جَهْلُ سَمِيِر إِبْرَاهِيِم خَلِيِل حَسَن بِمَعَانِى الكَلاَمِ 9 / الفِعْلُ: يَرَى

 

يَقُولُ سَمِيِر عَنْ الفِعْل: “يَرَى”، بِكِتَابِهِ “منهاج العلوم” تَحْتَ عُنْوَانِ: “فقه ٱلدليل/ لَبسُ ٱلدليل“، وَبِمَقَالاَتِ: “القرءان وَالسلفى“، و: “لبس الدليل“:

ٱلفعليرى” يجرى فى ٱلقلب وهو من أفعاله وليس من أفعال ٱلعين“.

.

فَأَنْكَرَ سَمِيِر أَنْ يَكُونَ لِلرُّؤْيَةِ شَأنًا بِالعَيْنِ. وَقَدْ يَقُولُ سَمِيِر بِأَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ ءَايَةً بِعَيْنِهَا، وَلَكِنَّنَا نَجِدُهُ يَقُولُ بِذَلِكَ عَلَى العُمُومِ، فِى كِتَابِهِ سَابِقِ الذِّكْرِ تَحْتَ عُنْوَانِ: “ٱلملِّوتُ ءَالِفبيت“، وَفِى مَقَالٍ لَهُ تَحْتَ عُنْوَانِ: ” ٱلتحريف وأثره على ٱلإدراك“:

و”رأى” هو ٱلأخر من أفعال ٱلقلب. وما يرـٰه ٱلقلب ٱسمه “رؤيا”. ويحدث هٰذا ٱلفعل إذا كان ٱلإنسان ناۤئمًا وفى وقت يقظته عندما يكون مغلق ٱلحواس مع ٱلخارج.

وَقَدْ بَرَّرَ اتِّجَاهَهُ ذَلِكَ بِهَوْدِهِ لِخَطِّ سَلَفِهِ اليَهُودِ؛ فَقَالَ:

ولهٰذا ٱلفعل (رأى) عدد من ٱلخطوط فى ٱلقرءان:

“رءا” إذا كان ٱلقلب ينظر ويرى ما تبصره ٱلعين مباشرة. ويدلنا خطُّ ٱلكلمة على ذٰلك. فٱلرأس “ر” يوتده وتد مثانى “ء” على ثور “ا” يثير بصر ٱلعين فينقل صورة إلى داخل ٱلرأس وفيه ٱلقلب ٱلذى يتلقى ٱلصورة فينظر فيها“.

.

وَهُوَ كَلاَمٌ سَطْحِىٌّ، غَيْرُ مُتَعَمِّقٍ. فَالفِعْلُ: “يَرَى” مِنَ الـ: “رَ أ ى”، وَأَصْلُهُ مِنَ النُّورِ، الَّذِى يُجْلِىَ الأَشْيَآءَ، فَتَرَاهُ العَيْنُ، وَنُورِ العِلْمِ وَالمَعْرِفَةِ الَّذِى يُجْلِى الفِكْرَ فَيَرَاهُ القَلْبُ، وَمِنْهُ:

أَرِنِي/ يَرَ/ يَرَى/ يَرَوْا/ تَرَ/ تَرَى/ نَرَى/ نُرِىَ/ نُرِىٓ/يَرَوْنَ/ يَرَوْنَهُم/ تَرَوْنَهُمْ/ رَءَا/ رَءَآ/ رَأَىٰٓ/ رَأَوُاْ/ تَرَى/ رَأَيْت/ رَأَيْتُمُوه/ يُرِيهِمُ/ يُرِيكُمُ/ يُرِيكُمُوهُمْ/ سَيُرِيكُمْ/ أَرِنَا/ أَرَىٰنِىٓ/ أَرَىٰكَ/ أَرَىٰكُم/ أَرَىٰكَهُمْ/ لِيُرِيَهُ/ أَرَءَيْتَ/ أَرَءَيْتُمْ/ أَرَءَيْتَكُمْ/ لِيُرِيَهُمَا/ يَرَىٰكُمْ/ نَرَىٰكَ/ تَرَىٰنِى/ يُرِيكَهُمُ/ أَرَىٰكَهُمْ/ تَرَآءَتِ/ تَرَوْهَا/ يَرَاكُم/ نُرِيَنَّك/

وَغَيْرَ ذَلِكَ مِن مُشْتَقَّاتِ الكَلِمَةِ. وَتَأتِى الرُّؤْيَةُ فِيِهَا كَثِيِرًا لِلعَيْنِ وَتَتَعَدَّى لِلقَلْبِ، وَالفِعْلُ “يَرَى” يَأَتِى كَفِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ العَيْنِ ابْتِدَاءً، وَلَيْسَ خَاصًّا بِالقَلْبِ كَمَا زَعَمَ سَمِيِر. وَكَأَنِّى بِهِ لَمْ يُدْرَكَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى بِذَلِكَ، وَهُوَ كَثِيِرٌ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:

فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ رَءَا كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَـٰذَا رَبِّى ۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلْءَافِلِينَ ﴿٧٦﴾الأَنْعَام.

فَالرُّؤْيَةُ هُنَا لِلكَوْكَبِ كَانَت بِالعَيْنِ، وَسَاَعَدَتْهَا عَلَى الرُّؤْيَةِ جُنَّةُ الَّيْلِ. وَكُلُّنَا نَرَى الكَوَاكِبَ بِأَعْيُنِنَا، ونَتَعَدَّى البَصَرَ بِالتَّأَمُّلِ. وَلَوْلاَ العَيْنُ لَمَا رُؤِىَ القَمَرُ.

كَذَلِكَ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَهَا:

فَلَمَّا رَءَا ٱلْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـٰذَا رَبِّى ۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبِّى لَأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّآلِّينَ ﴿٧٧﴾الأَنْعَام.

نَجِدُ أَنَّ الرُّؤْيَةَ هُنَا كَانَت بِالعَيْنِ أَيْضًا، وَارْتَبَطَت بِالبُزُوغِ، وَانْتَهَت بِالأُفُولِ، وَكُلُّهُ مُتَعَلَّقُ الرُّؤْيَةِ العَيْنِيَّةِ ابْتِدَاءً.

وَكَذَلِكَ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَهَا:

فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّى هَـٰذَآ أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يَـٰقَوْمِ إِنِّى بَرِىٓءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴿٧٨﴾الأَنْعَام.

كَذَلِكَ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ هُودٍ وَاصِفًا رُؤْيَةِ إِبْرَاهِيِم عَلَيْهِ السَّلاَمِ بِعَيْنَيْهِ لأَيْدِى المَلاَئِكَةِ، وَهِىَ لاَ تَصِلُ إِلَى العِجْلِ لِتَأخُذَ مِنْهُ:

فَلَمَّا رَءَآ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍۢ ﴿٧٠﴾هُود.

كَذَلِكَ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَهَا عَنْ مَشْهَدٍ مِنْ مَشَاهِدِ يَوْمِ القِيَامَةِ:

وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍۢ مُّقَرَّنِينَ فِى ٱلْأَصْفَادِ ﴿٤٩﴾إِبْرَاهِيِم.

وَفِى قَوْلِهِ عَنِ الفُلْكِ وَهِى تُرَى بِالعَيْنِ تَمْخَرُ فِى البَحْرِ:

وَهُوَ ٱلَّذِى سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِۦ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿١٤﴾” النَّحْل.

وَفِى قَوْلِهِ عَنِ رُؤْيَةِ الشَّاهِدِ مِنْ أَهْلِ امْرَأَةِ العَزِيِزِ بِعَيْنَيْهِ لِقَمِيِصِ يُوسُف:

فَلَمَّا رَءَا قَمِيصَهُۥ قُدَّ مِن دُبُرٍۢ قَالَ إِنَّهُۥ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴿٢٨﴾يُوسُف.

وَفِى قَوْلِهِ عَنِ رُؤْيَةِ المُشْرِكِيِنَ بِأَعْيُنِهِم لِشُرَكَائِهِم الَّذِيِنَ كَانُوا يَدْعُونَهُم:

وَإِذَا رَءَا ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَآءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَـٰٓؤُلَآءِ شُرَكَآؤُنَا ٱلَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِن دُونِكَ ۖ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ ٱلْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَـٰذِبُونَ ﴿٨٦﴾النَّحْل.

وَفِى قَوْلِهِ عَنِ رُؤْيَةِ المُجْرِمِيِنَ لِلنَّارِ بِأَعْيُنِهِم:

وَرَءَا ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوٓا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا ﴿٥٣﴾الكَهْف.

وَفِى قَوْلِهِ عَنِ رُؤْيَةِ مُوسَى بِعَيْنَيْهِ لِلنَّارِ بِالوَادِى:

وَهَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ مُوسَىٰٓ ﴿٩﴾ إِذْ رَءَا نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ ٱمْكُثُوٓا إِنِّىٓ ءَانَسْتُ نَارًا لَّعَلِّىٓ ءَاتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًى ﴿١٠﴾طَه.

وَفِى قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ رُؤْيَةِ سُلَيْمَانَ بِعَيْنَيْهِ لِلعَرْشِ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ:

قَالَ ٱلَّذِى عِندَهُۥ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُۥ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِىٓ ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ…﴿٤٠﴾النَّمْل.

وَفِى قَوْلِهِ تَعَالَى عَنِ الرِّيِحِ الَّتِى عُذِّبَ بِهَا قَوْمَ عَادٍ:

فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا ۚ بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِۦ ۖ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿٢٤﴾ تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰٓ إِلَّا مَسَـٰكِنُهُمْ ۚ كَذَ‌ٰلِكَ نَجْزِى ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴿٢٥﴾الأَحْقَاف.

نَجِدُ أَنَّ مَسَاكِنَهُم بَقِيَت بِحَيْثُ تُرَى بِالعَيْنِ، عِبْرَةً لِمَنْ يَرَى فَيَفْقَهَ.

وَفِى قَوْلِهِ تَعَالَى عَنِ الكِسْفِ يَسْقُطُ مِنَ السَّمَآءِ:

وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ ﴿٤٤﴾الطُّور.

وَكَذَلِكَ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى عَنِ خُرُوجِ يُوسُفَ عَلَى النِّسْوَةِ فَرَأَيْنَهُ بِأَعْيُنِهِنَّ، فَأَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ:

فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَـًٔا وَءَاتَتْ كُلَّ وَ‌ٰحِدَةٍۢ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ ٱخْرُجْ عَلَيْهِنَّ ۖ فَلَمَّا رَأَيْنَهُۥٓ أَكْبَرْنَهُۥ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَـٰشَ لِلَّهِ مَا هَـٰذَا بَشَرًا إِنْ هَـٰذَآ إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴿٣١﴾يُوسُف.

وَكَذَلِكَ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى عَنِ الرُّؤْيَةِ رَأَىَ العَيْنِ:

قَدْ كَانَ لَكُمْ ءَايَةٌۭ فِى فِئَتَيْنِ ٱلْتَقَتَا ۖ فِئَةٌۭ تُقَـٰتِلُ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌۭ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْىَ ٱلْعَيْنِ ۚ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِۦ مَن يَشَآءُ ۗ إِنَّ فِى ذَ‌ٰلِكَ لَعِبْرَةًۭ لِّأُو۟لِى ٱلْأَبْصَـٰرِ ﴿١٣﴾ءَالَ عِمْرَان.

.

وَالأَيَاتُ غَيْرَ ذَلِكَ كَثِيِرَةً، وَكُلُّهَا تُسَاهِمُ فِى تَرْسِيِخِ مَعْنَى الفِعْلِ “يَرَى”، عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ العَيْنِ ابْتِدَآءً، كَمَا هُوَ مِنْ أَفْعَالِ القَلْبِ. فَالعَيْنُ تَرَى وَتَشْتَرِكُ مَعَ القَلْبِ، وَالقَلْبُ مِثْلُهَا يَرَى هُوَ الأَخَرُ، كُلٌّ بِحَسَبِ خِلْقَتِهِ؛ فَالعَيْنُ تَرَى الصُّوَرَ، وَالقَلْبُ يَرَىَ الحُكْمَ عَلَيْهَا.

.

وَلِعَلَّ هَذَا كَاشِفٌ، وَنُفَصِّلُ فِى الجُزْءُ القَادِمُ مِنَ المَقَالِ.

.

تَحَرَّرَ لَيْلِ يَوْم السَّبْت المُوَافِقُ 22/11/2014 سعت 8.02 م

التَّعْلِيِقَاتُ مَفْتُوحَةٌ فِى نِهَايَةِ المَوْضُوعِ

المَقَالُ السَابِق: لاَ يُوجَد

المَقَالُ التَّالِى: تَحْتَ الإِنْشَآءِ