● وَقَدْ بَيَّنَت ءَايَاتُ سُوَرِ النُّورِ، وَالأحْزَابِ، وَالنَّمْلِ، هَذِهِ الزِّيِنَةِ الَّتِى يَجْهَلُهَا المُتَعَالِمُ سَمِيِر إِبْرَاهِيِم خَلِيِل حَسَن بِتَفْصِيِلٍ كَالتَالِى:
.
1 ـ الزِّيِنَةُ الَّتِى لاَبُدَّ مِنْ إظْهَارِهَا:
وَهِىَ الَّتِى قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيِهَا:
“وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ…﴿٣١﴾” النُّور.
فَمَا هَىَ الزِّيِنَةُ الَّتِى لاَ بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا، وَالَّتِى اسْتَثْنَاهَا اللهُ تَعَالَى مِنَ عَدَمِ الإبْدَاءِ، لِلُزُومِ هَذَا الظُّهُورِ؟!
المُتَأَمِّلُ لِكِتَابِ اللهِ، وَلِلوَاقِعِ المَلْمُوسِ، سَيَجِدُ أَنَّ الوَجْهَ هُوَ مَكْمَنُ وَمَنْبَتُ الحُسْنِ. وَالحُسْنُ هُوَ مِنْ أعْلَى وَأَجْمَلِ الزِّيِنَةِ، وَبِرَغْمِ ذَلِكَ فَهُوَ وَاجِبُ الظُهُورِ، كَوْنُهُ أيْضًا مَكْمَنُ التَعَارُفِ بَيْنَ النَّاسِ. فَالوَجْهُ هُوَ المُعَرِّفُ (ID) الخَاصُّ بِصَاحِبَتِهِ هَذَا وَقَدْ دَلَّت ءَايَاتُ الكِتَابِ عَلَى ظُهُورِ الوَجْهِ صَرَاحَةً، كَمَا جَاءَ بِسُورَةِ الأحْزَابِ؛ وَفِيِهِ:
“لَّا يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِنۢ بَعْدُ وَلَآ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَٰجٍۢ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ۗ…﴿٥٢﴾” التَّوْبَة.
فَالحُسْنُ كَانَ بَادِيًا أمَامَ النَّبِىِّ ـ إِمَامُ المُتَّقِيِنَ ـ بِلاَ غَضَاضَةٍ، كَمَا كَانَ بَادِيًا أمَامَ غَيْرِهِ، وَمِنْ ثّمَّ فَقَدْ أصْبَحَ زِيِنَةً لاَ بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا؛ وَذَلِكَ لُزومَ التَّعَامُلِ وَمُخَالَطَةِ النَّاسِ اليَوْمِيَّةِ.
وَإِخْفَاءُ هَذِهِ الزِّيِنَةِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ المَفَاسِدِ مَا يَصْعُبُ حَصْرُهُ هُنَا فِى هَذَا المَقَامِ الضَّيِّقِ، وَأَذْكُرُ مِنْهُ مَا يَلِى:
1 ـ تَسْهِيلُ وَقُوعِ الجَرِيِمَةِ: إذْ سَيُسَهِّلُ التَّنَكُّرُ لِلفَاعِلِ أنْ يَقُومَ بِفِعْلَتِهِ دُونَ أنْ يَتَمَكَّنَ أحدٌ مِنَ التَّعَرُّفِ عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ قَدْ صُوِّرَ بِكَامِيِرَاتِ المُرَاقَبَةِ حَتَّى.
2 ـ شُيُوعُ التُهْمَةِ: فَوُقُوعُ جَرِيِمَةٍ مَا مِنْ مَنْ تُخْفِى وَجْهَهَا يُؤَدِّى لُزُومًا إلَى شُيُوعِ هَذِهِ الجَرِيِمَةِ، وَضَيَاع فُرْصَةِ الإِمْسَاكِ بِفَاعِلِهَا.
3 ـ فُقْدَانُ الشَّهَادَةِ: فَلَوْ وَقَعَت حَادِثَةٌ مَا بِحُضُورِ مَنْ تُغَطِّى وَجْهَهَا لاسْتَحَالَ الاسْتِعَانَةُ بِهَا لِتُدْلِى بِشَهَادَتِهَا الَّتِى قَدْ تَكُونُ مَصِيِريَّةً بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهَا.
4 ـ شُيُوعُ الفَاحِشَةِ فِى المُجْتَمَعِ فِى ظِلِّ الأَمْنِ مِنَ تَحْدِيِدِ الفَاحِشِ، وَالإِمْسَاكِ بِهِ.
وَلِمِثْلِ هَذِهِ النِقَاطِ الخَطِيِرَةِ فَقَدْ اسْتَثْنَى اللهُ تَعَالَى زِيِنَةُ الوَجْهِ مِنَ أنْ يَشْمَلَهَا ضَرْبُ الخُمُرِ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الجُيُوبِ، وَذَلِكَ كَمَا جَاءَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: “..وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ” النُّور.
.
2 ـ زِيِنَةٌ تَصْلُحُ أنْ تَظْهَرَ للأَقَارِبِ بِتَفْصِيِلٍ.
عَرِفْنَا أنَّ الخُمُرُ هِىَ الأَغْطِيَةُ، وَهِىَ هُنَا مَا سَتَرْتَدِيِهِالمَرْأَةُ مِنْ مَلاَبِسٍ عُمُومًا (وَلَيْسَ كَمَا قِيِلَ أنَّهَا غِطَاءُالرَأْسِ). فَإذَا كَانَت الخُمُرُ هِىَ مَا سَيُغَطِّى الجِسْمَ مِنَ المَلاَبِسِ وَالثِّيَابِ؛ فَأَيُّ الجِسْمِ سَيُغَطِي الخِمَار (اللباس)، وَمَاهِىَ الجُيُوبُ؟!
الجَيْبُ (بِاخْتِصَارٍ) هُوَ مَا يَلْتَصِقُ، وَيُخْفِى، وَمِنْهُ جَيْبُ الثَوْبِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى لِمُوسَى:
“وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوٓءٍۢ ۖ…﴿١٢﴾” النَّمْل.
“ٱسْلُكْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوٓءٍۢ…﴿٣٢﴾” القَصَص.
فَإدْخَالُ اليَدِّ فِى الجَيْبِ جَعَلَهَا مُخْتَفِيَةً، بِحَيْثُ أنَّهُ سَاعَةَ إخْرَاجِهَا مِنَ الجَيْبِ بَدَت عَلَى صُورَةٍ أُخْرَى. وَالجُيُوبُ مِنَ المَرْأَةِ ثَلاَثَةٌ، كَالتَالِى:
1 ـ جَيْبُ النَهْدَيْنِ، وَيَبْدَأُ بِالخَطِّ الفَاصِلِ بَيْنَهُمَا، إلَى ءَاخِرِ الفَارِقِ.
2 ـ جَيْبُ الإِبِطِ، وَيَبْدَأُ مِنَ الكُوعِ إلَى ءَاخِرِ عُمْقِ الإِبِطِ.
3 ـ جَيْبُ الفَخْذَيْنِ، وَيَبْدَأُ مِنَ الرُكْبَةِ إلَى ءَاخِرِ الْتِقَاءِ الفَخْذَيْنِ.
وَقَدْ جَاءَ أمْرُ اللهِ لِلمُؤْمِنَاتِ بِتَغْطِيَةِ هَذِهِ الجُيُوبِ، وعَدَمِ التَبَرُّجِ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَةِ الأُولَى:
“…وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ…﴿٣١﴾” النُّور.
حَيْثُ كَانَت هَذِهِ الجُيُوبُ عَادَةً مَا تَظْهَرُ، مِنَ الخُمُرِ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ الأَنَ مِنْ مَلاَبِسٍ تُظْهِرُ فَتْحَةَ الصَدْرِ، وَبِدَايَةَ النَهْدَيْنِ، والإبِطِ، فِيِمَا يُسَمَّى بالشَابُونِيِز، وَاَوَّلُ الفَخْذَيْنِ، فِيِمَا يُسَمَّى بِالمِيِنِى جِيِب، أوْ المَايِكْرُو جِيِب.
ثُمَّ إنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أتْبَعَ أمْرَهُ بِضَرْبِ الخُمُرِ عَلَى الجُيُوبِ بِأمْرٍ ءِاخَرَ، قَالَ فِيِهِ:
“يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِىُّ قُل لِّأَزْوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَـٰبِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿٥٩﴾” الأَحْزَاب.
مَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ لُزُومَ إدْنَاءِ المَلاَبِسِ عَلَى الذِّرَاعِ فِيِمَا دُونَ الكُوعِ، وَعَلَى الرِجْلَيْنِ فِيِمَا دُونَ الرُكْبَةِ، كَمَا يُسْتَفَادُ أيْضًا لُزُومَ كَوْنِ الثِيَابِ غَيْرُ ضَيِّقَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: “جَلَـٰبِيبِهِنَّ“.
● بِهَذَا حَفِظَ اللهُ المَرْأَةَ المُؤْمِنَةَ مِن أنْ تَخْرُجَ فَتُثِيِرُ الشَهَوَاتِ، أوْ تَكُونَ مِنْ دُعَاةِ الإِفْسَادِ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: “ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ“، إذْ سَتُعْرَفُ مَنْ تَخْرُجُ عَلَى هَذِهِ الهَيْئَةِ المُحْتَرَمَةِ، الوَقُورَةِ بِصَلاَحِهَا، فَلاَ يَتَعَرَّضُ لَهَا مَنْ فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ؛ فَيُؤْذِيِهَا، وَلَوْ بِكَلِمَةٍ خَادِشَةٍ لِلحَيَاءِ.
● إلاَّ أنَّ مَا سَبَقَ ذِكْرَهُ مِنْ هَيْئَةٍ عِنْدَ الخُرُوجِ يَشُقُّ عَلَى المَرْأَةِ فِى حَيَاتِهَا دَاخِلَ بَيْتِهَا، حَيْثُ يَلْزَمُ أنْ تَتَخَفَّفَ مِنْ ثِيَابِهَا، لِطَبِيِعَةِ قَضَاءِ الحَوَائِجِ فِى البَيْتِ، مِنْ طَبْخٍ، إلَى تَنْظِيِفٍ، إلَى تَنْظِيِفِ المَلاَبِسِ، إلَى العِنَايَةِ بِالأَطْفَالِ، وَمَا شَابَه، بِالإِضَافَةِ إِلَى حَرَارَةِ الجَوِّ، مَا يُؤَدِّى إلَى ظُهُورِ بَعْضَ الزِّيِنَةِ بِخِلاَفِ مَا لاَ بُدَّ مِنْ إظْهَارِهِ عِنْدَ الخُرُوجِ، بِنَفْسِ الوَقْتِ الَّذِى هِىَ فِيِهِ عُرْضَةً لِدُخُولِ أحْدٍ مِنَ الأَقَارِبِ عَلَيْهَا وَهِىَ فِى هَذِهِ الحَالَة، وَمِنْ هُنَا فَقَدْ جَآءَت الأَيَةُ لِتُحَدِّدَ أصْنَافَ الَّذِيِنَ يُمْكِنُ لِلمُؤْمِنَةِ أنْ تُظْهَرَ أمَامَهُم بِهَذِهِ الزِّيِنَةِ، بِلاَ حَرَجٍ عَلَيْهَا أوْ عَلَيْهِم، فَقَالَ مَنْ لَهُ وَحْدَهُ أسْجُدُ:
“…وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖوَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ…﴿٣١﴾” النُّور.
يَتْبَع .
تَحَرَّرَ فِى غُرُوبِ يَوْمِ الأَرْبَعَآء 12/11/2014 سعة 4.39 م
التَّعْلِيَقَاتُ مَفْتُوحَةٌ فِى المَقَالِ الأَخِيِر بَعْد اكْتِمَالِ المَوْضُوعِ
المَقَالُ التَّالِى