اللهُ السَّلاَمُ سُبْحَانَهُ 1

السَّلاَمُ هُوَ التَّعَادُلُ، وَعَدَمُ التَّجَاوُزِ، وَهُوَ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ العَدْلُ فَالإِحْسَانُ. وَكُلُّ سَالِبٍ أَوْ مُوجَبٍ عَنْ التَّعَادُلِ فَقَدْ غَادَرَ السَّلاَمَ. وَيَنْطَبِقُ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ المَخْلُوقَاتِ. وَهُوَ (أَىْ السَّلاَمُ) هُوَ النُّقْطَةُ السَّوَآءُ فِى أَىِّ مَوْضُوعٍ. وَهُوَ الوَسَطُ، وَالاسْتِقَامَةُ.

فَالبَرْدُ مَثَلاً، هُوَ قِيِمَةٌ سَالِبَةٌ، يُقَابِلُهُ الحَرٌّ كَقِيِمَةٌ مُوجَبَةٌ، والسَّلاَمُ فِى هَذِهِ المَسْأَلَةِ هُوَ الَّلاَبَرْدَ والَّلاَحَرَّ، وَهُوَ مَا يَعْنِى مُغَادَرَةُ الحَرِّ بِاعْتِدَالٍ؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:

قُلْنَا يَـٰنَارُ كُونِى بَرْدًا وَسَلَـٰمًا عَلَىٰٓ إِبْرَ‌ٰهِيمَ ﴿٦٩﴾الأنبيآء.

.

فَعِنْدَمَا تُؤْمَرُ النَّارُ بَأَنْ تَكُونَ بَرْدًا فَسَتَتَحَوَّلُ مِنَ القِيِمَةِ المُوجَبَةِ المُلْتَهِبَةِ، إِلَى القِيِمَةِ السَّالِبَةِ، وَهِىَ البَرْدُ، وَلَكِنَّ البَرْدَ لاَ يُحَقِّقُ السَّلاَمَ هُوَ الأَخَرُ، وَلِذَا سَتَتَوَقَّفُ النَّارُ عِنْدَ نُقْطَةِ التَّعَادُلِ، وَهِىَ “السَّلاَم”، بِحَيْثُ لاَ يَضُرُّ حَرُّهَا إِبْرَاهِيِمَ عَلَيْهِ السَّلاَم، وَلاَ يَضُرُّهُ البَرْدُ. فَأَصْبَحَ السَّلاَمُ هُنَا هُوَ المِسَاحَةُ الحَرَارِيَّةُ الَّتِى يِسْعَدُ بِهَا النَّاسُ مِنَ البَرْدِ، بَعِيِدًا عَنْ الحَرِّ الضَّارِّ، وَعَنِ البَرْدِ الضَّارِّ، إلَى البَرْدِ المَقْبُولِ المُنْعِشِ.

.

وَكَذَلِكَ الأَمْرُ فِى الجُوعِ مَثَلاً؛ فَهُوَ قِيِمَةٌ سَالِبَةٌ، وَالشَّبَعُ هُوَ قِيِمَةٌ مُوجَبَةٌ، والسَّلاَمُ فِى هَذِهِ المَسْأَلَةِ هُوَ إِذْهَابُ الجُوعِ بِاعْتِدَالٍ، وَهُوَ مَا يَعْنِى الأَكْلُ بِلاَ تَجَاوُزٍ، وَالتَّجَاوُزُ هُنَا هُوَ الإِفْرَاطُ فِى الأَكْلِ، وَالإِسْرَافُ فِيِهِ، وَالوُصُولُ إِلَى الشَّبَعِ والامْتِلآءِ. وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:

.. وَكُلُوا وَٱشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوٓا ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ ﴿٣١﴾الأَعْرَاف.

.

فَاللهُ تَعَالَى يُرِيِدُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يَصِلُوا إِلَى السَّلاَمِ فِى الأَكْلِ وَالشُّرْبِ، مُتَغَلِّبِيِنَ فِى ذَلِكَ عَلَى الرَّغَبَاتِ الضَّارَّةِ فِى الشَّبَعِ وَالامْتِلآءِ.

كَذَلِكَ فَإِنَّنَا نَجِدُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يأمُرُ النَّاسَ بِالاعْتِدَالِ فِى أُمُورِ حَيَاتِهِم، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ ٱلْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا ﴿٢٩﴾الإِسْرَآء.

.

وَهَكَذَا؛ فَهُوَ سُبْحَانَهُ السَّلاَمُ، وَمِنْهُ جَآءَ كِتَابَهُ بِالسَّلاَمِ، لِيَنْسَجِمَ المُؤْمِنُونَ بِسَلاَمِهِم مَعَ الكَوْنِ، القَائِمِ بِسَلاِمِهِ سُبْحَانَهُ.

وَلِلحَدِيِثِ بَقِيَّةٌ نَتَوَسَّعُ فِيِهَا فِى “السَّلاَم”.