◄ النِّعْمَةُ تَرْتَبِطُ بِالحَرَكَةِ، وَلِذَا فَإِذَا مَا نُظِرَ إلَيْهَا بِإِجْمَالٍ، فَسَنَجِدُ أَنَّهَا تَصُبُّ كُلُّهَا فِى حَرَكَةِ الإِنْسَانِ، فِكْرًا (إيِمَانًا)، وَعَمَلاً (إسْلاَمًا)، سَوَاءٌ كَانَت هَذِهِ النِّعْمَةُ مَادِّيَّةً، كَنِعْمَةِ القَلْبِ، وَنِعْمَةِ السَّمْعِ وَنِعْمَةِ البَصَرِ، أوْ كَانَت مَعْنَوِيَّةً كَنِعْمَةِ الأَمْنِ، أوْ نِعْمَةِ كَفِّ الأَيْدِى، أوْ نِعْمَةِ الكِتَابِ المُنَزَّلِ، . . الخ.
● وَالنِّعْمَةُ وُجِدَت لِتَفْعِيِلِهَا؛ فَنِعْمَةُ القَلْبِ، وَنِعْمَةُ السَّمْعِ، وَنِعْمَةُ البَصَرِ مَثَلاً، إِذَا لَمْ يُعْمِلُهُم الإِنْسَانُ فِى الكَوْنِ حَوْلَهُ، لِيُضِيِفُوا إِلَيْهِ، وَيَتَأَمَّلُ بِهِم بَقِيَّةَ نِعَمِ اللهِ عَلَيْهِ، وَيَعْلَمُ بِهِم مِنَ اللهِ مَا يَجْعَلُهُ مُؤْمِنًا، مُسْلِمًا، فِى تِعْدَادِ المُتَّقِيِن؛ فَقَدَوا وَظِيِفَتَهُم، وَانْتَقَلَت النِّعْمَةُ الفِتْنَةُ إلَى الجَانِبِ الخَطَرِ مِنْهَا، فَكَانَت سَبَبًا لِلكُفْرِ، بَدَلاً مِنَ الشُّكْرِ. انْظُر لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى:
“وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَآ ۚ أُولَـٰٓئِكَ كَٱلْأَنْعَـٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْغَـٰفِلُونَ ﴿١٧٩﴾” الأَعْرَاف.
تَجِدُ أَنَّ اللهَ يَنُصُّ عَلَى أنَّ أهْلَ جَهَنَّمَ كَانَت لَهُم نِعَمٌ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهَا، فَقُلُوبُهُم لاَ تَفْقَهُ، وَأَعْيُنُهُم لاَ تُبْصِرُ، وَءَاذَانُهُم لاَ تَسْمَعُ؛ وَلِذَا نَجِدُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُنَبِّهُ الإِنْسَانَ إلَى نِعَمِهِ، بِهَدَفِ تَوجِيِهِ حَرَكَةِ النِّعْمَةِ لِيَنُالَ بِهَا صَاحِبَهَا مَرْتَبَةَ الشُّكْرِ:
“وَهُوَ ٱلَّذِى سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى ٱلْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِۦ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿١٤﴾” النَّحْل.
“وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّنۢ بُطُونِ أُمَّهَـٰتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْـًٔا وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلْأَبْصَـٰرَ وَٱلْأَفْـِٔدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٧٨﴾” النَّحْل.
“…وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٦﴾“…وَهَكَذَا.
.
● كَذَلِكَ فَإِنَّ النِّعَمَ المَعْنَوِيَّةَ كَنِعْمَةِ الأَمْنِ، أوْ نِعْمَةِ كَفِّ الأَيْدِى، تَصُبُّ فِى خَانَةِ تَهْيِئَةِ الجَوِّ لِلنَّاسِ لِيَأخُذُوا فُرْصَتَهُم كَامِلَةً، وَيَتَحَقَّقُ لَهُم الاخْتِيَارِ، وَتَصْفُو لَهُم حَرَكَتُهُم، لِيَتَمَكَّنُوا مِنَ الشُّكْرِ أَوْ الكُفْرِ.
وَهُوَ مَا لاَحَظْنَاهُ فِى حَيَاتِنَا المَاضِيَةِ، حَيْثُ تَسْتَتِبُّ الأُمورُ لِسَنَوَاتٍ، لِيَأخُذَ النَّاسُ فُرْصَتَهُم فِى التَّحْصِيِلِ، وَالاخْتِيَارِ، مَا بَيْنَ الكِتَابِ وَبَيْنَ الأَبَآئِيَّةِ، وَليُعْمِلُوا نِعَمَ اللهِ عَلَيْهِم مِنْ سَمْعٍ، وَبَصَرٍ، وَعَقْلٍ، وَفُؤَادٍ، ثُمَّ تَأَتِى بَعْدَهَا سَنَوَاتُ الاضْطِّرَابِ وَالعَذَابِ، سَوَآءٌ كَانَ بِعُدْوَانٍ خَارِجِىٍّ، أوْ بِاحْتِرَابٍ دَاخِلِىٍّ، أَوْ بِكِلاَهُمَا مَعًا، فَيَضِيِعُ الأَمَانُ، وَيَتَسَرَّبُ الغَلاَءُ، وَتَنْزِلُ الهُمُومُ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ، كَمَطَرِ السُوءِ، وَذَاكَ أَنَّ النَّاسَ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا أَنْعَمَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِم مِنْ نِعَمٍ وَقْتَ الرَّخَآءِ.
.