خامِسًا: عِلْمُ بَعْضِ العِبَادِ بِبَعْضِ مَا سَيَعْمَلَهُ غَيْرُهُم مِن العِبَادِ:
.
بَلَغَ الجَهْلُ بِعِلْمِ اللهِ، مِن شَحْرُورٍ وَأشْبَاهِهِ، كُلَّ مَبْلَغٍ، حَتَّى أنَّ القَاريءَ لِيَنْدَهِشَ هُنَا مِن أنَّ هَؤلاَءِ يُقِرُّونَ ـ اضْطِرَارً ـ لِبَعْضِ الأَنْبِيَاءِ بالعِلْمِ بِأعْمَالِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ، بِنَفْسِ الوَقْتِ الَّذِى مَنَعُوهُ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ سُبْحَانَهُ الَّذِى أعْلَمَ هَؤلاَءِ الأنْبيَاء بِمَا قَالُوه وَأنْبَأوا بِهِ؛ وَلْنُطَالِعُ بَعْضَ ذَلِكَ:
.
26/1/5 ـ عِلْمُ عِيسَى بِأعْمَالِ بَعْضِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ:
.
يَقُولُ اللهُ سُبْحَانَهُ عَن نَبِيِّهِ عِيسَى:
“وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49)” ءَال عمران.
فَعِيسَى عِنْدَهُ القُدْرَةَ، عَلَى أنْ يُنَبِّئَ أىَّ وَاحِدٍ، مِن بَنِى إسْرَآءِيل (مِن مُعَاصِريهِ)، بِمَا سَيَأكُل: “وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ”. وَالسُؤَالُ هُنَا لِلمُفْتَئِتِ عَلَى اللهِ تَعَالَى هُوَ:
هَلْ فِعْلُ الأَكْلِ وَاخْتِيَارِهِ هُوَ عَمَلٌ أمْ لاَ؟ وَهَلْ الزَّمَنُ الَّذِى سَيَتَنَبَّأُ بِهِ عِيسَى هُوَ زَمَنٌ مُسْتَقْبَلِىٌّ أم لاَ (1)؟ فَإِذَا كَانَ الأَكْلُ هُوَ عَمَلاً وَاخْتِيَارًا، وَالزَّمَنُ مُسْتَقْبَلِيًا فَكَيْفَ عَلِمَ عِيسَى ذَلِكَ؟ ألَمْ يَكُن الإخْبَارُ هُوَ مِنَ اللهِ تَعَالَى؟! أم أنَّ عِيسَى يَعْلَمُ عِلْمًا خَاصًّا وَمُسْتَقِلاً، واللهُ (وَحَاشَاهُ) لاَ يَعْلَمُ؟
.
27/2/5 ـ عِلْمُ يُوسُفَ بِأعْمَالِ بَعْضِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ:
.
يَقُولُ تَعَالَى عَن نَبِيِّهِ يُوسُف عِنْدَمَا قَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبَاهُ بِالسِجْنِ رُؤيَاهُمَا:
“يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)” يوسف.
فَيُوسُف عَلِمَ مِنَ الرُؤىَ بِمَا سَيَحْدُث لِصَاحِبَىِّ السِجْنِ مُسْتَقْبَلاً، وَمِن ذَلِكَ مَا سَيَفْعَلُهُ أحَدُهُما مِن سِقَايِةِ رَبِّهِ الخَمْر. وَهَذِهِ السِقَايَةِ هِىَ ـ بَدَاهَةً ـ مِن أعْمَالِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ.
إذًا فَقَدْ اسْتَوْدَعَ اللهُ تَعَالَى، بَعْضَ أعْمَالِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ، فِى رُؤَىَ البَعْضِ، بِحَيثُ يَتَمَكَّنُ مَن عَلَّمَهُ اللهُ تَعَالَى، تَأويِلِ هَذِهِ الرُؤَى، مِنَ الإحَاطَةِ بِمَا سَيَكُونُ مِن أعْمَالِ هَؤلاَءِ الرُؤَاةِ (2).
.
28/3/5 ـ عِلْمُ عِيسَى بِبَعْضِ أعْمَالِ نَفْسِهِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ:
.
يَقُولُ تَعَالَى عَن نَبِيِّهِ عِيسَى وَأُمِّهِ بِسُورَةِ مَرْيَم:
“فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)“.
إذًا فَسَيَتَكَلَّمُ عِيسَى وَهُوَ طِفْلٌ حَدِيثُ الولاَدَةِ، تَحْمِلُهُ أُمُّهُ؛ فَانْظُر مَاذَا سَيَقُولُ:
“قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)“.
وَالسُؤَالُ هُنَا هُوَ: هَلْ كَانَ عِيسَى حُرًّا فِيمَا سَيَفْعَلُهُ مُسْتَقْبَلاً؟!
وَالسُؤَال الثَانِى هُنَا هُوَ: إذَا مَا كَانَ عِيسَى حُرًّا فِيمَا سَيَفْعَلُهُ مُسْتَقْبَلاً، أفَلَمْ يَكُن مُتَاحًا لَهُ أنْ يَنْقُضَ أىّ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ عِنْدَ مَوْلِدِهِ، كَالبِرِّ بِالوَالِدَةِ، أوْ المُحَافَظَةِ عَلَى الصَلاَةِ، أوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَوْ الشِرْكِ نَفْسَهُ؟!
إذًا هُنَا مَسْأَلَتَان؛ أوَّلُهُمَا، مَسْألَةُ عِلْمِ اللهِ تِعَالَى بِمَا سَيَكُونُ مِن أعْمَالِ عِيسَى فِى المُسْتَقْبَلِ. وَالثَانِيَةُ، مَسْألَةُ عِلْمِ عِيسَى بِمَا سَيَكُونُ مِن أعْمَالِ نَفْسِهِ فِى المُسْتَقْبَلِ. وَمَا كَانَ لَهُ أنْ يَعْرِفَ مِنْهَا شَيئًا لَوْلاَ أنْ أخْبَرَهُ اللهُ تَعَالَى بِهَا. فَسُبْحَانَ مَنْ يَعْلَمُ، وَيُعَلِّمُ بِمَا سَيَكُونُ مِن عِبَادِهِ مُسْتَقْبَلاً.
.
29/4/5 ـ عِلْمُ يَعْقُوبَ وَيُوسُفَ بِأعْمَالِ بَعْضِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ:
.
بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ عَلَّمَ يُوسُفَ تَأوِيِلِ الأَحَادِيِثِ فَقَالَ:
“وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ .. (6)” يُوسُف.
“..وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ (21) ” يُوسُف.
وَقَالَ تَعَالَى نَقْلاً عَنْ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلاَم:
“رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ . . (101)” يُوسُف.
وَيَقُولُ تَعَالَى عَن نَبِيِّهِ يُوسُف عِنْدَمَا قَصَّ عَلَي أبيهِ رُؤيَاهُ:
“إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5)” يوسف.
فَيُوسُف عَلِمَ مِنَ الرُؤيَا المَقْصُودُ مِنْهَا، وَكَذَا عَلِمَهَا أبُوهُ يَعْقُوبُ، وَلِذَا طَلَبَ مِنْهُ ألاَّ يَقُصُّ رُؤيَاهُ عَلَى إخْوَتِهِ. وَوَاضِحٌ أنَّ الرُؤْيَا فِيهَا عَمَلُ غَيْرِهِ، وَهُم إخْوَتِهِ، وَأبَوَيْهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ مُسْتَقْبَلاً. وَهُوَ مَا جَاءَ ذِكْرُهُ فِى نِهَايَةِ السُورَةِ:
“فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)” يُوسُف.
أَضِف مَا جَاءَ هُنَا إلَى مَا سَبَقَ ذِكْرَهُ عَن قُدْرَتُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ مَا سَيَفْعَلُهُ صَاحِبُهُ فِى السِجْنِ مِن سِقَايَةِ رَبَّهُ الخَمْرَ، تَعْرِفُ البَعْضَ مِن إحَاطَةِ اللهِ بأعْمَالِ العِبَادِ عِلْمًا، مَاضِيهَا، وَحَاضِرُهَا، وَمُسْتَقْبَلُهَا.
.
30/5/5 ـ عِلْمُ عَبْدُ اللهِ الصَالِحُ بِأعْمَالِ بَعْضِ العِبَادِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ:
.
يَقُولُ تَعَالَى عَن مُوسَى وَفَتَاهُ:
“فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65)” الكهف.
ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى نَاقِلاً تَبْريرَ العَبْدِ الصَالِحِ لِمَا فَعَلَهُ مِن قَتْلِهِ لِلغُلاَمِ، وَإقَامَتِهِ لِلجِدَار:
“وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82)” الكهف.
وَلنُرَكِّزَ عَلَى الأتِى: “فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا”، ” وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي”.
.
وَالسُؤَالُ لِلشَحْرُورِ وَأمْثَالِهِ هُوَ: هَلْ كَانَ العَبْدُ الصَالِحُ عَلَى يَقِينٍ مِن أنَّ الغُلاَمَ سَيَظَلُّ عَلَى طُغْيَانِهِ وَكُفْرِهِ أمْ لاَ؟ وَلاَ يَسَعُهُم إلاَّ الإجَابَةَ بِالإِيجَابِ، وَإنَّمَا كَانَ عَدَمُ التَيَقُّنِ مُنْصَبٌّ عَلَى مَسْألَةِ إرْهَاقِ الغُلاَمِ لأبَوَيْهِ طُغْيَانًا وَكُفْرًا.
.
فَنَقُولُ لِلمُفْتَئِتِ عَلَى اللهِ: ألاَ تَرَى أنَّ العِلْمَ بِاسْتِمْرَارِ الغُلاَمِ عَلَى طُغْيَانِهِ وَكُفْرِهِ مُسْتَقْبَلاً هُوَ مِن العِلْمِ بِأَعْمَالِ العِبَادِ مُسْتَقْبَلاً؟!
.
وَالسُؤَالُ الثَانِى لِلشَحْرُورِ وَأمْثَالِهِ هُوَ: هَل اسْتَخْرَجَ الغُلاَمَان كَنْزَهُمَا مِن الجِدَارِ مُسْتَقْبَلاً أم لاَ؟ فَإِذَا كَانَا قَدْ اسْتَخْرَجَاهُ فَهَل كَانَ العَبْدُ الصَالِحُ وَمُوسَى يَعْلَمَان بِمَا سَيَقَعُ مِنَ الغُلاَمَينِ فِى المُسْتَقْبَلِ فِى هَذِهِ الجُزْئِيَّةِ أم لاَ (وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا)؟!!
.
إنَّ شَحْرُورَ وَأَشْبَاهَهُ مِمَّن يَدَّعُونَ أنَّ القُرْءَانَ مُعْتَبَرٌ عِنْدَهُم لاَ يَسَعَهُم إلاَّ الإِذْعَانَ لِهَذِهِ الأَيَاتِ، الدَالَّةِ عَلَى:
1 ـ أنَّ بَعْضَ المَخْلُوقِينَ عَلِمُوا بِبَعْضِ مَا سَيَحْدُثُ مِن غَيْرِهِم مِن المَخْلُوقِين مُسْتَقْبَلاً، وَمَا كَانَ لَهُم أنْ يَعْلَمُوا بِشَيْءٍ مِمَّا عَلِمُوهُ لَوْلاَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أخْبَرَهُم بِهِ.
2 ـ أنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أخْبَرَهُم بِمَا سَيَكُونُ مِنْ أَعْمَالِ المَخْلُوقِيِنَ عَلَى وَجْهِ التَّحْدِيِدِ.
فَكَيْفَ أخْبَرَهُم اللهُ بِمَا سَيَكُونُ مِنْ أَعْمَالِ المَخْلُوقِيِنَ عَلَى وَجْهِ التَّحْدِيِدِ، وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ مَا سَيَكُونُ مِنْ أَعْمَالِ العِبَادِ عَلَى وَجْهِ التَّحْدِيِدِ؟!!
3 ـ وَالدَالَّةُ أيضًا عَلَى عَدَمِ رُسُوخِ أقْدَامِ هَؤُلاَءِ فِى العِلْمِ، وَإِنَّمَا هُم مِن أدعِيَائِهِ، وَيَالَيتَهُم يُعطُوا لأَنْفُسِهِم فُسْحَةً مِن الوَقْتِ لِيَتَعَلَّمُوا فِيهَا بَدَلاً مِن الإثْقَالِ عَلَى النَّاسِ، وَعَلَى الأَقَلِّ لِيَقُومُوا بِتَصْحِيحِ مَا خَطَتْهُ أيمَانُهُم وَأَضَلُّوا بِهِ النَّاسَ، وَحَادُّوا اللهَ بِهِ.
وَأَكْتَفِى بِمَا أورَدْتُهُ لِمَا فِيهِ مِن التَوْضِيحٍ لِمَن أرَادَ العِلْمَ، أوْ التَوْبَةَ، وَعَزَائِى أنَّ المُؤْمِنَ عَلَى عِلاَقَةٍ جَيِّدَةٍ بِكِتَابِ رَبِّهِ، وَمِن ثَمَّ فَسَيَصِلُ إلَى بَقِيِّةِ الأَيَاتِ بِنَفْسِهِ.
أيْضًا فَسَيَفْهَمُ المُؤْمِنُ الكَثِيرَ مِنَ الأَيَاتِ الَّتِى قَدْ تَشْتَبِهُ عَلَى غَيْرِهِ فَيَفْهَمُ مِنْهَا أنَّ اللهَ لاَ يَعْلَمُ مَا سَيَحْدُثُ مِنَ العِبَادِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِرَسُولَيْهِ مُوسَى وَهَارُونَ:
“اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)” طه.
فَالَّذِى لَمْ يَدْرُسُ الكِتَابَ وَيَعْلَمُ مَا سُقْنَا بَعْضًا مِنْهُ فِى الصَفَحَاتِ السَابِقَةِ سَيَظُنُّ أنَّ اللهَ يَجْهَلُ مَا سَيَكُونُ مِنْ أمْرِ فِرْعَوْنَ. أمَّا مَنْ دَرَسَ الكِتَابَ وَيَعْلَمُ مَا سُقْنَا بَعْضًا مِنْهُ فِى الصَفَحَاتِ السَابِقَةِ فَسَيَفْهَمُ أنَّ اللهَ يَقُومُ بِتَعْلِيِمِ رُسُلِهِ، والمُؤْمِنِينَ كَيْفَ تَكُونُ الدَعْوَةَ لِلطُغَاةِ مَهْمَا كَانَ إجْرَامُهُم، وَإلاَّ فَإِنَّ اللهَ قَدْ قَالَ عَنْ فِرْعَوْنَ وَقْتَ أنْ كَانَ مُوسَى وَلِيدًا:
“..يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ.. (39)” طه.
وَعَلَى نَفْسِ الوَتِيْرَةِ تُفْهَمُ الأيَاتُ.
بَقِىَ أن نُنَاقِشَ شُبُهَاتِ القَوْمِ.
1ـ لاَحِظ أنَّهُ لَم يَقُل: “وَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنْتُم تَأكُلُون” بِحَيث يَتَّجِهُ الإنْبَاءُ إلَى المَاضِى، وَإنَّمَا انْصَبَّ إنْبَاؤُهُ عَلَى المُسْتَقْبَلِ، كَمَا قالَ يُوسُفُ لِصَاحِبَىِّ السِجْنِ:
“قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي..” يوسف (37).
2ـ وَمِن ذَلِكَ أيْضًا مَا نَقَلَهُ اللهُ تَعَالَى عَن نَبِيِّهِ وَرَسُولِهِ يُوسُف، عِنْدَمَا قُصَّت عَلَيْهِ رُؤيَا المَلِك:
“وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)” يوسف.
فَعَلِمَ مِنْهَا يُوسُفُ تَفَاصِيلَ كَثِيرَةً، وَمَا يَهُمُّنَا مِنهَا هُوَ مَا يَخُصُّ أعْمَال العِبَادِ:
“قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا.. (47)” يوسف.