ٱلرِّبَوٰا۟: قَبَّحَهُ اللهُ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلمُحْتَاجِيِنَ 2

 

.

تَعْرِيِفُ البَيْعِ:

.

نَأتِى الأَنَ إِلَى البُيُوعِ، لِنَعْرِفَ مَعْنَى قَوْلِ اللهِ تَعَالَى:

ذَ‌ٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوٓا۟ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَوٰا۟ ۗ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰا۟ ۚ﴿٢٧٥﴾“.

يَقُولُ تَعَالَى:

رِجَالٌۭ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَـٰرَةٌۭ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ﴿٣٧﴾النُّور.

فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ البَيْعَ غَيْرُ التِّجَارَةِ.

فَباعْتِبَارِ الأَمْوَالِ سِلْعَةٌ حُرَّةٌ تَكُونُ التِّجَارَةُ هِىَ تَبَادُلٌ سِلَعِىٌّ بَيْنَ طَرَفَيْنِ يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا عَرَضًا وَالأَخَرُ مَالاً.

وَمَا لَصَقَ فِى أَذْهَانِ النَّاسِ مْنْ أَنَّ البَيْعَ هُوَ عَكْسُ الشِّرَآءِ هُوَ أَمْرٌ عَامِّىٌّ، بَعِيِدٌ مِنْ القُرْءَانِ بِمَكَانٍ. فَمَا نُسَمِّيِهِ بِالبِيْعِ فِى مُجْتَمَعَاتِنَا يُسَمِّيِهِ اللهُ بِالشَرْوِ كَمَا فِى قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍۭ بَخْسٍۢ دَرَ‌ٰهِمَ مَعْدُودَةٍۢ وَكَانُوا۟ فِيهِ مِنَ ٱلزَّ‌ٰهِدِينَ﴿٢٠﴾يُوسُف.

وَقَالَ ٱلَّذِى ٱشْتَرَىٰهُ مِن مِّصْرَ لِٱمْرَأَتِهِۦٓ أَكْرِمِى مَثْوَىٰهُ“.

فَالحَرَكَةُ التُّجَارِيَّةُ التَّبَادُلِيَّةُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ هِىَ بَيْنَ شَارٍ وَمُشْتَرٍ. فَالشَّارِى هُوَ مَا نُسَمِّيِهِ نَحْنُ بِالبَائِعِ، وَالمُشْتَرِى هُوَ هُوَ المُشْتَرِى، وَالعَمَلِيَّةُ هِىَ عَمَلِيَّةُ شِرَآءٍ.

فَإِذَا مَا كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ، فَمَا هُوَ البَيْعُ إِذًا؟!

والحَقِيِقَةُ أَنَّ البَيْعَ هُوَ الشِّقُ الثَّانِى مِنَ التَّبَادُلِ بَيْنَ النَّاسِ، فَالأَوَّلُ سِلَعِىٌّ، قَائِمٌ عَلَى التَّمَلُّكِ، وَهَذَا خَدَمِىٌّ لَيْسَ فِيِهِ تَمَلُّكٌ وَإِنْ كَانَ فِيِهِ انْتِفَاعٌ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الإِيِجَارَ أَوْ اسْتِئْجَارُ عَرَضٍ بِعِوَضٍ، اسْتِئْجَارًا مَوْقُوتًا بِوَقْتٍ، وَيَدْخُلُ فِيِهِ إِيِجَارُ الأَعْرَاضِ والمَنْقُولاَتِ، وَهُوَ ـ كَمَا نَرَى ـ غَيْرُ التِّجَارَةِ. فَالتِّجَارَةُ هِىَ انْتِقَالُ مِلْكِيَّةِ العَرَضٍ المَادِّىِّ، بِثَمَنٍ، وَغَيْرُ مَوْقُوتٍ بِوَقْتٍ. وَهَذِهِ الأَخِيِرَةُ هِىَ الَّتِى تَسْتَثْمَرُ فِيِهَا الأَمْوَالُ، وَتَشْمَلُ الصِّنَاعَةَ، وَتَبَادُلَ السِّلَعِ عَلَى اخْتِلاَفِ أَنْوَاعِهَا وَضَخَامَتِهَا.

وَبِالتَّالِى؛ فَعِنْدَمَا يَقُولُ اللهُ تَعَالَى:

رِجَالٌۭ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَـٰرَةٌۭ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ﴿٣٧﴾النُّور.

فَقَدْ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ الضَرْبَيْنِ (التِّجَارَةَ، وَالبَيْعَ) لِيُبَيِّنَ أَنَّ المُتَّقِيِنَ لاَيُلْهِهِم لاَ رِبْحٌ مِنْ تِجَارَةٍ، وَلاَ عَائِدٌ مِنْ بَيْعٍ (إِيِجَارٍ) عَنْ ذِكْرِ اللهِ.

حَسَنًا؛ فَمَا مَعْنَى البَيْعِ فِى الأَيَةِ 275 مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ؟!

قُلْنَا أَنَّ البَيْعَ هُوَ تَبَادُلُ المَنَافِعِ خَارِجَ التِّجَارَةِ، وَهُوَ إِيِجَارٌ لِوَقْتٍ. وَبِالتَّالِى فَقَدْ قَالَ المُرَابُونَ: رِبَانَا (التُّجَارِىَّ) لاَ يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ كَالبَيْعِ، فَنَحْنُ نُؤَجِّرُ مَالَنَا لَلمُقْتَرِضِ، وَالرِّبَا (الفَائِدَةُ) مُقَابِلَ الوَقْتِ!!

وَمِنْ هُنَا قَالَ اللهُ تَعَالَى لَهُم: لَيْسَ هَذَا كَذَاكَ: “وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰا۟“.

.

.

تَطْبِيِقَاتُ البَيْعِ:

.

1 ـ يَقُولُ قَائِلٌ: إِذَا كَانَ البَيْعُ هُوَ تَبَادُل المَنْفَعَةِ (الخَدَمِيَّةِ) فَلِمَاذَا قَالَ اللهُ تَعَالَى:

يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَنفِقُوا۟ مِمَّا رَزَقْنَـٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌۭ لَّا بَيْعٌۭ فِيهِوَلَا خُلَّةٌۭ وَلَا شَفَـٰعَةٌۭ ۗ وَٱلْكَـٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ“.

وَالجُوابُ:

أ ـ أَنَّ المُقَابَلَةَ فِى الأَيَةِ جَآءَت بَيْنَ الإِنْفَاقِ فِى سَبِيِلِ اللهِ، وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْ البَيْعِ، والخُلَّةِ، وَالشَّفَاعَةِ. وَهَذَا هَامٌّ فِى فَهْمِ الأَيَةِ.

ب ـ أَنَّ الأَيَةَ تُبَيِّنُ أَنَّ يَوْمَ القِيَامَةِ لاَ يَنْفَعُ فِيِهِ إِلاَّ عَمَلُ الشَّخْصِ، إِذْ ظَنَّ البَعْضُ أَنَّهُ فِى حَالِ تَقْصِيِرِهِم فِى جَنْبِ اللهِ تَعَالَى فَسَيَنْفَعُهُم عَمَلُ فَرْدٍ يَجْبُرُ بِهِ فَقْرَهُم فِى الصَّالِحَاتِ، وَلاَ يَخْرُجُ السُّلُوكُ الفَرْدِىُّ عَنْ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ حَصَرَهَا اللهُ تَعَالَى فِىالأَيَةِ، وَهِىَ: البَيْعُ، أَوْ الخُلَّةُ، أَوْ الشَفَاعَةُ، وَهُوَ مَنْطِقِىٌّ جِدًا:

1 ـ فَالبَيْعُ هُوَ أَنْ يَتَدَخَّلَ الشَخْصُ مُتَوَسِّطًا بِدَافِعٍ مَادِّىٍّ، لِسَبْقِ اتِّفَاقٍ عَادَ عَلَيْهِ بِالمَنْفَعَةِ سَلَفًا، أَوْ كَمَا نَقُولُ قَدْ قَبَضَ مُقَابِلَهُ مُقَدَّمًا!!

2 ـ وَالخُلَّةُ هِىَ أَنْ يَتَدَخَّلَ الشَخْصُ مُتَوَسِّطًا بِدَافِعٍ مِنْ صِدْقِ وَدِفْءِ المَشَاعِرِ؛ لِوُجُودِ عِلاَقَةٍ حَمِيِمِيَّةٍ تَرْبُطُهُ بِمَنْ يَتَدَخَّلُ مِنْ أَجْلِهِ!!

3 ـ وَالشَّفَاعَةُ هِىَ أَنْ يَتَدَخَّلَ الشَخْصُ مُتَوَسِّطًا بِدَافِعِ الرِّئَاسَةِ وَالقِيَادَةِ، لِأَنَّهُ الأَحَقُّ بِالتَّدَخُّلِ لِوَجَاهَةٍ لَهُ عِنْدَ مَنْ يَتَدَخَّلُ عِنْدَهُ!!

فَالبَيْعُ هُنَاابْتَدَأَ فِى الدُّنْيَا بَيْنَ طَرَفٍ دَجَّالٍ كَذَّابٍ زَعَمَ أَنَّ مَا يُسَوِّقَهُ وَيُرَوِّجُ لَهُ هُوَ الحَقُّ، وَأَنَّهُ سَيَحْمِلُ عَنِ أَتْبَاعِهِ أَوْزَارَهُم وَخَطَايَاهُم، فَاتَّبَعَهُ مَنْ اتَّبَعَهُ ظَنَّا مِنْهُم أَنْ يُوَفِّىَ بِبَيْعِهِ الَّذِى بَايَعَهُ فِى الدُّنْيَا، فَقَالَ اللهُ لِعِبَادِهِ فِى الدُّنْيَا مُحَذِّرًا إِيَّاهُم أَنَّهُ لاَ بَيْعٌ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ فِى الأَخِرَةِ، فَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأَتِىَ هَذَا اليَوْمُ.

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّبِعُوا۟ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَـٰيَـٰكُمْ وَمَا هُم بِحَـٰمِلِينَ مِنْ خَطَـٰيَـٰهُم مِّن شَىْءٍ ۖ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ﴿١٢﴾العَنْكَبُوت.

يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِنَّ كَثِيرًۭا مِّنَ ٱلْأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَ‌ٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَـٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۗ..﴿٣٤﴾التَّوْبَة.

● ● ●

.

2 ـ يَقُولُ القَائِلٌ: إِذَا كَانَ البَيْعُ هُوَ تَبَادُل المَنْفَعَةِ (الخَدَمِيَّةِ) فَلِمَاذَا قَالَ اللهُ تَعَالَى:

إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَ‌ٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ ۚ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّۭا فِى ٱلتَّوْرَىٰةِ وَٱلْإِنجِيلِ وَٱلْقُرْءَانِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِ ۚ فَٱسْتَبْشِرُوا۟ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِى بَايَعْتُم بِهِۦ ۚ وَذَ‌ٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ﴿١١١﴾التَّوْبَة.

أَلَيْسَ هُنَا بَيْعٌ وَشِرَآءٌ؟!

وَالحَقِيِقَةُ أَنَّ فَهْمَ الأَيَةِ لاَ يَحْدُثُ إِلاَّ بِالنَّظَرِ إِلَى بَقِيَّةِ الأَيَاتِ. فَالشِّرَآءُ ـ كَعَمَلِيَّةٍ تُجَارِيَّةٍ ـ سَبَقَ وَأَنْ وَضَّحْنَا بِالأَيَاتِ أَنَّهُ يَكُونُ بَيْنَ شَارِىٍ (وَهُوَ مَنْ نُسَمِّيِهِ بِعَامِّيَّتِنَا بَائِع)، وَمُشْتَرِىٍ، وَهُوَ مَا جَآءَت بِهِ الأَيَاتُ فِعْلاً، كَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى:

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ ۗ…﴿٢٠٧﴾البَقَرَة.

أَىّ أَنَّهُ هُنَاكَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُقَدِّمُ نَفْسَهُ فِى سَبِيِلِ اللهِ عَلَى سَبِيِلِ الشِّرَآءِ، طَامِعًا فِى ثَمَنِهَا الَّذِى أَخْبَرَهُ اللهُ بِهِ، وَهُوَ الجَنَّةَ. فَكَانَ فِعْلَهُ هُوَ الشَّرْوُ لِنَفْسِهِ. كَذَلِكَ فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى:

لْيُقَـٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلْءَاخِرَةِ ۚ..﴿٧٤﴾النِّسَآء.

وَيَشْرَوْنَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا أَىْ اشْتَرَوا الأَخِرَةَ مُقَابِلَ شَرْوِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَهُوَ بِعَامِّيَتِنَا: “لِيُقَاتِلْ فِى سَبِيِلِ اللهِ الَّذِيِنَ يَبِيِعُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالأَخِرَةِ.

نَأَتِى لَلأَيَةِ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ أَعْلاَهُ؛ فَنَجِدُ أَنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِيِنَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَ‌الَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، مُبَشِّرًا إِيَّاهُم بِبَيْعِهِمُ الَّذِى بَايَعُوا بِهِ. فَهُم قَدْ بَايَعُوا عَلَى ذَلِكَ، وَاتَّفَقُوا عَلَى عَمَلٍ فِى سَبِيِلِ اللهِ، وَعَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ، وَيَنْتَظِرُونَ الظُّرُوفَ الَّتِى تُمَكِّنَهُم مِنَ الوَفَآءِ بِعَهْدِهِم، وَتَصْدِيِقِ بَيْعَتِهِم مَعَ اللهِ، وَاللهُ يُبَشِّرُ مَنْ سَيَصْدُقُ مِنْهُم.

فَلاَ بَيْعٌ فِى الأَيَةِ، وَإِنَّمَا مُبَايَعَةٌ.

● ● ●

.

3 ـ يَقُولُ القَائِلٌ: حَسَنًا؛ فَمَا مَعْنَى البَيْعَ هُنَا:

وَلَا تَسْـَٔمُوٓا۟ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰٓ أَجَلِهِۦ ۚ ذَ‌ٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَـٰدَةِ وَأَدْنَىٰٓ أَلَّا تَرْتَابُوٓا۟ ۖ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَـٰرَةً حَاضِرَةًۭ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوٓا۟ إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ..﴿٢٨٢﴾البَقَرَة.

وَالحَقِيِقَةُ أَنَّ الأَيَةَ هُنَا تُثْبِتُ مَا قُلْنَاهُ؛ إِذْ أَنَّهَا ذَكَرَت البَيْعَ، بَعْدَ أَنْ ذَكَرَت التِّجَارَةَ، وَنَصَّت عَلَى الإِشْهَادِ عَلَى البَيْعِ، حَتَّى لاَ يَكُونَ هُنَاكَ مَجَالاً لِلاخْتِلاَفِ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ، وَهُوَ مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ اليَوْمَ مِنْ كِتَابَةِ عُقُودٍ لِتَأجِيِرِ المَنْقُولاَتِ، وَالسَّيَّارَاتِ، وَعُقُودُ العَمَلِ، وَمُقَاوَلاَتُ الأَعْمَالِ، وَغَيْرِهَا مِنَ البُيُوعِ.

● ● ●

.

4 ـ يَقُولُ القَائِلٌ: فَمَا مَعْنَى التِّجَارَةَ مَعَ اللهِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَشْتَرِى مِنَ المُؤْمِنِيِنَ أَمْوَالَهُم وَأَنْفُسَهُم بِأَنَّ لَهُم الجَنَّةَ، وَهُمْ يُبَايِعُونَ عَلَى ذَلِكَ؟!

وَالجَوَابُ أَنَّ الشِّرآءَ فِى الأَيَاتِ هُوَ شِرَآءٌ مُخْتَلِفٌ عَنْ شِرَآءِ النَّاسِ مِنْ بَعْضِهِمُ البَعْضِ، فَالمُؤْمِنُونَ بَاعُوَا حَيَاتَهُم، وَوَقْتَهُم، وَسُلُوكَهُم، وَتَوَجُّهَهُم، وَكُلُّهَا عُرُوضٌ غَيْرُ تُجَارِيَّةٍ أَصْلاً، كَذَلِكَ فَقَدْ سَمَّى اللهُ تَعَالَى هَذِهِ العَمَلِيَّةَ بِالتِّجَارَةِ، مَعَ عَدَمِ وُجُودِ عَرَضٍ مَنْقُولٍ يُمَلَّكُ كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِى نَعْرِفُهَا؛ كَقَوْلِهَ سُبْحَانَهُ:

يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَـٰرَةٍۢ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍۢ﴿١٠﴾تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَ‌ٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَ‌ٰلِكُمْ خَيْرٌۭ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴿١١﴾الصَّفّ.

فَاللهُ تَعَالَى سَمَّى تَقَبُّلَهُ لأَعْمَالِ المُؤْمِنِيِنَ مِنْ إِيِمَانٍ وَجِهَادٍ فِى سَبِيِلِهِ بِأَمْوَالِهِم وَأَنْفُسِهِم بِالشِّرَآءِ، فَقَالَ: “ٱشْتَرَىٰ“، وَهَذَا مِنْ كَرَمِ اللهِ تَعَالَى مَعَ المُؤْمِنِيِنَ، إِذْ عَامَلَهُم بِالإِحْسَانِ، فَاعْتَبَرَ تَعَالَى البَيْعَ مِنَ المُؤْمِنِيِنَ كَأَنَّهُ تِجَارَةً، وَكَأنَّهُ لاَ يَمْلِكُ مَا يُقَدِّمُونَهُ أَصْلاً مِنْ نَّفْسٍ، وَمَالٍ. (1). وَهُوَ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:

مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًۭا فَيُضَـٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضْعَافًۭا كَثِيرَةًۭ ۚ وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُۜطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴿٢٤٥﴾البَقَرَة.

فَاللهُ تَعَالَى هُوَ مَالِكُ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَكِنَّهُ يَسَأَلُ المُؤْمِنِيِنَ أَنْ يُقْرِضُوهُ، قَرْضًا حَسَنًا، بِأَنْ يُقَدِّمُوا مَا مَلَّكَهُ اللهُ إِيَّاهُم، طَوْعًا؛ لِيُضَاعِفَهُ لَهُم أَضْعَافًا كَثِيِرَةً، وَاللهُ سُبْحَانَهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيِمِ.

وَلِلحَدِيِثِ بَقِيَّةٌ .

بَيَانُ اللهِ لِقِبَحِ الرِّبَا:

شَخْصُ المُرَابِىِّ:

بَيَانُ حُرْمَتِهِ:

النَّهْىُ عَنْهُ:

التَّعَامُلُ مَعَ المَوْجُودِ:

التَّرْغِيِبُ فِى ذَرْيِهِ:

النَّصُّ عَلَى الوَعِيِدِ:

مَعْنَى المُضَاعَفَةِ:

هَامِشٌ: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1ـ فَالأَيَةُ صَوَّرَت اللهَ تَعَالَى بِأَنَّهُ اشْتَرَى. وَالمُشْتَرِى فِى التِّجَارَةِ الَّتِى عَرِفْنَاهَا يَدْفَعُ لِيِتَمَلَّكَ مَا يَشْتَرِيِهِ، وَهَذَا غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ هُنَا، فَاللهَ تَعَالَى هُوَ مَنْ يَمْلُكُ الدُّنْيَا وَمَافِيِهَا، وَلَكِنْ لأَنَّهُ تَعَالَى تَرَكَ للإِنْسَانِ حُرِّيَّةَ الاخْتِيِارِ فِى الدُّنْيَا فَقَدْ عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ اخْتِيَارًا مُقَابِلَ الجَنَّةِ، فَمَلَّكَهُ اخْتِيَارَهُ، وَرَزَقَهُ النَّفْسَ وَالمَالَ، ثَمَّ عَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَقَدَّمَ بِمَا مَلَّكَهُ اللهُ إِيَّاهُ بِهَذَا الاخْتِيَارِ فِى سَبِيِلِهِ مُقَابِلَ الجَنَّةَ.

 

 

 

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x