.
يَقُولُ اللهُ تَعَالَى عَنْ رَسُولِهِ عِيِسَى عَلَيْهِ السَّلاَم:
“وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِۦ قَبْلَ مَوْتِهِۦ ۖ وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴿١٥٩﴾” النِّسَآء.
.
وَهَذِهِ الأَيَةُ سَبَقَهَا قَوْلُ اللهِ تَعَالَى:
“يَسْـَٔلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَـٰبًا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰٓ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوٓا أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ۚ ثُمَّ ٱتَّخَذُوا ٱلْعِجْلَ مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَـٰتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَٰلِكَ ۚ وَءَاتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَـٰنًا مُّبِينًا ﴿١٥٣﴾ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَـٰقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ٱدْخُلُوا ٱلْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِى ٱلسَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَـٰقًا غَلِيظًا ﴿١٥٤﴾ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَـٰقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِـَٔايَـٰتِ ٱللَّهِ وَقَتْلِهِمُ ٱلْأَنۢبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّۢ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌۢ ۚ بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿١٥٥﴾ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَـٰنًا عَظِيمًا ﴿١٥٦﴾ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِى شَكٍّۢ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِۦ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًۢا ﴿١٥٧﴾ بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴿١٥٨﴾ وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِۦ قَبْلَ مَوْتِهِۦ ۖ وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴿١٥٩﴾” النِّسَآء.
وَلَهَا ارْتِبَاطٌ بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى:
“وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍۢ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ..﴿٨٩﴾” النَّحْل.
.
بَيْنَ يَدَىِّ الأَيَةِ:
⛔ يَقُصُّ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الكِتَابِ؛ أَحْوَالَهُم مَعَ مُحَمَّدٍ، وَمَعَ مُوسَى، وَعِيِسَى، وَالأَنْبِيَآءِ مِنْ قَبْل، عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ كُلِّهُم. فَيَنْقُلُ سُؤَالَهُم لِلنَّبِىِّ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْهِم كِتَابًا مِنَ السَّمَآءِ (1)، وَيَقُصُّ اللهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّد كَيْفَ أَنَّ سَلَفَهُم قَدْ سَألُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ هَذَا، بِسُؤَالِهِم لَهُ أَنْ يُرِيَهُمُ اللهَ جَهْرَةً، فَأَمَاتَهُمُ اللهُ صَعْقَةً بِظُلْمِهِم، ثُمََّ بَعَثَهُم، فَمَا لَبِثُوا أَنْ اتَّخَذُوا العِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ البّيِّنَاتُ. ثُمَّ تَسْتَعْرِضُ الأَيَاتُ ظُلْمَ أَهْلِ الكِتَابِ بَعْدَ أَنْ عَفَا اللهُ عَنْهُم، وَرَفْعَهُ الطُّورَ مِنْ فَوْقِهِم بِمِيِثَاقِهِم، فَمَا لَبِثُوا إِلاَّ وَنَقَضُوا مِيِثَاقَهُم، وَكَفَرُوا، وَقَتَلُوا الأَنْبِيَآءَ، حَتَّى انْتَهَت بِظُلْمِ خَلَفِهِم لِمَرْيَمَ، وَمُحَاوَلَتِهِم قَتْلِ عِيِسَى، فَشُبِّهَ لَهُم:
“وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ..﴿١٥٧﴾“.
وَلأَنَّهُم لَمْ يَقْتُلُوهُ يَقِيِنًا، وَإِنَّمَا شُبِّهَ لَهُم، فَقَدْ وَقَعَت مَسْألَةُ التَّشْبِيِهِ فِى قُلُوبِهِم، وَأَثْمَرَ ذَلِكَ عَنْ اخْتِلاَفٍ بَيْنَهُم، سَطَرَهُ وَسَجَّلَهُ القُرْءَانُ، كَوَتِيِرَتِهِ فِى سَرْدِ الحَقَائِقِ، وَبَسْطِ المَكْنُونِ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ:
“وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِى شَكٍّۢ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِۦ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًۢا ﴿١٥٧﴾ بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴿١٥٨﴾“.
فَهُم ظَنُّوا أَنَّهُم قَتَلُوا عِيِسَى (كَمَا قَتَلَ سَلَفَهُم الأَنْبِيَآءَ مِنْ قَبْل “وَقَتْلِهِمُ ٱلْأَنۢبِيَآءَ“)وَلَكِنَّهُم لَمْ يَتَيَقَّنُوا مِنْ ذَلِكَ، وَسَاوَرَهُمُ الشَّكُ، وَفَارَقَهُمُ العِلْمُ، وَلَمْ يَتَبَقَّ لَهُم إِلاَّ الظَّنَّ، بَيْنَمَا كَانَ اللهُ قَدْ رَفَعَ عِيِسَى إِلَيْهِ، وَلِذَا قَالَ اللهُ تَعَالَى فِى الأَيَاتِ السَّابِقَةِ:
“وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ“.
“وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًۢا“.
نَأَتِى الأَن لِلأَيَةِ الَّتِى يَتَمَرْكَزُ المَوْضُوعُ عَلَيْهَا، وَنَبْدَأُ بِتَحْلِيِلِهَا:
.
⛔ شَهِيدًا:
جَآءَت كَلِمَةُ “شَهِيدًا“، بِالقُرْءَانِ 19 تِسْعَةَ عَشَرةَ مَرَّةً، كَالتَّالِى:
“وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ…﴿١٤٣﴾” البَقَرَة.
“..إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدًا﴿٣٣﴾” النِّسَآء.
“فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍۢ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ شَهِيدًا﴿٤١﴾” النِّسَآء.
“فَإِنْ أَصَـٰبَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَىَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا﴿٧٢﴾” النِّسَآء.
“..وَأَرْسَلْنَـٰكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًا﴿٧٩﴾” النِّسَآء.
“وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِۦ قَبْلَ مَوْتِهِۦ ۖ وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴿١٥٩﴾” النِّسَآء.
“لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ ۖ أَنزَلَهُۥ بِعِلْمِهِۦ ۖ وَٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ يَشْهَدُونَ ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًا ﴿١٦٦﴾” النِّسَآء.
“..وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ ﴿١١٧﴾” المَائِدَة.
“..فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًۢا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَـٰفِلِينَ ﴿٢٩﴾” يُونُس.
“وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًۢا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُۥ عِلْمُ ٱلْكِتَـٰبِ ﴿٤٣﴾” الرَّعْد.
“وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍۢ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴿٨٤﴾” النَّحْل.
“وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍۢ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَـٰٓؤُلَآءِ ۚ ..﴿٨٩﴾” النَّحْل.
“قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًۢا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ بِعِبَادِهِۦ خَبِيرًۢا بَصِيرًا ﴿٩٦﴾” الإِسْرَآء.
“..وَفِى هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ ۚ..﴿٧٨﴾” الحَجّ.
“..وَنَزَعْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍۢ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَـٰنَكُمْ.. ﴿٧٥﴾” القَصَص.
“..قُلْ كَفَىٰ بِٱللَّهِ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا ۖ..﴿٥٢﴾” العَنْكَبُوت.
“..إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدًا ﴿٥٥﴾” الأَحْزَاب.
“فَلَا تَمْلِكُونَ لِى مِنَ ٱللَّهِ شَيْـًٔا ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ ۖ كَفَىٰ بِهِۦ شَهِيدًۢا بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ ۖ..﴿٨﴾” الأَحْقَاف.
“..وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًا ﴿٢٨﴾” الفَتْح.
.
⛔ وَضَحَ الأَنَ مَنْ هُوَ المَقْصُودُ بِالشَّهِيِدِ فِى الأَيَةِ، وَذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
“وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍۢ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ..﴿٨٩﴾” النَّحْل.
فَالشَّهِيِدُ هُوَ المُرْسَلُ لِكُلِّ أُمَّةٍ!
وَبِالتَّالِى فَإِنَّ الأَيَةَ تَتَحَدَّثُ عَنْ عِيِسَى عَلَيْهِ السَّلاَم، الَّذِى سَيَكُونُ شَهِيِدًا عَلَى قَوْمِهِ، وَيَكُونُ الضَّمِيِرُ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى:
“..لَيُؤْمِنَنَّ بِهِۦ..﴿١٥٩﴾” النِّسَآء.
عَائِدٌ عَلَى عِيِسَى، أَى لَيُؤْمِنَنَّ بِعِيِسَى. وَكَذَلِكَ فِى قَوْلِهِ:
“قَبْلَ مَوْتِهِۦ ۖ..﴿١٥٩﴾” النِّسَآء.
عَائِدٌ عَلَى عِيِسَى، أَى قَبْلَ مَوْتِ عِيِسَى.
.
⛔ وَيَكُونُ المَعْنَى الإِجْمَالِىِّ لِلأَيَةِ:
“وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِۦ قَبْلَ مَوْتِهِۦ ۖ وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا﴿١٥٩﴾” النِّسَآء.
هُوَ:
وَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ الَّذِيِنَ قَالُوا عَلَى مَرَيْمَ بُهْتَانًا عَظِيِمًا، وَالَّذِيِنَ قَالُوا (سَاخِرِيِنَ): إِنَّا قَتَلْنَا المَسِيِحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ، وَهُم مُتَشَكِّكُونَ، وَيعَلَمُونَ أَنَّهُم يَتَّبِعُونَ الظَّنَّ، إِلاَّ وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِعِيِسَى قَبْلَ مَوْتِهِ (لاَ سِيَّمَا بِوجُودِ الأَيَاتِ البَيِّنَاتِ مَعَهُ)، وَيَوْمَ القِيَامَةِ سَيَكُونُ عِيِسَى عَلَيْهِم شَهِيِدًا، وَذَلِكَ كَمَا سَيَأَتِى كُلُّ رَسُولٍ شَهِيِدًا عَلَى أُمَّتِهِ الَّتِى بُعِثَ فِيِهَا:
“وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍۢ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ..﴿٨٩﴾” النَّحْل.
أَمَّا مَا قِيِلَ مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ سَيُؤْمِنُ بِعِيِسَى قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ الكِتَابِىُّ فَهُوَ هُرَآءٌ.
وَهَلْ عِيِسَى سَيَكُونُ شَهِيِدًا إِلاَّ عَلَى مَنْ عَاصَرَهُم؟!
انْظُر:
“..وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ ﴿١١٧﴾” المَائِدَة.
وَأَمَّا مَا قِيِلَ مِنْ أَنَّ القُرْءَانَ هُوَ المَقْصُودُ بِإِيِمَانِ الكِتَابِىِّ، وَأَنَّ اللهَ هُوَ المَقْصُودُ بِالشَّهِيِدِ فَهُوَ تَرْقِيِعٌ لاَ يَجُوزُ عَلَى المُؤْمِنِيِنَ.
قُلْتُ: وَلَكِنَّ الأَيَةَ هُنَا تَتَحَدَّثُ عَنْ مَوْتِ عِيِسَى: “قَبْلَ مَوْتِهِۦ“.
قُلْتُ: وَهُوَ وَاضِحٌ بِلاَ مُشَاحَةٌ، انْظُر:
“إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَـٰعِيسَىٰٓ إِنِّى مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا …﴿٥٥﴾” ءَالَ عِمْرَان.
فى هذه الأية الشهيد هو المرسل لكل أمة
” ارْجِعُواْ إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُواْ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ” 81 يوسف
” قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ” 61 الأنبياء
ما يشاهده الإنسان ويعاصره ويخبره بنفسه من أحداث فهو شهيد عليها أم شاهد؟
الرسول شاهد وشهيد
“وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ….. ” 143 البقرة
” إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ” 8 الفتح
” إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا ” 15 المزمل
ولكن الآية تقول ” وإن من اهل الكتاب إلا لاليؤمنن به قبل موته”
أي ان الفعل مستقبلي
أخى مُحَمَّد
الفِعْلُ فِى القُرْءَان يَأتِى بِأى صِيِغَةِ وَهُوَ مَفْهُومٌ لِلقَارِئ
اللهُ تَعَالَى يَقُولُ مَثَلاً:
“وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَـٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِى وَأُمِّىَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ ۖ”.
قَالَ فِعْلٌ زَمَنُهُ عِنْدَنَا “مَاضِى”، فَهَلاَ كَانَ هَذَا الخَطَابُ قَدِيِمًا؟!
تَعَالَ الأَن إِلَى نَصِّ الأَيَةِ بِالكَامِلِ بِدُونِ اجْتِزَآءٍ فَنَجِدُ:
“وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِۦ قَبْلَ مَوْتِهِۦ ۖ وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًۭا “.
لَيُؤْمِنَنَّ هُنَا تَعْنِى وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِهِ، وَبَدِيِهِىٌّ أَنَّ الإِيِمَانَ تَرَتَّبَ عَلَى المُعَاصَرَةِ.
وَالمُعَاصَرَةُ انْتَهَت بِتَوَفِّى اللهُ لِعِيِسَى:
“إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يَـٰعِيسَىٰٓ إِنِّى مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟…”.
وَلِذَا قَالَ عِيِسَى يَوم القِيَامَةِ:
“…فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى كُنتَ أَنتَ ٱلرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ شَهِيدٌ “.
أَرجُوا أَنِّى وَضَّحْت، وَمَعْذِرَة لِلتَّأَخِيِر