لَم نوجد في هذه الدنيا عبثًا، بل وُجِدَ كلّ منا وله هدفٌ، وأجلٌ، وارتباطٌ بالزمان، وبالمكان، وبظروفٍ لا نختارها، وأخرى ملك يدينا. وهنا نجد أن كل ذلك يدور في فلك الإحساس؛ وعليه فقد جاءت الحواس لتكون هي أداة التعرف خلال رحلة الحياة، وهو ما يجعل من الإنسان أدق جهاز استقبال وإرسال في الحيّز المعروف. وهنا مشكلة حقيقية تكمن في أنّ هذا الوجود الدنيويّ هو عالم موازٍ، مؤقت، له ما وراءه. وهذا الّذي هو وراءه هو عالم عُلويّ كامل، به وُجِدَت هذه الدُنيا، وبه تُدار، ومنه تُرَاقبُ، وبه يتمّ استنساخ كل الأفعال التي تقع من الناس، حيث إنّ هذا الوجود الدنيويّ هو وسط مؤقت يهدف إلي تقييم أفعال الناس بعد أن أتاح موجدهم لهم حريّة الفعل، وزوّدهم بالإمكانيات التي تُمَكِّنهُم من التصرف في الكثير من مُعطيات هذا الكون الدنيويّ، وطلب منهم أن يؤمنوا به برغم أنه ـ تعالي ـ لا يقع تحت حواس المادّيات، وإنما يقع وجوده تحت حواس العقليات، والمعنويات، والماورائيات. فهل سيقوم الإنسان ـ بما أُعطيه من قُدرةٍ ـ باستقبالٍ صحيحٍ، ينعكس علي إرساله، بحيث يكون حلقةَ حقٍّ في سلسلة الحق، التي ستوصله بدورها إلي رضا من أوجده، ويُراقبه، والّذي هو ـ ضرورة ـ يلزم أن يكون قويًّا، وحكيمًا، وحقًا، وقادرًا، . . الخ؟!
هذه المُعادلة هيَ مُعادلة وجود الإنسان، وهي ليست بهذه البساطة الّتي نوجزها بها هُنا، حيث إنّ هذا الطريق الّذي يمرّ به الإنسان في هذه الدنيا ليُثْبِت موقفه هو طريق محفوف بالمخاطِرِ، ومُمتلئ بالمحاذير، حيث إنه من السهل جدًّا أن يخيب سعيه إن لم ينتبه.