المَنْهَجُ العِلْمِيُّ لِتَدَبُّرِ القُرْءَانِ

القُرْءَانُ هُوَ كِتَابٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِيِنَ: “تَنزِيلٌۭ مِّن رَّبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ“. وَهُوَ كِتَابٌ غَيْرُ عَادِىٍّ، وَيَحْتَاجُ إلَى دِرَاسَةٍ دَقِيِقَةٍ، وَتَدَبُّرٍ جَمٍّ:

كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ مُبَـٰرَكٌۭ لِّيَدَّبَّرُوٓا۟ ءَايَـٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَـٰبِ ﴿٢٩﴾” ص.

مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا۟ عِبَادًۭا لِّى مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن كُونُوا۟ رَبَّـٰنِيِّيِنَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَـٰبَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ﴿٧٩﴾ءَال عِمْرَان.

.

وَلاَ بُدَّ لِمَنْ يُرِيِدَ أنْ يَتَنَاوَلَ هَذَا الكِتَابَ بِالدِّرَاسَةِ، مِنْ مَنْهَجٍ سَلِيِمٍ يَأخُذُ بِيَدِهِ إِلَى مَا فِى الكِتَابِ مِنْ حَقٍّ، بِدِقَّةٍ مُتَنَاهِيَةٍ، تَمْنَعُهُ مِنَ الزَلَلِ أوْ الشَّطَطِ، وَتُوَحِّدُ كُلَّ الدَّارِسِيِنَ فِى مَسَارٍ وَاحِدٍ، بِحَيْثُ لاَ تَتَعَدَّدُ النَّتَائِجُ فِى فَهْمِ الأَيَةِ الوَاحِدَةِ، أوْ اسْتِيِعَابِ المَوْضُوعِ الوَاحِدِ، فَيَذْهَبُوَا إِلَى غَيِرِ مُرَادِ رَبِّ العَالَمِيِن مِنْ إِنْزَالِهِ كِتَابِهِ. وَلِكَىِّ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فَلاَبُدَّ وَأَنْ يَكُونَ المَنْهَجُ العِلْمِىُّ لِتَدَبُّرِ القُرْءَانِ هُوَ الأَخَرُ رَبَّانِيًّا كَالكِتَابِ المَدْرُوسِ، فَيَكُونُ حَاكِمًا مِنْهُ عَلَيْهِ، وَإِلاَّ صَارَ مَنْهَجًا بَشَرِيًّا، وَحَاكِمًا غَرِيِبًا عَلَىَ كِتَابِ الرَّبِّ سُبْحَانِهِ. وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّ مَنْهَجًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ لاَ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ هَكَذَا؛ إلاَّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَخْرَجًا مِنَ الكِتَابِ نَفْسَهُ، وَهُوَ مَا سَنَسْتَعْرِضَهُ فِى السُّطُورِ القَادِمَةِ.

.

وَلِعَلَّنَا رَأَيْنَا كَيْفَ أنَّ مَنْ يَشْتَغِلُونَ بِدِرَاسَةِ الكِتَابِ مِمَّنْ نُعَاصِرَهُم، وَمِمَّن سَبَقُوا قَدْ وَقَعُوا فَى أخْطَاءٍ فَادِحَةٍ، فَذَهَبُوا فِى الأَيَةِ الوَاحِدَةِ كُلِّ مَذْهَبٍ، بَل، وَفِى الكَلِمَةِ الوَاحِدَةِ، وَتَشَعَّبَت بِهِمُ السُبُلُ، كَنَتِيِجَةٍ حَتْمِيَّةٍ لِغِيَابِ المَنْهَجِ الرَّبَّانِىِّ (المَنْشُود هُنَا) لِدِرَاسَةِ الكِتَابِ، وَاسْتِبْدَالِهِ بِمَنَاهِجٍ مُتَابَيِنَةٍ مِنْ صُنْعِ أوْهَامِهِم، وَبَنَاتِ أَفْكَارِهِم، وَهُوَ مَا نَجِدُهُ بَيِّنًا بَدْءًا مِنْ كُتُبِ التَفَاسِيِر، وَانْتِهَاءً بِكُتُبِ المُعَاصِرِيِنَ وَخَاصَّةً مَنْ زَعَمَ مِنْهُم أنَّ دِرَاَسَتَهُ هِىَ قِرَأَةً مُعَاصِرَةً لِلكِتَابِ، ثُمَّ أشْبَعَنَا عِوَجًا.

.

وَنَظَرًا لِأَهَمِّيَّةِ تَحْرِيِرِ المَنْهَجِ قَبْلَ البَدْءِ، فَقَدْ رَأَيْتُ أنْ أبْدَأَ بِهَذِهِ المُحَاوَلَةِ الَّتِى أُحَاوِلُ فِيِهَا أنْ أُبَيِّنَ مَا ارْتَأيْتَهُ خِلاَلِ رِحْلَةِ بَحْثِى مِنْ مَنْهَجٍ سَلِيِمٍ وَءَامِنٍ لِلإِبْحَارِ فِى خِضَمِّ الأَيَاتِ الرَّبَّانِيَّاتِ، أمَلاً فِى الوُصُولِ إلَى مَا أرَادَ اللهُ تَعَالَى أنْ يُوصِلَهُ لَنَا مِنْ خِلاَلِ كِتَابِهِ، غَيْرَ مُدَعِيٍ أنَّ لِىَ المُنْتَهَى، وَلَكِن أزْعُمُ هُنَا أنَّ كَلاَمِى سَيَكُونُ مُوَثَّقًا بِالأَيَاتِ. وَعَلَى اللهِ نَتَوَكَّلُ، لاَ إِلَهَ إلاَّ هَوَ، هُوَ حَسْبِى، وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيِم.

● ● ●

Subscribe
نبّهني عن
guest

2 تعليقات
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
عبد الحميد
عبد الحميد
6 سنوات

بارك الله فيك أستاذ ايهاب
لكن اين الباقي انا بالانتضار وشكرا

2
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x