نِعَم – نِعْمَة ◄ النِّعْمَةُ مِنَ النَّعْمِ “نَ عْ م”، هِىَ عَطَاءٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى لِلإِنْسَانِ؛ كَنِعْمَةِ الرِّزْقِ، وَنِعْمَةِ الأَمْنِ، وَنِعْمَةِ الاطْمِئْنَانِ، وَنِعْمِ السَّمْعِ، وَالبَصَرِ، وَالعَقْلِ، وَالفُؤَادِ، وَنِعْمَةِ المُلْكِ، وَنِعْمَةِ قُرَّةِ العَيْنِ، . . الخ، انْتِهَاءً بِنِعْمَةِ إِرْسَالِ الرِّسَالاَتِ. وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالجَزَاءِ، كَمَا جَاءَ فِى ذِكْرِ ءَالِ لُوطٍ (القَمَر: 33-35)، وَمِنْهَا مَا لاَ يَتَعَلَّقُ بِالجَزَاءِ مِنْ عَدَمِهِ (الدُّخَان: 25-27)، وَالأَصْلُ فِى الدُّنْيَا هُوَ النِّعَمُ، وَالاسْتِثْنَآءُ هُوَ المَنْعُ؛ فَهَذِهِ النِّعْمُ تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ حَالِ المُنْعَمِ عَلَيْهِ (1). ● وَالنِّعْمَةُ لاَ تَتَعَلَّقُ إلاَّ بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا فَقَط؛ وَلِذَا فَهِىَ عَطَاءٌ دُّنْيَويٌّ مِنَ اللهِ تَعَالَى، سَوَاءٌ كَانَت عَلَى وَجْهٍ خَاصٍّ (2)، أوْ عَلَى وَجْهٍ عَامٍّ (3). أوْ كَانَت مَادِّيَّةً (4)، أوْ مَعْنَوِيَّةً(5). ● وَالنِّعَمُ ـ عَلَى تَنَوُّعِهَا، لَيْسَت هَدَفًا بِذَاتِهَا، وَإنَّمَا هَىَ فِتْنَةٌ يُبْتَلَى بِهَا الإِنْسَانُ، وَيُمَحَّصُ؛ فَإمَّا أنْ تَكُونَ سَبَبًا لِشِرْكِهِ، وَكُفْرِهِ، أوْ أنْ تَكُونَ سَبَبًا لِشُكْرِهِ، وَبُلُوغِ رِضَا اللهِ، بِعِبَادَتِهِ، وَقَدْ وَضَحَ ذَلِكَ فِى قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: “فَإِذَا مَسَّ ٱلْإِنسَـٰنَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَـٰهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُۥ عَلَىٰ عِلْمٍ ۚ بَلْ هِىَ فِتْنَةٌ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٤٩﴾” الزُّمَر (6). وَالمُؤْمِنُ يَعْلَمُ أَنَّ النِعَمَ مَهْمَا كَثُرَت، فَهُوَ ـ بِهَا ـ إلَى اللهِ فَقِيِرٌ (7). وَلَكِن؛ وَلِلأَسَفِ فَإِنَّ أكْثَرَ النَّاسِ يَجْهَلُونَ أنَّ نِعَمَ اللهِ عَلَيْهِم هِىَ فِتْنَةٌ، لِيَرَى اللهُ أعْمَالَهُم، أسَيَشْكُرُونَ أمْ يَكْفُرُونَ؟ فَنَجِدُ أنَّ هَؤُلاَءِ الأَكْثَرِيَّةِ يُقَابِلُونَ نِعَمَ اللهِ عَلَيْهِم بِالجُحُودِ وَالنُكْرَانِ، وَالكُفْرِ، وَالعِصْيَانِ؛ فَيَخْتَارُونَ أنْ يَجْعَلُوا للهِ الخَالِقِ، وَالمُنْعِمِ، أنْدَادًا يَأخُذُونَ مِنْهُم دِينَهُم بِغَيْرِ سُلْطَانٍ ءَاتَاهُم مِنْهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ، فَيَقْبَلُونَ مِنْهُ نِعَمَهُ انْتِقَاءًا؛ فَيُقْبِلُونَ عَلَى مَا يَتَنَعَّمُونَ بِهِ مِنْهَا فِى الدُّنْيَا، مُعْتَرِفِيِنَ للهِ غَالِبًا بِهَا، وَيُدْبِرُونَ عَنْ نِعْمَةِ الدِّيِنِ، الَّتِى سِيَتَنَعَّمُونَ فِى الأَخِرَةِ بِهَا، وَالَّتِى جَاءُوا لِلدُّنْيَا أصْلاً مِنْ أجْلِهَا (8)، مُنْحَازِيِنَ لأهَوَاءِهِم، وَمِلَلِهِم، وَلِذَا جَاءَت الأَيَاتُ السَّابِقَةُ مِنْ سُورَةِ الإِسْرَاءِ (9) لِتُبَيَّنَ أنَّ الإِنْسَانَ بَيْنَ أنْ يَكُونَ مُرِيِدًا لِلعَاجِلَةِ: “مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ..“، أوْ مُرِيِدًا لِلأَخِرَةِ: “وَمَنْ أَرَادَ ٱلْءَاخِرَةَ..“. وَلِلحَدِيِثِ بَقِيَّةٌ . هَامِش:ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ كَمَا قَالَ تَعَالَى: “وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍۢ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴿١١٢﴾” النَّحْل. “ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ ..﴿٥٣﴾” الأَنْفَال. 2 ـ فَأمَّا الخَاصُّ مِنْهَا فَكَمَا فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: “يَـٰبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱذْكُرُوا نِعْمَتِىَ ٱلَّتِىٓ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ..﴿٤٠﴾” البَقَرَة. “إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَـٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِى عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَٰلِدَتِكَ ..﴿١١٠﴾” المَائِدَة. 3 ـ وَأمَّا العَامُّ مِنْهَا فَكَمَا فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: “أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُۥ ظَـٰهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ ..﴿٢٠﴾” لُقْمَان. 4 ـ وَأمَّا المَادِّىُّ مِنْهَا فَكَمَا فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: “۞ وَإِذَا مَسَّ ٱلْإِنسَـٰنَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُۥ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُۥ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُوٓا إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِۦ ۚ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ ﴿٨﴾” الزُّمَر. 5 ـ وَأمَّا المَعْنَوِىُّ مِنْهَا فَكَمَا فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: “وَٱعْتَصِمُوا بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَٱذْكُرُوا نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنًا..﴿١٠٣﴾” ءَالَ عِمْرَان. 6 ـ وَأيْضًا فِى قَوْلِ اللهِ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ وَهُوَ يَقُصُّ عَنْ مُلْكِ سُلَيْمَان: “حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُوا مَسَـٰكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَـٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿١٨﴾ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِىٓ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِىٓ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَـٰلِحًا تَرْضَىٰهُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ ٱلصَّـٰلِحِينَ ﴿١٩﴾“. فاللهُ تَعَالَى قَدْ أَنْعَمَ عَلَى عَبْدِهِ سُلَيْمَانَ بِمُلْكٍ لاَ يَنْبِغِى لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَلَكِنَّ هَذَا المُلْكُ لَمْ يَكُنْ بِحَدِّ ذَاتِهِ هَدَفًا، أوْ حُلْمًا يُحَقَّقُ لِسُلَيْمَان، وَإنَّمَا كَانَ فِتْنَةً لَهُ، لِيَبْلُوَهُ اللهُ تَعَالَى؛ أيَكْفُرُ، أمْ يَكُونَ مِنَ الشَّاكِريِن. وَقَدْ وَجَدْنَا سُلَيْمَانَ قَدْ انْتَبَهَ لِذَلِكَ هُنَا فَتَوَجَّهَ للهِ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ، أنْ يَكُونَ مِنَ الشَّاكِريِنَ، وَأَنْ يَعْمَلَ صَالِحًا يَرْضَاهُ اللهُ مِنْهُ. وَنَفْسُ الشَيءِ نَجِدُهُ فِيِمَا ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى عَنْ سُلَيْمَانَ، عِنْدَمَا ءأَتَاهُ الَّذِى عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتَابِ بِعَرْشِ مَلِكَةِ سَبَأٍ، قَبْلَ أنْ يَرْتَدَّ إلَيْهِ طَرْفُهُ: “قَالَ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ ﴿٣٨﴾ قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّى عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ أَمِينٌ ﴿٣٩﴾ قَالَ ٱلَّذِى عِندَهُۥ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ…﴿٤٠﴾“. فَقَالَ سُلَيْمَانُ عِنْدَمَا رَءَاهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ: “قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِىٓ ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ..“. فَكَانَ المُلْكُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ نِعْمَةً، وَفِتْنَةً، أخَذَ هُوَ مِنْهُ الجَانِبَ الصَّالِحَ، فَجَعَلَهُ وَسِيِلَةً لِشُكْرِ اللهِ تَعَالَى، وَالحُصُولِ عَلَى رِضَاهُ، بِعَمَلِ الصَالِحَاتِ؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُ: “وَإِنَّ لَهُۥ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـَٔابٍۢ ﴿٤٠﴾” ص. وَنَفْسُ الأَمْرِ مِنَ الفَهْمِ وَالسُّلُوكِ يَكُونُ مِنَ الصَّالِحِيِنَ عُمُومًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى بِسُورَةِ الأَحْقَافِ: “وَوَصَّيْنَا ٱلْإِنسَـٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَـٰنًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُۥ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُۥ وَفِصَـٰلُهُۥ ثَلَـٰثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُۥ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِىٓ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِىٓ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَـٰلِحًا تَرْضَىٰهُ وَأَصْلِحْ لِى فِى ذُرِّيَّتِىٓ ۖ إِنِّى تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّى مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴿١٥﴾“. 7 ـ كَمَا قَالَ مُوسَىَ عَلَيْهِ السَّلاَم: “..رَبِّ إِنِّى لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍۢ فَقِيرٌ ﴿٢٤﴾” القَصَص. 8 ـ لِيُثْبِتُوا بِتَدَيُّنِهِم بِهِ، أنَّهُم كَانُوا عَلَى حَقٍّ عِنْدَمَا اخْتَارُوا حَمْلَ الأَمَانَةِ. 9 ـ مِن 18 إلَى 20، وَغَيْرِهَا مِنَ الأَيَاتِ مِمَّا يَصْعُبُ حَصْرَهُ هَا هُنَا.