1/2/2 ـ تَحْقِيِقُ كَامِلِ الرُّبُوبِيَّةِ للهِ وَحْدَهُ (غَيْرُ مَنْقُوصَةٍ):
◄ اعْلَم أنَّ مَسْأَلَةَ تَحْقِيِقِ كَامِلِ الرُّبُوبِيَّةِ للهِ وَحْدَهُ (غَيْرُ مَنْقُوصَةٍ) هِىَ أهَمُّ المَسَائِلِ عَلَى الإِطْلاَقِ فِى حَيَاةِ الإِنْسَانِ، سَوَاءٌ فِى قَضِيَّةِ البَحْثِ فِى كِتَابِ اللهِ خُصُوصًا، أوْ فِى تَحْقِيِقِ المَطْلُوبِ مِنْهُ فِى رِحْلَةِ الحَيَاةِ مِنْ إِسْلاَمٍ عُمُومًا. وَهَذِهِ المَسْأَلَةُ هِىَ أحَدُ مَرَاحِلِ الإِيِمَانِ المُتَقَدِّمَةِ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّتِهَا مِنْ عَدَمِهِ، صِحَّةُ أوْ فَسَادُ كُلِّ مَا بَعْدَهَا.
فَالرُبُوبِيّةُ هِىَ عِلاَقَةُ عَطَاءٍ مِمَّنْ يَمْلُكُ إلَى مَنْ يِحْتَاجُ، وَهِىَ مِن زَاويةِ المَخْلُوقِ عِلاَقَةُ اسْتِقْبَالٍ، اتجَاهُهَا مِنْ أَعْلَى إِلَى أسْفَل (1). وَلأَنَّ اللهَ هُوَ سُبْحَانَهُ الرَبُّ الخَالِقُ المُعْطِى، الرَزَّاقُ، الوَهَّابُ، الهَادِى، المُتَصَرِّفُ فِى كَوْنِهِ كَمَا يَشَاءُ؛ فَقَدْ كَانَ مِنَ المُفْتَرَض أنْ يَكُونَ هُوَ المَعْبُودُ، الَّذى يَتَوَجّهُ النَّاسُ إلَيِّهِ بالعِبَادَةِ، والطَاعَةِ، وَأن يَكُونَ المَرْجِعَ لِلْهُدَى:
“..ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَـٰلِقُ كُلِّ شَىْءٍۢ فَٱعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ وَكِيلٌ ﴿١٠٢﴾..” الأنعام.
وَلَكِنَّ رَبُّ العَالَمِينَ عِندَ الكافِر والمُشْركِ مُتَّفَقٌ (غَالِبًا) عَلَى جُزءٍ مِنَ رُبُوبِيَّتِهِ، وَهُوَ الجُزْءُ الخَاصُّ بِالخَلْقِ، وَالرِزْق، وَالإمَاتَةِ، وَمَاشَابَه (2)، وَمَكْفُورٌ بِجُزْءِ الرُّبُوبِيَّةِ الخَاصِّ بِكَوْنِ كِتَابِهِ هُوَ مَصْدَرُ الهُدَى الأَوْحَدِ، وَمِن ثَمَّ؛ فَتَتَعَدَّدُ وَتَخْتَلِفُ، الأَلِهَةُ والعِبَادَاتُ، بِحَسَبِ تَعَدُّدِ وَاخْتِلاَفِ الأربَابِ المَصَادِرِ وَالمَرَاجِعِ (3)، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أنْ يُنَازِعَ النَّاسُ رَبَّهُم فِى بَعْضِ رُوُبُوُبِيَّتِهِ، وَكُلِّ أُلُوهيَّتِهِ أيَّمَا نِزَاعٍ، وَيَقَعُ التَّبْدِيِلُ فِى الأَحْكَامِ، وَالتَحْلِيلِ، وَالتَحْريمِ، وَقَصِّ القَصَصِ، وَضَرْبِ الأمْثَالِ، وَتَفْنِين الأدْعِيَةِ وَالأَذْكَار . . الخ، وَهُوَ مَا يُمَثِّلُ التَشْريع المُكَافِئ، الَّذِى يُؤَدِّى إلَى الشِرْكِ بِرَبِّ العَالَمِينَ، وَالعَدْل بِهِ (4). أمَّا عِندَ المُؤمِن فَالأَمرُ مُخْتَلِفٌ؛ إذْ يَتَوَحّدُ عِنْدَهُ الرَبُّ مَعَ الإلَهِ، فَرَبُّهُ هُوَ إلاَهُهُ، وَهُوَ اللهُ، وَاللهُ هُوَ رَبُّهُ؛ وَبِالتَّالِى تَتَوَجَّهُ عِبَاَدَتُهُ إلى اللهِ رَبِّهِ:
“قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِى ٱللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ وَنَحْنُ لَهُۥ مُخْلِصُونَ ﴿١٣٩﴾” البقرة (5).
“قُلْ إِنَّ صَلَاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿١٦٢﴾” الأنعام (6).
وَعَلَيْهِ؛ فَيَجِبُ أنْ تَكُونَ الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ لِلبَاحِثِ الحَقِّ هِىَ أنْ يَكُونَ رَبَّانِيًّا، يَلْتَزِمُ بِالرُّبُوبِيَّةِ كَامِلَةً، فَيَقْصُرُ مَرَاجِعَهُ عَلَى كِتَابِ رَبِّهِ، وَيَجْعَلُهُ مَصَدرَ الهُدَىَ، وَالعِلْمِ، وَالإِيِمََانِ، وَالتَّصْدِيِقِ (الإِسْلاَم):
“مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّى مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن كُونُوا رَبَّـٰنِيِّۦنَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَـٰبَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ﴿٧٩﴾” ءَال عمران.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ بِعَكسِ الألُوهِيّةِ الَّتى إذَا مَا نُظِرَ إلَيهَا مِن زَاويةِ المَخْلُوقِ فَسَتَكُونُ عِلاَقَةُ إرْسَالٍ، مِن أسْفَلِ إلَى أعلى، وَتَنْتَظِمُهَا العِبَادَاتُ وَتَصَرُّفَاتُ العِبَاد.
2 ـ “وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ ﴿٦١﴾” العنكبوت.
3 ـ “ٱتَّخَذُوٓا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوٓا إِلَّا لِيَعْبُدُوٓا إِلَـٰهًا وَٰحِدًا ۖ لَّآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَـٰنَهُۥ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿٣١﴾” التوبة.
4 ـ “قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا ۖ فَإِن شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ ۚ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُوا بِـَٔايَـٰتِنَا وَٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱلْءَاخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴿١٥٠﴾ ۞ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِۦ شَيْـًٔا ۖ وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَـٰنًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوٓا أَوْلَـٰدَكُم مِّنْ إِمْلَـٰقٍۢ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلَّا بِٱلْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿١٥١﴾” الأنعام.
وَلِذَا فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَىَ لأمثالِ هَؤُلاَءِ: “قُلْ يَـٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍۢ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِۦ شَيْـًٔا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ ٱللَّهِ ۚ ...﴿٦٤﴾” ءَال عمران.
5 ـ لاحِظ أنَّ المُؤمِنينَ لَم يقولوا: “أَتُحَآجُّونَنَا فِى اللهِ وَهُوَ إلاَهَنَا وَإلاَهَكُم”، وَإنَّمَا قالوا: “قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِى ٱللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ“، وَذَاكَ أنَّ القَوم لا يُسْلِمُونَ للهِ مَعَ إقْرَارهِم بِجُزءٍ مِن رُوبُبِيَّتِهِ!
6 ـ “لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٍۢ يَدِىَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّىٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿٢٨﴾” المائدة.