُوَّةِ إنْ لَمْ تَزِدْ، وَالقُدْرَةَ عَلَى الحَنْفِ وَاسْتِمْرَارِهَا، وَأَخِيِرًا؛ صِحَّةَ نَّتَائِجِ البَحْثِ، وَالالْتِزَامِ بِهَا إِيِمَانًا (قَنَاعَةً)، وَإِسْلاَمًا (سُلُوكًا).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ فَالسُّكُونُ مِنَ العَاقِلِ المُسْتَيْقِظِ الصَحِيِحِ هُوَ حَرَكَةٌ مَقْصُودَةٌ، تَنْسَجِمُ مَعَ مُقْتَضَيَاتِ الحَالِ المُحِيِطِ المَكْشُوفِ لَهُ.
2 ـ مَا بَيْنَ التَّطَابُقِ، وَالتَّقَاطُعِ، وَالاحْتُوَاءِ، وَالانْفِصَالِ.

3 ـ نَفْسُ المَفْهُومِ سَنَجِدُهُ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: “ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَهَاجَرُوا۟ وَجَـٰهَدُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَوا۟ وَّنَصَرُوٓا۟ أُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ حَقًّۭا ۚ لَّهُم مَّغْفِرَةٌۭ وَرِزْقٌۭ كَرِيمٌۭ ﴿٧٤﴾الأَنْفَال.

فَقَدْ كَانَ الإِيِمَانُ هُوَ الدَّافِعُ لِحَرَكَةِ صَاحِبِهِ، فَأَدَّى بِهِ لِلهِجْرَةِ وَالجِهَادِ (لاَ القِتَالِ هُنَا) فِى سَبِيِلِ اللهِ، وَجَعَلَ الشِّقِّ الأَخَرِ مِنَ المُؤْمِنِيِنَ يُؤُوا، وَيَنْصُرُوا إخْوَانَهُم الَّذِيَنَ هَاجَرُوا إلَيْهِم، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُم أنَّهُم وَمِثْلَهُم هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا، بَعْدَ أنْ أخَذَ إِيَمَانُهُم بِيَدِهِم إلَى الإِسْلاَمِ لِرَبِّ العَالَمِيِنَ. . . وَهَكَذَا.
4 ـ وَإنْ كَانَ ذَلِكَ لاَ يَمْنَعُ أنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَبْحَثُ دُونَ إِيِمَانٍ مِنْهُ، لاَ بِاللهِ وَلاَ بِكِتَابِهِ، وَلَكِنَّهُ لَنْ يَصِلَ أبَدًا لِمَا سَيَصِلُ لَهُ المُؤْمِنُ، كَمَا أنَّهُ لَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ قُدْرَةُ التَوَاصُلِ وَالمُوَاصَلَةِ، وُالمُثَابَرَةِ، وَمَا سَنَسْتَعْرِضَهُ هُنَا مِنْ صَِفَاتٍ تُؤَمِّنُ لِلبَحْثِ السَّلاَمَةَ، وَالدِّقْةَ، وَالمَوْضُوعِيَّةَ، وَالارْتِبَاطَ بَيِنَ جُزْئِيَّاتِ الأَبْحَاثِ بَعْضِهَا البَعْضُ.
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x