.
يَحَسْبُ البَعْضُ أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ أُمّيًّا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَكْتُب أَوْ يَقْرَأ، وَأَنَّ قَوْمَهَ كَانُوا أُمِّيِّينَ بِمَعْنَى أَنَّهُم كَانُوا كَذَلِكَ لاَ يَكْتُبُونَ وَلاَ يَقْرَؤُونَ، فَهَؤُلآءِ قَوْمٌلاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الأَلْفَاظِ ـ عَلَى دِقَّتِهَا ـ، وَيَسْتَوي عِنْدَهُم القَوْلُ بِكَلِمَةِ: “الخَطِّ”، أَوْ كَلِمَةِ: “الكِتَابَةِ”، وَكَذَلِكَ يَسْتَوِي عِنْدَهُم القَوْلُ بِكَلِمَةِ: “التِّلاَوَةِ”، أَوْ كَلِمَةِ: “القِرَاءَةِ”، عَلَى مَا بَيْنَ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ فَارِقٍ وَاسِعٍ وَدَقِيقٍ.
وَلِذَا فَإِنَّنَا هُنَا سَنَبْحَثُ خَمْسَةَ وُحْدَاتٍ أَسَاسِيَّةٍ لِتَكُونَ هِيَ مُفْتَاح فَهْمِ المَوْضُوعِ، وَهِيَ الأَلْفَاظ:
“التِّلَاوَةُ”، “القِرَاءَةُ”، “الخَطُّ”، “الكِتَابَةُ”، “الأُمِيَّةُ”.
كُلٌّ فِى مَوْضِعِهِ (اضْغَط عَلَى أَى كَلِمَةٍ لِلانْتِقَالِ إِلَيْهَا)
.
مَعْنَي التِّلاَوَة:
⛔ التِّلاَوَةُ أَصْلُهَا مِنَ الـ: “تَّلْوِ”، وَهِىَ المُتَابَعَةِ، وَ: “التَّالِي” أَيْ الأَتِي تَبَعًا، وَتَأتِي الأَشْيَاءُ تِلْوَ بَعْضِهَا، أَيْ مُتَتَابِعَةً، وَتَلْوُ الشَيْءِ: أَيْ الَّذِى يَتْلُوهُ. وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي الأَذْهَانِ.
وَتِلاَوَةُ المَخْطٌوطِ وَالمَكْتُوبِ تَعْنِي مَا يَلْفَظُهُ النَّاسُ بِأَلسِنَتِهِم لِمَخْطُوطٍ أَوْ كِتَابٍ مَا، بِتَتَالِي كَلاَمِهِ، فَإِذَا مَا اخْتَارَ الشَّخْصُ بَعْضَ الكَلاَمِ دُونًا عَنِ البَعْضِ الأَخَرِ سَقَطَت عَنْهُ صِفَةُ التِّلاَوَةِ.
⛔ وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ عَنْ التِّلاَوَةِ:
“وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ عَلَىٰ شَىْءٍۢ وَقَالَتِ ٱلنَّصَـٰرَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَىْءٍۢ وَهُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَـٰبَ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ۚ ..﴿١١٣﴾” البقرة.
فبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ كُلاًّ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَي قَدْ اكْتَفَوْا بِالتِّلاَوَةِ، فَأَدَّي بِهِم ذَلِكَ إِلَى القَوْلِ بِمَا قَالَ بِهِ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ. فَالتِّلاَوَةُ وَحْدَهَا لاَ تُبَدِّدُ الجَهْلَ، وَإِنِّمَا يُبَدِّدُهَا التَّدَبُّرُ وَالدِّرَاسَةُ. وَلِذَا فَهُمْ يَتْلُونَ وَلاَ يَنْتَفِعُونَ بِتِلاَوَتِهِم.
.