.
تَمْهِيِدٌ
.
◄ بِرَغْمِ أَنَّنِي كُنْتُ قَدْ أَهْمَلْتُ التَّعَرُّضَ لأَهْلِ المَذَاهِبِ ـ بَعْدَ أَنْ وَقَرَ فِي نَفْسِي أَنَّنِي أَحْرُثُ المَآءَ بِمُجَادَلَتِي لَهُمْ ـ إِلاَّ أَنَّنِي قَدْ وَقَعْتُ عَلَى كِتَابٍ لِشَيْخٍ خَرِفٍ، أَمْضَىَ حَيَاتَهُ كُلُّهَا سُنّيُّ الفِقْهِ، صُوفِيُّ المُعْتَقَدِ، بَلْ وَخَطِيبًا عَلَى المِنْبَرِ، وَأُسْتَاذًا بِجَامِعَةِ الأَزْهَرِ ثُمَّ خَتَمَهَا بِالكُفْرِ وَالإِلْحَادِ، وَسَلْقِ القُرْءَان ـ كَأَفْرَادِ طَائِفَتِهِ ـ بِلِسَانٍ حَدِيدٍ.
وَلَقْدَ كَانَ لَهُ مُطْلَقُ الحُرِّيَّةِ فِي ذَلِكَ دُونَ أَنْ نُولِيهِ اهْتِمَامًا، فَمَا أَكْثَرَ المُلْحِدِينَ فِي عَالَمِنَا، لاَ سِيَّمَا أَنَّ القُرْءَانَ قَدْ أَفْرَدَ لَهُم الأَيَاتِ تُلْوَ الأَيَاتِ، وَلَكِنَّ المَذْكُورَ جَهَرَ بِكُفْرِهِ وَإِلْحَادِهِ، وَصَنَّفَ مُصَنْفًا أَوْدَعَهُ مِنَ الجَهْلِ صُنُوفًا وَأَبْوَابًا، ثُمَّ ادَّعَى فِي مُقَدِّمَتَهُ أَنَّهُ سَيَقُولَ مَا لَمْ يُسْبَقُ إِلَيْهِ، وَمَا سَيَظْهَرُ فَقْطُ عَلَى يَدَيْهِ.
وَالحَقُّ يُقَالُ؛ فَلَطَالَمَا أَحْبَبْتُ المُنَاظَرَاتِ الوَرَقِيَّةُ، فَهِيَ أَصْدَقُهَا عَلَى الإِطْلاَقِ، وَأَثْبَتُهَا أَيْضًا، وَتَظَلُّ شَاهِدَةً عَلَى أَطْرَافِهَا، وَلاَ يَسْتَطِيعُ مَنْ خَطَّهَا بِيَدِهِ مِنْ هَؤُلآءِ الأَطْرَافِ أَنْ يَتَمَلَّصَ مِمَّا خَطَّت يَدَاهُ، وَأَخِيرًا؛ فَهِي تُعْطِي فُرْصَةً لِكَاتِبِهَا لِلتَّرَوِّي وَإِخْرَاجِ أَفْضَلُ مَا عِنْدَهُ بَعْيِدًا عَنْ أَيَّ ضُغُوطٍ تَحْتَويهَا المُنَاظَرَاتُ التَّصَادُمِيَّةُ.
● وَنَظْرَةً عَابِرَةً عَلَى كِتَابِ المُلْحَدِ الكَفُورِ عَبَّاس عَبْدُ النُّورِ، وَالَّذِي سَمَّاهُ بـ: “محنتي مع القرءان ومحنتي مع الله في القرءان“، نَجِدُهُ قَدْ مَلأَهُ بِسَبِّ اللهِ وَتَحْقِيرِهِ، فَمَنْ هُمْ دُونَهُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، فَضْلاً عَنْ اكْتِظَاظِهِ بكَمٍّ مِنَ الجَهْلِ الضَّخْمِ اسْتَوْدَعَهُ المَذْكُورُ وُرَيْقَاتُهُ عَلَي رَغْمِ ضَأَلَتِهَا.
إِنَّ المَذْكُورَ أَتْعَبَ نَفْسَهُ، وَبَدَّدَ وَقْتَهُ، وَأَهْدَرَ مَالَهُ، وَهُوَ كَبَاسِطٍ كَفَّيْهِ إِلَى المَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ، وَمَا هُوَ ببَالِغِهِ. وَهُوَ بَعْدَ كُلِّ هَذَا الجُهْدِ الجَهِيدِ يَدْعُوَا النَّاسَ لِيُصَدِّقُوا أَنَّ هَذَا الكَوْنَ الَّذِي برَغْمِ اتِّسَاعِهِ، وَجَهْلِ الإِنْسَانِ بِنِهَايَاتِهِ، وَبِرَغْمِ دِقَّتِهِ وَجَهْلِ الإِنْسَانِ بِمَدَى دِقَّتِهِ قَدْ وُجِدَ بغَيْرِ وَاجِدٍ، وَصُنِعَ بغَيْرِ صَانِعٍ، وَيَنْتَظِمُ حَتَّى الأَنَ بِغَيْرِ مُنَظِّم، وَإنَّمَا وُجِدَ عَبَثًا، وَيَنْتَظِمُ صُدْفَةً، وَنِظَامُهُ ذَاتِيٌّ، وَقُوَّتُهُ مِنْهُ وَإِلَيْهِ.
إِنَّ الشَّمْسَ تَخْرُجُ كُلَّ يَوْمٍ فِي مَوْعِدِهَا المَحْسُوبِ مُنْذُ مَلاَيينَ السِّنِين، وَسَتَظَلُّ كَذَلِكَ بِدُونِ خَالِقٍ أَوْ مُسَيْطِر، وَكَذَلِكَ القَمَرُ الَّذِي يُمْكِنُنَا أَنْ نَعْرِفَ مَوْعِدَ وَمَكَانَ تَوَاجُدَهُ لِأَيِّ زَمَنٍ نُريدُ؛ هُوَ كَذَلِكَ وَحْدَهُ، بِمَزَاجِهِ، . . .، هَكَذا وَاللهِ يَقُولُ المُلْحِدُ عَبَّاس، ثُمَّ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ يُرِيدُ مِنْ كُلٍّ مِنَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ “جَاحِدًا”، وَ: “كَاذِبًا”، وَنَقُولُ بِأَنَّ مَا يَحْدُثَ فِي كُلِّ الكَوْنِ يَحْدُثُ تِلْقَائِيًّا، بِقَوَانِينٍ لَمْ يَضَعْهَا أَحَدٌ، وَلاَ يُسَيْطِرُ عَلَى وُجُودِهَا أَحَدٌ!!!
يَقُولُ عَدُوُّ نَفْسِهِ:
“ولقائل أن يقول: وهذه الشمس والقمر، وهذه النجوم والكوكب، وهذا النظام العجيب الذي يسير الأشياء والأحياء، هل كل ذلك لا يدل علي شئ؟ هل كل ذلك وليد المصادفة؟ هل يمكن أن يكون الحادث بلا محدث؟ والمصنوع بلا صانع؟ والمخلوق بلا خالق؟ كل ذلك كان كذلك منذ الأزل وسيظل كذلك إلي الأبد.
أنا لا أري الله في هذه الأشياء الرتيبة، هذه الحجارة التي لا تحس ولا تعقل“.
.
● وَلَوْ صَدَقَ كَلَامُهُ لاَنْتَفَت عَنْ الإِنْسَان صِفَةُ المَخْلُوقِ، وَكَذَلِكَ عَنْ بَقِيَّةِ المَخْلُوقَاتِ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟!
فَلِمَاذَا نَاقَضَ الجَاهِلُ نَفْسَهُ إذًا وَرَاحَ يَقُولُ فِي نِهَايَةِ كِتَابهِ بَعْدَ أَنْ أَشْبَعَ وِجْهَةَ نَظَرِهِ بِعَدَمِ وُجُودِ خَالِقٍ:
“إن أقل مخلوق في هذا العالم، بل أكثر الحيوانات وحشية، أرحم من الله الذي يمكن وصفه بكل شيء إلا الرحمة“.
لِمَاذَا مَازَالَ عَبَّاسٌ مُضْطَّرًا لِلقَوْلِ بِالمَخْلُوقِ مَعَ نَفْيِهِ لِوُجُودِ الخَالِقِ؟!
وَالجَوابُ: لِأَنَّه مَخْلُوقٌ، وَلِذَا فَهُوَ مُضْطَّرٌ لِلتَّعَامُلِ مَعَ مُفْرَدَاتِ مَا خَلَقَهُ الخَالِقُ جَلَّ وَعَلاَ.
وَالأَمْثِلَةُ عَلَى تَنَاقُضَاتِ عَبَّاسٍ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ نُحْصِيهَا هُنَا، وَإِنَّمَا سَنَتَنَاولُ كِتَابَهُ هَذَا بِالتَّحْلِيِل فِي المَقَالاَتِ القَادِمَةِ، لِنُظْهِرَ حَقِيقَتَهُ.
قَدْ لاَ يَعُودَ عَبَّاسٌ عَنْ مَنْهَجِهِ حَتَّي يُغَادِرَ ـ وَهَذَا أَغْلَبُ ظَنّي ـ فَهُوَ كَمَا يَبْدُو شَيْخٌ غَبِيٌّ عَنِيدٌ، وَلَكِنَّهُ لَنْ يَظَلَّ كَمَا كَانَ قَبْلَ هَذَا الرَّدِّ. سَيَسْتَكْمِلُ مَسِيرَتَهُ هَذِهِ المَرَّةِ وَهُوَ يَعْرِفُ عَلَى أَيِّ أَرْضٍ يَقَفُ، وَإِلَى أَيِّ جَانِبٍ يَحُولُ، وَإِلَى أَيْنَ نِهَايَةِ أَمْرِهِ تَؤُولُ .
.