اسْمُ: “اللهِ”، هُوَ اسْمٌ خَاصٌّ، وَدَالٌّ، عَلَى مَنْ خَلَقَ، فَبَرَأَ، فَصَنَعَ، فَأبْدَعَ، كُلَّ شَيْءٍ فِى الوُجُودِ. وَهُوَ اسْمٌ غَيْرُ مَسْبُوقٍ، وَلاَ مُتَكَرِّرٍ، وَلاَ يَحْدُثُ بِهِ تَشَابُكٌ، أوْ تَقَاطُعٌ، أوْ تَطَابُقٌ، أوْ احْتُوَاءٌ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ الأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِى لَمْ يَلِدُ، وَلَمْ يُولَدُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌم.
وَاللهُ عِنْدَ المُؤْمِنِيِنَ ـ فَقَط ـ هُوَ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ، وَالأَرْضِ، قَوْلاً وَعَمَلاً، لِفَهْمِهِم بِمَعْنَى النُّورِ ـ كَمَا جَآءَ بِكِتَابِهِ ـ؛ إِذَا مَا نُسِبَ النُّورُ للهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ عَنْ نَفْسِهِ:
“۞ ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِۦ كَمِشْكَوٰةٍۢ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ ٱلْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ ۖ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌۭ دُرِّىٌّۭ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍۢ مُّبَـٰرَكَةٍۢ زَيْتُونَةٍۢ لَّا شَرْقِيَّةٍۢ وَلَا غَرْبِيَّةٍۢ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىٓءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌۭ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍۢ ۗ يَهْدِى ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُ ۚ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْأَمْثَـٰلَ لِلنَّاسِ ۗ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌۭ(35)” النُّور.
أوْ إِذَا مَا أَتَى النُّورُ مِنْهُ سُبْحَانَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
“..فَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ بِهِۦ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُوا۟ ٱلنُّورَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ مَعَهُۥٓ ۙ أُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴿١٥٧﴾” الأعراف.
“فَـَٔامِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَٱلنُّورِ ٱلَّذِىٓ أَنزَلْنَا ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌۭ ﴿٨﴾” التغابن.
فَمَنْ انْتَبَهَ إِلَى النُّورِ الأَتِى مِنَ اللهِ (نُورِ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَالأَرْضِ) بِكِتَابِهِ، فَقَدْ أفْلَحَ، وَشُفَى صَدْرَهُ، وَرُحِمَ بِهِ، وَهُدِىَ. وَأَمَّا مَنْ تَرَكَ كَلاَمَ اللهِ عَمَلاً؛ فَلَمْ يَجْعَلَهُ لَهُ إِمَامًا، وَلكْتَفَى بِهِ قَوْلاً، فَقَدْ خَرَجَ مِنْ دَائِرَةِ رِضَا اللهِ تَعَالَى، وَالانْتِفَاعِ مِنْ نُّورِهِ، وَمِنْ دَائِرَةِ تَمَامِ الإِيِمَانِ بِهِ، فَلاَ يَزِيِدَهُ ذَلِكَ إِلاَّ خَسَارًا، وَلاَ يَكُونُ عَلَيْهِ إِلاَّ عَمًى:
“وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌۭ وَرَحْمَةٌۭ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارًۭا ﴿٨٢﴾” الإِسْرَآء.
“..قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ هُدًۭى وَشِفَآءٌۭ ۖ وَٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌۭ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُو۟لَـٰٓئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍۭ بَعِيدٍۢ ﴿٤٤﴾” فُصِّلَت.
وَهُوَ سُبْحَانَهُ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَاتِ، وَالأَرْضِ، القَائِلُ عَنْ نَّفْسِهِ:
“رَّبُّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَٱعْبُدْهُ وَٱصْطَبِرْ لِعِبَـٰدَتِهِۦ ۚ هَلْ تَعْلَمُ لَهُۥ سَمِيًّۭا ﴿٦٥﴾” مَرْيَم.
وَقَدْ أعْلَمَنَا اللهُ تَعَالَى فِى ءَاخِرِ كُتُبِهِ الَّتِى أرْسَلَهَا لَنَا (1)، أنَّ اسْمَهُ هَذَا هُوَ الاسْمُ الجَامِعُ الشَامِلُ المُتَفَرِّعُ مِنْهُ بَقِيِّةُ الأَسْمَآءِ الحُسْنَى، فَهُوَ اللهُ الرَّحْمَانُ، وَهُوَ اللهُ الرَّحِيمُ، وَهُوَ اللهُ الملكُ، وَهُوَ اللهُ القُدُّوسُ، وَهُوَ اللهُ رَبُ العَالَمِين ..الخ، وَهُوَ كَمَا قَالَ عَن نَفْسِهِ:
“هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ ۖ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ ﴿٢٢﴾ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِى لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْمَلِكُ ٱلْقُدُّوسُ ٱلسَّلَـٰمُ ٱلْمُؤْمِنُ ٱلْمُهَيْمِنُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْجَبَّارُ ٱلْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿٢٣﴾ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَـٰلِقُ ٱلْبَارِئُ ٱلْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴿٢٤﴾” الحَشْر.
وَبِنَفْسِ الوَقْتِ الَّذِى يُعْلِمُنَا اللهُ بِأَسْمَآئِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى يُعْرِّفُ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثلِهِ شَيْءٌ:
“.. لَيْسَ كَمِثْلِهِۦ شَىْءٌۭ ۖ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ ﴿١١﴾” الشُّورَى.
وَبَالتَالِى فَإنَّ كُلَّ مَا خَطَرَ بِبَالِكَ فِى كُلِّ حَيَاتِكَ لَيْسَ مِنَ اللهِ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ فِى شَيْءٍ.
وَلأَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الأَوَّلُ؛ فَلَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، وَهُوَ الأَخِرُ، فَلَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، كَمَا قَالَ عَنْ نَفْسِهِ:
“هُوَ ٱلْأَوَّلُ وَٱلأَخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ ﴿٣﴾” الحَدِيِد؛
فَبِالتَّالِى أَسْتَطِيِعُ أَنْ أَقُولَ أنَّ الخَالِقَ سُبْحَانَهُ كَانَ وَلَمْ يَكُن أحَدٌ سُوَاهُ، ثَمَّ خَلَقَ، فَصَوَّرَ، فَصَنَعَ، مَا يَشَآءُ بِإِبْدَاعٍ، كَيْفُمَا يَشَآءُ. فَالكَوْنُ كُلُّهُ مَا بَيْنَ خَالِقٍ، وَمَخْلُوقٍ، وَبَاريءٍ، وَمَبْرُوءٍ، وَمُصَوِّرٍ، وَمُصَوَّرٍ، وَصَانِعٍ، وَمَصْنُوعٍ، وَمُبْدِعٍ، وَمَبْدُوعٍ، وَكُلُّ مَا عَدَا اللهِ تَعَالَى فَهُوَ مَخْلُوقٌ.
وَاسْمُ “اللهِ” تَعَالَى، هُوَ اسْمٌ سَمَّاهُ اللهُ لِنَفْسِهِ، وَأَنْزَلَهُ فِى كُتُبِهِ، وَأَخِرُ ذَلِكَ فِى كِتَابِهِ: “القُرْءَانِ”، فَافْتَتَحَهُ قَائِلاً:
“بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴿١﴾” الفَاتِحَة.
فَقَوْلُهُ تَعَالَى: “بِسْمِ ٱللَّهِ” بِأَوَّلِ كِتَابِهِ، يَعْنِى أنَّ كُلَّ مَا هُوَ ءَاتٍ، بِهَذَا الكِتَابِ، فَهُوَ مِنْهُ سُبْحَانَهُ، وَبِاسْمِهِ تَعَالَى (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ وَمُؤَكَّدٌ أنَّ ذَلِكَ كَانَ مَوْجُودٌ أيْضًا بِبَقِيَّةِ الكُتُبِ السَابِقَةِ قَبْلَ إخْفَائِهَا أو انْدِثَارِهَا، وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى:
“يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌۭ ﴿٢٦﴾” النِّسَآء.
“كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةًۭ وَٰحِدَةًۭ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّۦنَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ..﴿٢١٣﴾” البَقَرَة.
“وَكَتَبْنَا لَهُۥ فِى ٱلْأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَىْءٍۢ مَّوْعِظَةًۭ وَتَفْصِيلًۭا لِّكُلِّ شَىْءٍۢ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍۢ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا۟ بِأَحْسَنِهَا ۚ سَأُو۟رِيكُمْ دَارَ ٱلْفَـٰسِقِينَ ﴿١٤٥﴾” الأَعْرَاف.