إِبْرَاهِيِم بِنْ بَنِىّ: جَهْلٌ بِمَا نَكَحَ الأَبَآءُ

عِنْدَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى:

وَلَا تَنكِحُوا  مَا نَكَحَ   ءَابَآؤُكُم   مِّنَ ٱلنِّسَآءِ   إِلَّا  مَا قَدْ  سَلَفَ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ   فَـٰحِشَةً   وَمَقْتًا  وَسَآءَ   سَبِيلًا ﴿٢٢﴾النِّسَآءُ.

أُشْكِلَ عَلَى الكَثِيِرِيِنَ مِمَنْ كَتَبَ فِى تَفْسِيِرِ القُرْءَانِ وُرُودُ قَوْلِهِ تَعَالَى: “مِّنَ ٱلنِّسَآءِ” فِى سِيَاقِ الأَيَةِ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُم: وَهَل يَنْكَحُ الأَبَآءُ إِلاَّ النِّسَآءَ. وَقِيِلَ هِىَ زَائِدَةٌ، الخ. حَتَّى جَآءَ الجَرئُ عَلَى القُرْءَانِ: “إِبْرَاهِيِمُ بِنْ بَنِىّ” فَقَالَ عَلَى مَوْقِعِهِ المَعْرُوفِ بِاسْمِ “مِعْرَاجِ القَلَمِ” وَتَحْتَ عِنْوَانِ: “النكاح وأزمة القراءة الجنسية للقرءان“، بِتَاريخِ 22/8/2012 مُعَلِقًا عَلَى هَذِهِ الأَيَةِ:

ليست المشكلة في إعتبار الأية دالة على قبح الزواج بإمرأة الوالد، وإنّما المشكلة التي تحير هي في إضافة عبارة “من النساء” في الأية!!! مثل هذه الإضافة كما عوّدنا القرءان ليست عبثية مطلقا بل هي من تحمل مفتاح فهم النكاح“.

وَقَدْ يَظُنُّ القَارِئُ أَنَّ هَذَا الجَرئَ قَدْ تَوَصَّلَ إِلَى مَا عَجَزَ عَنْهُ الأَوَائِلُ، فَعَرِفَ مَعْنًى لِلنِّكَاحِ بِخِلاَفِ الشَّائِعِ، أَوْ عَلِمَ حَقِيِقَةَ مَا سَمَّاهَا بِالإِضَافَةِ فِى جُمْلَتِهِ، وَلَكِنْ هَيْهَاتٌ هَيْهَات. وَأَنَّى لَهُ ـ وَهُوَ المُعْتَدِى عَلَى ءَايَاتِ الكِتَابِ بِكُلِّ مَا يَمْلُك ـ أَنْ يَفْقَهَ مِنْهُ شَيْئًا؟!

وَلِذَا فَقَدْ اسْتَطْرَدَ قَائِلاً (وَالضَّحِكُ مَمْنُوعٌ):

النكاح هو القدرة على الشراكة مع من هم في نفس درجتك. سواء تعلّق الأمر بشراكة في بناء أسرة أو تجارة أو صناعة أو تكتل سياسي أو ما سوى ذلك من إهتمامات الناس.

ما نكح أباؤنا هم من أقاموا معهم شراكة ولكنّهم حادوا عن الصدق إذ أنّ من أقاموا معهم هذه الشراكة نساء أي متأخرين عنهم وبذلك أمكنهم إستغلال طاقتهم لصالح(هم) وأخذ حصص أكبر من حصتّهم، إنّ هذا يضيء على دقة القرءان في إضافة “من النساء”(1).

فَجَعَلَ مِنَ جَهْلِهِ بِالقُرْءَانِ عُمُومًا، وَبِهَذِهِ الأَيَةِ خُصُوصًا مُبَرِّرًا لِلشَطْحِ، وَالخَوْضِ فِى القُرْءَانِ كَمَا رَأَيْنَا. وَنَحْنُ هُنَا نُزيِلُ شُبُهَاتِ هَذَا الجَرِئ وَأَمْثَالِهِ، بَعْدَ أَنْ أَشْبَعْنَاهُ إِفْحَامًا أَيَّامهَا، وَنَقُولُ:

نَعَم؛ لاَ يُوجَدُ شَيْئًا عَبَثِيًّا فِى القُرْءَانِ، وَإِنَّمَا يَأتِى العَبَثُ مِنَ النَّاسِ كَمَا طَالَعْنَا مِنَ المَذْكُورِ.

.

فَقَدْ جَاءَتْ كَلِمَةُ النِّسَآءِ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: “مِّنَ ٱلنِّسَآءِ” لِتُضْفِى الغُرْبَةَ عَلَيْهِنَّ، فَتَخْرُجُ مِنْهُنَّ الأَمُّ.  

وَلَوْ قََالَ اللهُ تَعَالَى: “وَلَا تَنكِحُوامَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم“، فَقَط دُونَ ذِكْرِ: “مِّنَ ٱلنِّسَآءِ“، لَكَانَ النَّهْىُ مُطْلَقًا، وَلَدَخَلَت الأُمُّ فِى مَنَاطِ الخِطَابِ، بِصِفَتِهَا مِمَّنْ نَكَحَ الأَبُّ، وَلاَنْطَبَقَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: “إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ“، فَتُحَلُّ الأُمُّ لاِبْنِهَا بِالنَّصِّ، وَيَسْتَمِرُّ زَوَاجُهُمَا بَعْدَ نُزُولِ الأَيَاتِ، وَليَصْطَدِمَ بِمَا سَيَأتِى مِنَ التَّحْرِيِمِ المُطْلَقِ لِلأُمَّهَاتِ.

وَلَكِن جَاءَت عِبَارَةُ “مِنَ النِّسَآءِ“، فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: “مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ“، لِصَرْفِ الحُكْمِ عَنِ الأُمِّ، وَلِتَخْصِيصِهِ بِزَوجَةِ الأَبِّ فَقَطْ، كَىِّ لاَ يُظَنُّ أنَّ مَنْ نَكَحَ أُمَّهُ سَلَفًا، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ أنْ يَسْتَمِرَّ فِى نِكَاحِهِ، حَيْثُ سَيَأتِى الحُكْمُ بَتَحْريِمِ الأُمِّ عَلَى الإطْلاَقِ؛ سَلَفَ ذَلِكَ أمْ لَمْ يَسْلَف، فَاخْتَلَفَ بِذَلِكَ حُكْمُ الأُمِّ عَنْ حُكْمِ زَوْجَةِ الأَبِّ بِهَذِهِ الإضَافَةِ: “مِنَ النِّسَآءِ“.

وَبِالتَّالِى فَقَدْ جَآءَ النَّهْىُ عَنْ نِكَاحِ أىَّ وَاحِدَةٍ مَنَ النِّسَآءِ اللَوَاتِى سَبَقَ وَأنْ تَزَوَّجَ بِهِنَّ الأَبُّ (بِخِلاَفِ الأَمِّ)، وَقْتَ نُزُولِ الأيَةِ، مَعَ اسْتِثْنَاءِ مَا قَدْ يَكُونُ قَائِمًا مِنْهُ وَسَلَفَ قَبْلَ نُزُولِ النَّهْىِ، مَقْرُونًا بِبَيَانِ عِلَّةَ النَّهْىِ، فِى كَوْنِ هَذَا النِّكَاحِ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوبِ الفُحْشِ وَالمَقْتِ، وسَآءَ سَبِيلاً، لِيَتْرُكَ مِسَاحَةً لِلمُؤْمِن، الوَاقِعُ مِنْهُ ذَلِكَ، إِنْ كَانَ نِكَاحُهُ قَائِمًا قَبْلَ نُزُولِ الأَيَاتِ، تَارِكًا تَقْدِيِرِ المَوْقِفِ لَهُ، عَسَى أَنْ يُرَاجِعَ نَفْسَهُ إِنْ كَانَت الأَحْوَالُ تَسْمَحُ.

وَجَهِلَ بِنْ بَنِىّ كُلَّ مَا سَبَقَ، وَبَنَى عَلَيَ جَهْلِهِ جِبَالاً مِنَ الجَهْلِ.

فَجَعَلَ الشَّرَاكَةَ مَعَ الأَخَرِيِنَ مِمَّن هُم فِى نَفْسِ دَرَجَتَكَ فِى تِجَارَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ، أَوْ حِزْبٍ سِيَاسِىٍّ، أَوْ مَا شَابَه: نِكَاحٌ!!!

وَجَعَلَ أَشْخَاصَ مَنْ نَكَحَ الأَبَآءُ هُمْ مَنْ أَقَامُوا شَرَاكَةً وَحَادُوا عَنِ الصِّدْقِ!!!

هَذَا هُوَ حَالُ زَعِيِمِ مِعْرَاجِ القَلَمِ، فَتَخَيَّلُوا حَالَ مَنْ هُم دُونِهِ مِنْ مُرِيِدِيِهِ !!

هَامِش:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ رَاجِع الرَّابِطَ التَّالِى: http://mi3raj.net/vb/showthread.php?t=3419