بَيَانُ المَعْنَى بِالتَّرْتِيِلِ وَالتَّدَبُّرِ:
المُعْجَمُ القُرْءَانِىُّ هُوَ مِنْ أهَمِّ المَوَاضِيِعِ الَّتِى شَغَلَتْنِى فِىِ حَيَاتِى، بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَ لِى أنَّ لِكُلِّ عِلْمٍ مُفْرَدَاتُهُ الخَاصَّةُ بهِ، وَأَنَّ فَهْمَ هَذِهِ المُفْرَدَاتِ هُوَ الَّذِي يُكَوّن العِلْم بِمَوَاضِيِعِ وَمُفْرَدَاتِ هَذَا العِلْم. وتنسحب هذه الفرضية علي العلم بكتاب الله. فكلُ لفظٍ من ألفاظ الكتاب هو في النهاية قيمة مقداريّة لا يُنازعه في معناه لفظ غيره. ومن هنا جاء القول ـ الراسخ ـ بعدم وجود “الترادف” في القرءان؛ إذ يأتي اللفظُ مقصودًا بذاته ليُعطي معنيً مقداريًّا مُحَددًا. فإذا ما تحددت معاني ألفاظ الأية فستكون الأية ـ بالتالي ـ قد فُهِمَت، فالتي تليها، . . وهكذا، حتى ينتهي الموضوع الوارد بالسورة أو بجزء منها.
وقد تلاحظ لنا أنّ جُلّ الناس لا يُفَرِّقون بين الألفاظ ـ على دقتها ـ، ويستوي عندهم ـ كمثال في قضيّة مثل قضيّة الأُمّيِّة ـ القول بكلمة: “الخطّ”، أو كلمة: “الكتابة”، وكذلك يستوي عندهم القول بكلمة: “التلاوة”، أو كلمة: “القراءة”، أو القول بكلمة “الحلف” أو كلمة “القسم”، . . الخ، على ما بين كل منهم من فارق واسع ودقيق. ولكي يتم سبر غور أي موضوع وإسباغ صفة العلم علي بحثه، فلابد من الأخذ بما سبق ذكره عن أبجديات العلم لتحقيق المطلوب. وأول ذلك هو أن يتم بناء الموضوع بتحديد سليم لوحدة بناءه أي “اللفظ”، انتقالاً لصبغ الجملة بالفهم كما اللفظ، وسيتَكَوَّن العلم بالموضوع في النهاية من ترابط وتواصل فهم الجُمل.
إنّ القاموس القرءاني ليس قاموسًا بالمعنى الشائع، وإنما هو عبارة عن ترسيخ للمعنى الصحيح لكل لفظ من ألفاظ القرءان ـ بقدر المُستطاع ـوذلك من خلال تأمل ورود الكلمة في مواردها بالكتاب، فإن لم ترد إلا مرة واحدة فمن خلال السياق، والمقاربة للأيات المشابهة في نفس الموضوع، مع أخذ قوى توجيه الكلمة في الاعتبار ـ وهى ما يُسَمّى بالتشكيل. قد تحتاج كلمة واحدة إلى وقت طويل للوصول إلى مدلولها، ولكنه الاستثمار الأمثل للوقت؛ حيث سيُثمر المعنى الصحيح فهمًا صحيحًا للكثير من الأيات التي ترد فيها الكلمة، بل ولفهم موضوع كامل يتوقف فهمه على فهم هذه الكلمة.
وَفِي مَوْضُوعِ العِلْمِ الوَارِدِ بِالقُرْءَان نَجِدُ أَنَّ الكَلِمَة هِيَ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ فِي الفَهْم، فَإِذَا مَا فُهِمَت كُلّ كَلِمَةٍ عَلَي حِدَةٍ فَسَيَتِّمُ بِالتَّالِي فَهْم الأَيَةِ؛ . . فَالمَوْضُوع مَحَلّ الفَهْمِ. ولَكِنَّ هَذَا لاَ يَكْفِي، فَلاَبُدَّ مِنَ الانْتِبَاهِ أَيْضًا إِلَي أَنَّ العِلْمَ بِمَعْنَي الكَلِمَة يَعُوقُهُ التَّأطِير الَّذِي نَشَأنا عَلَيْهِ لِمَعَانِي الأَلْفَاظِ، وَلِذَا يَنْبَغِي التَّأمُّل فِي كُلِّ كَلِمَةٍ، لِمُحَاوَلَةِ إِذَابَةِ هَذِهِ الأُطُرِ وَالتَّجَرُّدِ مِنَ المَعْنَى التُّرَاثِيِّ لَهَا، وَمِن هُنَا تَظْهَرُ خُطُورَةُ القَوَامِيس عَلَي فَهْمِ القُرْءَانِ، وَبِالتَّالِي فَإِنَّ الكَلِمَة مَثَلاً هِيَ بِنَاءٌ يَتَكَوَّنُ مِنْ مَجْمُوعَةٍ مِنَ الحُرُوفِ، وَالحُرُوفُ هِيَ مُكَوِّنَاتُ الكَلِمَةِ، وَلَيْسَ مِنَ الضَّرُورِيِّ أَنْ تَكُونَ الحُرُوفُ هِيَ حُرُوف الأَبْجَدِيَّةِ الَّتِي نَعْرِفُهَا، وَإِنَّمَا لِكُلِّ شَيْءٍ حُرُوفَهُ، الَّتِي فِي النِّهَايةِ تُكَوِّنُ الكَلِمَةَ.هَذَا مَا سَنَتَنَاولُ بَعْضُهُ فِي أَبْحَاثِنَا هُنَا، فِى المُعْجَمِ القُرْءَانِىِّ .