يقول الأستاذ شحرور في كِتابِه “الكِتاب والقرءان” عَن الأمّيّة:
“لنعرف ما معنى كلمة الأمي التي وردت في الآيات السابقة. لقد أطلق اليهود والنصارى على الناس الذين لا يدينون بدينهم أي ليسوا يهوداً ولا نصارى لفظ الأمي (وجاءت من كلمة غوييم العبرية “الأمم”). وهو ما نعبر عنه اليوم بالدهماء أو الغوغاء أو العامة، لأن هؤلاء الناس كانوا جاهلين ولا يعلمون ما هي الأحكام في كتاب اليهود والنصارى، والنبوات التي جاءت لهم. ومن هنا جاء لفظ الأمي التي تعني 1- غير اليهودي والنصراني. 2- الجاهل بكتب اليهود والنصارى”.
وفي هذه الكلمات ـ في نظري ـ مجموعة من الأخطَاء، مِنها ما هُوَ تنظيري، وَمِنها ما هُوَ تَطبيقي، ومِنها أخطاء في المُمَارسات نَفسِها.
1 ـ فأمَّا الأخطاء التَنظيريّة:
● فَمِثل تَركِ الأستاذ شَحرور لِبَحث مَعنى اللَّفظِ مِن استقراء ءايات القرءان، وإلاَّ فالقرءان لَيسَ فِيهِ ما يدلّ علي ما قاله مِن الغوغاء، والدَهماءِ، . . الخ.
● ومِثله أيضًا مُقَابَلته لِلَفظّ “الأميين” العَرَبيّ بلفظِ “غوييم” العبريّ، دُونَما أساس عِلميّ لِهَذِهِ المُقَابلة.
● ومِثله أيضًا اعتماد الأستاذ شَحرور لمصادر في الفَهمِ لا تَرقي لأن تكون مَصَادرًا، كَأخذِهِ بأقوال مُنتَشِرة في عَصرِه وَتَحكِيمها في فَهمه لِكتاب الله، وفي المُنْتَشِر قَدِيمًا. فالقول بأن لفظ الأميّ يعني الدهماء أو الغوغاء أو العامة هو قول مرسل لا دليل عليه، ولا يُساوي الحِبر الَّذي كُتِبَ بِهِ، ولا سبيل لإدراجه في بحث علميّ لأنه في أحسن أحواله ظنّ بحت، وسَيَتَبَيَّن هُنا أنَّهُ خَطَأ أيضًا.
● ومِثله أيضًا عَدَم الاعتمادِ هُنا علي استخراج المَعنى مِن خِلال التَرتيل، إذ لَوّ فَعَلَ ذَلِكَ لَعَلِمَ أنَّ هَذِهِ الفِئةِ مِن أهل الكِتاب كانت تَعتَبِر أن كُلَّ مَن هُوَ لَيسَ مِنهُم فَهُوَ لَيسَ مِن أهل الكِتابِ، وَلَيسَ مِن المؤمنين (عِنْدَهُم)، وبالتالي استحلوا أكل مالهِ وَلَوّ كان علي صِفة الأمانة. والَّذي سيقودَهُ لِذَلِكَ هُوَ تَرتيله للقرءان في لَفظ الأميّ.
2 ـ وأمَّا الأخطاء التَطبيقية فَمثلِ تَصْدِيقِهِ لِهَذِهِ الأقوال، والبِناء عَليها، ومَعلوم أنَّ كُلّ ما بُنِيَ علي باطل فَهُوَ باطِل أيضًا.
3 ـ وأمَّا أخْطَاء المُمَارسات فَمثل عَدَم اكتفاءه بالأخذ بالأخطاء السابقة في حَقّ نَفسِهِ، وَإنَّما تَعَدّي ذَلِكَ بدَعوَته غَيره ليحذو حِذوه، والأخذ بِفَهمه.
4 ـ والقرءان عِنْدَما يَنقل، ينقل المعنى الصحيح للكلمة، لا الخطأ عند الناس، وبالتالي فَعِنْدَما يقول تعالي مُقَرِّرًا قول بعض أهل الكِتاب: “ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ”، فَهُوَ سُبحانه يَعْتَمِد علي المَعني الصحيح للأميّة، لا المَعنى المُتداول فى الشارع لِلَّفظِ.
5 ـ ثُمَّ إننا لا نُنَاقشُ هُنا فرضية سلامة أو خطأ المعنى عندهم؛ إذ المَعنى الوارد بالكِتاب هُوَ المَعني الصحيح لِهَذَا اللفظ، وَهُوَ مُعَبِّرٌ عَمَّا كانوا يقولونه أيامَئِذٍ. أو بطريقة أُخرى فإنَّ اللهَ تعالي جاء بالمَعنى الَّذِي كانوا يُصِيغونَهُ بلِسانِهم أيامَئِذٍ مَلفوظًا بِلِسانٍ غَيره، وَهُوَ لِسان القرءان، فاسْتَخْدَم لَفظ “الأميين”، وبالتالي أصبَحَ علي دارس القرءان أن يبحَث مِن القرءان عَن المَعنى الصحيح لِلْكَلِمة، لا أن يتسَوّل المَعنى مِن أجيالٍ (حاليّة) لا عِلاَقةَ لَها بما كان سائد عِندَ أهل الكِتابِ قَديمًا، خُصوصًا أنَّ اللَفظ لَيسَ هُوَ بِذَاتِهِ، ولا اللسان . . . فتأمل!
6 ـ إنَّ القول بأنَّ “الأميين” تَعني عِند اليهود والنصارى الدهماء أو الغوغاء أو العامة مرجوح أيضًا بما ساقه الأستاذ شَحرور فيما بعد من أن النبيّ مذكور عند أهل الكتاب في كتابهم بأنه “أميّ”، ولا يصح القول بأنه مذكور عندهم على أنه من الغوغاء، أو الدهماء، ولا يقول هُوَ بِذَلِك!
7 ـ قول الأستاذ شحرور:
“لأن هؤلاء الناس كانوا جاهلين ولا يعلمون ما هي الأحكام في كتاب اليهود والنصارى”،
هو خطأ ـ في نظري ـ؛ فَالَّذي لا يعلم ما هي الأحكام في كتب اليهود والنصارى لا يُقال عَنهُ إنَّهُ جاهِل. وَكَانَ الأَصَحّ لَهُ أن يقول: “لأن هؤلاء الناس كانوا جاهلين بكتب اليهود والنصارى”، وحَتّى هَكَذَا خَطأ في المَضمون وَإن تَصَحَّحَت الصِياغة.
كما أن الاستنتاج بأن السائد عند اليهود والنصارى هو أن الجاهل بكتب اليهود والنصارى هُوَ من الأميين هو استنتاج خطأ ـ في نظري ـ، ولم يقولوا هم به، وَالكثير منهم لا يعرفون عن الكتاب شيئًا، وإنما تركوا العلم لأحبارهم ورهبانهم، ولم يضرهم جهلهم، وإنما حصروا الضرر في عدم تقليد الأحبار والرهبان والاعتراف والعمل بالكتاب كما سيوجههم كهنوتهم.
● قول الأستاذ شحرور: “وبما أن التوراة والإنجيل هما نبوتا موسى وعيسى . .” خَطَأ.
فلم يأتِ نصّ واحد يقول بنزول التوراة على موسى، وليراجع حضرته الثمانية عشرة مرة التي جاء فيها ذكر التوراة، ولن يجد فيها أي ذكر لموسى. وإنما نُسِخَ لموسى نُسخة في الألواح:
“وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)” الأعراف.
“وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)” الأعراف.
“وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (154)” الأعراف.
● قول الدكتور شحرور:
“وبما أن التوراة والإنجيل هما نبوتا موسى وعيسى . .” خَطَأ.
فَهَذِهِ كُتُب للرسالة لا النُبوّة. قال تعالي: “وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ . .”.
“إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء . .”.
“وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ”.
أمَّا ءايات البُرْهان فكانت حسّيّة، وَلَم تَتَبَدَّل وتصير مُدمَجةً في الكتابِ إلاَّ في الرسالة الخاتِمة:
“وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)”.
● قول الأستاذ شحرور مُعَلِّقًا عَلى قول الله تعالى:
“وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)” آل عمران.
“لقد أطلق اليهود والنصارى على الناس الذين لا يدينون بدينهم أي ليسوا يهوداً ولا نصارى لفظ الأمي”، هُوَ خَطأ.
فَكيف يتحول: “بعض أهل الكتاب” (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ)، إلى: “اليهود” و: “النصارى”؟!
وَهل يستوي قوله تعالى: “أهل الكتاب”، مع قوله تعالى: “الّذين ءاتيناهم الكتاب”، مع قوله تعالى: “الّذين أوتوا الكتاب”، مع قوله تعالى: “اليهود”، مَع قوله تعالى: “الَّذينَ هَادوا”، مَع قوله تعالى: “النصارى” مَع قوله تعالى: “الّذين كفروا من أهل الكتاب”، مَع قوله تعالى: “كثير من أهل الكتاب”، مَع قوله تعالى: “طائفة من أهل الكتاب”، . . الخ؟!
فما بالنا بقوله تعالى: “من أهل الكتاب”؟!
● قول الدكتور شحرور في بحثه عن قول الله تعالى السابق:
“وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا . .” ءال عمران.
“. . فمنهم أي اليهود (من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك) ومنهم أي النصارى (من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك)”، ويقول: “فلماذا لا يؤدي اليهود الأمانات لغيرهم؟ لأنهم يعتبرون “الغوييم” الأمم خدماً لهم وأنهم الدهماء”. خطأ!!
فتخصيص من سيؤدي القنطار بالنصارى، والّذين لن يؤدوا الدينار باليهود هو تخصيص غير علميّ لا يستطيع الدكتور أن يبرهن عليه. وله الاستدلال بقول الله تعالى عن أهل الكتاب:
“. . وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)” ءال عمران.
“وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199)” ءال عمران.
فمن البدهي أن المؤمنون منهم هم من سيؤدون القنطار المؤتمنون عليه إذا ما طُلِبَ منهم، وأن الفاسقين منهم ـ وهم الأكثر ـ لن يؤدوا دينارًا ائتمنوا عليه إلا خوفًا.
● قول الدكتور شحرور مُعَلِّقًا علي قوله تعالى:
“. . وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)” ءال عمران.
“فالذين أوتوا الكتاب هم اليهود والنصارى”، خَطَأ.
وخلط بَيّن، فمرة جعل الدكتور اليهود والنصارى هم بعض أهل الكتاب كما في المثل السابق. وها هو هنا يجعل اليهود والنصارى هم الّذين أوتوا الكتاب. وفرق كبير بين اليهود، وبين النصارى، وبينهما وبين الّذين أوتوا الكتاب، وبينهما هما والّذين أوتوا الكتاب وبين الّذين أتيناهم الكتاب.
● قول الدكتور شحرور:
“فإذا قلنا: إن فلاناً أمي دون التعريف .. أمي بماذا؟ وأراد أن يمحوا أميته فيدخل مدرسة محو الأمية تحت اسم محمد بن سعيد ويخرج تحت اسم هارون. أما إذا قلنا فلان أمي وعرفناه بماذا، فهذا صحيح ونكون قد استعملنا المعنى الوارد في الآية (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني). فكاتب هذا الكتاب هو أمي بعلم البحار مع أنه دكتور مهندس في الهندسة المدنية. أي هو لا يعلم في علم البحار إلا اللمم وعندما يتكلم عن علم البحار فمعلوماته ظنية غير يقينية: (وإن هم إلا يظنون)”. خطأ:
فالأمية ـ طبقًا لما جاء بالقرءان ـ مقصورة على عدم وجود كتاب عند الأمي، ولذا سمى الله تعالى من انفصل عن الكتاب مع وجوده معه بالأمي، ومن هنا أطلق الله تعالى على كل من لم يأته كتاب بالأمي فقال: “هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)” الجمعة.
ولو كانت الأميّة تُطلق على نواحي شتى ـ كما قال الدكتور ـ لاعترى العيب منطوق الأية لعدم تحديدها للأمية، ولكان الأولى أن يقول الأميين بكذا.
● قول الدكتور شحرور:
“قد يقول البعض: ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أمياً بمفهومنا الخاطئ للقراءة والكتابة؟ أقول: نعم لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من أول حياته إلى وفاته أمياً بالخط أي كان لا يخط ولا يقرأ المخطوط وجاء هذا المعنى في قوله تعالى (وما كنت تتلوا من قبله من كتابٍ ولا تخطه بيمينك إذاً لارتاب المبطلون) (العنكبوت 48). (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون) (العنكبوت 49)”.
وهو كلام خطأ تمامًا، ويقلب جوهر أميّة الرسول، ويقلب حقيقة كونه كان يخطّ ويتلوا، وينقضه ما جاء ببحثي، وسأنشرهُ هُنا بَعد تحويل الأيات للفونت العادي بَدلاً مِن فونتات رسم القرءان.
والعَجيب أنَّ الأية التي استدل بها حضرته على عدم قدرة الرسول على الخطّ أو تلاوة المخطوط هى هى نفس الأية التي تدل على قدرة الرسول على الخطّ وتلاوة المخطوط!
● قول الدكتور شحرور:
“لقد وضحت أمية النبي صلى الله عليه وسلم في شيئين: أولهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم في حياته قبل البعثة عن أي موضوع من مواضيع القرآن، ولو فعل ذلك لقال له العرب: لقد كنت تتحدث إلينا عن هذه المواضيع قبل أن تكون نبياً. أي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً في مواضيع القرآن تماماً؛ وقوله (من كتاب) منكرة، وتعني القرآن لأنه أتبعها بقوله (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم)”، خطأ من وجوه:
1 ـ إذ لو تكلم الرسول بالقرءان في أي وقت لكانت البعثة حين يتكلم به، فكيف سيقول له الناس حينئذٍ: “لقد كنت تتحدث إلينا عن هذه المواضيع قبل أن تكون نبياً” وهو كان نبيًّا؟!!
كلام غير واقعي، ولا يمشي مع بعضه.
2 ـ ثم إن الأيات تتكلم عن أهل الكتاب وما سيقولونه من شبهات، فما الّذي أقحم العرب في الموضوع؟!
3 ـ ثم إن الله تعالى يقول سبحانه في سياق متصل:
“وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49)” العنكبوت.
فالأيات تأمر ـ مما تأمر به ـ الرسول والمؤمنون بالإيمان بما أُنزل لأهل الكتاب، ثم يقول سبحانه ـ كتذكير وطمأنة لأهل الكتاب ـ: إن الرسول لم يكن يتلوا كتابًا (سماويًا) قبل القرءان أو يخطه (الكتاب) بيمينه، ولو كان شيء من ذلك لارتاب المبطلون. فأهمل الدكتور لفظ: ” قَبْلِهِ”، في قوله تعالى: “وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ”، وقال: “وقوله (من كتاب) منكرة، وتعني القرآن“. وبذلك يكون المعنى اللازم لطرحه هو: وما كنت تتلوا قبل القرءان من قرءان!!!
فهل يستقيم مثل هذا؟!
ألم يكن الأوفق لو أراد الله ذلك أن يقول: “وما كنت تتلوا القرءان من قبل”؟!
وحتى هكذا سيكون خطأً، إذ كيف سيتلوا معدومًا؟!!
4 ـ أما قول الدكتور :
“وقوله (من كتاب) منكرة، وتعني القرآن لأنه أتبعها بقوله (بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم)”، فهو خطأ؛
إذ الضمير في “هو” يعود على قوله تعالى: “وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ”، “فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ”، “مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ”، ” قَبْلِهِ”، ” تَخُطُّهُ”، وليس على “مِنْ كِتَابٍ” كما ذهب الشَحْرُور.
● قول الأستاذ شحرور:
“أما مواضيع أم الكتاب فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم أمياً بها كلها فمثلاً: الصدق والأمانة والوفاء بالكيل والميزان من مواضيع أم الكتاب، أو لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم صادقاً وأميناً ويوفي الكيل والميزان قبل البعثة”. هو خطأ:
1 ـ إذ لا يُقال عن فاعل الخيرات بغير أن يكون عنده كتاب بأنه غير أُميّ. وأرى أن الّذي أوقع الدكتور في ذلك هو عدم تحديده الدقيق لمعنى الأمية، ومن ثم توصل إلى أن الأمية جزئية، فهو أميّ وغير أمي بنفس الوقت!!!
2 ـ وبفرض أن الرسول كان ـ مثلاً ـ يُوفي الكيل من تلقاء نفسه قبل أن يُوحى إليه فلن يُخرجه ذلك من الأمية؛ لكون ذلك لم يحدث كطاعة لله العليّ كما جاء بكتابه الّذي لم ينزل بعد!!
● قول الأستاذ شحرور في كتابه القَصَص القرآني ص 32:
“لقد ذكرنا في كتابنا الأول معنى الأمي وهو الجاهل بكتب اليهود والنصارى ومن لا يدين بدينهم”، “فالأمية لا علاقة لها بجهل الكتابة والقراءة، وإنما هي جهل بمعرفة الأديان السابقة“
هُوَ خَطَأ، ويتجاهل تَمَامًا قول اللهِ تعالي: “وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)” البقرة. الَّذي يُبَيِّن أنَّ الأميَّ هُوَ مَن لا يَعْلَم الكِتاب في أي زَمَن، ويَنْطَبِق عَلي مَن لا يَعلمون كِتاب الله القرءان الأن، وإلي نِهايةِ الدُنيا.
● قول الدكتور شحرور:
“والناحية الثانية التي تقولها الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً بالخط، وأميته بالخط استمرت إلى أن توفى صلى الله عليه وسلم”.
هو كلام خالي من الصحة، وسيأتي تَفنيده في الجزء التالي (د.شحرور/ أخطاء في موضوع الأمّيّة 2 ).