برغم أنّ مُقَدِّمة الكتاب لم تتجاوز الأربع صفحات إلا أنها احتوت علي كمٍّ من الأخطاء لا يُسْتَهان به، ومن ذلك:
أولاً: تسميّة القرءان:
يفترض الأستاذ شحرور أن تسميّة القرءان هي من الفعل “قرن”، ويُدَلل علي ذلك بقوله: “. . لفظ القرآن جاء من فعل: قَرَن، ونرى أنه قَرَنَ أحداث التاريخ من إمام مبين مع أحداث الكون فى لوح محفوظ”.
1 ـ وهو كلام مُجانب للصواب، إذ إنه افتراض قائم علي تجاهل الهمز في كلمة “قرءان” كما لو أنه غير موجود، بينما الهمز هنا من صلب الكلمة.
وقد جاءت مشتقات قرن بالقرءان كالتالي: قرين/قَرنٍ/قرون/مقرنين/قرنين/قُرناء/مُقرنين/مُقترنين.
وكلمة: “قرن” ـ كما نُطالِعُ هُنا ـ لا علاقة لها بالهمز من قريب أو بعيد، وليست كلمة “قرءان” من مشتقاتها. فإذا ما علمنا ذلك فلنعلم أيضًا أنّ القول بعدم الهمز ـ بناءً علي اختيار الجذر “قرن” ـ مُخالف لقواعد الاشتقاق، ولموارد اللغة، وكاف للحكم ببطلان هذا الاختيار.
2 ـ أما القول بأن القرن أساس التوجه إليه، وارتضائه، مبنيّ علي أن “القرن” واقع ما بين أحداث الكون وأحداث التاريخ فهو تحجيم عصريّ للقرءان؛ فالتاريخ هو كل ما سلف ومضى، والكلام كان يكون لهُ بَعض القبول (كوجهةِ نَظرٍ ضَعيفة ومَرجوحة) لو أن هذا هو الاقتران الوحيد الموجود بالقرءان، ولكن الناظر بعين التدبر للقرءان يجد أن الاقترانات كثيرة جدًا فيه، فهناك اقتران بالحاضر (الّذي بين يديه) وهو ليس بتاريخ، واقتران بالمُستقبل وهو ليس بتاريخ، وبما بعد انتهاء الدُنيا وهو ليس بتاريخ، واقتران للأحكام بالحِكمة، وبالبُرهانِ، وبالفُرقان، . . الخ.
3 ـ ثُمَّ إنّ كتابة اسم القرءان هكذا: “القرآن”، بألف ممدودة يجعل النطق بها كالأتي: “القراان” بغير همز، وهو ما لا يستقيم ولا يستطيع الأستاذ شحرور النطق به أمام الغير، فلِمَ يخطّ ما لا ينطق، وينطق ما لا يخطّ؟!
4 ـ أمَّا قول الدكتور بالهامش: “انظر: تفسير فخر الرازي، الآية 185 من سورة البقرة، حيث أورد أن كثيرًا من الدارسين أقروا بأن القرآن جاء من فعل (قرن)”. فعليه جُملة مُلاحظات، أولها أنه قول مُرسل، لا قيمة له من الناحية العلمية، والفخر الرازي يقول كما يشاء، وهو كنقل الروايات مبنيّ علي الظنّ.
وثاني ذلك أن الأدلة العلميّة لا تُورد هكذا، فقد يكون الرأي شاذًّا وصحيح. فالعبرة ليست بالكثير والقليل، فضلاً عن أنه لم يقل بالأكثريّة بل بالكثير، وبينهما فرق؛ فالكثير قد يكون هو الأقليّة.
وثالث ذلك أن الرأي المنقول متوقف عند ما يزيد علي الألف عام.
ورابع ذلك أن هؤلاء الكثير الّذين هم بالحقيقة الأقل يُوَّجه إليهم نفس المؤاخذات التي تمّ توجيهها سلفًا.
وخامس ذلك أن هناك من ردّ هذا التوجه بما ثبت من قواعد الاشتقاق، فهو الأولي أن يُسْمَع، وتناقش حُجّته، لا الكلام الّذي لم يُرِد حجةً ولو من قطمير. يقول الدكتور صبحي الصالح (1) في أول كتابه: مباحث في علوم القرآن:
“الفصل الأول: أسماء القرآن وموارد اشتقاقها: لقد ذهب العلماء في لفظ: القرآن، مذاهب، فهو عند بعضهم مهموز وعند بعضهم الآخر غير مهموز”، ثم يقول بعدها بسطور:
“والقول بعدم الهمز في هذ الآراء الثلاثة كاف للحكم ببعدها عن قواعد الاشتقاق وموارد اللغة. وممن رأى أن لفظ القرآن مهموز: الزجاج واللحياني وجماعة”.
5 ـ ثُمَّ إنَّ القول: “. . ونرى أنه قَرَنَ أحداث التاريخ من إمام مبين مع أحداث الكون فى لوح محفوظ”، فيه افتراء عَظيم لا يستطيع الأستاذ شحرور أن يُثْبت مِنهُ شيئًا، والمؤمنُ وَقَّافٌ عِندَ ما يقولَهُ رَبّه مِن غَيب. واللوح المَحفوظ لَم يأتِ إلاَّ مَرَّةً واحِدةً بسورةِ البروجِ كالتالي: ” بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)”. فِمن أينَ للأستاذ شحرور قَولِهِ هَذَا مِن كِتابِ الله؟!
هَل أطْلَعَهُ اللهُ علي اللوح المَحفوظِ فَوَجَدَ فيهِ مِثلُ ذَلِكَ؟!
أمَّا الإمام المُبين فَقَدْ جاء ذكره بالقرءان مَرَّتيّن، ما يَتَبَيَّنَ مِنهُ أنَّهُ فيه أعمال الناس وما قدّموا وءاثارهم، تصديقًا لقول الله تعالي بسورة يس: ” إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ”، وسورة الحِجر: ” وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ * فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ”.
6 ـ والقول بقرن أحداث التاريخ مع أحداث الكون، فيهِ أيضًا جملة من الأخطاء الأقلّ شأنًا: فأول ذلك الخلط والتَعويم الحادث في مقولة “أحداث الكون”؛ إذ ما هي أحداث الكون تِلك؟! . . . إن كان المقصود بها ما مضي مِن خَلقِ السماواتِ والأرض وغيرهم، فسيكون ذَلِكَ جزءًا من التاريخ فكيف يقترن الشيء بنفسه؟!
وإن كان المقصود بها المُعاصِر من الأحداث الكونيّة كالأمطار والأعاصير، والزلازل، وانفجار البراكين، وسقوط النيازك، واقتراب المُذنبات، . . الخ، فكيف سيقرن القرءان بين الأحداث المُعاصِرة وبين التاريخ؟!
7 ـ وأخيرًا فإنّ القول بأنّ تسّمية القرءان من المصدر “قرء” بمعنى توضيح مكنون ستُفي بالغرض، حيث تمّ صياغة الحقائق الكونيّة بلسانٍّ عربيٍّ مُبين، ليظلّ القرءان في حالة إعلان لما يتمّ وسيتمّ كشفه، ويظلّ تصديقه للّذي بين يديه مُستَّمر حتى قيام الساعة. وبذلك فإن الحقائق العلميّة المدمجة في متنه ستتطابق مع كل ما يَثْبُت عن طريق العلم.
وَلِلحَدِيثِ بَقِيّةٍ بالجُزء الثانى
هامش: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ـ صبحي الصالح هو رئيس المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى بلبنان، وأحد علماء الدين السنة البارزين، ولد سنة 1925، واغتيل في 7 أكتوبر 1986.