المَخْلُوقَات 3/ الإِنْسَانُ وَالقِرْدُ

 .

كَلِمَةُ خَلْقِ الشَيءِ هِىَ “مُعَادَلَةُ التَكْوِينِ” لَهُ، الَّتِى بَدَعَهَا اللهُ تَعَالَى الخَالِقُ العَظِيمُ، وَهِىَ ثابتةٌ لاَ تَتَغَيَّرُ، وَتُحَافِظُ عَلَي نَفْسِهَا ذَاتِيًّا، بِحَيْثُ لاَ تَخْتَلِطُ بِغَيْرِهَا، وَتَحْدُثُ فِي خَلْقِ جَمِيعِ المَخْلُوقَاتِ ابتِدَاءًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:

أَوَلَيْسَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَ‌اتِ وَٱلْأَرْضَ بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰٓ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ۚ بَلَىٰ وَهُوَ ٱلْخَلَّـٰقُ ٱلْعَلِيمُ ﴿٨١﴾ إِنَّمَآ أَمْرُهُۥٓ إِذَآ أَرَادَ شَيْـًٔا أَن يَقُولَ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ ﴿٨٢﴾يس.

وَ: “كُن” هُنا التَصَقَ بِهَا “فَيَكُونُ”، والكَينُونَةُ هُنَا وُجُود، وبالتَالى فَإنَّ اللهَ تَعَالَى إذَا مَا أرَادَ شَيئًا فسيكُون، وَسَيُوجَد، وسَيَجْعَلُ اللهُ لكَينُونَتِهِ قَدَرًا، وَقَدْرًا، والقَدَرُ تَخْطِيطٌ، والقَدْرُ تَحْدِيدٌ:

إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَـٰهُ بِقَدَرٍۢ ﴿٤٩﴾القمر.

.. قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍۢ قَدْرًۭا ﴿٣﴾الطلاق.

.. وَكُلُّ شَىْءٍ عِندَهُۥ بِمِقْدَارٍ ﴿٨﴾الرعد.

وَالـ: “قَدَر”، يَعْنِي “التَخْطِيطُ + القُدرةُ المُطْلَقة”، فَيَأتى الوَاقِعُ مُتَطَابِقٌ لِمَا خُطِّطَ لَهُ تَمَامًا، لا يَنْحَرِفُ عَنْهُ قَيدُ أُنمُلَةٍ.

وَالـ: “قَدْر” (بِسِكُونِ الدَال)، يَعْنِي “تَحْدِيدًا وَمَنْزِلَةً”، فَتَأتِىَ الأقْدَارُ بالمَقَادِير الَّتِى قُدِّرَت بالتَّمَام والكَمَال.

فَالقَدْرُ ـ إذًا ـ هُوَ مَصْفُوفَةٌ (كَمِّيِّةٌ) صُغْرَى خَاصَّة بالمَخْلُوقِ، مُهِمَّتُهَا هِىَ التَخْصِيصُ، وَتَقَعُ ضِمْنَ القَدَر، كَمَصْفُوفَةٍ أكْبَر خَاصَّةٍ بالخَلْقِ وَالأَمْرِ. وَبِالتَالِى فَإِنَّ القَدْرُ هُوَ بَرْمَجَةٌ فَرْعِيَّةٌ، تَدْخُلُ ضِمْنَ القَدَر كَبَرْمَجَةٍ أوْسَع، خَاصَّةٍ بِخَلْقِ، وَتَسْيير كُلِّ المَخْلُوقَاتِ.

وَ: “كُن” تَعْنِى جَمْعُ المُكَوِّنَاتِ الابْتِدَائِيّةِ (الحُرُوفِ)، وَصَفُّهَا مَعَ بَعْضِهَا بِنِظَامٍ مُحَدَّدٍ لتَكُون هَذِهِ الكَلِمَة (المَخْلُوق) عَلَى مَا سَتَكُونُ عَلَيهِ. وَهَذَا يُذَكِّرُنَا بِمَسألةِ خَلق الإِنْسَان الأَوَّل مِن طِين، ثُمَّ التَحَوَّل إلى الخَلقِ مِن نُطَفَةٍ، حَيثُ تَمَّ “صَفّ” حُرُوف مُكَوِّنَاته البَيولُوجِيّة وَالكِيمْيَائيّة الَّتِى انْتَهَت إِلَيهَا الكَلِمَة، لِيَكُون عَلي مَا هُوَ عَلَيهِ: “إنْسَانٌ”، وَقَدْ عَلِمنَا أَنَّ هَذَا الصَفَّ قَدْ وَقَعَ عَلي ثَلاثةِ مِلْيَار حَرف، تمّ حِفْظَهم وَاستِيدَاعِهِم بكُلّ وحدَةِ بِنَاءٍ لِهَذَا المَخْلُوق (خَلِيّةٍ) في الـ DNA، لِيَأتِىَ كُلّ أفْرَادِ هَذَا الجِنس مَحْكُومُون بهَذِهِ الكَلِمَة، لاَ يُغَادِرُونَهَا.

نَفسُ الشَيء وَاقِعٌ في بَقِيِّةِ المَخْلُوقَاتِ. فَالشَمْبَانْزِيُّ ـ مَثَلاً ـ كُتِبَت كَلِمَتُه بِثَلاثةِ مِلْيَار حَرفٍ أيضًا، مُتطابقَةً وَمُتَقَاطِعَةً مَع كَلِمَةِ الإنْسَان في أكثر من 99.5% من مُكَوِّنَاتِهَا، وَاخْتَلَفَ الصَفُّ فِى الـ 0.5% ليُوجَد الشَمْبَانْزِىّ مُخَالِفًا لِلإِنْسَان عَلَى مَاهُوَ عَلَيهِ، وهَلُمَّ جرًّا بَقِيّةُ الأحَيَاءِ، مِن طُيُورٍ، لِكَائِنَاتٍ بَحريَّةٍ، لِنَبَاتَاتٍ، لِهَوَامٍ، . . الخ، وَهُوَ مَا أظْهَر خَطَأ فَرضِيّة وِحْدَةِ أصل الأنْوَاع؛ إذ تَبَيَّنَ أنَّ لِكُلِّ مَخلُوقٍ حَيىّ كَلِمَتَهُ الَّتِى تُكَوِّنهُ، وَتُمَيِّزهُ عَن غَيرهِ، وَهُوَ مَا جَاءَ بِهِ القُرءَان مِنَ الحَقِّ. وَكَذَلِكَ الأمرُ فِى ذَرَّةِ الكَائِن الجَامِد مَعَ الاخْتِلاَف.

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x