شَحْرُور/ الكِتَابُ والقُرآن/ أخْطَاءٌ فِى عِلْمِ اللهِ 3

 

المِحْوَرُ الأَوَّل: اللهُ تَعَالَى فَوْقَ الزَّمَنِ.

.

1/1/1 ـ إِنَّ اللهَ هُوَ خالقُ الزَّمَن، فَكَيْفَ يَخْضَعُ لِشَيءٍ خَلَقَهُ؟

.

مِنَ المَسَلَّمَاتِ البَدِيهِيَّةِ، المَعْلُومَةِ لِجُلِّ النَّاسِ، أنَّ كُلَّ مَا عَدَا اللهِ تَعَالَي فَهُوَ مَخْلُوقٌ؛ وَعَلَيّهِ فَإنَّ بُعْدَ الزَّمَنِ مَخْلُوقٌ كَبُعْدِ المَكَانِ. وَلِلْتَقْرِيبِ؛ فَلَوْ دَارَت عَقَاربُ الزَّمَنِ إلَى الخَلْفِ، وَوَصَلْنَا إلي بدَايَةِ الكَوْنِ فَسَنَصِلُ إلي النُقْطَةِ “صِفر”، الَّتِى بَدَأ عِنْدَهَا خَلْقُ الكَوْنِ، وعِنْدَهَا سَيَتَلاَشَي زَمَنُ الكَوْنِ تَمَامًا مَعَ غِيَابِ الكَوْنِ نَفْسِهِ، كَمَا سَتَتَلاَشَي المَوْجُودَاتُ كُلُّهَا كَالأَرْضِ، وَالمَجَرّةِ، وَالسَمَاءِ، ..الخ، وَبَالتَالِي فَنَسْتطيعُ القَوْلَ بِأنَّ للزَّمَنِ عُمْرٌ (كَمَا هُوَ الحَالُ مَعَ المَكَانِ)، وَلَوْ قَدَّرْنَا أنَّ عُمْرَ الكَوْنِ الَّذِي نَعِيشُ فِيهِ هُوَ 15 مِليَار سَنَة (مَثَلاً)، فإنَّ ذَلِكَ يَعْنِي ـ أَيْضًا ـ أَنَّهُ هُوَ عُمر الزَّمَن. وَالسُؤَالُ الَّذِى يَفْرِضُ نَفْسَهُ هُنَا فِى مُوَاجَهَةِ المَقُولَةِ الفَاسِدَةِ بإعَاقَةِ الزَّمَن لِعِلْمِ اللهِ هُوَ:

إذَا كَانَ اللهُ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ الزَّمَنِ، فَكَيْفَ يَخْضَعُ لِشَيءٍ خَلَقَهُ؟ لاَ سِيَّمَا أنّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الأوَّلُ وَالسَابقُ عَلَى كُلِّ الخَلْقِ (هُوَ الْأَوَّلُ..(3) الحديد)!

ألَيْسَ مِنَ البَدِيِهِيِّ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ غَيْرُ مُتَقَيِّدٍ بالزَّمَنِ المَخْلُوق. وَيَكُونُ القَوْلُ بأنَّهُ سُبْحَانَهُ لاَ يَعْلَمُ مَا سَيَكُونُ مِن أَفْعَال العِبَادِ لِعَائِقِ الزَّمَن، هُوَ بالضَبطِ كَالقَول بأنَّهُ تَعَالَى خَاضِعٌ لمَخْلُوق مِن مَخْلُوقَاتِهِ؟!!!

.

2/2/1 ـ إِنَّ اللهَ حَتْمًا خَارجَ هَذَا الكَوْنِ:

.

فَالخَالِقُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مُرَاقَبَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ وَسَيْطَرَةٍ عَلَى كَوْنِهِ الَّذِى نُوجَدُ فِيهِ (فَضْلاً عَن مُلْكِهِ عُمُومًا)، وَهُوَ مَا يَسْتَلْزِمُ (تَصَوُّرًا) كَوْنُهُ خَارجَ هَذا الكَوْن، وَلَوْ كَانَ المُفْتَئِتُ يَرْجِعُ إلَى كِتَابِ اللهِ، وَيُرَتِّلُ ءَايَاتِهِ لَوَجَدَ قَوْلُهُ تَعَالَى:

إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا… (41)” فاطر.

فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أنَّ طَبِيعَةَ خَلْقِهِ لِهَذَا الكَوْنِ (المُؤَقَّتِ) قَائِمَةٌ عَلَى التَفَلُّتِ والزَوَالِ، وَيُقَابِلُ ذَلِكَ إمْسَاكٌ مِنْهُ لِهَذَا الكَوْنِ (المُتَفَلِّتِ الزَّائِلِ) حَتَّى يَبْقَى إلَى حِينٍ وَوَقْتٍ  قَدَّرَهُ لَهُ اللهُ تَعَالَى، وَهُوَ مَا صَدَّقَهُ العِلْمُ وَأَقَرَّ بِهِ (1).

فَإِمْسَاكُهُ سُبْحَانَهُ لِلسَمَاوَاتِ وَالأَرْض يُؤَكِّدُ تَبَايُنِهِ عَنْ خَلْقِهِ، وَأنَّهُ لاَ يَخْضَعُ لاَ لِلزَّمَانِ، وَلاَ لِلمَكَانِ. وَإمْكَانِيَّةُ زَوَالِ هَذَا الكَوْنِ، أدْعَى لِفَهْمِ أنَّ اللهَ تَعَالَى خَارجَ هَذَا الكَوْنِ، المُحْدَثِ، بَقَوَانِينِهِ الحَاكِمَةِ لَهُ، لاَ لِخَالِقِهِ.

.

3/3/1 ـ نِسْبِيَّةُ الزَّمَن لِلمَخْلُوقَاتِ لاَ الخَالِقِ:

التَعْريفُ البَسِيطُ لِلزَّمَنِ هُوَ أنَّهُ مَسْرَحُ الأحْدَاثِ كُلِّهَا، وَفِيهِ يَسْبَحُ المَكَانُ، وَالحَرَكَةُ، وَالتَفَاعُلاَتُ، وَالوَعْىُّ، وَالإدْرَاكُ . . الخ. وَالزَّمَنُ هُو بُعْدٌ مَعْنَوىٌّ فِيزْيَائِىٌ مَخْلُوقٌ كَبُعْدِ المَكَانِ، وَلاَ يَنْفَصِلُ عَنْهُ، وَفِيِهِ تُوجَدُ وَتَتَحَرَّكُ الأشْيَاءُ، وَبِدُونِهِ لَنْ يُوجَدَ شَيءٌ وَلاَ حَرَكَةٌ. وَلأَنَّهُ (بِعَكْسِ بُعْدِ المَكَانِ) ذُو اتِجَاهٍ وَاحِدٍ فَهُوَ المَسْؤُولُ عَن تَرْتِيبِ الأَحْدَاثِ (2).

هَذَا الزَّمَنُ لَيْسَ شَيْئًا وَاحِدًا، بِحَيْثُ يُظَنُّ أنَّهُ مُطْلَقٌ، وَثَابِتٌ فِى أرْجَاءِ الكَوْنِ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّدُ الزَّمَنُ بِحَسَبِ نِسْبِيَتِهِ (3)، فَمَا هُوَ حَاضِرٌ بِالنِسْبَةِ لَنَا، هُوَ مَاضٍ بِالنِسْبَةِ لِغَيْرِنَا، وَمَا هُوَ حَاضِرٌ لَنَا هُوَ مُسْتَقْبَلٌ لِغَيْرِنَا، وَمَاهُوَ يَومٌ عِنْدَ غَيْرِنَا هُوَ زَمَنٌ طَويلٌ بِالنِسْبَةِ لَنَا، وَمَاهُوَ يَومٌ عِنْدَنَا، هُوَ زَمَنٌ طَويلٌ بِالنِسْبَةِ لِغَيْرِنَا، وَلَوْ تَضَاعَفَت سُرْعَةُ دَوَرَان الأَرَض حَوْلَ نَفْسِهَا لَصَارَ اليَومُ 12 سَاعَةً، وَصَارَت السَنَةُ أكْثَرَ مِن 730 يَومًا، كَمَا أنَّ السَنَةَ فِى كَوْكَبِ عَطَارِد تُسَاوى اليَومَ فِيِهِ؛ حَيْثُ يَدُورُ حَوْلَ نَفْسِهِ بزَمَنِ دَوَرَانِهِ حَوْلَ الشَمْسِ، وَيَبْلُغَا 88 يَوْمًا مِن أيَّامِنَا، بَيْنَمَا تَبْلُغُ السَنَةَ فِى الكَوْكَبِ بُلُوتُو 238 سَنَةً مِن سَنَوَاتِنَا، وَلَوْ سَافَرَ أحَدٌ بِسُرْعَةِ الضَوْءِ، لَتَوَقَّفَ الزَّمَنُ عِنْدَهُ، وَلَوْ زَادَ عَن ذَلِكَ، لاسْتَشْرَفَ المُسْتَقْبَلَ أو المَاضِى. كَمَا أنَّهُ هُنَاكَ مَجَرَّاتٌ تَسِيرُ أسْرَعَ مِن سُرْعَةِ مَجَرَّتِنَا، بِفَرْقٍ شَاسِعٍ، حَتَّى صَارَت الهُوَّةُ سَحِيقَةً، وَصَارَت هَذِهِ المَجَرَّاتُ فِى المُسْتَقْبَلِ، وَصِرْنَا بِالنِسْبَةِ لَهَا فِى المَاضِى، وَفِى حُكْمِ الأَمْوَاتِ . . وَهَكَذَا.

فَالزَّمَنُ إذًا هُوَ أمْرٌ نِسْبِىٌّ مُتَغَيِّرٌ بِالنِسْبَةِ لِلمَخْلُوقاتِ، بَعْضُهَا البَعْضُ، وَبِالنِسْبَةِ إلَى أرْجَاءِ الكَوْنِ؛ فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَى ثَبَاتِهِ الظَاهِر (وَالخَادِعِ لِلبُسَطَاءِ) فِى مُحِيطِنَا، لِيُعَمَّمَ عَلَى الكَوْنِ بِرِمَّتِهِ، فَيَصِيرُ مُطْلَقًا فِى الكَوْنِ، فَضْلاً عَن مَدِّهِ لِلخَالقِ عَزَّ وَجَلَّ، بِحَيثُ يَصِيرُ حَائِلاً جَامِدًا؟

 . . سُبْحَانَك!!!

.

4/4/1 ـ لُزُومُ الزَّمَن لِلمَخْلُوقَاتِ لاَ لِلخَالِقِ:

.

أىُّ حَرَكَةٍ يَلْزَمُهَا زَمَن، وَبِالتَالِى فَنَسْتَطِيعُ القَوْلَ بِأَنَّ انْتِقَالَ أىّ شَيءٍ مَادِىٍّ أوْ مَعْنَوىٍّ يَسْتَلْزِمُ زَمَنًا لِلنَقلِ، وَلَوْ قُلْنَا (مَثَلاً) بِأَنَّ ضَوْءَ نَجْمٍ مَا سَيَنْتَقِلُ عَبرَ الفَضَاءِ، فَسَيَنْتَقِلُ أيضًا عَبْرَ الزَّمَن، وَلَوْ قُلنَا إِنَّ هَذَا الضَوءُ سَيَصِلُنَا خِلاَلَ عَشْر سَنَوَاتٍ ضَوْئِيَّةٍ، فَمِنَ المُمْكِنِ جِدًا أنْ يَكُونَ النَجْمُ قَدْ انْفَجَرَ، بَيْنَمَا ضَوءُهُ لاَ يزَالُ أمَامَهُ مَلاَيِين السَنَوَاتِ الَّتِى سَيَظَلُُ فِيهَا يَقْطَعُ الطَريقَ إلَيْنَا حَتَّى يَنْتَهِى، وَسَنَرَاهُ نَحْنُ عَلَى أنَّهُ مَوجُودٌ حَتَّىَ تَصِلُ صُورَةُ انفِجَارهِ، وَيَخْبُوَا ضَوْءُهُ. وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ أنْ نَقُولَ إِنَّ الزَّمَنَ هُوَ بُعْدٌ لاَزِمٌ لِهَذَا الكَوْنِ المَخْلُوقِ، بِحَيثُ لاَ يُمْكِنُ تَصَوُّر أىَّ شَيءٍ فِى هَذَا الكَونِ بِدُوُنِهِ، وَبِدُونِهِ فَسَيَتَوَقَّفُ كُلَّ شَيءٍ.

هَذَا الَّذِى قُلْنَاهُ مِن لُزُومِ الزَّمَنِ لِلحَرَكَةِ هُوَ بِالنِسْبَةِ إلَى المَخْلُوقِ، أمَّا بِالنِسْبَةِ إلَى اللهِ تَعَالَى فَنَجِدُ أنَّ بُعْدَ الزَّمَنِ مُنْعَدِمٌ، حَيْثُ يَقُولُ تَعَالَى:

“.. وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” الحديد (4).

وَلَوْ سَألْنَا المُفْتَئِتَ: هَلْ يَلْزَمُ زَمَنٌ، لِنَقْلِ الأحْدَاثِ، بِالصَوْتِ وَالصُورَةِ، مِن كَوْكَبِنَا إلَى كَوْكَبٍ ءَاخَرَ فِى مَجَرَّةٍ أخْرَى، لَقَالَ عَلَى الفَوْرِ: نَعَم.

وَلَوْ أتْبَعَنَا بِسُؤَالٍ تَالىٍ وَقُلْنَا: فَهَل تَنْتَقِلُ الأحْدَاثُ إلَى اللهِ بِغَيْرِ زَمَنٍ أم بِزَمَنٍ؟ أوْ بِصِيغَةٍ أُخْرَى: هَل يَعْلَمُ اللهُ الأحْدَاثَ لَحْظَةِ حُدُوثِهَا أمْ بَعْدَ زَمَنٍ طَالَ أَوْ قَصُرَ؟ وَلاَ يَسَعُ المُفْتَئِتُ إلاَّ القَوْلُ بِأنَّ اللهَ يَعْلَمُ الأحْدَاثَ لَحْظَةِ حُدُوثِهَا، فَنَقُولُ لَهُ: فَأينَ الزَّمَنَ هُنَا، وَكَيفَ عَلِمَ اللهُ سُبْحَانَهُ الأحْدَاثَ بِلاَ زَمَنِ انْتِقَالٍ؟ . . . عَجِيبَةٌ عُقُولُهُم!!

وَأخِيرًا: إذَا أنْتُم أقْرَرّتُم بِعَدَمِ حَاجَةِ اللهِ لِلزَّمَنِ لِلعِلْمِ بِالحَاضِرِ، وَلِسَمَاعِ النَّاس، وَرؤيَتِهِم، لإقْرَارِكُم ـ مَثَلاً ـ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: “.. إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى” طه (46)، فَلِمَ أوْجَدتُم هَذِهِ الحَاجَةِ لِلعِلْمِ بالمُسْتَقْبَلِ، مَا دَامَت قَوَانِينُكُم قَدْ كُسِرَت؟

ألَيْسَ هَذَا التَفْريقُ وَالتَقْسِيمُ مِن بَابِ الهَوَى (4)؟

إذًا فَمَعَ اللهِ تَعَالَى لاَ قَوَانِينَ فِيزْيَائِيَّةَ تُقَيِّدُهُ (وَحَاشَاهُ)، وَلاَ نِسْبِيَّةَ، وَلاَ زَمَنَ يَلْزَم لِنَقْلِ الوَاقِع إليْهِ.

.

5/5/1 ـ تَفَاعُل اللهِ تَعَالَى مَعَ عِبَادِهِ:

.

عَرِفْنَا مِنَ الفَصْلِ الأَوَّلِ أنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ تَرَكَ جُزْءًا مِنَ الأَمْرِ لِتَفَاعُلِ النَّاس مَعَ رِسَالاَتِهِ، وَتَوَجُّهِهِم إلَيْهِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِى يُجِيبُ المُضْطَّرَ إذَا دَعَاهُ، وَيَكْشِفُ السُّوءَ:

أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (62)” النمل.

قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ (64)” الأنعام (5).

وَلَوْ قُلْنَا بِلِزُومِ بُعْدِ الزَّمَنِ فِى هَذِهِ العِلاَقَةِ لَفَسَدَت يَقِينًا، فَكَم مِنَ الزَّمَن يَلْزَم لِكَىّ يَنْتَقِلُ الدُّعَاءُ مِن كَوْكَبِنَا إلّى أن يَخْرُجَ مِن المَجَرَّةِ فالكَوْنِ، حَتَّى يَصِلُ إلَى اللهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ، القَائِلُ:

تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)” المعارج.

وَحَتَّى بِفَرْضِ فَوْرِيَّةِ الإجَابَةِ، فَإِنَّ زَمَنَ صُعُودِ الدُعَاء كَافٍ وَحْدَهُ لإِفْسَادِ فَوْرِيَّةِ الإِجَابَةِ، وَبِالتَالِى فَلَن تَكَونَ هُنَاكَ إجَابَةً لِلمُضْطَّر، وَهُوَ بِعَكْسِ مَا قَالَهُ اللهُ تَعَالَى. وَبِالتَالِى فَإِنَّهُ يَلْزَمُ لِتَحَقُّقَ إجَابَةِ المُضْطَّر، وَإنْجَاءِ مَن بالسَفِينَةِ . . الخ، هُوَ أنْ يَتَلاَشَى بُعْدُ الزَّمَن. وَهُوَ بِعَكْسِ مَا يُرَوِّجُ لَهُ الجَهَلَةُ بِاللهِ وَبِكِتَابِهِ الكَرِيمِ كَمَا رَأينَا هُنَا، وَمَا سَنَرَاهُ بِكَثَافَةٍ فِيمَا هُوَ ءَاتٍ.

.

6/6/1 ـ إِنَّ اللهَ هُوَ خالقُ المَكَان، وَلَمْ يَمْنَعُهُ عَن شَيءٍ مِن مُلْكِهِ:

.

فَالمَكَانُ يُشَكِّلُ بُعْدًا كَبُعْدِ الزَّمَن، فَأَنْتَ إِذَا مَا ذَهَبْتَ مَثَلاً إلَى عَمَلِكَ فَأَنْتَ تَسِيرُ فِى بُعْدَينِ أسَاسِيِّيَنِ، أحَدُهُمَا هُوَ المَكَان، وَالأَخرُ هُوَ الزَّمَن، وَبِغَيْر اجْتِيَازِهِمَا فَلَن تَصِلَ إلَى عَمَلِكَ، وَيُعْتَبَرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَائقٌ عَن الوُصُولِ إلاَّ بِاجْتِيَازِهِ. فَوَسِيلَةُ الانْتِقَال يَلزَمُهَا حَرَكَة، لِلتَخَلّصِ مِن عَائِق المَكَانِ الفَاصِل، وَالحَرَكَةُ يَلْزَمُهَا زَمَن. وَنَحْنُ إذَا مَا نَظَرنَا إلىَ بُعْدِ المَكَان لاَ نَجِدُهُ يُشَكِّلُ أى عَائِقٍ للهِ تَعَالَى القَائِلِ:

وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218)” الشعراء.

قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)” المُجَادِلَة.

وَلَوْ سَألْنَا المُفْتَئِتَ: هَلْ يُشَكِّلُ المَكَانُ وَالمَسَافَاتُ (عُمُومًا) عَائِقًا لِلسَمْعِ والرُؤْيَةِ، لَقَالَ عَلَى الفَوْرِ: نَعَم. وَلَوْ تَابَعْنَا وَقُلْنَا: فَهَل شَكَّلَ المَكَانُ وَالمَسَافَاتُ عَائِقًا للهِ تَعالَى فِى الأَيَاتِ الَّتِى ذَكَرْنَاهَا؟ فَلَنْ يَسَعَ المُفْتَئِتُ إلاَّ القَوْلَ بِلاَ، وَهُنَا نَسْأَلُهُ وَنَقُولُ: فَلِمَاذَا سَوَّيتَ بَينَ الخَالِقِ وَالمَخْلُوقِ فِى بُعْدِ الزَّمَن فَجَعَلْتَهُ عَائِقًا للهِ، وَفَرَّقْتَ هُنَا فَجَعَلْتَ المَكَانَ غَيْرَ عَائِقٍ؟ . . عَجِيبَةٌ عُقُولُهُم!

فَاللهُ تَعَالَى إذًا يَرَى، وَيَسْمَعُ كُلَّ مَكَانٍ فِى مُلكِهِ مَعًا، بِلاَ بُعْدٍ زَمَنِىٍّ، بَلْ وَتَجَلَّى سُبْحَانَهُ لِلجَبَل عَلَى الفَور أثْنَاء كَلاَمِهِ تَعَالَى لِمُوسى:

وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)” الأعراف.

وَوَاضِحٌ أنَّ المَكَانَ لاَ يُشَكِّلُ أىّ عَائِقٍ للهِ تَعَالى، لِيَتَنَاولَهُ، أو يَجْتَازَهُ مِثل المَخْلُوقَاتِ مَهْمَا كَانت سُرْعَتُهَا.

.

7/7/1 ـ إِنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ عَن المُسْتَقْبَل بِصِيغَةِ المَاضِى:

.

فَنَظَرًا لأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ لا يُقَيِّدُهُ الزَّمَن فَهُوَ يَتَكَلَّمُ عَن الأحداثِ المستقبليةِ بصِيغَةِ المَاضِي، وَلنُرَاجِعَ بَعْضَ ذَلِكَ:

فَلَفْظُ “ءَاتَى” (كَمِثَالٍ) المُفْتَرَضُ أنْ يُعَبِّرُ عَن المَاضِى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَآ آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ.. (54)” النساء.

وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ.. (180)” ءال عمران.

وَهَكَذَا يَفْعَلُ النَّاسُ فِى اسْتِخْدَامِهِم لِلَّفْظِ فِى كَلاَمِهِم. ولَكِنَّنَا سَنَجِدُ أنَّ اللهَ تَعَالَى يَسْتَخْدِمُهُ فِيمَا لَم يَحْدُث بَعد، مَا يَدُلُّ عَلَى أنَّ المُسْتَقْبَلَ هُوَ وَالمَاضِى عِنْدَ اللهِ سِيَّان، وَيَسْتَويَان، لِعِلمِهِ بِكِلَيْهِمَا، وَلِتَحَقُّق حُدُوثهمَا، وَلنُرَاجِع:

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) ءَاخِذِينَ مَا ءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ .. (16)” الذاريات.

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا ءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ .. (18)” الطور.

لَمْ يَقُلْ اللهُ تَعَالَى (مَثَلاً): إنَّ المُتَّقِينَ سَيكُونُونَ فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَسَيَأخُذُونَ مَا سَيُؤتِيهِم رَبُّهُم. وَأيضًا كقولهِ تعالى:

أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)” النحل.

لَمْ يَقُلْ اللهُ تَعَالَى (مَثَلاً): سَيَأتِى أمْرُ اللهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوه، بَل هُوَ مُنْقَضٍ عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ، فَقَدْ ءَاتَى، أمَّا بالنِسْبَةِ لِلنَّاسِ، فَهُوَ فِى الطَريقِ إلَيهِم، . . وَهَكّذَا. نَفْسُ الشَيْءِ نَجِدُهُ فِى أحْدَاثِ يَومِ القِيَامَةِ إذ يَتَنَاولُهَا اللهُ بِصِيغَةِ المَاضِى، كَقَولِهِ: “وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ“، “وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ..“، وَهَكَذَا دُونَ دَاعٍ لِلإطَالَةِ.

وَأَكْتَفِى بِهَذِهِ النِقَاطُ السَبْع، وَتَرَكْتُ الكَثِيرَ فِى هَذَا البَابِ، مِمَّا يَمُرُّ عَلَى الكَثِيرينَ مُرُورَ الكِرَامِ، وَهُوَ يَحْمِلُ فِى طَيَّاتِهِ الكَثِيرُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى مَثَلاً: ” يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ”، بَدَلاً مِن: “سَيَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ”، . . وَهَكَذَا.

.

والخُلاَصَةُ:

أنَّ مَا سَرَدْنَاهُ فِى هَذِهِ النِقَاطِ السَبْعَةِ الخَاصَّةِ بِبُعْدِ الزَّمِن، هًوَ أنَّ فِكْر مَنْ نَسَبَ نَفْسَهُ لِلفِكْر المُعَاصِر (كَشَحْرُور)، أوْ مِنَ القُدَامَى كَاليَهُود كَانَ فِكْرًا سَطْحِيًّا لِلغَايِةِ، وَبَعِيدًا عَن: نُصُوصِ كِتَابِ اللهِ، وَعَن فَهْم الكَوْنِ، وَعَن فَهْمِ الزَّمَنِ، وَعَن فَهْمِ الفَارِقِ بَيْنَ المَخْلُوقِ والخَالِقِ، وَالأهَمُّ هُوَ جَهْلُهُم بِاللهِ تَعَالَى؛ حَتَّى أنَّهُم ـ كَمَا رَأَينَا ـ:

● اعْتَبَرُوا أنَّ الزَّمَنَ قَيدٌ عَلَى عِلْمِ اللهِ بِمَا سَيَحْدُثُ، حَتَّى يَحْدُث.

● أنَّهُم قَاسُوا حَالَ اللهِ عَلَى حَالِهِم، وَألْزَمُوا اللهَ بِدَينُونَتِهِم، وَمَحْدُوُدِيَّتِهِم.

● أنَّهُم لَم يَجُعَلُوا اللهَ سُبْحَانَهُ مَرْجِعًا لَهُم فِى أمْرٍ خَطِيِرٍ مِثْلَ ذَلِكَ الأَمْرُ.

● أنَّهُم تَجَاهَلُوا، أنَّ اللهَ هُوَ خَالِقُ الزَّمَن، فَلاَ يَصِحُّ مُجَرَّدِ التَفْكِير فِى أنَّ مَخْلُوقًا مَا، أصْبَحَ قَيْدًا عَلَى الخَالِقِ، وَحَاشَاهُ.

● أنَّهُم جَهَلُوا أوْ تَجَاهَلُوا تَغَيّر الزَّمَنِ فَجَعَلُوهُ مُطْلَقًا.

● أنَّهُم جَهِلُوا أنَّ لُزُومَ الزَّمَنِ، هُوَ خَاصٌّ بِفِيزْيَاءِ الكَونِ المَخْلُوقِ، بِمَن فِيهِ مِن مَخْلُوقَاتٍ، لاَ بِالخَالِقِ.

● أنَّهُم تَجَاهَلُوا مَسْألَةَ إِمْسَاكِ اللهِ بِكَوْنِهِ، وَأنَّ المُمْسِكَ بالكَوْنِ لاَبُدَّ وَأنْ يَكُونَ خَارِجَهُ، وَبِالتَالِى خَارِجَ قَوَانِينَهُ.

● أنَّهُم جَهِلُوا مَسْأَلَةَ تَفَاعُلَ اللهِ تَعَالَى مَعَ خَلْقِهِ فِى اللاَزَمَنِ.

● أنَّهُم فَرَّقُوا بَيْنَ الزَّمَان، وَالمَكَانِ، بِغَيْرِ أىّ حُجَّةٍ.

● أنَّهُم أخِيرًا قَدْ تَجَاهَلُوا مَسْألَةَ كَلاَمِ اللهِ بِصِيَغِ المَاضِى، لِمَا لَمْ يَأتِ بَعْدُ؛ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِوَاءِ الأَزْمِنَةِ بِالنِسْبَةِ لَهُ تَعَالَى.

 


1ـ وَمَا نَصَّ عَلَيِّهِ القُرْءَان هُنَا ذَكَرَهُ الفِيزْيَائِي الشَهير “بُول دِيفِس”؛ فَقَالَ بأَنَّ وُجُودَ خَالِق لِلكَوْنِ يَتَطَلَّبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الخَالِق خَارجَ الزَّمَان وَالمَكَانِ، وَقَالَ أيْضًا:

“إن هذا يتطلب أيضًا أن يكون هذا الخالق ممسكًا بالكون في كل لحظة ليبقيه في حيز الوجود”.

وَرَاجِع (تَفَضُلاً) بَحْث “الزمان والنسبية . . دلالات وتأملات” لِلدُكْتُور/ عدنان محمد فقيه عَلَى مَوْقِع رابطة العالم الإسلامي/ الهيئة العالمية للإعجاز العلمي: http://www.eajaz.org قَارن ذَلِكَ بقَوْلِهِ تَعَالَى: ” إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا..” تَجِد أنَّ العِلْمَ قَدْ انتَهَى إلَى مَا قَرَّرَهُ الحَقُّ تَعَالَى بكِتَابهِ الكَريم.

أيْضًا فَإنَّهُ سَيَأَتِي يَوْمٌ يَتَحَلَّلُ فِيهِ النِظَامُ الكَوْنِيُّ؛ فَلاَ سَمَاءٌ فِيهِ وَلاَ أرْضٌ، وَلاَ زَمَانٌ وَلاَ مَكَانٌ، وَلاَ لَيْلٌ وَلاَ نَهَارٌ، فَكَيْفَ سَيَكُونُ هَذَا الزَّمَانُ وَقَدْ كُوِّرَتُ الشَمْسُ، وَانكَدَرَتُ النُجُومُ، وَانْتَثَرَتُ الكَوَاكِبُ، وَنُسِفَتُ الجِبَالُ، وَانْشَقَّتُ السَمَاءُ وَانْفَطَرَتُ وَكُشِطَتُ، ..الخ:

إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ (11)” التكوير. ” إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ (2) وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ (3)” الانفطار.

فَأَمَّا كَوْنُهُ مَعْنَوىٌّ فَلأَنَّهُ يُعْقَلُ، وَأَمَّا كَوْنُهُ فِيزْيَائِىٌ فَلأَنَّه لَهُ عِلاَقَةٌ مُبَاشِرَةٌ بِالحَرَكَةِ، سَوَاءٌ بِحَرَكَةِ الأشْيَاءِ مِن حَوْلِنَا، أوْ بِحَرَكَةِ الأَرْضِ حَوْلَ نَفْسِهَا، وَحَوْلَ الشَمْسِ، مَا يَنْتُج عَنْهُ تَعَاقُبَ الَّيلِ وَالنَّهَارِ، فَالأَيَّامِ والسِنِين. وَأَمَّا كَوْنُهُ مَسْرَحًا لِلأَحْدَاثِ فَلأَنَّ كُلَّ الأشْيَاءَ تَحْدُثُ فِيِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ ذُو اتِجَاهٍ وَاحِدٍ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ (ظَاهِرًا) ثَلاَثَةُ أحْوَالٍ، وَهُم المَاضِى، والحَاضِرِ، وَالمُسْتَقْبَلِ.

فَطِبقًا لِنَظَريَّةِ النِسْبِيَةِ الخَاصَّةِ فَإنَّ قِيَاسَاتِنَا لِلأَحْدَاثِ الَّتِي تَقَعُ فِيهِ فَهِيَ دَائِمًا نِسْبيَةً، حَيثُ لاَ يُوجَدُ حَدَثَان مُتَزَامِنَان مَا دَامَ يَفْصِلُ بَيْنِهِمَا مَسَافَةً. فَمَا يَحْدُثُ “الأَنَ” بالنِسْبَةِ لِـ: “س” يَحْدُثُ “بَعْدَ” أَوْ “قَبْلَ” بالنِسْبَةِ لِغَيْرهِ. وَإِذَا قُلْنَا إنَّ سُرْعَةَ سَيَّارَةٍ هِيَ 60 كم/سَاعَة فَإِنَّ ذَلِكَ يَعْنِي سُرْعَتَهَا بالنِسْبَةِ لِلأَرضِ (المُتَحَرِّكَةِ هِيَ أيْضًا) وَإذَا قُلْنَا إنَّ سُرْعَةَ الأَرْض هِيَ 29كم/ثانِيَةٍ فَإنَّنَا نَعْنِي سُرْعَتَهَا بالنِسْبَةِ لِلشَمْس (المُتَحَرِّكَةِ هِيَ أيضًا) وَهَكَذَا بالنِسْبَةِ لِلشَمْس وَلأي جسْم ءَاخَر فِي هَذَا الكَوْن، مِمَّا يَعْنِي أَنَّهُ إذا كَانَ هُنَاكَ مَرْجِعٌ مُطْلَقٌ فَلاَ بُدَّ أَنْ نَبْحَثَ عَنْهُ خَارج الكَوْن وَلَيْسَ دَاخِلَهُ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ غِيَابُ المَرْجِعِيَّةِ المُطْلَقَةِ دَاخِل الكَوْن. فَإلغَاءُ مُطْلَقِيَّةِ الزَمَان وَالمَكَان يُفْرغُ هَذَا الكَوْن مِن أيّ مَرْجِعِيَّةٍ ذَاتِيَةٍ فِيهِ.

4ـ وَإنْ كُنتُ مُتَأكِّدًا مِن أنَّ شَحْرُورَ وَأقْرَانَهُ مِن القَائِلينَ بِهَذَا الهُرَاء لَمْ تَتَطَرَّقُ أذْهَانُهُم إلَى مِثْلِ هَذِهِ الدَقَائِقِ.

5ـ هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ” يونس (22).

1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
غالب غنيم
غالب غنيم
9 سنوات

الأخ الفاضل ايهاب،

علينا دوما ان ننظر بكل شمولية منذ بدء الخلق !
الخلق لم يبدأ بالسماوات والأرض بل كان موجودا من قبل بصورته البدائية التي اخبرنا الله تعالى عنها !
انكار هذا يدعو الى طرح اسألة كثيرة لم ولن نجد عليها اجوبة شافية من القرءان ابدا !
الا وهو اية عظيمة اخبرنا الله تعالى بها يريد ان نفقه ان المادة – اصل المادة – كان مخلوقا منذ الأزل – مما لا نستطيع علمه ولا حسابه ولا التقول به او البحث فيه وهو الماء !
قال العزيز العليم:

وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ‌ ٰتِ وَٱلْأَرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ وَكَانَ عَرْشُهُۥ عَلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًۭا ۗ وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِنۢ بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِنْ هَـٰذَآ إِلَّا سِحْرٌۭ مُّبِينٌۭ

فالله تعالى يخبرنا انه قبل الخلق كانت سلطته على كون من ماء !

وهذا تم اثباته من خلال هوكينز حتى لو ارتد بعدها لكنه اقر في كتاب له ان عملية الخلق تتكون من سلسلة واطوار من السلطة على ذرة الهيدروجين !
اذن نستخلص – من القرءان الكريم بدون اي اضافات بشرية اجتهاديه او استنباطيه – ان الماء كان موجودا منذ ازل لا نعرفه !

ووجود الماء لوحده بدون مرجعية له غيره يعني وجود زمن مطلق يقترب من الصفر !
حتى لو كان يقترب من الصفر – فهو موجود سيدي !
واتفق معك ان الله تعالى الخالق لا، بل ولا يجب ان يعوقه ما خلق من ازمان نسبية الى زمن الماء هذا بأن يكون عليما في كل ذرة في وقت الحدث !
ولهذا ينسب الله تعالى عدة ازمان الى زمننا ليدلنا انه كلما اقتربنا من نهاية الكون كلما اصبح الزمن اكثر طولا – كالمطاط – حتى يقترب من التلاشي ولكنه لن يتلاشى !

فحين يقول عن الف سنة مما نعد كان الحديث عن ” عند” اي لم نزل قرب السماء الدنيا !

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُۥ ۚ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍۢ مِّمَّا تَعُدُّونَ

يُدَبِّرُ ٱلْأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍۢ كَانَ مِقْدَارُهُۥٓ أَلْفَ سَنَةٍۢ مِّمَّا تَعُدُّونَ

بينما حين تغير الحديث عن الروح القدس التي هي اقرب الملأ الأعلى ” اليه” اصبح الزمن اكثر بطئا وطولا، واليه بالطبع لا تعني الوصول اليه بل الى درجة من الملا الاعلى القريبة لا نعلمها :

تَعْرُجُ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍۢ كَانَ مِقْدَارُهُۥ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍۢ

وهنا لم يحدد الله تعالى ماهية ال خمسين الف سنة كما حددها في الايات السابقة بل ابقاها مبهمة النسبية لانه – ظنا مني – لن نقدر على فقه واستيعاب قيمتها ان اعلن عنها والله اعلم !

بالطبع الأمر نسبي بحت، وكونه نسبي لا ينفي – منطقيا – وجوده استاذي :

إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُۥ بَعِيدًۭا ﴿٦﴾ وَنَرَىٰهُ “قَرِيبًۭا”

تحياتي

يُدَبِّرُ ٱلْأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍۢ كَانَ مِقْدَارُهُۥٓ أَلْفَ سَنَةٍۢ مِّمَّا تَعُدُّونَ