7 ـ الشُبْهَةُ الثانية: عِلْمُ اللهِ احْتِمَالِىّ:
.قُلْنَا مِن قِبْل أَنَّ القَدَرَ تَخْطِيطٌ، وَأَنَّ القَدْرَ تَحْدِيدٌ، وَبِالتَالِى فَإنَّ العِلْمَ الشَامِلَ أضْحَى ضَرُورَةً لِكِلَيْهِمَا. وَلَوْ افْتَرَضْنَا أنَّ العِلْمَ احْتِمَالِىٌّ، لَمَا كَانَ هُنَاكَ مَعْنًى وَلاَ لُزُومًا لِلقَدَر والقَدْرِ المُتَرَتِّبَانِ عَلَى جُزْئِيَّةِ أعْمَالِ العِبَادِ. انْظُرُوا لِقَوْلِ الشَحْرُورِ (باخْتِصَارٍ غَيْرُ مُخْلٍ):
“فعلم الله في السلوك الإنساني الواعي يقسم إلى قسمين: 1- علم الله الكامل بكلية الاحتمالات التي يمكن أن يسلكها الإنسان، فأمام كل إنسان على حدة، ملايين الاحتمالات كل يوم، فلا يمكن لأي إنسان أن يقوم بأي عمل علني أو يخفي أي أمر أو يتبنى أية فكرة سرا أو علنا إلاوتصرفه داخل في هذه الاحتمالات وبالتالي فهو داخل في علم الله الكلي، ولا يفاجئ الله به ولا يدخل في كلية احتمالات علمه وهذه هي عين كمال المعرفة. فأبوبكر لم يفاجئ الله بإيمانه وأبو لهب لم يفاجئ الله بكفره، لأن الكفر والإيمان كليهما معا يدخل في علم الله. وفي هذا يصبح الخيار الإنساني الواعي خيارا حرا يستلزم الثواب والعقاب، وتصبح خيارات الإنسان غير مكتوبة عليه سلفا. وإذا قلنا الآن إن الله منذ الأزل علم أن أبا بكر سيؤمن وأن أبا جهل سيكفر فهذا عين نقصان المعرفة وليس كمالها. أي أن علم الله يحمل صفة الاحتمال الواحد. ولو كفر أبو بكر وآمن أبو جهل لكانت هذه مفاجأة كبيرة لله تعالى، علما بأن باب الكفر والإيمان كان مفتوحا أمام الاثنين على حد سواء” (1).
.وَلنَقُم بِتَحْلِيلِ هَذِهِ الشُبْهَةِ الزَائِفَةِ:
.37/1/7 ـ التَلاَعُب بِالأَلْفَاظِ لَيْسَ شِيمَةِ العُلَمَاءِ فَضْلاً عَن المُتَّقِين:
.لَيْسَ مِن مَصْلَحَةِ البَاحِثِ عَنِ الحَقِّ فِى الدَارَينِ أنْ يَتَلاَعَبَ بِالأَلْفَاظِ، لاَ سِيَّمَا وَنَحْنُ نُنَاقِشُ أمْرًا خَطِيرًا مِثْلَ أمْرِ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى. وَالأَجْدَرُ أنْ تَكُونَ كُلَّ ألْفَاظِنَا الَّتِى نَتَنَاوَلُ بِهَا المَوْضُوع مُنْضَبِطَةٌ، وَحَقٌّ، لاَ أنْ يَتَحَوَّلَ الأَمْرُ إلَى التَلاَعُبِ بِالأَلْفَاظِ، وَتَزْيِيفِ الحَقِّ. وَلِلأَسَفِ فَإِنَّ هَذَا هُوَ مَا حَدَثَ مِن شَحْرُورِ، وَلِذَا سَمَيّتُهُ بِثَنْىِ العِطْفِ، وَلْنُبَيِّنَ بَعْضَ ذَلِكَ؛ إذْ يَقُولُ المَذْكُورُ كَمَا نَقَلْتَهُ أعْلاَهُ:
“فعلم الله في السلوك الإنساني الواعي يقسم إلى قسمين: 1- علم الله الكامل بكلية الاحتمالات التي يمكن أن يسلكها الإنسان“، إلَى أنْ يَقُولَ:
“أي لا يمكن لأي إنسان مهما عمل أن يقوم بعمل ما سرا أو علنا ويفاجئ الله به ولا يدخل في كلية احتمالات علمه وهذه هي عين كمال المعرفة“.
.1 ـ فَأَوَّلُ التَلاَعُبِ بِالأَلْفَاظِ هُوَ تَسْمِيَتَهُ مَعْرِفَةَ الاحْتِمَالاَتِ بِالعِلْمِ:
وَلِنُقَرِّبَ المَسْألَةَ لِلأَذْهَانِ: فَلَوْ قُلْنَا أنَّ مُخْتَصَّ النَشْرَةِ الجَوِّيَةِ قَالَ إنَّهُ مِن المُحْتَمَلِ سُقُوطِ أمْطَارٍ غَدًا، فَيَكُونُ بِذَلِكَ عَلَى قَولِ شَحْرُورِ عَالِمٌ بِاحْتِمَالاَتِ الطَقْسِ غَدًا، ثُمَّ لِنَقُل إنَّهُ لَمْ تَسْقُط الأمْطَارُ فِى اليَوْمِ التَالِى، فَيَكُونُ المُخْتَصُّ لَمْ يَتَفَاجَأ، لِعِلْمِهِ بِكُلِّ الاحْتِمَالاَتِ. فَهَلْ تُسَمَّى مَعْرِفَةِ هَذِهِ الاحْتِمَالاَتِ بِالعِلْمِ، وَيُصَوَّرُ عِلْمُ اللهِ بِأنَّهُ مِثْلَ عِلْمِ النَّاسِ: “مَعْرِفَةٌ لِلاحْتِمَالاَتِ”؟!!
أيْضًا فَيَجِبُ أنْ نُفَرِّقَ بَينَ العِلم وَبَينَ الاحتِمال، فَلَوّ قُلْنَا أنَّ مَا لَدَى اللهِ تَعَالَى هُوَ احْتِمال (كَمَا تُخُرِّصَ بِهِ)، لَمَا كَانَ عِلْمًا، وَلَوّ قُلنَا حَتّى بِمَعْرِفَةِ كُلِّ الاحتِمَالاَتِ لَمَا كَانَ ـ أيضًا ـ عِلْمًا مِن قَريبٍ أو مِن بَعِيدٍ؛ إذ العِلمُ يَقْتَضى التَميّيزَ الدَقيقَ المُحَدَّدَ. وَمَعْرِفَةُ الاحْتِمَالاَتِ دُون العِلم بالتَحْدِيدِ يَتَعَارضُ أيضًا مَعَ قَولِ اللهِ عَن نَفْسِهِ سُبْحَانَهُ:
“اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)” الطلاق.
2 ـ أمَّا التَلاَعُب الثَانِى بِالأَلْفَاظِ فَهُوَ قَوْلُهُ إِنَّ العِلْمَ بِكُلِّ الاحْتِمَالاَتِ هُوَ عَيْنُ كَمَالِ المَعْرِفَةِ.
فَلَوْ كَانَ كَلاَمُهُ حَقًّا فَمَاذَا يَكُونُ إذًا العِلْمُ بِمَا سَيَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ لاَ الاحْتِمَالِ؟! هَل سَيَكُونُ عَيْنُ عَيْنُ كَمَالِ كَمَالِ المَعْرِفَة؟
3 ـ أمَّا التَلاَعُب الثَالِثُ بِالأَلْفَاظِ فَهُوَ قَوْلُهُ أنَّهُ لَوْ عَلِمَ اللهُ تَعَالَىَ بِحَقِيقَةِ الأحْدَاثِ الَّتِى سَتَحْدُث عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ فَهَذَا عَينُ نُقْصَانِ المَعْرفَةِ:
“وإذا قلنا الآن إن الله منذ الأزل علم أن أبا بكر سيؤمن وأن أبا جهل سيكفر فهذا عين نقصان المعرفة وليس كمالها“.
فَهَل يَقُولُ بِذَلِكَ عَاقِلٌ؟!
4 ـ أمَّا التَلاَعُب الرَابِعُ بِالأَلْفَاظِ، وَالَّذِى يَرْقَى لِلتَضْلِيلِ المُتَعَمَّدِ فَهُوَ قَوْلُهُ أنَّ اللهَ (وَحَاشَاهُ) قَدْ يُفَاجَأُ بأحْدَاثٍ مُخَالِفَةً لِمَا عَلِمَهُ حَالَ كَانَ عِلْمُهُ ذُو احْتِمَالٍ وَاحِدٍ (عَلَى وَجْهِ التَّحْدِيِدِ):
“أي أن علم الله يحمل صفة الاحتمال الواحد. ولو كفر أبو بكر وآمن أبو جهل لكانت هذه مفاجأة كبيرة لله تعالى، علما بأن باب الكفر والإيمان كان مفتوحا أمام الاثنين على حد سواء“.
.كُلُّ هَذَا الجَهْلِ الشَنِيعِ احْتَوَتْهُ سُطُور الشَحْرُورِ، وَأكْثَرُ مِنْهَا، حَتَّى أَنَّهُ خَلَطَ بَينَ العِلْم، وَبَيْنَ المَعْرفَةِ، وَتَكَلَّمَ عَنْهُمَا وَكَأنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، مَعْ أنَّ المَعْرِفةَ لَيْسَت العِلْم، فَالعِلْمُ أشْمَلُ وَأكْمَلُ، وَلَيْسَ بَعْدَ العِلمِ شَيْءٌ. وَالمَعْرِفَةُ كَالطَريق يَنْتَهِي بالعِلْمِ. وَالإنْسَانُ قَدْ يَعْرِفُ وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْلَمَ بِحَسَبِ قُدْرَاتِهِ المَمْنُوحَةِ. وَاللهُ تَعَالَي تَنْتَفِي عَنْهُ المَعْرِفَةُ وَلِذَا فَلَيْسَ مِن اسْمَائِهِ “العَارِفُ”؛ وَذَاكَ لأنَّهُ عَلِيمٌ، فَمُنْتَهَى العِلْمُ إلَيْهِ، وَلاَ يَتَنَاسَبُ مَعَ العَلِيم أَنْ يُقَالُ عَنْهُ “العَارِفُ” لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَقْلِيلِ وَالتَدَنِّي، وَحَاشَاهُ تَعَالَي.
.وَعِنْدَما يقولُ اللهُ تعالي: “ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)” محمد، فَلاَ يَعْنِى ذَلِكَ أنَّهُم يَعْلَمُونَهَا، وَإِنَّمَا يَعْرِفُونَهَا فَقَط.
بَل إنَّ شَحْرُورَ زَادَ عَلَى ذَلِكَ بِأنَّ صِيَاغَةُ الكَلاَم كَانَت هِىَ الأُخْرَى مَعِيبَةٌ؛ إذ كَيْفَ يُمْكِنُ الجَمعَ بَيْنَ عِلْمِ اللهِ بِشَيءٍ، وَبَيْنَ حُدُوثِ عَكْسِهِ؟
إذ لَوْ صَحَّ العِلمُ لاَنْتَفَى حُدُوثُ العَكْسِ، وَلَوْ حَدَثَ العَكْسُ لاَنْتَفَى العِلمُ، وَلاَ يَمْكِنُ الجَمْع بَينِهِمَا بِحَالٍ.
.38/2/7 ـ سَخَافَةُ وَعَبَثِيِّةُ القَوْلِ بِالعِلْمِ الاحْتِمَالِىّ:
.إذَا كَانَ كُلُّ إنْسَانٍ (عَلَى قَوْلِ شَحْرُور) لَهُ وَحْدَهُ مَلايِين الاحْتِمَالاَتِ، لِيَخْتَارَ مِنْهَا القَلِيلَ، وَكَانَ النَّاسُ بِالمِلْيَارَاتِ، فَهَذَا يَعْنِى أنَّ اللهَ تَعَالَى (وَحَاشَاه) يَظَلُّ يَضَعُ تِريلْيُونَاتِ، تِريلْيُونَاتِ، تِريلْيُونَاتِ، تِريلْيُونَاتِ، تِريلْيُونَاتِ، تِريلْيُونَاتِ (الخ) الاحْتِمَالاَتِ دُونَ طَائِلٍ، وَذَاكَ لأَنَّهُ يَجْهَلُ (وَحَاشَاه) مَا سَيَعْمَلَهُ النَّاسُ عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ، لِكَوْنِ الزَمَنِ عَائِقٌ لَهُ. . . تَخَيَّلُوا!!
وَلْنَضْرِبُ مَثَلاً يُبَيِّنُ كَيْفَ يَتَكَلَّمُ هَؤلاَءِ بِمَا لاَ يَعْرِفُونَ ولاَ يَحْسَبُونَ لَهُ حِسَابًا، وَكَأنَّهُم حَدِيثُوا عَهْدٍ بالدُنْيَا فَضْلاً عَنِ القُرْءَانِ. فَقَدْ ضًرَبْنَا مَثَلاً مِن قَبْلِ بِمَسْأَلَةِ إغْرَاقِ قَوْمِ نُوحٍ؛ إذ إنَّ عِلْمَ اللهِ المُحِيطَ كَانَ فِيِهِ أنَّه لاَ أحَد مِن قَوْمِهِ سَيُؤْمِنُ بَعْدَ الوُصُولِ لِلَحْظَةٍ بِعَيْنِهَا، وَهَذَا العِلْمُ ـ كَمَا عَلِمْنَا هُنَاكَ ـ كَانَ سَابِقًا لِلحُدُوثِ، وَبِالتَالِى فَقَدْ قَدَّرَ اللهُ تَعَالَى الإِهْلاَكَ عَلَى قَوْمِ نُوحٍ مُنْذُ القِدَم، لِقِدَمِ العِلْمِ أيْضًا، وَلِذَا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى إنَّ المَاءَ قَدْ التَقَى عَلَى أمْرٍ قَدْ قُدِرَ:
” فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ(12)” القمر.
أمَّا عِنْدَ شَحْرُورِ فَالعِلْمَ احْتِمَالِىٌّ كَمَا يَقُولُ، وَبِالتَالِى فَإِنَّ أَمْرَ الإغْرَاقِ عِنْدَ شَحْرُور ـ عَلَى جَسَامَتِهِ وَعِظَمِهِ وَتَعْقِيِدِ حَسَابَاتِهِ ـ، “قَدْ قُدِرَ”، أَىّ قَدْ قُدِّرَ وَخُطِّطَ لَهُ، ضِمنَ تِرِيلْيُونَات الأقْدَارِ وَالتَخْطِيطَاتِ المُعَطَّلَةِ، الَّتِى تُحْسَبُ، فَقَط لِتَغْطَيَةِ الاحْتِمَالاَتِ فِى حَالَةِ حُدُوثِ أىٍّ مِنْهَا، وَالَّتِى لَنْ يُنَفَّذَ مِنْهَا شَيءٌ عَلَى الإطْلاَقِ، إذَا مَا وَقَعَ الاحْتِيَارُ عَلَى احْتِمَالٍ مُغَايِرٍ، وَهَذَا مَا يَقُولُ بِهِ شَحْرُورُ وَهُوَ يَحْسَبُ نَفْسَهُ عَلَى شَيْءٍ. وَهُوَ تَخَيُّلٍ عَبَثِىّ، لاَ يَجُوزُ عَلَى اللهِ تَعَالَى، إذْ إنَّ ذَلِكَ يَعْنِى أنَّ كُلَّ مَا حَدَثَ فِى مَسْألَةِ الإغْرَاقِ مِن حِسَابٍ لِلماءِ، وَكِمِّيَّتِهِ المَطْلُوبَةِ لإِحْدَاثِ الإِغْرَاقِ، وَمَصَادِرَهُ، وَمَتَىَ تَبْدَأ، وَمَتَىَ تَكُفُّ، . . الخ، كُلُّ ذَلِكَ كَانَ قَدَرًا مَقْدُورًا كَإحْتِيَاطِىّ لِفِعْلِ قَوْمِ نُوحٍ، وَكَانَ مِنَ المُمْكِنِ ألاَّ يَحْدُثَ لَوْ وَقَعَ احْتِمَالُ إيمَانِ قَومُ نُوحٍ!! ولِنُطَالِعُ هَذِهِ التَفَاصِيلِ مِن سُورَةِ هُودٍ:
” وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (39) حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ (40) وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ(42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44)“.
لَسْتُ بِحَاجَةٍ لِلتَعْلِيقِ عَلَى الأَيَاتِ، فَهِىَ تُوَضِّحُ مَا فِيهَا بِنَفْسِهَا، ولَكِن مَا يَهُمُّنى هُنَا، بِخِلاَفِ عِلْمِ اللهِ المُسْبَقِ بِأَعمَالِ قَوْمِ نُوحٍ، وَأَنَّهُم لَنْ يُؤْمِنُوا، هُوَ جَسَامَةُ العِقَابِ، وَتَوْظِيفِ السَمَاءِ وَالأرْضِ، لِيَخْرُجَ المَاءَ مِنْهُمَا، وَيَلْتَقِى مَعًا، لِيُقْضَى الأَمْرُ المُعَدُّ لَهُ سَلَفًا. وَبِالتَالِى فَإنَّهُ مِنَ المُحَالِ أنْ يَقُولَ عَاقِلٌ بِأَنَّ كُلَّ هَذَا القَدَر (التَخْطِيط) لِمَوْضُوعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَوْضُوعِ الإغْرَاقِ، هُوَ أحَد دِشِلْيُونَاتِ الأقْدَارِ المُقَدَّرَةِ لِكَىْ لاَ تَحْدُث، وَإِنَّمَا عَلَى سَبِيلِ الاحْتِيَاطِ، إذْ إنَّ سَخَافَةِ الفِكْرَةِ لَيْسَ لَهَا نَصٌّ وَاحِدٌ يُؤَيِّدُهَا، أو عَقْلٌ يُعَضِدُهَا.
.39/3/7 ـ فَسَادُ الاسْتِدْلاَلِ، وَإسَاءَةُ تَنَاولِ الأَدِلَّةِ:
.بَرَعَ الأُسْتَاذُ شَحْرُورُ فِى فَسَادُ الاسْتِدْلاَلِ وَإسَاءَةُ تَنَاولِ الأَدِلَّةِ. انْظُر لِسَعَةِ الجَهْلِ فِى هَذِهِ الفَقْرَةِ فَقَط:
“علم الله الكامل بأحداث مسبقة بكلياتها وجزئياتها أو بأحداث جارية بكلياتها وجزئياتها: وذلك أنه في لحظة أن نوى أبو بكر الإيمان قبل أن يفضي بهذه النية لأحد وهي مازالت سرا في نفسه علمها الله أولا وفي نفس اللحظة التي نوى فيها أبو بكر الإيمان“.
1 ـ فَقَدْ خَلَطَ شَحْرُورُ مَا بَيْنَ العَمَلِ وَبَيْنَ النِيَّةِ، فَعَنْوَنَ بِالأحْدَاثِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَنِ النِيَّةِ.
2 ـ تَكَلَّمَ بالفَقْرَةِ عَن عِلْمِ اللهِ تَعَالَى، ثُمَّ لَم يُثْبِتُ لَهَ إلاَّ العِلْمِ بالنِيَّاتِ.
3 ـ رَتَّبَ شَحْرُورُ المَسْألَةَ كَالتَالِى:
ـ نَوىَ أبُو بَكْر الإيمَان: (لحظة أن نوى أبو بكر الإيمان).
ـ أصْبَحَت نِيَّةُ أَبى بَكْرٍ سِرًّا فِى نَفْسِهِ: (وهي مازالت سرا في نفسه).
ـ لَم يَعْلَم أبُو بَكر بِمَا انْتَوَاهُ هُوَ شَخْصِيًّا لَحْظَةَ انْتَوَى، حَيثُ عِلْمَ اللهُ نِيَّتَهُ أوَّلاً: (علمها الله أولا).
فَهَل يَنْوى أحدٌ إلاَّ إذَا كَانَ مَا سَيَنْوِيِهُ مَعْلُومًا لَدَيْهِ لَحْظَةَ قَرَّرَ؟!
وَهَل يَكُونَ أحَدٌ عَلَى جَهْلٍ بِمَا انْتَوَاهُ هُوَ شَخْصِيًّا بَعْدَ مَا انْتَوَاهُ؟
4 ـ وَحَتَّى صِيَاغَةِ كَلاَمِهِ الخَطَأ جَاءَت هِىَ أيْضًا خَطَأ، فَتَكَلَّمَ عَن الأحْدَاثِ المُسْبَقَةِ (أى المَاضِيَةِ) بَيْنَمَا هُوَ يُرِيدُ الكَلاَم عَن الأحْدَاثِ المُسْتَقْبَلِيَّةِ.
5 ـ وَقَوْلُهُ: “علم الله الكامل“، يُوحِى خَطَأ بِأنَّ هُنَاكَ غَيْرُهُ نَاقِصٌ، إذْ إنَّ عِلمَ اللهِ تَعَالَى كُلُّهُ كَامِل.
6 ـ وَكَيْفَ يَقُولُ بِعْلْمِ اللهِ الكامِلِ، وَهُوَ الَّذِى يَنْفِى عَن اللهِ العِلْمَ بِمَا سَيَكُونُ عَلَى وَجْهِ التَحْدِيدِ قَبْلَ حُدُوثِهِ؟!
7 ـ إنَّ مَا سَمَّاهُ بِعِلْمِ اللهِ الكامِلِ، تَوَقَّفَ عِنْدَ النِيَّةِ، وَظَلَّ اللهُ عِنْدَ شَحْرُورِ جَاهِلاً (وَحَاشَاهُ) بَمَا سَيَعْمَلُهُ أبُو بَكْرٍ فِيمَا بَعْد!!
وَخُلاَصَةُ هَذِهِ النُقْطَةِ أنَّ عِلْمَ اللهِ لاَ يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ عِلْمٌ بِالاِحْتِمَالاَتِ، وَانَّ اسْتِدْلاَلاتِ شَحْرُورِ كَانَت عِبَارَة عَن خَلِيطٍ مِنَ الأخْطَاءِ وَسُوءِ الاسْتِدلاَلِ، والتَلاَعُبِ بِالألفَاظِ، وَحَسْبُ ذَلِكَ أن يَشْرَحَ مَا وَصَلَ إلَيْهِ.
1ـ راجِع الكَلاَم بِتَمَامِهِ، وَلَن تَجِدَ أى فَرق ذُو أهَمْيَّةِ.