.
أَشَرْنَا فِى المَقَالِ السَّابِقِ أَنَّهُ كَانَ عَلَى قِمَّةِ التَجْهِيزَاتِ وَالنِّعَمِ الَّتِى أنْعَمَ اللهُ تَعَالَى بِهَا عَلَى الإنْسَانِ وَلَمْ يُنْعِمُ عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا؛ نِعْمَةُ القَلْبِ (1). فَبهِ يَتَفَكَّرُ، ويَتَذَكَّرُ. ويَرْتَقي، ويَنْتَقِي. ويُمَيّزُ، وَيَتَحَيَّزُ. وَيَخْتَارُ، ويَتَّخذُ القَرَارَ. ويُحَقِّقُ الخِلاَفَةَ، ويَحْمِلُ الأَمَانَةَ. وَيَتَأَمَّلُ فِي ءَالآءِ اللهِ، فَيُوَثِّقُ صِلَتَهُ باللهِ، وَلَوْلاَهُ لَكَانَ الإِنْسَانُ لاَ يَزَال عَاجِزًا عَنْ التَلَقِّي والتَرَقِّي، أَوْ التَعَقُّلِ وَالتَفَضُّلِِ، وَلَكَانَ مَعَ الوُحُوشِ يَسْفِكُ وَيَقْتُلُ.
وَإِذَا مَا تَحَدَّثَنَا عَنِ القَلْبِ فَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنِ:
1 ـ العَقْلُ (وحْدَةُ الحِسَابِ، وَالمَنْطِقِ)، وَهُوَ الجُزْءُ المُشْتَغِلُ بِالتَّفَكُّر، وَبِعَمَلِ تَحْلِيلٍ لِلمَادِّيَّاتِ وَالجُزْئِيَّاتِ، وَالوُصُولِ إِلَى الفَهْمِ مِنْ خِلاَلِ نَتَائِجِ هَذِهِ العَمَلِيَّاتِ، وَيَتَأَثَّرُ بِالهَوَى وَالمَزَاج.
“يَسْمَعُونَ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ ..“.
“أَفَلَمْ يَسِيرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌۭ يَعْقِلُونَ بِهَآ …﴿٤٦﴾” الحج.
2 ـ الذَّاكِرَةُ، وَهِى الوِحْدَةُ المَسْؤُولَةُ عَنْ إِمْدَادِ بَقِيَّةِ مُكَوِّنَاتِ القَلْبِ (عَدَا المُخِّ) بِمَا تَحْتَاجُهُ مِنْ خِبْرَاتٍ لِلبِنَآءِ عَلَيْهَا.
3 ـ المُخُّ، وَهُوَ الجُزْءُ المُشْتَغِلُ بِعَمَلِ وَوَظَائِفِ الأَعْضَاءِ (Physiology)، بَعِيدًا عَنْ تَحَكُّمِ الإِنْسَانِ، وَفِىِ نَوْمِهِ كَمَا فِى يَقَظَتِهِ.
4 ـ الفُؤَادُ (وحْدَةُ العَوَاطِفِ، وَالأَحَاسِيسِ)، المُشْتَغِلُ بالمَعْنَوِيَاتِ، وَالمَاوَرَائِيَّاتِ، وَمِيِتَافِيِزْيَآءِ المَحْسُوسِ.
5 ـ المُخَيَّلَةُ (وحْدَةُ التَخَيّلِ، وَالتَصَوُّرِ)، وَهِى الوِحْدَةُ المَسْؤُولَةُ عَنْ الوَهِمِ وَالخَيَالِ وَاخْتِرَاعِ غَيْرِ المَوْجُودِ ابْتِدَآءً.
نَسْتَطِيعُ أنْ نَقُولَ: إنَّ القَلْبَ هُوَ ـ فِي الحَقِيقَةِ ـ مَجْمُوعَةُ الأَعْضَآءِ الَّتِى تَعْكِسُ جَوْهَرَ الإِنْسَانِ، وَكُلُّ الأَعْضَآءِ الأُخْرَى هِيَ فِى خِدْمَتِهِ، إِمَّا بِالنَقْلِ، أَوْ بِالتَعْبِير. فَالقَلْبُ هُوَ العُضْوُّ المُدَبِّرُ، الفَاهِمُ، الوَاعِيُ، العَاقِلُ، الحَسَّاسُ، وَهُوَ المُهَيْمِنُ عَلَى الجَسَدِ كُلِّهِ، سَوَاءٌ فِى المُخْتَارِ مِنَ الأَفْعَالِ، أَوْ غَيْرِ المُخْتَارِ مِنْهَا، وَبَقِيَّةُ الأَعْضَاءِ مُلْحَقَةٌ بِهِ بِالتَبَعِيَّةِ.
وَمَحِلُّ القَلْبِ هُوَ الصَدْرُ، أَوْ الرَّأسُ. وَقَدْ جَاءَ القُرْءَانُ بِالكَثِيرِ مِنْ هَذِهِ الحَقَائِقِ، وَلَكِّنَ النَّاسَ غَفَلُوا عَنْهَا، لَمَّا هَجَرُوا القُرْءَانَ، لأَقْوَالِ البَشَرِ. وَقَدْ تَسَبَّبَ ذَلِكَ فِي تَشْوِيهِ حَقِيقَةِ القَلْبِ عِنْدَهُم، فَصَارَ القَلْبُ هُوَ ذَلِكَ العُضْوُ البَاطِنِيُّ، الصُنْبُوريُّ، القَابِعُ فِى تَجْويفِ القَفَصِ الصَدْريِِّ، وَالَّذِي يَقُومُ بِضَخِِّ الدَمِّ إِلَى جَمِيع أَجْزَاءِ الجَسَدِ، وَأَضْحَى الصَدرُ هُوَ ذَلِكَ القَفَصُ الصَدْريُ، الَّذِي يَتَمَوْقَعُ فِيهِ القَلْبُ المَضَخَّةُ.
والقَلْبُ لِسَانًا: هُوَ دَاخِلُ الشَيْءِ ولُبُّهُ (2).
يَتْبَع