النِّعْمَةُ 2: النِّعْمَةُ وَالحَرَكَةُ

النِّعْمَةُ تَرْتَبِطُ بِالحَرَكَةِ، وَلِذَا فَإِذَا مَا نُظِرَ إلَيْهَا بِإِجْمَالٍ، فَسَنَجِدُ أَنَّهَا تَصُبُّ كُلُّهَا فِى حَرَكَةِ الإِنْسَانِ، فِكْرًا (إيِمَانًا)، وَعَمَلاً (إسْلاَمًا)، سَوَاءٌ كَانَت هَذِهِ النِّعْمَةُ مَادِّيَّةً، كَنِعْمَةِ القَلْبِ، وَنِعْمَةِ السَّمْعِ وَنِعْمَةِ البَصَرِ، أوْ كَانَت مَعْنَوِيَّةً كَنِعْمَةِ الأَمْنِ، أوْ نِعْمَةِ كَفِّ الأَيْدِى، أوْ نِعْمَةِ الكِتَابِ المُنَزَّلِ، . . الخ.

● وَالنِّعْمَةُ وُجِدَت لِتَفْعِيِلِهَا؛ فَنِعْمَةُ القَلْبِ، وَنِعْمَةُ السَّمْعِ، وَنِعْمَةُ البَصَرِ مَثَلاً، إِذَا لَمْ يُعْمِلُهُم الإِنْسَانُ فِى الكَوْنِ حَوْلَهُ، لِيُضِيِفُوا إِلَيْهِ، وَيَتَأَمَّلُ بِهِم بَقِيَّةَ نِعَمِ اللهِ عَلَيْهِ، وَيَعْلَمُ بِهِم مِنَ اللهِ مَا يَجْعَلُهُ مُؤْمِنًا، مُسْلِمًا، فِى تِعْدَادِ المُتَّقِيِن؛ فَقَدَوا وَظِيِفَتَهُم، وَانْتَقَلَت النِّعْمَةُ الفِتْنَةُ إلَى الجَانِبِ الخَطَرِ مِنْهَا، فَكَانَت سَبَبًا لِلكُفْرِ، بَدَلاً مِنَ الشُّكْرِ. انْظُر لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى:

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَآ ۚ أُولَـٰٓئِكَ كَٱلْأَنْعَـٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْغَـٰفِلُونَ ﴿١٧٩﴾الأَعْرَاف.

تَجِدُ أَنَّ اللهَ يَنُصُّ عَلَى أنَّ أهْلَ جَهَنَّمَ كَانَت لَهُم نِعَمٌ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهَا، فَقُلُوبُهُم لاَ تَفْقَهُ، وَأَعْيُنُهُم لاَ تُبْصِرُ، وَءَاذَانُهُم لاَ تَسْمَعُ؛ وَلِذَا نَجِدُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُنَبِّهُ الإِنْسَانَ إلَى نِعَمِهِ، بِهَدَفِ تَوجِيِهِ حَرَكَةِ النِّعْمَةِ لِيَنُالَ بِهَا صَاحِبَهَا مَرْتَبَةَ الشُّكْرِ:

وَهُوَ ٱلَّذِى سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِۦ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿١٤﴾النَّحْل.

وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْـًٔا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلْأَبْصَـٰرَ وَٱلْأَفْـِٔدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٧٨﴾النَّحْل.

…وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٦﴾“…وَهَكَذَا.

.

● كَذَلِكَ فَإِنَّ النِّعَمَ المَعْنَوِيَّةَ كَنِعْمَةِ الأَمْنِ، أوْ نِعْمَةِ كَفِّ الأَيْدِى، تَصُبُّ فِى خَانَةِ تَهْيِئَةِ الجَوِّ لِلنَّاسِ لِيَأخُذُوا فُرْصَتَهُم كَامِلَةً، وَيَتَحَقَّقُ لَهُم الاخْتِيَارِ، وَتَصْفُو لَهُم حَرَكَتُهُم، لِيَتَمَكَّنُوا مِنَ الشُّكْرِ أَوْ الكُفْرِ.

وَهُوَ مَا لاَحَظْنَاهُ فِى حَيَاتِنَا المَاضِيَةِ، حَيْثُ تَسْتَتِبُّ الأُمورُ لِسَنَوَاتٍ، لِيَأخُذَ النَّاسُ فُرْصَتَهُم فِى التَّحْصِيِلِ، وَالاخْتِيَارِ، مَا بَيْنَ الكِتَابِ وَبَيْنَ الأَبَآئِيَّةِ، وَليُعْمِلُوا نِعَمَ اللهِ عَلَيْهِم مِنْ سَمْعٍ، وَبَصَرٍ، وَعَقْلٍ، وَفُؤَادٍ، ثُمَّ تَأَتِى بَعْدَهَا سَنَوَاتُ الاضْطِّرَابِ وَالعَذَابِ، سَوَآءٌ كَانَ بِعُدْوَانٍ خَارِجِىٍّ، أوْ بِاحْتِرَابٍ دَاخِلِىٍّ، أَوْ بِكِلاَهُمَا مَعًا، فَيَضِيِعُ الأَمَانُ، وَيَتَسَرَّبُ الغَلاَءُ، وَتَنْزِلُ الهُمُومُ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ، كَمَطَرِ السُوءِ، وَذَاكَ أَنَّ النَّاسَ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا أَنْعَمَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِم مِنْ نِعَمٍ وَقْتَ الرَّخَآءِ.

.

● وَحَرَكَةُ النَّاسِ إنْ لَمْ تَتَّجِه لِشُكْرِ النِّعَمِ، اتَّجَهَت لِلشِّرْكِ، وَالكُفْرِ، عَلَى الفَوْرِ:

وَلَقَدْ أُوحِىَ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ ﴿٦٥﴾ بَلِ ٱللَّهَ فَٱعْبُدْ وَكُن مِّنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ ﴿٦٦﴾الزُمَر.

قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُۥ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَىٰنَا مِنْ هَـٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَ ﴿٦٣﴾ قُلِ ٱللَّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍۢ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ ﴿٦٤﴾الأَنْعَام.

بِعَكْسِ الصَّالِحِيِنَ مِنْهُم، الَّذِيِنَ فَهِمُوا حَقِيِقَةَ أنْعُمِ اللهِ عَلَيْهِم، كَمَا ذّكَرَهُ اللهُ تَعَالَى لِلأُسْوَةِ إبْرَاهِيِمَ عَلَيْهِ السَّلاَم؛ فَقَالَ:

إِنَّ إِبْرَ‌ٰهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴿١٢٠﴾ شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ ٱجْتَبَىٰهُ وَهَدَىٰهُ إِلَىٰ صِرَ‌ٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ ﴿١٢١﴾النَّحْل.

اللهُمَّ فَاهْدِنَا بِنِعَمَكَ أنْ نَكُونَ مِنَ الشَّاكِرِيِنَ، وَاهْدِنَا صِرَاطَكَ المُسْتَقِيِم، لِتَكُونَ حَرَكَاتَنَا كُلَّهَا فِى طَاعَتِكَ، يَا خَيْرَ مَنْ سُئِل.

وَلِلْحَدِيِثِ بَقِيَّةٌ .