.
◄ يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعاَلَى، مُبَيِّنًا لِلمُؤْمِنَةِ حُدُودَ زِيِنَتِهَا:
“وَقُل لِّلْمُؤْمِنَـٰتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـٰرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَآئِهِنَّ أَوْ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَٰنِهِنَّ أَوْ بَنِىٓ إِخْوَٰنِهِنَّ أَوْ بَنِىٓ أَخَوَٰتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُنَّ أَوِ ٱلتَّـٰبِعِينَ غَيْرِ أُو۟لِى ٱلْإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا۟ عَلَىٰ عَوْرَٰتِ ٱلنِّسَآءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوٓا۟ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿٣١﴾ ” النُّور..
.
فَأَمَرَهَا سُبْحَانَهُ بِسِتَّةِ أَوَامِرٍ؛ وَهِىَ:
1 ـ غَضُّ البَصَرِ.
2 ـ حِفْظُ الفَرْجِ.
3 ـ إِخْفَآءُ الزِّيِنَةِ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا.
4 ـ ضَرْبُ الخُمُرِ (الأَغْطِيَةِ مِنَ المَلاَبِسِ) عَلَى الجُيُوبِ.
5 ـ إِبْدَآءُ الزِّيِنَةِ لِلمَذْكُورِيِنَ فِى الأَيَةِ.
6 ـ عَدَمُ الضَّرْبِ بِالأَرْجُلِ لإِبْدَآءِ الزِّيِنَةِ المَخْفِيَّةِ.
.
● وَلِعَلَّ المُتَأَمَّلَ قَدْ لاَحَظَ أَنَّ الأَيَةَ تَلْتَحِمُ مَعَ سَابِقَتِهَا فِى الوِحْدَةِ المَوْضُوعِيَّةِ، وَفِى عِلاَقَتِهَا بِاسْمِ السُّورَةِ.
فَالسُّورَةُ هِىَ سُورَةُ النُّورِ، وَالنُّورُ هُوَ مَا تَظْهَرُ بِهِ الأَشْيَاءُ، وَتَهْتَدِى بِهِ. وَلأَنَّ خَلْقَ اللهِ كُلَّهُ يِهْتَدِى بِنُورِ اللهِ (..ٱلَّذِىٓ أَعْطَىٰ كُلَّ شَىْءٍ خَلْقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ)؛ فَهُوَ مَصْدَرُ نُورِهِم، بِمَا فِى ذَلِكَ، الجُزْءُ المَادِّىُّ مِنَ الثَقَلَيْنِ (حَرَكَةُ المُخِّ وَالأَعْضَاءِ)، وَيَتَبَقَّى الجُزْءُ المَعْنَوِىُّ مِنْهُمَا (وَهُوَ الَّذِى يُمَثِّلُ حَقِيقَتَيْهِمَا)؛ وَالمُقَدَّرُ بِنِظَامٍ اكْتِسَابِىٍّ لِلنُّورِ، وَيَظَلُّ مُظْلِمًا إلَى أنْ يُوجَدَ النُّورُ، وَإلَى أنْ يَسْعَى الثَّقَلاَنِ إلَيْهِ.
وَالأَيَاتُ تَضَعُ عِلاَقَاتِ المُؤْمِنِيِنَ فِى النُّورِ، قَاطِعَةٌ الطَّريِقَ عَلَى أَىِّ عِلاَقَاتٍ ظَلاَمِيَّةٍ، فَلاَ رَمْىٌ بِالزِّنَا عَلَى عَوَاهِنِهِ، وَلاَ إِلْقَآءٌ لإِفْكٍ بِالأَلْسِنَةِ بِغَيْرِ عَلْمٍ، وَلاَ رَمْىٌ لِلمُحْصَنَاتِ الغَافِلاَتِ غَيْبًا، وَلاَ دُخُولٌ لِلبُيُوتِ مِنْ ظُهُورِهَا، . وَهُنَا فِى الأَيَةِ فَلاَ نَظَرَاتٌ خِلْسِيَّةٌ، مِنْ طَرْفٍ خَفِىٍّ (غَضُّ البَصَرِ)، وَلاَ عِلاَقَاتٌ جِنْسِيَّةٌ فِى الخَفَآءِ (حِفْظُ الفُرُوجِ)، وَلاَ إِظْهَارٌ لِزِيِنَةٍ لاَ دَاعٍ لِظُهُورِهَا، إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا لِلضَّرُورَةِ. مَعَ ضَرْبِ الخُمُرِ عَلَى الجُيُوبِ، وَإِبْدَآءِ الزِّيِنَةِ لِلمَذْكُورِيِنَ فِى الأَيَةِ، مِنَ الأَهْلِ وَالأَقَارِبِ، وَنِسَآئِهِنَّ، وَالخَدَمِ، الخ، وَعَدَمِ الضَّرْبِ بِالأَرْجُلِ لإِبْدَآءِ الزِّيِنَةِ المَخْفِيَّةِ.
إِنَّهُ الوُضُوحُ، وَمَا نُسَمِّيِهِ نَحْنُ بِالشَّفَّافِيَّةِ، وَمَبْعَثُهُ؛ النُّورُ.
.
● البَصَرُ: وَلأَنَّ البَصَرَ هُوَ أوَّلُ مَا يَحْمِلُ الإعْجَابَ بِيْنَ الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، فَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى لَهُ حَدًّا، فَأمَرَ كُلًّا مِنَ المُؤْمِنِيِنَ والمُؤْمِنَاتِ بِالغَضِّ مِنْهُ فَقَالَ تَعَالَى:
“قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ…﴿٣٠﴾” النُّور.
“وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ…﴿٣١﴾” النُّور.
وَالغَضُّ مِنْ، لاَ يَعْنِى الغَضَّ بِالكُلِّيَّةِ، وَإنَّمَا هُوَ صَرْفٌ لِلبَصَرِ عَمَّا لاَ فَائِدَةَ مِنْ وَرَائِهِ؛ إذْ إِنَّ إطَالَةَ البَصَرِ بَيْنَ الطَرَفَيْنِ دُونَمَا حَاجَةٍ هُوَ إعْلاَنٌ عَنِ الرَّغْبَةِ، وَلِذَا فَقَدْ حَدَّ اللهُ تَعَالَى البَصَرَ بِمَا يَلْزَمُهُ لِقَضَاءِ الحَوَائِجِ، وَأنْهَى الأَيَةَ بِالتَّذْكِيِرِ بِأنَّهُ خَبِيِرٌ بِمَا يَصْنَعُ النَّاسُ.
“…إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴿٣٠﴾” النُّور.
.
● الزِّيِنَةُ وَضَوَابِطُ إظْهَارِهَا:
الزِّيِنَةُ هَىَ مَا يَقَعُ التَجْمِيِلُ بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
“إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴿٧﴾” الكَهْف.
“ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ..﴿٤٦﴾” الكَهْف.
وَبِالنِّسْبَةِ إلَى المَرْأَةِ، فَما يُزَيِّنُهَا، مِنْهُ؛ مَا هُوَ مِنْ بِنْيَتِهَا، زَيَّنَهَا اللهُ تَعَالَى بِهِ، كَالحُسْنِ، والأرْدَافِ، والنَهْدِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَمِنْهُ مَا يَطْرَأُ مِنْ خَارِجِهَا، كَالحُلِىِّ، وَمَا شَابَه، وَبِالتَّالِى فَإنَّ الزِّيِنَةُ أنْوَاعٌ، فَإِذَا مَا تَعَلَّقَت بِالمَرْأَةِ فَهِىَ أرْبَعَةٌ، وَبِرَفْعِ الطَارِئ مِنْهَا فَهِىَ ثَلاَثَةٌ بِنْيَوِيَّةٌ كَالتَالِى:
1 ـزِيِنَةٌ لاَبُدَّ مِنْ إِظْهَارِهَا.
2 ـزِيِنَةٌ تَصْلُحُ أنْ تَظْهَرَ لِلأَقَارِبِ بِتَفْصِيِلٍ.
3 ـ زِيِنَةٌ مُغَطَّاةٌ تَبْدُوا بِالحَرَكَةِ، وَلاَ يَصْلُحُ إِظْهَارُهَا بِحَرَكَةٍ فَضْلاً عَنْ بِدُونِهَا. وَمَطْلُوبٌ أَنْ تَظَلَّ عَلَى خَفَائِهَا، وَلاَ يُعْلَنُ عَنْهَا بِالاخْتِلاَجِ وَالتَّمَايُلِ.
أَمَّا مَا زَادَ عَنِ الزِّيِنَةِ فَهِى العَوْرَات، كَعَوْرَةُ الفَرْجِ، وَعَوْرَةُ الإِسْتِ، وَهَذِهِ لاَ تَظْهَرُ مُطْلَقًا.
.
● وَقَدْ بَيَّنَت ءَايَاتُ سُوَرِ النُّورِ، وَالأحْزَابِ، وَالنَّمْلِ، هَذِهِ الزِّيِنَةِ بِتَفْصِيِلٍ كَالتَالِى:
1 ـ الزِّيِنَةُ الَّتِى لاَبُدَّ مِنْ إظْهَارِهَا:
وَهِىَ الَّتِى قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيِهَا:
“وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ…﴿٣١﴾” النُّور.
فَمَا هَىَ الزِّيِنَةُ الَّتِى لاَ بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا، وَالَّتِى اسْتَثْنَاهَا اللهُ تَعَالَى مِنَ عَدَمِ الإبْدَاءِ، لِلُزُومِ هَذَا الظُّهُورِ؟!
المُتَأَمِّلُ لِكِتَابِ اللهِ، وَلِلوَاقِعِ المَلْمُوسِ، سَيَجِدُ أَنَّ الوَجْهَ هُوَ مَكْمَنُ وَمَنْبَتُ الحُسْنِ. وَالحُسْنُ هُوَ مِنْ أعْلَى وَأَجْمَلِ الزِّيِنَةِ، وَبِرَغْمِ ذَلِكَ فَهُوَ وَاجِبُ الظُهُورِ، كَوْنُهُ أيْضًا مَكْمَنُ التَعَارُفِ بَيْنَ النَّاسِ. فَالوَجْهُ هُوَ المُعَرِّفُ (ID) الخَاصُّ بِصَاحِبَتِهِ هَذَا وَقَدْ دَلَّت ءَايَاتُ الكِتَابِ عَلَى ظُهُورِ الوَجْهِ صَرَاحَةً، كَمَا جَاءَ بِسُورَةِ الأحْزَابِ؛ وَفِيِهِ:
“لَّا يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِنۢ بَعْدُ وَلَآ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَٰجٍۢ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ۗ…﴿٥٢﴾” الأَحْزَاب.
فَالحُسْنُ كَانَ بَادِيًا أمَامَ النَّبِىِّ ـ إِمَامُ المُتَّقِيِنَ ـ بِلاَ غَضَاضَةٍ، كَمَا كَانَ بَادِيًا أمَامَ غَيْرِهِ، وَمِنْ ثّمَّ فَقَدْ أصْبَحَ زِيِنَةً لاَ بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا؛ وَذَلِكَ لُزومَ التَّعَامُلِ وَمُخَالَطَةِ النَّاسِ اليَوْمِيَّةِ.
وَإِخْفَاءُ هَذِهِ الزِّيِنَةِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ المَفَاسِدِ مَا يَصْعُبُ حَصْرُهُ هُنَا فِى هَذَا المَقَامِ الضَّيِّقِ، وَأَذْكُرُ مِنْهُ مَا يَلِى:
1 ـ تَسْهِيلُ وَقُوعِ الجَرِيِمَةِ: إذْ سَيُسَهِّلُ التَّنَكُّرُ لِلفَاعِلِ أنْ يَقُومَ بِفِعْلَتِهِ دُونَ أنْ يَتَمَكَّنَ أحدٌ مِنَ التَّعَرُّفِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ قَدْ صُوِّرَ بِكَامِيِرَاتِ المُرَاقَبَةِ حَتَّى.
2 ـ شُيُوعُ التُهْمَةِ: فَوُقُوعُ جَرِيِمَةٍ مَا مِنْ مَنْ تُخْفِى وَجْهَهَا يُؤَدِّى لُزُومًا إلَى شُيُوعِ هَذِهِ الجَرِيِمَةِ، وَضَيَاع فُرْصَةِ الإِمْسَاكِ بِفَاعِلِهَا.
3 ـ فُقْدَانُ الشَّهَادَةِ: فَلَوْ وَقَعَت حَادِثَةٌ مَا بِحُضُورِ مَنْ تُغَطِّى وَجْهَهَا لاسْتَحَالَ الاسْتِعَانَةُ بِهَا لِتُدْلِى بِشَهَادَتِهَا الَّتِى قَدْ تَكُونُ مَصِيِريَّةً بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهَا.
4 ـ شُيُوعُ الفَاحِشَةِ فِى المُجْتَمَعِ فِى ظِلِّ الأَمْنِ مِنَ تَحْدِيِدِ الفَاحِشِ، وَالإِمْسَاكِ بِهِ.
وَلِمِثْلِ هَذِهِ النِقَاطِ الخَطِيِرَةِ فَقَدْ اسْتَثْنَى اللهُ تَعَالَى زِيِنَةُ الوَجْهِ مِنَ أنْ يَشْمَلَهَا ضَرْبُ الخُمُرِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الجُيُوبِ، وَذَلِكَ كَمَا جَاءَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: “..وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ” النُّور.
.
2 ـ زِيِنَةٌ تَصْلُحُ أنْ تَظْهَرَ للأَقَارِبِ بِتَفْصِيِلٍ.
عَرِفْنَا أنَّ الخُمُرُ هِىَ الأَغْطِيَةُ، وَهِىَ هُنَا مَا سَتَرْتَدِيِهِالمَرْأَةُ مِنْ مَلاَبِسٍ عُمُومًا (وَلَيْسَ كَمَا قِيِلَ أنَّهَا غِطَاءُالرَأْسِ). فَإذَا كَانَت الخُمُرُ هِىَ مَا سَيُغَطِّى الجِسْمَ مِنَ المَلاَبِسِ وَالثِّيَابِ؛ فَأَيُّ الجِسْمِ سَيُغَطِي الخِمَار (اللباس)، وَمَاهِىَ الجُيُوبُ؟!
الجَيْبُ (بِاخْتِصَارٍ) هُوَ مَا يَلْتَصِقُ، وَيُخْفِى، وَمِنْهُ جَيْبُ الثَوْبِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى لِمُوسَى:
“وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوٓءٍۢ ۖ…﴿١٢﴾” النَّمْل.
“ٱسْلُكْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوٓءٍۢ…﴿٣٢﴾” القَصَص.
فَإدْخَالُ اليَدِّ فِى الجَيْبِ جَعَلَهَا مُخْتَفِيَةً، بِحَيْثُ أنَّهُ سَاعَةَ إخْرَاجِهَا مِنَ الجَيْبِ بَدَت عَلَى صُورَةٍ أُخْرَى. وَالجُيُوبُ مِنَ المَرْأَةِ ثَلاَثَةٌ، كَالتَالِى:
1 ـ جَيْبُ النَهْدَيْنِ، وَيَبْدَأُ بِالخَطِّ الفَاصِلِ بَيْنَهُمَا، إلَى ءَاخِرِ الفَارِقِ.
2 ـ جَيْبُ الإِبِطِ، وَيَبْدَأُ مِنَ الكُوعِ إلَى ءَاخِرِ عُمْقِ الإِبِطِ.
3 ـ جَيْبُ الفَخْذَيْنِ، وَيَبْدَأُ مِنَ الرُكْبَةِ إلَى ءَاخِرِ الْتِقَاءِ الفَخْذَيْنِ.
وَقَدْ جَاءَ أمْرُ اللهِ لِلمُؤْمِنَاتِ بِتَغْطِيَةِ هَذِهِ الجُيُوبِ، وعَدَمِ التَبَرُّجِ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَةِ الأُولَى:
“…وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ…﴿٣١﴾” النُّور.
حَيْثُ كَانَت هَذِهِ الجُيُوبُ عَادَةً مَا تَظْهَرُ، مِنَ الخُمُرِ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ الأَنَ مِنْ مَلاَبِسٍ تُظْهِرُ فَتْحَةَ الصَدْرِ، وَبِدَايَةَ النَهْدَيْنِ، والإبِطِ، فِيِمَا يُسَمَّى بالشَابُونِيِز، وَاَوَّلُ الفَخْذَيْنِ، فِيِمَا يُسَمَّى بِالمِيِنِى جِيِب، أوْ المَايِكْرُو جِيِب.
ثُمَّ إنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أتْبَعَ أمْرَهُ بِضَرْبِ الخُمُرِ عَلَى الجُيُوبِ بِأمْرٍ ءِاخَرَ، قَالَ فِيِهِ:
“يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿٥٩﴾” الأَحْزَاب.
مَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ لُزُومَ إدْنَاءِ المَلاَبِسِ عَلَى الذِّرَاعِ فِيِمَا دُونَ الكُوعِ، وَعَلَى الرِجْلَيْنِ فِيِمَا دُونَ الرُكْبَةِ، كَمَا يُسْتَفَادُ أيْضًا لُزُومَ كَوْنِ الثِيَابِ غَيْرُ ضَيِّقَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: “جَلَـٰبِيبِهِنَّ“.
● بِهَذَا حَفِظَ اللهُ المَرْأَةَ المُؤْمِنَةَ مِن أنْ تَخْرُجَ فَتُثِيِرُ الشَهَوَاتِ، أوْ تَكُونَ مِنْ دُعَاةِ الإِفْسَادِ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: “ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ“، إذْ سَتُعْرَفُ مَنْ تَخْرُجُ عَلَى هَذِهِ الهَيْئَةِ المُحْتَرَمَةِ، الوَقُورَةِ بِصَلاَحِهَا، فَلاَ يَتَعَرَّضُ لَهَا مَنْ فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ؛ فَيُؤْذِيِهَا، وَلَوْ بِكَلِمَةٍ خَادِشَةٍ لِلحَيَاءِ.
● إلاَّ أنَّ مَا سَبَقَ ذِكْرَهُ مِنْ هَيْئَةٍ عِنْدَ الخُرُوجِ يَشُقُّ عَلَى المَرْأَةِ فِى حَيَاتِهَا دَاخِلَ بَيْتِهَا، حَيْثُ يَلْزَمُ أنْ تَتَخَفَّفَ مِنْ ثِيَابِهَا، لِطَبِيِعَةِ قَضَاءِ الحَوَائِجِ فِى البَيْتِ، مِنْ طَبْخٍ، إلَى تَنْظِيِفٍ، إلَى تَنْظِيِفِ المَلاَبِسِ، إلَى العِنَايَةِ بِالأَطْفَالِ، وَمَا شَابَه، بِالإِضَافَةِ إِلَى حَرَارَةِ الجَوِّ، مَا يُؤَدِّى إلَى ظُهُورِ بَعْضَ الزِّيِنَةِ بِخِلاَفِ مَا لاَ بُدَّ مِنْ إظْهَارِهِ عِنْدَ الخُرُوجِ، بِنَفْسِ الوَقْتِ الَّذِى هِىَ فِيِهِ عُرْضَةً لِدُخُولِ أحْدٍ مِنَ الأَقَارِبِ عَلَيْهَا وَهِىَ فِى هَذِهِ الحَالَة، وَمِنْ هُنَا فَقَدْ جَآءَت الأَيَةُ لِتُحَدِّدَ أصْنَافَ الَّذِيِنَ يُمْكِنُ لِلمُؤْمِنَةِ أنْ تُظْهَرَ أمَامَهُم بِهَذِهِ الزِّيِنَةِ، بِلاَ حَرَجٍ عَلَيْهَا أوْ عَلَيْهِم، فَقَالَ مَنْ لَهُ وَحْدَهُ أسْجُدُ:
“…وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖوَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ…﴿٣١﴾” النُّور.
.
● إلاَّ أنَّ مَا سَبَقَ ذِكْرَهُ مِنْ هَيْئَةٍ عِنْدَ الخُرُوجِ يَشُقُّ عَلَى المَرْأَةِ فِى حَيَاتِهَا دَاخِلَ بَيْتِهَا، حَيْثُ يَلْزَمُ أنْ تَتَخَفَّفَ مِنْ ثِيَابِهَا، لِطَبِيِعَةِ قَضَاءِ الحَوَائِجِ فِى البَيْتِ، مِنْ طَبْخٍ، إلَى تَنْظِيِفٍ، إلَى تَنْظِيِفِ المَلاَبِسِ، إلَى العِنَايَةِ بِالأَطْفَالِ، وَمَا شَابَه، بِالإِضَافَةِ إِلَى حَرَارَةِ الجَوِّ، مَا يُؤَدِّى إلَى ظُهُورِ بَعْضَ الزِّيِنَةِ بِخِلاَفِ مَا لاَ بُدَّ مِنْ إظْهَارِهِ عِنْدَ الخُرُوجِ، بِنَفْسِ الوَقْتِ الَّذِى هِىَ فِيِهِ عُرْضَةً لِدُخُولِ أحْدٍ مِنَ الأَقَارِبِ عَلَيْهَا وَهِىَ فِى هَذِهِ الحَالَة، وَمِنْ هُنَا فَقَدْ جَاءَت الأَيَةُ لِتُحَدِّدَ أصْنَافَ الَّذِيِنَ يُمْكِنُ لِلمُؤْمِنَةِ أنْ تُظْهَرَ أمَامَهُم بِهَذِهِ الزِّيِنَةِ، بِلاَ حَرَجٍ عَلَيْهَا أوْ عَلَيْهِم، فَقَالَ مَنْ لَهُ وَحْدَهُ أسْجُدُ:
“…وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖوَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ…﴿٣١﴾” النُّور.
.
● فَالمُؤْمِنَةُ يُمْكِنُهَا أنْ تَسْتَقْبِلَ فِى بَيْتِهَا حَالَ تَخَفُّفِهَا مِنْ ثِيَابِهَا (..وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا..) الأَصْنَافُ الأَتِيَةُ:
1 ـ بَعْلُهَا “لِبُعُولَتِهِنَّ“: وَالبَعْلُ هُوَ مَنْ انْفَصَلَ (جِنْسِيًّا) عَنْ زَوْجِهِ، لِعِلَّةِ الطَّلاَقِ، أَوْ لِعِلَّةِ الشَيْخُوخَةِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى:
“…وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوٓا إِصْلَـٰحًا ۚ…﴿٢٢٨﴾” البَقَرَة.
“قَالَتْ يَـٰوَيْلَتَىٰٓ ءَأَلِدُ وَأَنَا۠ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِى شَيْخًا ۖ…﴿٧٢﴾” هُود.
2 ـ الأَبَآءُ (أَوْ آبَائِهِنَّ): وَيَشْمَلُ ذَلِكَ الأَبُّ وَالأُمُّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
“وَأَمَّا ٱلْغُلَـٰمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ…﴿٨٠﴾” الكَهْف.
3 ـ ءَابَآءُ البُعُولِ (أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ): وَيَشْمَلُ ذَلِكَ أَبُّ وَأُمُّ البَعْلِ، عَلَى التَفْصِيِلِ السَّابِقِ.
4 ـ أبْنَائِهِنَّ (أَوْ أَبْنَائِهِنَّ).
5 ـ أَبْنَاءُ بُعُولَتِهِنَّ (أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ): وَيَشْمَلُ كُلَّ أبْنَاءِ البَعْلِ، عَلَى التَفْصِيِلِ السَّابِقِ.
6 ـ إخْوَانِهِنَّ (أَوْ إِخْوَانِهِنَّ).
7 ـ بَنُو إخْوَانِهِنَّ (أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ).
8 ـ بَنُو أَخَوَاتِهِنَّ (أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ): وَلَمْ يَذْكُرَ الأخَوَاتِ لِبَدَاهِة الاشْتِبَاكِ الحَادِثِ مُنْذُ الصِغَرِ.
9 ـ نِسَائِهِنَّ (أَوْ نِسَائِهِنَّ): وَسَبَقَ ذِكْرَهُم بِالتَّفْصِيِلِ فِى تَعْرِيِفِ النِّسَآءِ.
10 ـ مَا مَلَكَت يَمِيِنُهَا (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ): مِنَ الذُّكُورِ أوْ الإنَاثِ الَّذِيِنَ يَدْخُلُونَ البَيْتَ لِلخِدْمَةِ أوْ مَا شَابَه.
11 ـ التَّابِعِيِنَ غَيْرِ أُولِى الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ (أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ): وَهُمْ مَنْ فَقَدُوا الإرَبَ فِى النِّسَاءِ، إذْ الإرْبُ هُوَ المَطْلَبُ والانْتِفَاعُ:”..وَلِىَ فِيهَا مَـَٔارِبُ أُخْرَىٰ ﴿١٨﴾“طَهَ.
12 ـ الطِّفْلُ الَّذِيِنَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَآءِ (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ): وَلاَ يَحْتَاجُ الأَمْرَ فِى ذَلِكَ إلَى تَفْصِيِلٍ.
فَهُؤُلاَءِ اثْنَا عَشَرَةَ صَنْفًا (1)، أتَاحَ اللهُ لِلمَرْأَةِ المُؤْمِنَةِ أنْ تُخَالِطَهُم وَهِىَ بِمَلاَبِسِ البَيْتِ دُونَ أدْنَى حَرَجٍ. وَمَلاَبِسُ البَيْتِ عَادَةً مَا تُظْهِرُ بَعْضًا مِنَ الجُيُوبِ السَّابِقِ ذِكْرُهَا، كَأنْ يَظْهَرَ جُزْءٌ مِنَ الرِّجْلِ، أوْ مِنَ الذِّرَاعِ، َاوْ مِن فَتْحَةِ الصَدْرِ، أوْ مَا شَابَه.
وَلأَنَّنَا فِى رِحَابِ سُورَةِ النُّورِ وَما فِيِهَا مِنْ فُيُوضٍ، فَلاَبُدَّ وَأَنْ نَنْتَبِهَ إِلَى أَنَّ التَّخْفِيِفَ مِنَ الثِّيَابِ لاَ يَعْنِى التَّبَرُّجُ بِزِيِنَةٍ. وَهَذَا مَا كَانَت الأَيَاتُ دَقِيِقَةً فِى بَيَانِهِ، حَتَّى لاَ يُفْهَمُ مِنَ السِّيَاقِ إِبَاحَةَ كَشْفِ زِيِنَةٍ مِنَ الزِيِنَةِ الخَفِيَّةِ كَالأَفْخَاذِ، أَوْ النُّهُودِ، وَمَا شَابَه، حَتَّى أَنَّ اللهَ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ نَصَّ عَلَيْهِ فِى حَقِّ القَوَاعِدِ مِنَ النِّسَآءِ الَّلاتِى لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا، وَفِيِه:
“وَٱلْقَوَٰعِدُ مِنَ ٱلنِّسَآءِ ٱلَّـٰتِى لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَـٰتٍ بِزِينَةٍۢ ۖ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴿٦٠﴾” النُّور.
● فَالتَخْفِيِفُ مِنَ المَلاَبِسِ، لاَ يُخَوِّلُ لِلقَوَاعِدِ مِنَ النِّسَآءِ، أنْ يَتَبَرَّجْنَ بِزِيِنَةٍ، سَوَاءٌ كَانَت زِيِنَةً بِنْيَوِيَّةً، أَوْ زِيِنَةً طَارِئَةً.فَمَا بَالُنَا بَالَّواتِى يَرْجُونَ نِكَاحًا، وَلَسْنَ مِنَ القَوَاعِدِ؟!!
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: “غَيْرَ مُتَبَرِّجَـٰتٍ بِزِينَةٍۢ“، يَسُوقُنَا إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى لِنِسَآءِ النَّبِىِّ بِسُورَةِ الأَحْزَابِ:
“وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ ٱلْأُولَىٰ ۖ…﴿٣٣﴾” الأَحْزَاب.