كَتَبَ شَحْرُورُ بَحثًا تَنَاوَلَ فِيِهِ الفَرْقَ بَيْنَ العَبِيِدِ، وَبَيْنَ العِبَادِ، فَقَلَبَ الحَقِيِقَةَ رَأْسًا عَلَى عَقِب، وَقَالَ بِعَكْسِ نُصُوصِ القُرْءَانِ، وَلَمْ يُصِبْ فِى جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُ، فَضْلاً عَنْ فَقْرَةٍ، أوْ مَوْضُوع، فَقَالَ فِى 131 فَقْرَةٍ، عَلَى مَدَى 506 سَطْرٍ، مُسْتَخْدِمًا 5023 كَلِمَةٍ، و 22704 حَرْفٍ مَا خُلاَصَتُهُ:
“الناس عباد لله في الدنيا، عبيد لله في الآخرة. . . لا عبادة يوم القيامة، وبالتالي فالناس يوم الحساب ليسوا عباداً، بل عبيداً، لأن العبادة مطلوبة من العباد في الدنيا“.
إِلَى أَنْ يَقُولَ:
“فإذا فهمنا هذا كله فهمنا أن العباد في الدنيا القادرين على الإختيار بين الطاعة والمعصية، هم عبيد في الآخرة لأنهم لا يقدرون على شيء، ولا يحتاجون إلا إلى محاكمة عادلة، فجاءت الآيات تطمئنهم إلى عدل الله المطلق الذي لا يظلم العبيد أمامه مثقال ذرة مما عملوا في الدنيا باختيارهم وهم عباد“.
إِلَى أَنْ يَقُولَ:
“ونستطيع أن نستنتج أن الحكم والمحاكمة يوم الحساب لا تكون إلا لعباد أحرار مختارين بملء إرادتهم، وليس لعبيد مسوقين لا يقدرون على شيء، وإلا فالمحاكمة لا معنى لها، . . . يوم المحاكمة والحساب يتحول الناس من عباد إلى عبيد، . . . بعد ذلك كله يتحول أصحاب الجنة من عبيد إلى عباد، ولكن بدون أوامر وتكاليف“.
فَجَهِلَ الأَيَاتَ الَّتِى اسْتَشْهَدَ بِهَا، وَلَمْ يَفْقَهَ مِنْهَا شَيئًا، وَجَهِلَ مَعْنَى العَبِيِدِ، وَغَفَل عَنْ الكَثِيرِ مِنْ ءَايَاتِ الكِتَابِ الَّتِى تُثْبِتُ أَنَّ النَّاسَ يَوْمَ القِيَامَةِ مَا بَيْنَ عَبِيِدٍ، وَعِبَادٍ، قَبْلَ الفَصْلِ بَيْنَهُم، وَبَعْدَ الفَصْلِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
“إِن كُلُّ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ إِلَّآ ءَاتِى ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْدًۭا﴿٩٣﴾“ مَرْيَم.
وَهُوَ وَاضِحٌ أَنَّهُ قَبْلَ الحِسَابِ: “..كُلُّ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ إِلَّآءَاتِى..“!!
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: “كُلُّ“، يَعْنِى أَنَّ التَّمْيِّيزَ لَمْ يَحْدُث بَعْد.
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى:
“وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَقُولُ ءَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى هَـٰٓؤُلَآءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا۟ ٱلسَّبِيلَ﴿١٧﴾“ الفُرْقَان.
وَهُوَ وَاضِحٌ أَنَّهُ قَبْلَ الفَصْلِ، وَالدُّخُولِ إِلَى الجَنَّةِ أَوْ النَّارِ، لِكَوْنِهِ يَوْمَ الحَشْرِ:”وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ“.
وَوَاضِحٌ أَنَّ الكَلاَمَ عَنِ الضَّالِّيِن: “أَضْلَلْتُمْ عِبَادِى هَـٰٓؤُلَآءِ “.
قَارِن ذَلِكَ بِقَوْلِ الشَحْرُور:
“يوم المحاكمة والحساب يتحول الناس من عباد إلى عبيد“.
“بعد ذلك كله يتحول أصحاب الجنة من عبيد إلى عباد“.
تَجِدُ فَوْضَىً فِى الاسْتِدْلاَلِ، وَعَبَثًا بَعِيِدًا عَنْ دِرَاسَةِ الأَيَاتِ، أَوْ تَدَبُّرِهَا، وَهُوَ مُشَابِهٌ لِكِتَابَاتِهِ كُلِّهَا الَّتِى وَقَعَت عَيْنِى عَلَيْهَا إِلَى الأَنَ، وَبِرَغْمِ ذَلِكَ يَجِدُ مَنْ يُصَدِّقَهُ، وَيُصَدِّقُ أَنَّهُ بَاحِثٌ فِى كِتَابِ اللهِ.
◄ ثُمَّ إِنَّ النَّاسُ فِى الأَخِرَةِ لَيْسُوا عَبِيِدًا، وَإِنَّمَا عِبَادٌ، وَعَبِيِدٌ.
وَالفَيْصَلُ هٌوَ الكَسْبُ.
وَالمُدَقِّقُ فِى الأَيَاتِ الَّتِى جَآءَ بِهَا ذِكْرُ العَبِيِدِ، سَيَجِدُ أَنَّ لَفْظَ “عَبِيِد” يُعْطِيِكَ الإِيِحَآءَ بِتَدَنِّى مَوْقِعِ أَصْحَابِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ؛ فَالعَبِيِدُ هِىَ كَلِمَةٌ جَآءَت خَمْس مَرَّاتٍ بِكِتَابِ اللهِ لِتَتَنَاوَلَ المُجْرِمِيِنَ وَالأَثِمِيِنَ مِنْ رُؤُوسِ الكُفْرِ، وَدُعَاةِ التَّبْدِيِلِ، وَمُضِلِّى النَّاسِ، وَلِذَا فَهُم أَصْحَابُ الدَركِ الأَسْفَلِ مِنْ جَهَنَّمَ وَالعِيَاذُ بِاللهِ، واخْتُصُّوا بِعَذَابٍ مُخْتَلِفٍ عَنْ غَيْرِهِم، وَهُوَ عَذَابُ الحَرِيِقِ.
● يَقُولُ تَعَالَى فِى المَوْضِعِ الأَوَّلِ:
“لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓا۟ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌۭ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا۟ وَقَتْلَهُمُ ٱلْأَنۢبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّۢ وَنَقُولُ ذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ ﴿١٨١﴾ ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍۢ لِّلْعَبِيدِ ﴿١٨٢﴾” ءَال عِمْرَان.
فَهَذِهِ الفِئَةُ مِنَ الجُرَءَآءِ عَلَى اللهِ تَعَالَى نَسَبُوا إِلَى اللهِ تَعَالَى الفَقْرَ، وَقَتَلُوا الأَنْبِيَآءَ، وَمِنْ ثَمَّ فَسَيَذُوقُوا عَذَابَ الحَريِقِ، اسْتِحْقَاقًا، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى: “ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍۢ لِّلْعَبِيدِ”.
● وَيَقُولُ تَعَالَى فِى المَوْضِعِ الثَّانِى:
“وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ۙ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَـٰرَهُمْ وَذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ ﴿٥٠﴾ ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍۢ لِّلْعَبِيدِ ﴿٥١﴾” الأَنْفَال.
فَنَجِدُ أَنَّهُم كُفَّارٌ، وَأَنَّهُم أَيْضًا سَيَذُوقُوا عَذَابَ الحَريِقِ، اسْتِحْقَاقًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيِهِم.
● وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ فِى المَوْضِعِ الثَّالِثِ:
“وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍۢ وَلَا هُدًۭى وَلَا كِتَـٰبٍۢ مُّنِيرٍۢ ﴿٨﴾ ثَانِىَ عِطْفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۖ لَهُۥ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْىٌۭ ۖ وَنُذِيقُهُۥ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ ﴿٩﴾ ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـٰمٍۢ لِّلْعَبِيدِ ﴿١٠﴾” الحَجّ.
فَهَذَا صَنْفٌ تَمَيَّزَ بِإِضْلاَلِهِ لِلنَّاسِ بِثَنْىِ العِطْفِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيِلِ اللهِ، فَتَشَارَكَ مَعَ إِبْلِيِسَ فِى أقْعَادِ الصِرَاطِ المُسْتَقِيِمِ، وَلِذَا سَمَّاهُ اللهُ بِالعَبِيِدِ، وَتَوَعَّدَهُ بِعَذَابِ الحَرِيِقِ.
● وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ فِى المَوْضِعِ الرَّابِعِ:
“وَلَوْ جَعَلْنَـٰهُ قُرْءَانًا أَعْجَمِيًّۭا لَّقَالُوا۟ لَوْلَا فُصِّلَتْ ءَايَـٰتُهُۥٓ ۖ ءَا۬عْجَمِىٌّۭ وَعَرَبِىٌّۭ ۗ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ هُدًۭى وَشِفَآءٌۭ ۖ وَٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَقْرٌۭ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُو۟لَـٰٓئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍۭ بَعِيدٍۢ ﴿٤٤﴾ وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ فَٱخْتُلِفَ فِيهِ ۗ وَلَوْلَا كَلِمَةٌۭ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَفِى شَكٍّۢ مِّنْهُ مُرِيبٍۢ ﴿٤٥﴾ مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحًۭا فَلِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّـٰمٍۢ لِّلْعَبِيدِ ﴿٤٦﴾” فُصِّلَت.
فَنَجِدُ أَنَّنَا أَمَامَ الَّذِيِنَ لاَ يُؤْمِنُونَ لاَ بِاللهِ وَلاَ بِالقُرْءَانِ، وَيُجَادِلُونَ فِيِهِ، حَتَّى صَارَ عَلَيْهِم عَمًى، وَلِذَا فَقَدْ وَصَفَهُم اللهُ بِأَنَّهُم مِنَ العَبِيِدِ.
● وَأَخِيِرًا فَيَقُولُ سُبْحَانَهُ فِى المَوْضِعِ الخَامِسِ وَالأَخِيِرِ:
“أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍۢ ﴿٢٤﴾ مَّنَّاعٍۢ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍۢ مُّرِيبٍ ﴿٢٥﴾ ٱلَّذِى جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءَاخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِى ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ ﴿٢٦﴾ ۞ قَالَ قَرِينُهُۥ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُۥ وَلَـٰكِن كَانَ فِى ضَلَـٰلٍۭ بَعِيدٍۢ ﴿٢٧﴾ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا۟ لَدَىَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ ﴿٢٨﴾ مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَىَّ وَمَآ أَنَا۠ بِظَلَّـٰمٍۢ لِّلْعَبِيدِ ﴿٢٩﴾” ق.
فَالكَلاَمُ هُنَا عَلَى الكَفَّارِ العَنِيِدِ، وَقَدْ وَصَفَ اللهُ عَذَابَهُ بِالشَّدِيِدِ، لاَ سِيَّمَا أَنَّ اللهَ قَدْ حَذَّرَهُ فِى حَيَاتِهِ مِنْ هَذَا العَذَابِ.
هَذِهِ هِىَ كُلُّ مَوَارِدِ العَبِيِدِ فِى القُرْءَانِ!!!
فَأَيْنَ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهَا سَتَكُونُ عَبِيِدًا يَوْمَ القِيَامَةِ، وَكَانُوا عِبَادًا فِى الدُّنْيَا فَقَطْ، وَأَنَّهُم سَيَعُودُونَ عِبَادًا بَعْد دُخُولِ الجَنَّةِ، بَعْدَ أَنْ كَانُوا عَبِيِدًا وَقْتَ الحِسَابِ فَقَطْ؟!!
وَاللهِ إِنِّى لأَتَعَجَّبُ مِنْ هَذَا الشَحْرُورِ وَمِنْ جَرَاءَتِهِ عَلَى نُصُوصِ الأَيَاتِ!!
اَلِهَذِهِ الدَّرَجَةِتَظُنُّ أَنَّ الكَلاَمَ فِى كِـتَابِ اللهِ هَيِّنٌ، وَأَنَّ الافْتِئَاتَ عَلَيْهِ بَسِيِطٌ؟!!
هذا ما أسميه “بعلم الأسماء” لأن أول ما علم للانسا هو علم كل الأسماء