القَلْبُ

القَلْبُ مِنَ الأَصْلِ “قَ لْ ب”، وَمِنْهُ التَّقَلُّبُ، وَالانْقِلاَبُ، وَالقُلُوبُ، …الخ:

قَلَبُ/ قَلْبَيْن/ قُلُوبٌ/ قَلْبِى/ قَلْبُهُ/ قُلُوبُهُم/ قُلُوبُكُمَا/ قُلُوبُكُم/ قُلُوبِهِنَّ/ قُلُوبَنَا/ قَلْبِكَ/ تَقَلُّب/ قَلَّبُوا/ يَنْقَلِبُ/ انْقَلَبَ/ انْقَلَبُوا/ يَنْقَلِبُوا/ تَنْقَلِبُوا/ انْقَلَبْتُم/ تَقَلُّب/ تَقَلُّبَكَ/ يُقَلِّبُ/ تَتَقَلَّبُ/ تَقَلُّبِهِمْ/ نُقَلِّبُ/ نُقَلِّبُهُمْ/ تُقْلَبُون/ مُنْقَلَبٌ/ مُنقَلِبُونَ/ مُنْقَلَبًا/ مُتَقَلَّبَكُم/

.وَسُمِّىَ القَلْبُ بِالقَلْبِ مِنْ فِعْلِ التَّقَلُّبِ، فَهُوَ يَقُومُ بِتَحْلِيِلِ مَا حَوْلَهُ، وَالرَّبْطِ بَيْنَ المُتَغَايِرَاتِ، وَالعَنَاصِرِ؛ مَا يُؤَدِّى بِهِ إِلَى فَهْمٍ لِلأُمُورِ تِبَاعًا، وَبِدِقَّةٍ عَلَى التَّوالِى، مَا يَسْتَتْبِعُ تَغْيِيِرِ المَسَارَاتِ أَوَّلاً بِأَوَّلٍ، فَيَنْقَلِبُ اليَوْمَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ بِالأَمْسِ، وَيَتَقَلَّبُ بِصَاحِبِهِ فِى دُرُوبٍ شَتَّى بِحَسَبِ الأَحْوَالِ. وَبِمَا أنَّ الإنْسَانَ قَدْ نَزَلَ إلَى هَذِهِ الدُّنْيَا لِلابْتِلاَءِ، وَالاخْتِبَارِ، فَقَدْ كَانَ مِنَ الحِكْمَةِ أنْ يُجَهَّزَ عَلَى أتَمِّ وَجْهٍ، بِحَيْثُ يَسْتَطِيعَ أنْ يُؤَدِّىَ مَا نَزَلَ مِنْ أجْلِهِ (أيضًا عَلَى أَتَمِّ وَجْهٍ)، وَهَذَا مَا نَصَّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، فِى كِتَابِهِ العَزِيِزِ؛ فَقَالَ:

لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَـٰنَ فِىٓ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍۢ التِّيِن.

ثُمَّ إنَّ الإنْسَانَ قَدْ رُدَّ بَعْدَ خَلْقِهِ فِى أَحْسَنِ تَقْويِمٍ (وَلِيدًا) إلَى نُقْطَةِ الصِفْرِ (بِلاَ أىَّ ذَاكِرَةٍ مِمَّا سَبَق أوْ أىَّ مَنْهَجَ تَرَقِّى) لِيَبْدَأَ تَكْوِيِنَ قَاعِدَةِ بَيَانَاتِهِ الخَاصَّةِ بِهِ: ثُمَّ رَدَدْنَـٰهُ أَسْفَلَ سَـٰفِلِينَ. وَمِنْ هَذِهِ النُقْطَةِ يَبْدَأُ اخْتِيَارَ سَبِيِلِهِ بِحَسْبِ دَرَجَاتِ نُمُوِّهِ، وَسِنَى عُمُرِهِ، وَيُنَزِّلَ عَلَىَ قَلْبِهِ مَا يَشَاءُ مِنْ قَنَاعَاتٍ. فَإنْ أحْسَنَ؛ فَارْتَقَى، فَلِنَفْسِهِ:

إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍۢ ﴿٦﴾ التِّيِن.

وَإنْ ظَلَّ لاَ يُرَاوِحُ مَكَانَهُ، وَيُمَكِّنُ الأنْسَنَةَ مِنْهُ، فَأسَاءَ؛ فَعَلَيْهَا!

.وَقَدْ كَانَ عَلَى قِمَّةِ هَذِهِ التَجْهِيزَاتِ وَالنِّعَمِ الَّتِى أنْعَمَ اللهُ تَعَالَى بِهَا عَلَى الإنْسَانِ وَلَمْ يُنْعِمُ عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا؛ نِعْمَةُ القَلْبِ (1). فَبهِ يَتَفَكَّرُ، ويَتَذَكَّرُ. ويَرْتَقي، ويَنْتَقِي. ويُمَيّزُ، وَيَتَحَيَّزُ. وَيَخْتَارُ، ويَتَّخذُ القَرَارَ. ويُحَقِّقُ الخِلاَفَةَ، ويَحْمِلُ الأَمَانَةَ. وَيَتَأَمَّلُ فِي ءَالآءِ اللهِ، فَيُوَثِّقُ صِلَتَهُ باللهِ، وَلَوْلاَهُ لَكَانَ الإِنْسَانُ لاَ يَزَال عَاجِزًا عَنْ التَلَقِّي والتَرَقِّي، أَوْ التَعَقُّلِ وَالتَفَضُّلِِ، وَلَكَانَ مَعَ الوُحُوشِ يَسْفِكُ وَيَقْتُلُ.

وَإِذَا مَا تَحَدَّثَنَا عَنِ القَلْبِ فَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنِ:

1 ـ العَقْلُ (وحْدَةُ الحِسَابِ، وَالمَنْطِقِ)، وَهُوَ الجُزْءُ المُشْتَغِلُ بِالتَّفَكُّر، وَبِعَمَلِ تَحْلِيلٍ لِلمَادِّيَّاتِ وَالجُزْئِيَّاتِ، وَالوُصُولِ إِلَى الفَهْمِ مِنْ خِلاَلِ نَتَائِجِ هَذِهِ العَمَلِيَّاتِ، وَيَتَأَثَّرُ بِالهَوَى وَالمَزَاج.

“يَسْمَعُونَ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ ..”.

“أَفَلَمْ يَسِيرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌۭ يَعْقِلُونَ بِهَآ …﴿٤٦﴾” الحج.

2 ـ الذَّاكِرَةُ، وَهِى الوِحْدَةُ المَسْؤُولَةُ عَنْ إِمْدَادِ بَقِيَّةِ مُكَوِّنَاتِ القَلْبِ (عَدَا المُخِّ) بِمَا تَحْتَاجُهُ مِنْ خِبْرَاتٍ لِلبِنَآءِ عَلَيْهَا.

3 ـ المُخُّ، وَهُوَ الجُزْءُ المُشْتَغِلُ بِعَمَلِ وَوَظَائِفِ الأَعْضَاءِ (Physiology)، بَعِيدًا عَنْ تَحَكُّمِ الإِنْسَانِ، وَفِىِ نَوْمِهِ كَمَا فِى يَقَظَتِهِ.

4 ـ الفُؤَادُ (وحْدَةُ العَوَاطِفِ، وَالأَحَاسِيسِ)، المُشْتَغِلُ بالمَعْنَوِيَاتِ، وَالمَاوَرَائِيَّاتِ، وَمِيِتَافِيِزْيَآءِ المَحْسُوسِ.

5 ـ المُخَيَّلَةُ (وحْدَةُ التَخَيّلِ، وَالتَصَوُّرِ)، وَهِى الوِحْدَةُ المَسْؤُولَةُ عَنْ الوَهِمِ وَالخَيَالِ وَاخْتِرَاعِ غَيْرِ المَوْجُودِ ابْتِدَآءً.

نَسْتَطِيعُ أنْ نَقُولَ: إنَّ القَلْبَ هُوَ ـ فِي الحَقِيقَةِ ـ مَجْمُوعَةُ الأَعْضَآءِ الَّتِى تَعْكِسُ جَوْهَرَ الإِنْسَانِ، وَكُلُّ الأَعْضَآءِ الأُخْرَى هِيَ فِى خِدْمَتِهِ، إِمَّا بِالنَقْلِ، أَوْ بِالتَعْبِير. فَالقَلْبُ هُوَ العُضْوُّ المُدَبِّرُ، الفَاهِمُ، الوَاعِيُ، العَاقِلُ، الحَسَّاسُ، وَهُوَ المُهَيْمِنُ عَلَى الجَسَدِ كُلِّهِ، سَوَاءٌ فِى المُخْتَارِ مِنَ الأَفْعَالِ، أَوْ غَيْرِ المُخْتَارِ مِنْهَا، وَبَقِيَّةُ الأَعْضَاءِ مُلْحَقَةٌ بِهِ بِالتَبَعِيَّةِ.

وَمَحِلُّ القَلْبِ هُوَ الصَدْرُ، أَوْ الرَّأسُ. وَقَدْ جَاءَ القُرْءَانُ بِالكَثِيرِ مِنْ هَذِهِ الحَقَائِقِ، وَلَكِّنَ النَّاسَ غَفَلُوا عَنْهَا، لَمَّا هَجَرُوا القُرْءَانَ، لأَقْوَالِ البَشَرِ. وَقَدْ تَسَبَّبَ ذَلِكَ فِي تَشْوِيهِ حَقِيقَةِ القَلْبِ عِنْدَهُم، فَصَارَ القَلْبُ هُوَ ذَلِكَ العُضْوُ البَاطِنِيُّ، الصُنْبُوريُّ، القَابِعُ فِى تَجْويفِ القَفَصِ الصَدْريِِّ، وَالَّذِي يَقُومُ بِضَخِِّ الدَمِّ إِلَى جَمِيع أَجْزَاءِ الجَسَدِ، وَأَضْحَى الصَدرُ هُوَ ذَلِكَ القَفَصُ الصَدْريُ، الَّذِي يَتَمَوْقَعُ فِيهِ القَلْبُ المَضَخَّةُ.

والقَلْبُ لِسَانًا: هُوَ دَاخِلُ الشَيْءِ ولُبُّهُ.

جَآءَتُ النُّصُوصُ القُرْءَانِيَّةُ تُبَيِّنُ أنَّ القَلْبَ هُوَ الَّذِي يُفَكِّرُ، وَيَتَدَبَّرُ. وَيَنْسَى، وَيَتذكَّرُ. وَيَقْسُو، وَيَرْحَمُ. وَيَفْقَهُ، وَيَفْهَمُ. وَهُوَ الَّذِي يَخَافُ، ويطْمئّنُ، ويؤْمنُ ويكْفرُ، وهو الَّذي يزيغُ، ويغفلُ، ويتوبُ، ويخشعُ، ويكتمُ الشهادةَ، أو يُدلى بها، وهو الَّذي بِوُرُودِ المَعْلُومَاتِ يتقلَّبُ ويَتَغَيَّرُ. وَهُوَ الَّذِي يَرْتَابُ، وَيَشُكُّ، وَيَغْتَاظُ، وَيَتَحَسَّرُ، وَهُوَ الَّذِي يُزَيَّنُ إِلَيْهِ، وَيُخْتَمُ عَلَيْهِ فَلاَ يَفْقَهُ، وَهُوَ مَحَلُّ الوَحِيِّ، وَمَحَلُّ السَكِينَةِ، وَهُوَ المُهَيْمِنُ عَلَىَ الجَوَارحِ، فَكُلُّ مَا يَفْعَلُهُ الإِنْسَانُ هُوَ مِنْ كَسْبِهِ هُوَ (1). وَقَدْ جَآءَتْ النُّصُوصُ القُرْءَانِيَّةُ بِكُلِّ هَذِهِ الوَظَائِفِ لِبَيَانِ مِحْوَريَّتِهِ، وَلْنُطَالِعَ بَعْضَ ذَلِكَ:

الْقَلْبُ هُوَ الَّذِي يَفْقَهُ: “. . وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَقْرًۭا ۚ. . (25)” الأنعام.

“وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًۭا مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌۭ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا. . (179)” الأعراف.

وَهُوَ الَّذِي يَتَدَبَّرُ: “أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ ﴿٢٤﴾” محمد.

وَيَطْمَئِنُّ: “.. ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ ٱللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ ﴿٢٨﴾” الرعد.

“.. وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى ۖ..(260)” البقرة.

وَيَرْتَعِبُ: “.. وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ ۚ..(2)” الحشر.

“.. سَأُلْقِى فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ٱلرُّعْبَ..(12)” الأنفال.

وَهُوَ الَّذِي يَخْشَعُ: “۞ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ..(16)” الحديد.

وَيَزِيِغُ: “فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌۭ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنْهُ..(7)” ءال عمران.

وَيَهْتَدِي: “..وَمَن يُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُۥ ۚ..(11)” التغابن.

وَهُوَ الَّذِي يَكْتُمُ الشَّهَادَةَ: “..وَلَا تَكْتُمُوا۟ ٱلشَّهَـٰدَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٌۭ قَلْبُهُۥ ۗ..(283)” البقرة.

وَيُظهْرُ بِخِلَافِ مَا يُبْطِنُ: “..وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ (204)” البقرة.

“. . يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ ۚ. . (11)” الفتح.

وَيُنَافِقُ: “فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًۭا فِى قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُۥ..(77)” التَّوْبَة.

“يَحْذَرُ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌۭ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِى قُلُوبِهِمْ ۚ (64)” التَّوْبَة.

وَهُوَ الَّذِي يَتُوبُ وَيُنِيبُ: “مَّنْ خَشِىَ ٱلرَّحْمَـٰنَ بِٱلْغَيْبِ وَجَآءَ بِقَلْبٍۢ مُّنِيبٍ ﴿٣٣﴾” ق.

وَيَتَنَزَّلُ عَلَيْهِ الوَحْيَ: “نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلْأَمِينُ ﴿١٩٣﴾ عَلَىٰ قَلْبِكَ..” الشعراء.

“قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّۭا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ..(97)” البقرة.

وَهُوَ الَّذِي يَرْحَمُ وَيَرْأَفُ: “..وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةًۭ وَرَحْمَةًۭ..(27)” الحديد.

وَيَقْسُو وَيَغْلُظُ: “ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنۢ بَعْدِ ذَ‌الِكَ فَهِىَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةًۭ ۚ..(74)” البقرة.

“فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَـٰقَهُمْ لَعَنَّـٰهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَـٰسِيَةًۭ ۖ..(13)” المائدة.

وَهُوَ الَّذِي يَتَحَسَّرُ: “..لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذَ‌الِكَ حَسْرَةًۭ فِى قُلُوبِهِمْ ۗ..(156)” ءال عمران.

وَيَرْتَابُ: “..وَٱرْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ..(45)”.

“لَا يَزَالُ بُنْيَـٰنُهُمُ ٱلَّذِى بَنَوْا۟ رِيبَةًۭ فِى قُلُوبِهِمْ..(110)” التوبة.

وَيَسْكُنُ: “هُوَ ٱلَّذِىٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوٓا۟ إِيمَـٰنًۭا مَّعَ إِيمَـٰنِهِمْ ۗ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَـٰوَ‌اتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًۭا ﴿٤﴾” الفتح.

وَيَلِيِنُ: “..ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ۚ..(23)” الزمر.

وَهُوَ الَّذِي يَتَّقِي: “ذَ‌الِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَـٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ (32)” الحج.

وَيُطْبَعُ عَلَيْهِ فلا يؤمن: “..طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ..(16)” محمد.

“..كَذَ‌الِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍۢ جَبَّارٍۢ (35)” غافر.

“..وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌۢ ۚ بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ..(155)” النساء.

وَيُخْتَمُ عَلَيْهِ: “..فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ ۗ..(24)” الشورى.

“خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ..(7)” البقرة.

وَالقَلْبُ هُوَ صَاحِبُ القَرَارِ وَالأَسْرَارِ: “..يُرْضُونَكُم بِأَفْوَ‌اهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ (8)” التوبة.

وَهُوَ الَّذِي يَكْسَبُ الخَيْرَ وَالشَّرَّ: “..وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ..(225)” البقرة.

وَيُعَادِي وَيَألَفُ: “..إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءًۭ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَ‌انًۭا..(103)” ءال عمران.

وَيُخْطِيءُ وَيَتَعَمَّدُ: “..وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌۭ فِيمَآ أَخْطَأْتُم بِهِۦ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ..(5)” الأحزاب.

وَيُزَيَّنُ لَهُ: “..وَزُيِّنَ ذَ‌الِكَ فِى قُلُوبِكُمْ..(12)” الفتح.

“..وَزَيَّنَهُۥ فِى قُلُوبِكُمْ..(7)” الحجرات.

وَهُوَ الَّذِي يَشْمَئِزُّ: “وَإِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ ٱشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱلْءَاخِرَةِ ۖ..(45)” الزمر.

وَيَمْرَضُ: “..فَلَا تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ ٱلَّذِى فِى قَلْبِهِۦ مَرَضٌۭ..(32)” الأحزاب.

وَيَغْتَاظُ: “وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ۗ .. ﴿١٥﴾” التوبة.

حَتَّىَ أَنَّ النَّصَّ قَدْ جَآءَ بأنَّ القَلْبَ هُوَ الَّذِي يَعْقِلُ:

“أَفَلَمْ يَسِيرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌۭ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ ءَاذَانٌۭ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى ٱلْأَبْصَـٰرُ وَلَـٰكِن تَعْمَى ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ ﴿٤٦﴾” الحج.

بَعْدَ مَا عَلِمْنَاهُ ـ مِمَّا سَبَقَ عَرْضَهُ ـ مِنْ أَنَّ لَفْظَ القَلْبِ فِى كِتَابِ اللهِ يُقْصَدُ بِهِ العَقْلُ، وَالفُؤَادُ، وَالمُخَيَّلَةُ، والمُخُّ، والذَّاكِرَةُ، مُجْتَمِعُونَ، وَأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ القَلْبُ المَضَخَّةُ؛ فَلْنَعْلَمَ أَيْضًا أَنَّ القَلْبَ المَضَخَّةَ يُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَهُ قَلْبٌ ءَاخَرٌ فِى الصَّدْرِ الرِّئَوِىِّ لِلرَّجُلِ، بِعَكْسِ القَلْبِ القُرْءَانِىِّ، تَصْدِيِقًا لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى بِسورةِ الأحزابِ:

“مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍۢ مِّن قَلْبَيْنِ فِى جَوْفِهِۦ ۚ.. (4)” الأَحْزَاب.

وَتَصْدِيِقًا لِلوَاقِعِ المُعَايَشِ.

وَلَوْ كَانَ القَلْبُ المَضَخَّةُ هُوَ المَقْصُودُ فِى قَوْلِ اللهِ هُنَا لَمَا وُلِدَ أَحَدُ بِمَضَخَّتَيْنِ، وَلَمَا اسْتَطَاعَ الطِبُّ أَنْ يَقُومَ جِرَاحِيًّا بِزَرْعِ قَلْبٍ مَضَخَّةٍ بِجِوُارِ القَلْبِ المَوْجُودِ لِيُعِينَهُ عَلَى العَمَلِ بِكَفَاءَةٍ، وَهُوَ مَا حَدَثَ فِعْلاً. أَمَّا زَرْعُ القَلْبِ (العَقْلُ، وَالفُؤَادُ، وَالمُخُّ، وَالمُخَيَّلُةُ) فَهُوَ حُلُمٌ لَنْ يَخْرُجَ إِلَى حَيِّزِ الوُجُودِ أَبَدًا؛ إِذْ إنَّ جَوْفَ القَلْبِ (الرَّأَسُ) لَا يَسْمَحُ بِوُجُودِ قَلْبٍ ءَاخَرٍ فِيِهِ؛ وَلَا يُوجَدُ بِهِ أَيَّ فَرَاغٍ بِعَكْسِ التَّجْويِفِ “الصَدْرِرِئَوِىِّ”.

وَمِمَّا يُسَاعِدُ عَلَي فَهْم أَنَّ القَلْبَ المَضَخَّةَ لَيْسَ هُوَ المَقْصُودُ فِي القُرْءَانِ هُوَ مَا نَرَاهُ الأَنَ بَعْدَ تَقَدُّمِ جِرَاحَةِ القَلْبِ المَضَخَّةِ مِنْ أَنَّ القُلُوبَ يِتِمُّ نَقْلُهَا مِنْ شَخْصٍ لِأَخَرَ، وَلَوْ كَانَ القَلْبُ المَضَخَّةُ هُوَ المَقْصُودُ فِي القُرْءَانِ لَانْتَقَلَ الكُفْرُ وَالإِيِمَانُ مَعَهُ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، بَلْ إِنَّ الطِّبَّ اسْتَطَاعَ أَنْ يَزْرَعَ قُلُوبَ حَيَوانَاتٍ فِي البَشَرِ، وَلَمْ يَتَحَوَّل أَيًّ مِنْ هَؤُلَاءِ المَرْضَي إِلَي فَهْمِ وَإِدْرَاكِ الحَيَوَانِ المَنْقُولِ مِنْهُ القَلْبُ.

زِدْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ القَلْبَ الدَّمَوِىَّ إِذَا مَا فَشَلَ فِى ظِلِّ صُعُوبَةِ الحُصُولِ عَلَى قَلْبٍ مُنَاسِبٍ فَقَدْ يُلْجَأُ إِلَى تَرْكِيِبِ مَاكِيِنَةٍ بَدَلاً مِنْهُ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَوَجَّهَ النَّظَرُ إِلَى صُنْعِ قُلُوبٍ صِنَاعِيَّةٍ، وَنَجَحَت زِرَاعَتِهَا.

وَلَوْ كَانَ القَلْبُ “المَضَخَّةُ” هُوَ الَّذِي يَفْهَمُ، وَيَفْقَهُ، وَيُحِبُ، وَيَكْرَهُ، لَتَغَيَّرَت مَشَاعِرَ الحُبِّ، وَالكَرَاهِيَةِ، وَالوُدِّ، وَالعَطْفِ، عِنْدَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُنْقَلُ إِلَيْهِم القَلْبُ الصَّنَاعِيُّ، وَهُوَ مَالَم يَحْدُثُ (4)!

القَلْبُ وَالصَّدْرُ:

الصَدْرُ فِى القُرْءَانِ يَأتِى بِمَعْنَى القَلْبِ ـ كَمَا عَرِفْنَاهُ ـ كَمَكَانٍ لَهُ، وَقَدْ جَآءَ لَفْظُ الصَدْرِ فِى الكِتَابِ بِمُشْتَقَّاتِهِ سِتَّة وَأرْبَعِيِنَ مَرَّةً، مِنْهَا أَرْبَعَة وَأرْبَعِونَ مَرَّةً بِهَذَا المَعْنَى، وَمَرَّتَان بِغَيْرِهِ، وَهُمَا: “يُصْدِرَ (الرِّعَآءُ)، يَصْدُرُ (النَّاسُ).

وَقَدْ اغْتَرَّ البَعْضُ بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى السَّابِقَ ذِكْرَهُ: “ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِى فِى ٱلصُّدُورِ”، فَقَالُوا: “القلب هنا هو المضخّة بدليل وجوده في الصدر”، وَهُمْ فِى ذَلِكَ وَاهِمُونَ؛ فَالقَلْبُ هُنَا هُوَ مَا سَلَفَ ذِكْرَهُ فِى المَقَالاَتِ ، وَالصَدْرُ هُنَا هُوَ التَّجْويِفُ الرَّأسِىُّ، وَلْنُرَاجِعَ بَعْضَ ذَلِكَ:

صَدْر/ صَدْرًا/ صَدْرِى/ صَدْرِكَ/ صَدْرَهُ/ الصُّدُور/ صُدُورِكُم/ صُدُورُهم/

فَالصَدْرُ ـ لِسَانًا ـ هُوَ أَعْلَى مُقَدَّم كُلَّ شَيْءٍ وَأَوَّلُهُ (1)، وَصَدْرُ النَّهَارِ هُوَ: أوَّلُهُ، وَصَدْرُ المَجْلِسِ: مُرْتَفَعُهُ، وَفُلانٌ صَدْرٌ فِي قَوْمهِ أَى رَأسٌ فِيهِم. وَإِذَا قِيْلَ صَدْرُ الرَّجُلِ فَيَحْتَمِلُ المُقَدِّمَةَ الأُفُقِيَّةِ (القَفَصَ الصَدْرِيَّ، وَهُوَ المُتَعَارَفُ عَلَيْهِ عِنْدَ المُتَأَخِّرِينَ)، أَوْ المُقَدِّمَةَ الرَّأسِيَّةَ بِمَعْنَي الدِّمَاغِ، وَهُوَ أَعْلَى مُقَدَّمِ الإِنْسَان تِجَاهَ أَعْلَى، وَمَحَلُ القَلْبِ. وَإذَا جَاءَ ذِكْرُ الصَدْرِ بِالقُرْءَانِ كَانَ المَقْصُودُ أَيْضًا هُوَ الرَّأسُ المُحْتَوى عَلَى القَلْبِ، كَمَكَانٍ لَهُ فَقَط، لاَ القِيَامُ بِوَظَائِفِ القَلْبِ

وَالصَدْرُ ـ قُرْءَانًا ـ هُوَ مَحَلُّ القَلْبِ (الرَّأسُ)، وَلِشَرَفِهِ جُعِلَ هَذَا الصَدْرُ مِنْ أَقَوَى التَّجَاويِفِ فِي الإِنْسَانِ، فَهُوَ صَنْدُوقٌ عَظْمِىٌّ مَتِيِنٌ، وَهُوَ أَيْضًا مُشَرَّفٌ بِالعُلُوِّ فِي المَكَانِ وَالمَكَانَةِ، وَهُوَ المُسَيْطِرُ عَلَى مَا هُوَ دُونِهِ مِنَ الجَسَدِ حَتَّى فِي الشَّكْلِ. وَقَدْ عَرِفْنَا أَنَّ القَلْبَ هُوَ الَّذِي يُؤْمِنُ، وَيَكْفُرُ، وَيُخْفِى، وَيَخَافُ، وَيُبْغِضُ، وَهُوَ مَحلُّ الذَّاكِرَةِ، . . الخ.

وَلأنَّ الصَدرَ هوَ مُحِيطُ القَلْبِ فَقَدْ جَآءَ أَحْيَانًا بَدَلاً مِنْهُ بِاعْتِبَارِ المَكَان، وَأنَّهُ يَحْتَويِهُ، وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ اللهُ تَعَاَلي:

“أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ” الشرح.

“فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُۥ يَشْرَحْ صَدْرَهُۥ لِلْإِسْلَـٰمِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُۥ يَجْعَلْ صَدْرَهُۥ ضَيِّقًا حَرَجًۭا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى ٱلسَّمَآءِ ۚ …﴿١٢٥﴾” الأنعام.

” أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُۥ لِلْإِسْلَـٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍۢ مِّن رَّبِّهِۦ ۚ. . (23)” الزمر.

“وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ(69)” القصص.

“… قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَ‌اهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ (118)” ءال عمران.

“وَحُصِّلَ مَا فِى ٱلصُّدُورِ(10)” العَادِيَات.

“لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةًۭ فِى صُدُورِهِم مِّنَ ٱللَّهِ ۚ ذَ‌الِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌۭ لَّا يَفْقَهُونَ (13)” الحشر. . . . الخ!

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الوَاهِمُونَ إِنَّ الصَّدْرَ الرِّئَوِيَّ هُوَ الَّذِي يَنْشَرِحُ بِالإِيِمَانِ، وَأَنَّنَا نَشْعُرُ بذَلِكَ فِي صُدُورِنَا، فَغَفَلُوا عَنْ قَوْلِ اللهِ:

“وَلَـٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلْكُفْرِ صَدْرًۭا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌۭ مِّنَ ٱللَّهِ…(106)” النحل.

وَهُوَ نَصٌّ يَرُدُّ عَلَى مَنْ يَقُولُ بِأنَّ الصَّدْرَ الرِّئَوِيَّ هُوَ الَّذِي يَنْشَرِحُ بِالإِيِمَانِ، وَأَنَّنَا نَشْعُرُ بذَلِكَ فِي صُدُورِنَا، فَهَاهُوَ الصَدْرُ يَنْشَرِحُ بِالكُفْرِ أَيْضًا، فَلاَ الشَرْحُ ارْتِيَاحٌ، وَلاَ الصَدْرُ هُوَ الرِّئَوىُّ.

أَمَّا مَا يَشْعُرُ بِهِ الإِنْسَانُ مِنَ انْقِبَاضٍ وَانْبِسَاطٍ بِصَدْرِهِ وَقَلْبِهِ الرِّئَوِيَّانِ فَهُوَ عِبَارَةً عَنْ انْعِكَاسٍ عَصَبِىٍّ لِلقَلْبِ العُلْوِيِّ، وَكَذَلِكَ التَّنَفُّسِ، وَالضَّغْطِ، وَالنَّبْضِ، وَالجِهَازِ العَصَبِيِّ كُلِّهِ.

فَكُلُّ هَذَا مَا هُوَ إِلَّا انْعِكَاسَاتٍ وَرُدُودِ أَفْعَالٍ. فَأجْهِزَةُ الجِسْمِ تَقُومُ بِنَقْلِ المَعْلُومَاتِ مِنْ المُحِيطِ الخَارِجِيِّ وَالدَّاخِلِيِّ إِلَى المُخِّ، مَعَ الاسْتِجَابَةِ التَّامَّةِ لِأَوَامِرِهِ وَرُدُودِ أَفْعَالِهِ عَلَى هَذِهِ المَعْلُومَاتِ، حَيْثُ يَتِمُّ التَّفَاعُلُ مِنْ خِلَالِ المَجَارِى العَصَبِيَّةِ المُوَصِّلَةِ لِأَوَامِرِ الضَبْطِ مِنَ المُخِّ إِلَى الأَعْضَآءِ، وَجِهَازِ الغُدَدِ الصَّمَّآءِ الَّذِي يَقُومُ بِاسْتِخْدَامِ الدَّوْرَةِ الدَّمَوِيَّةِ لِلتَّأثِيرِ بِتَأثِيرَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ بِحَسْبِ الحَالَةِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ أَوَامِرِ الغُدَّةِ النُّخَامِيَّةِ، فَتَتَأَثَّرُ ضَرَبَاتُ القَلْبِ، وَالتَّنَفُّسِ، وَضَغْطِ الدَّمِ، وَبَقَيَّةِ الأَجْهِزَةِ. وَيَتِمُّ هَذَا التَّفَاعُلِ الدَّقِيقِ لِأَعْمَالِ المُخِّ مِنْ خِلَالِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ مِلْيَارِ خَلِيَّةٍ، وَمِنْ خِلَالِ سِتَّةِ أَجْهِزَةٍ (الجِهَازُ العَضَلِيُّ، وَالهَضْمِيُّ، وَالدَّوْرِيُّ، وَالعَصَبِيُّ، وَالهَيْكَلُ العَظْمِىُّ، وَالجِلْدُ).

فَإِذَا مَا انْتَهَيْنَا مِنْ تَعْرِيفِ القَلْبِ، وَعَرِفْنَا أنَّهُ هُوَ الجُزْءُ الوَاعِى، وَأنّهُ هُوَ اللُبُّ، وَالجَوْهَرُ، فَاعْلَم أَنَّ العَقْلَ وَالفُؤَادَ هُمَا مِنَ القَلْبِ؛ كَالجِنَاحَيْنِ الَّذَانِ تُرَفْرِفُ بِهِمَا النَفْسُ، وَهُمَا الَّذَان تَتَعَامَلُ مَعَهُمَا ءَايَاتُ الكِتَابِ، وَسَنَتَكَلَّمُ فِى مَقَالٍ ءَاخَرٍ فِى بَيَانِ أَنَّ المَرْأَةَ ـ بِخِلاَفِ الرَّجُلِ ـ لَهَا قَلْبَان.


1 ـ تَنْبِيهٌ: كُلُّ ذِكْرٍٍ لِكَلِمَةِ “قَلْبٍ” فِيْمَا هُوَ ءَاتٍ فَالمَقْصُودُ بهِ هُوَ [العَقْلُ، وَالفُؤَادُ، وَالمُخُّ، وَالمُخَيَّلَةُ]. أَمَّا إِذَا قَصَدْنَا القَلْبَ النَابضَ فَسَنُرْدِفَهُ بِكَوْنِهِ “المَضَخَّةُ”.

2 ـ يقول بقراط (460 ـ 377 ق.م.) في إدراك مدهش لوظائف العقل:

“في رأيي أن الدماغ هو أقوى أعضاء الجسم البشري .. إن العينين، والأذنين، واللسان، واليدين، والرجلين، كلها تعمل وفقًا لما يميزه الدماغ .. وأؤكد أن الدماغ هو المعبر عن الوعي”.


3 ـ وَنَظَرًا لِعَدَمِ فَهْمِ مَا أَوْرَدْنَاهُ هُنَا فَقَدْ تَشَبَّثَ البَعْضُ بِالقَوْلِ بِأنَّ القَلْبَ المَضَخَّةَ يُوجَدُ فِي دَاخِلِهِ ذَاكِرَةٌ، وَتَمَادَى البَعْضُ الأَخَرُ فَقَالَ: العَقْلُ يُوجَدُ دَاخِلَ المَضَخَّةِ، وَيُمْكِنُ مُرَاجَعَةُ أَقْوَالِهِم بِالصَّوْتِ وَالصُّورَةِ عَلَي اليُوتيُوبِ بِالبَحْثِ بِالعَنَاوين أَوْ بِالرَّوَابِطِ التَّالِيَةِ:

ـ “العلم الحديث يثبت ان في القلب عقل غير الذي في الرأس”

http://www.youtube.com/watch?v=LcCQE5CIb-w&feature=related

ـ “العلامة محمد العثيمين – العقل في القلب لا في الدماغ”

http://www.youtube.com/watch?v=CeA2q74UEuk&feature=related

ـ “هل القلب مجرد عضلة تضخ الدم ؟؟؟ د. زغلول النجار”

http://www.youtube.com/watch?v=S5zntcAkjKA&feature=related

ـ “العقل محله القلب أم الرأس؟ للشيخ الحويني”

http://www.youtube.com/watch?v=H6k5oN2acnM&feature=related