“..حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّۢا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا..﴿٤﴾” مُحَمَّد.
.
◄ أَلغَىَ الإِسْلاَمُ اسْتِرْقَاقَ الأَسِيرِ الَّذِي كَانَ سَائِدًا فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَجَعَلَ التَعَامُلَ مَعَ الأَسْرَىَ ـ الَّذِينَ بَدَءُوا أَصْلاً بِالعُدْوَانِ وَالقَتْلِ ـ كَالتَالِى:
أوْلاً: الإِحْسَانُ إِلَي الأَسِيرِ فِي النَّوَاحِي الإِنْسَانِيَّةِ:
أدْرَجَ اللهُ الأَسِيرَ مَعَ المِسْكِينِ وَاليَتِيمِ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ الثَلاَثَةَ يَشْتَرِكُونَ فِي قِلَّةِ الحِيلَةِ، وَاحْتِيَاجِهِم لِمَن يَعُولَهُم حَتَّى تَزُولَ عَنْهُم صِفَتَهُم، فَيَبْلُغَ اليَتِيمُ أَشُدَّهُ، وَيَخْرُجُ المِسْكِينُ مِن عَوْزِهِ، وَيُحَرَّرُ الأَسِيرُ مِنْ مَحْبَسِهِ؛ فَقَالَ تَعَالَى:
“وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴿٨﴾” الإنسان.
ثَانِيًا: الإِحْسَانُ إِلَي الأَسِيرِ فِي النَّوَاحِي المَعْنَوِيَّةِ:
وَذَلِكَ بِوَعْظِهِم فِي أَنْفُسِهِم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن، وَبِالحِكْمَةِ، وَمُوَاسَاتِهِم فِيمَا أُخِذَ مِنْهُم، وَتَبْشِيرِهِم بِتَعْويِضِ اللهِ لَهُمإِنْ أَحْسَنُوا لِأَنْفُسِهِم، إِضَافَةً لِمَغْفِرَةِ اللهِ لَهُم؛ فَقَالَ تَعَالَى:
“يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّمَن فِىٓ أَيْدِيكُم مِّنَ ٱلْأَسْرَىٰٓ إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِى قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٧٠﴾” الأَنْفَال.
ثَالِثًا: التَّصَرُّفُ فِى الأَسِيِرِ بِالمَنِّ أَوْ الفِدَآءِ فَقَط:
جَعَلَ اللهُ التَّصَرُّفَ فِي الأَسِيرِ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا، وَهُمَا: المَنَّ، أَوْ الفِدَاءَ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ:
“..حَتَّىٰٓ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّۢا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا..﴿٤﴾” مُحَمَّد.
وَهَكَذَا؛ فَقَدْ قَامَ الشَّارِعُ سُبْحَانَهُ بِتَجْفِيفِ مَنَابِعِ الرِّقِّ فِي المُجْتَمَعَاتِ حَدِيثَةِ الإِسْلاَمِ (1)، بِحَيْث يَتَلاَشَى وَسط مُجْتَمَعٍ مُتَرَاحِمٍ.
هَامِش:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ هَذَا وَقَدْ زَعَمَ البَعْضُ أنَّ السَبْىَ قَدْ وَرَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
“يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ إِنَّآ أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَٰجَكَ ٱلَّـٰتِىٓ ءَاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ..“.
قَالُوا إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:”وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَيْكَ”، يَعْنِي مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَيْهِمِنَ السَبْيِ مِنَ نِسَآءِ العَدُوِّ. وَهُوَ كَلاَمٌ عَارٍ مِنَ الصِحَّةِ، وَتَقْوِيِلٌ للهِ تَعَالَى مَا لَمْ يَقُلْهُ؛ وَلنُرَاجِعَ الفَيْءَ إِذًا:
الفَيْءُ: جَاءَ ذِكْرُ الفَيْءِ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، مِنْهَا المَرَّةُ سَالِفَةِ الذِّكْرِ، وَالمَرَّتَانِ الأُخْرَيَانِ فِي سُورَةِ الحَشْرِ كَالتَالِي:
“هُوَ ٱلَّذِىٓ أَخْرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ مِن دِيَـٰرِهِمْ لِأَوَّلِ ٱلْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوٓا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱعْتَبِرُوا يَـٰٓأُولِى ٱلْأَبْصَـٰرِ ﴿٢﴾ وَلَوْلَآ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمُ ٱلْجَلَآءَ لَعَذَّبَهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِى ٱلْءَاخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ ﴿٣﴾ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّوا ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ ۖ وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴿٤﴾ مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيُخْزِىَ ٱلْفَـٰسِقِينَ ﴿٥﴾ وَمَآ أَفَآءَٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍۢ وَلَا رِكَابٍۢ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌ ﴿٦﴾ مَّآ أَفَآءَٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ كَىْ لَا يَكُونَ دُولَةًۢ بَيْنَ ٱلْأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ ۚ..﴿٧﴾“.
فَاللهُ تَعَالَى يُحَدِّثُنَا عَنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، وَكَيْفَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي أَخْرَجَهُم مِنْ دِيَارِهِم، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِم الرُّعْبَ، وَكَتَبَ عَلَيْهِم الجَلاَءَ، وَأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ حَدَثَ قَبْلَ أَنْ يُقَاتِلُهُم المُسْلِمُونَ، أوْ يُغِيرُونَ عَلَيْهِم بِخُيُولِهِم أوْ رِكَابِهِم؛ فَكُلَّ مَا أَفَاءَ اللهُ تَعَالَى بِهِ مِنْغَنَائِمٍ، كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِهَؤُلاَءِ المُجْلَونَ، فَهِيَ لَيْسَت لِلمُقَاتِلِينَ، وَإِنَّمَا هِيَ للهِ، وَلِلرَّسُولِ، وَلِذِي القُرْبَى، وَاليَتَامَى، وَالمَسَاكِين، وَابْن السَبِيِلِ، كَيْ لاَ يَزْدَادُ الأَغْنِيَاءُ غِنَىً، وَيَزْدَادُ الفُقَرَاءُ فَقْرًَا .. فَأَيْنَ هُنَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ بِسَبْي نِسَاءِ العَدُوِّ وَبَنَاتِهِ وَأَطْفَالِهِ؟!
وَإِنَّمَا يُقَالُ إِنَّهُ مِنْ هَذَا الَّذِي أَفَاءَهُ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ تَمَكَّنَ النَّبِي مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْ يَخْدِمُهُ فَصَارَ مِلْكَ يَمِينِهِ. وَمِلْكُ يَمِينِهِ هَذَا الَّذِي أَفَاءَهُ اللهُ عَلَيْهِأَحَلَّ لَهُ الزَّوَاجَ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
“۞ وَٱعْلَمُوٓا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَىْءٍۢ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ“.
فَهَذَا الَّذِي غَنِمَهُ المُؤْمِنُونَ يُنْفِقُونَ مِنْهُ وَيَأكُلُونَ:
“فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَـٰلًا طَيِّبًا ۚ“.
ما الحكمة من قوله تعالى ” …….. وما ملكت يمينك” وليس ” ……ومن ملكت يمينك”
مَرْحَبًا أَخِى مُحَمَّد
“وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ..”. تُفِيِدُ العُمُوم.
وَمِنْ مَا مَلَكَت يَمِيِنُك. تُفيِدُ الخُصُوص.
والحِكْمَةُ مِنَ الأُولَى هُوَ مُطَابَقَتُهَا لِمَا أَرَادَهُ اللهُ تَعَالَى لِلنَّبِىِّ مِنْ تَحْلِيِلِهِ لِمِلْكِ يَمِيِنِهِ عُمُومًا.