◄ “مِلْكِ اليَمِيِنِ”؛ يَتَكَوَّنُ مِنْ لَفْظَيْنِ، يَسْتَقِلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ مُنْفَرِدًا، وَهُمَا: “مِلكٌ”، و: “يَمِيِنٌ”. وَقَدْ اصْطُلِحَ عَلَى أنَّهُ إِذَا مَا جُمِعَا مَعًا فَيَكُونُ النَّاتِجُ (مِلْكُ اليَمِيِنِ) هُوَ َتَعْرِيفٌ لِمَجْمُوعَةٍ مِنَ النَّاسِ، مَوْجُودَةٍ فِى كُلِّ زَمَانٍ، مَعَ تَغَيُّرِ المَكَانِ وَالبِيِئَةِ المُتَوَاجِدِيِنَ بِهَا، وَكَذَلِكَ مَعَ تَغَيَّرِ مُسَمَّاهَا مِنْ عَصْرٍ لأَخَرِ، وَإِنْ بَقِيَت حَقِيِقَةُ وُجُودِهِم كَمَا هِىَ بِلاَ تَغْيِيرٍ.
وَالمِلْكُ (بِكَسْرِ المِيِمِ)، وَالمُلْكُ (بِضَمِّهَا)، يَشْمَلُ الاسْتِحْوَاذَ وَالهَيْمَنَةَ، وَالمِلْكِيَّةَ. يَقُولُ تَعَالَى عَنْ يَوْمِ الدِّيِنِ:
“مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ ﴿٤﴾” الفَاتِحَة.
وَيَقُولُ عَنْهُ أَيْضًا:
“.. لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ ٱلْوَٰحِدِ ٱلْقَهَّارِ﴿١٦﴾“غَافِر.
فَالمِلْكِيَّةُ هُنَا مَقْصُودٌ بِهَا المِلْكُ، وَالمُلْكُ مَعًا، بِمَا يَعْنِيِهِ ذَلِكَ مِنَ الهَيْمَنَةِ، وَالقُدْرَةِ، والتَّصَرُّفِ.
وَيَقُولُ تَعَالَى عَنْ مِلْكِيَّةِ الأَنْعَامِ:
“أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعَـٰمًا فَهُمْ لَهَا مَـٰلِكُونَ﴿٧١﴾” يَس.
● وَيُقَالُ عَنِ الشَيْءِ: “مِلْكُ فُلاَنٍ”، أَيْ أَنَّ مِلْكِيَّتَهُ وَحَقَّ التَّصَرُّفِ فِيهِ يَعُودَانِ لِفُلاَنٍ هَذَا، فَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ، أَوْ يَهَبَهُ، أَوْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِحَسْبِ مَا يَرَىَ. فَالمِلْكِيَّةُ إذًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا (تِلْقَائِيًّا) حُرِّيَّةُ التَّصَرُّفِ (1)، كَأَنْ يَقُولُ تَعَالَى:
“قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّىٓ إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلْإِنفَاقِ ۚ..﴿١٠٠﴾” الإِسْرَآء.
.
● وَاليَمِيِنُ يُشِيرُ أَصْلاً إِلَى الجِهَةِ، وَهُوَ عَكْسُ الشِّمَالِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
“..وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ ٱلْيَمِينِ وَذَاتَ ٱلشِّمَالِ ۖ وَكَلْبُهُم بَـٰسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِٱلْوَصِيدِ ۚ..﴿١٨﴾“.
“.. يَتَفَيَّؤُا ظِلَـٰلُهُۥ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلشَّمَآئِلِ..﴿٤٨﴾” النَّحْل.
فَمَا هُوَ عَنْ يَمِينِكَ هُوَ مَا يَقَعُ جِهَةَ اليَمِيِنِ مِنْكَ.
● وَلأَنَّ اليَدَّ تَرْمُزُ إلَى القُدْرَةِ وَالتَّصَرُّفِ؛ وَلِأَنَّ أغْلَبَ اسْتِخْدَامِ اليَدِّ يَقَعُ عَلَى اليَمِينِ؛ قِيلَ بِاليَمِينِ يُقْصَدُ بِهَا التَّصَرُّفِ، وَالقُدْرَةِ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى (العَنْكَبُوت 48) مُبَيِّنًا أنَّ اليَمِينَ هِىَ المُعْتَادُ مِنْهَا الخَطُّ:
“وَمَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِۦ مِن كِتَـٰبٍۢ وَلَا تَخُطُّهُۥ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّٱرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ“.
وَكَذَلِكَ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى التَالِى عَنْ مُوسَىَ وَإِبْرَاهِيِم، نَجِدُ أنَّ اليَمِينَ هِىَ المَنُوطُ بِهَا التَّصَرُّفَ والمُبَادَرَةَ:
“وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَـٰمُوسَىٰ ﴿١٧﴾” طَهَ.
“وَأَلْقِ مَا فِى يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوٓا ۖ..﴿٦٩﴾” طَهَ.
“فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًۢا بِٱلْيَمِينِ﴿٩٣﴾” الصَّافَات.
وَلَمَّا كَانَ لِكُلِّ إنْسَانٍ يَمِينُهُ، بِمَعْنَى حُرِّيَّةِ تَصَرُّفِهِ، فَإِنَّ مَنْ تَنْتَقِلُ حُرِّيَّةُ تَصَرُّفِهِ (يَمِينِهِ) إلَى غَيْرِهِ فَقَدْ صَارَ يَمِينُهُ مِلْكًا لِغَيْرِهِ، وَأصْبَحَ هَذَا الغَيْرُ دَاخِلاً فِى يَمِيِنِهِ (تَصَرُّفِهِ) يَمِيِنُ غَيْرِهِ. فَإذَا ما كَانَ الأَمْرُكَذَلِكَ فَلاَ تَأتِى اليَمِينُ بَعْدَ المِلْكِ إلاَّ مَضْمُومَةً، وَذَلِكَ لِكَوْنِهَا فَاعِلٌ؛ كَقْوْلِهِ تَعَالَى: “أيْمَانُكُم، أيْمَانُهُم، أيْمَانُهُنَّ، يَمِينُك”.
أمَّا إِذَا مَا جَاءَت اليَمِينُ بَعِيدًا عَنْ المِلْكِ فَتَأتِى بِحَسَبِ مَوْقِعِهَا مِنَ الجُمْلَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: “أيْمَانِكُم، أيْمَانَكُم، أيْمَانِهِم، أيْمَانَهُم، يَمِيِنِك”.
لِلتَّوَسُّعِ رَاجِع: هُنَا، وَهُنَا، وَهُنَا، وَهُنَا.