سمير إِبراهيم خليل حسن وَفُحْشُهُ فِى القُرْءَانِ 1

 

جَآءَت ءَايَاتُ سُورَةِ النُّورِ مِنْ أَوَّلِهَا وَهِىَ تَتَناوَلُ العِلاَقَاتِ الاجْتِمَاعِيَّةِ، بَيْنَ المُؤْمِنِيِنَ، وَبَدَأت بِبِدَايَةٍ غَيْرِ مَسْبُوقَةٍ، وَلَم تَتَكَرَّر،إِذْ يَقُولُ اللهُ فِى أَوَّلِهَا:

سُورَةٌ أَنزَلْنَـٰهَا وَفَرَضْنَـٰهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَآ ءَايَـٰتٍۭ بَيِّنَـٰتٍۢ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿١﴾“.

ثُمَ بَدَأَت فِى أَوَّلِ عَشْرِ ءَايَاتٍ بِعُقُوبَةِ الزِّنَا، ثُمَّ بِأَحْكَامِ رَمْىِّ المُحْصَنَاتِ مِنْ أَزْوَاجِهِم، ثُمَّ فِى العَشْرِ التَّالِيَةِ تَنَاوَلَت مَا صَدَرَ مِنْ إِفْكٍ بِحَقِّ المُؤْمِنِيِنَ، لِتَنْتَهِى فِى الأَيَةِ 26 سِتَّةِ وَعِشْرِيِنَ مِنْ رَمْى المُحْصَناتِ الغَافِلاَتِ، وَلِتَبْدَأَ فِى الأَيَةِ 27 سَبَعَةٍ وَعِشْرِيِنَ إِلَى 29 تِسْعةٍ وَعِشْرِيِنَ فِى تَوْجِيِهِ المُؤْمِنِيِنَ إِلَى كَيْفِيَّةِ دُخُولِ البُيُوتِ بِخِلاَفِ بُيُوتِهِم، سَاكِنَةٌ كَانَت أَوْ غَيْرِ سَاكِنَةٍ:

يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰٓ أَهْلِهَا ۚ ذَ‌ٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿٢٧﴾ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَآ أَحَدًافَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ۖ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ٱرْجِعُوا فَٱرْجِعُوا ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴿٢٨﴾ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍۢ فِيهَا مَتَـٰعٌ لَّكُمْ ۚ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴿٢٩﴾ النُّور.

وَبَعْدَ أَنْ وَجَّهَ اللهُ المُؤْمِنِيِنَ إِلَى كَيْفِيَّةِ دُخُولِ البُيُوتِ بِخِلاَفِ بُيُوتِهِم، سَاكِنَةٌ كَانَت أَوْ غَيْرِ سَاكِنَةٍ، أَمَرَ المُؤْمِنِيِنَ فِى الأَيَةِ 30 ثَلاَثِينَ أَنْ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِم (وَالغَضُّ حَدٌّ)، وَأَنْ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُم، مُبَيِّنًا أَنَّ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُم، مُذَكِّرًا إِيَّاهُم أَنَّهُ خَبِيِرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ:

قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَ‌ٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴿٣٠﴾ النُّور.

فِى الأَيَةِ 31 الحَادِيَةِ وَالثَّلاَثِيِنَ أَمَرَ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنَاتِ بِسِتَّةِ أَوَامِرٍ؛ كَالتَّالِى:

وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖوَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴿٣١﴾النُّور.

فَالدَّارِسُ يَجِدُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَأمُرُ المُؤْمِنَةَ بِـ:

1 ـ غَضُّ البَصَرِ.

2 ـ حِفْظُ الفَرْجِ.

3 ـ إِخْفَآءُ الزِّيِنَةِ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا.

4 ـ ضَرْبُ الخُمُرِ (الأَغْطِيَةِ مِنَ المَلاَبِسِ) عَلَى الجُيُوبِ.

5 ـ إِبْدَآءُ الزِّيِنَةِ لِلمَذْكُورِيِنَ فِى الأَيَةِ.

6 ـ عَدَمُ الضَّرْبِ بِالأَرْجُلِ لإِبْدَآءِ الزِّيِنَةِ المَخْفِيَّةِ.

وَانْتَهَت الأَيَاتُ عَلَى ذَلِكَ.

وَلِعَلَّ المُتَأَمَّلَ قَدْ لاَحَظَ أَنَّ الأَيَةَ تَلْتَحِمُ مَعَ سَابِقَتِهَا فِى الوِحْدَةِ المَوْضُوعِيَّةِ، وَفِى عِلاَقَتِهَا بِاسْمِ السُّورَةِ.

 

فَالسُّورَةُ هِىَ سُورَةُ النُّورِ، وَالنُّورُ هُوَ مَا تَظْهَرُ بِهِ الأَشْيَاءُ، وَتَهْتَدِى بِهِ. وَلأَنَّ خَلْقَ اللهِ كُلَّهُ يِهْتَدِى بِنُورِ اللهِ (..ٱلَّذِىٓ أَعْطَىٰ كُلَّ شَىْءٍ خَلْقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ)؛ فَهُوَ مَصْدَرُ نُورِهِم، بِمَا فِى ذَلِكَ، الجُزْءُ المَادِّىُّ مِنَ الثَقَلَيْنِ (حَرَكَةُ المُخِّ وَالأَعْضَاءِ)، وَيَتَبَقَّى الجُزْءُ المَعْنَوِىُّ مِنْهُمَا (وَهُوَ الَّذِى يُمَثِّلُ حَقِيقَتَيْهِمَا)؛ وَالمُقَدَّرُ بِنِظَامٍ اكْتِسَابِىٍّ لِلنُّورِ، وَيَظَلُّ مُظْلِمًا إلَى أنْ يُوجَدَ النُّورُ، وَإلَى أنْ يَسْعَى الثَقَلاَنِ إلَيْهِ.

وَالأَيَاتُ تَضَعُ عِلاَقَاتِ المُؤْمِنِيِنَ فِى النُّورِ، قَاطِعَةٌ الطَّريِقَ عَلَى أَىِّ عِلاَقَاتٍ ظَلاَمِيَّةٍ، فَلاَ رَمْىٌ بِالزِّنَا عَلَى عَوَاهِنِهِ، وَلاَ إِلْقَآءٌ لإِفْكٍ بِالأَلْسِنَةِ بِغَيْرِ عَلْمٍ، وَلاَ رَمْىٌ لِلمُحْصَنَاتِ الغَافِلاَتِ غَيْبًا، وَلاَ دُخُولٌ لِلبُيُوتِ مِنْ ظُهُورِهَا، . وَهُنَا فِى الأَيَةِ فَلاَ نَظَرَاتٌ خِلْسِيَّةٌ، مِنْ طَرْفٍ خَفِىٍّ (غَضُّ البَصَرِ)، وَلاَ عِلاَقَاتٌ جِنْسِيَّةٌ فِى الخَفَآءِ (حِفْظُ الفُرُوجِ)، وَلاَ إِظْهَارٌ لِزِيِنَةٍ لاَ دَاعٍ لِظُهُورِهَا، إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا لِلضَّرُورَةِ. مَعَ ضَرْبِ الخُمُرِ عَلَى الجُيُوبِ، وَإِبْدَآءِ الزِّيِنَةِ لِلمَذْكُورِيِنَ فِى الأَيَةِ، مِنَ الأَهْلِ وَالأَقَارِبِ، وَنِسَآئِهِنَّ، وَالخَدَمِ، الخ، وَعَدَمِ الضَّرْبِ بِالأَرْجُلِ لإِبْدَآءِ الزِّيِنَةِ المَخْفِيَّةِ.

إِنَّهُ الوُضُوحُ، وَمَا نُسَمِّيِهِ بِالشَّفَّافِيَّةِ، وَمَبْعَثُهُ؛ النُّورُ.

 

البَصَرُ:

وَلأَنَّ البَصَرَ هُوَ أوَّلُ مَا يَحْمِلُ الإعْجَابَ بِيْنَ الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، فَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى لَهُ حَدًّا، فَأمَرَ كُلًّا مِنَ المُؤْمِنِيِنَ والمُؤْمِنَاتِ بِالغَضِّ مِنْهُ فَقَالَ تَعَالَى:

قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَـٰرِهِمْ﴿٣٠﴾ النُّور.

وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴿٣١﴾النُّور.

وَالغَضُّ مِنْ، لاَ يَعْنِى الغَضَّ بِالكُلِّيَّةِ، وَإنَّمَا هُوَ صَرْفٌ لِلبَصَرِ عَمَّا لاَ فَائِدَةَ مِنْ وَرَائِهِ، بَلْ المَفْسَدَةُ بِعَيْنِهَا؛ إذْ إِنَّ إطَالَةَ البَصَرِ بَيْنَ الطَرَفَيْنِ دُونَمَا حَاجَةٍ هُوَ إعْلاَنٌ عَنِ الرَّغْبَةِ، وَلِذَا فَقَدْ حَدَّ اللهُ تَعَالَى البَصَرَ بِمَا يَلْزَمُهُ لِقَضَاءِ الحَوَائِجِ، وَأنْهَى الأَيَةَ بِالتَّذْكِيِرِ بِأنَّهُ خَبِيِرٌ بِمَا يَصْنَعُ النَّاسُ.

…إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌۢ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴿٣٠﴾النُّور.

 

الزِّيِنَةُ وَضَوَابِطُ إظْهَارِهَا:

الزِّيِنَةُ هَىَ مَا يَقَعُ التَجْمِيِلُ بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:

إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى ٱلْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴿٧﴾ الكَهْف.

ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ..﴿٤٦﴾ الكَهْف.

وَبِالنِّسْبَةِ إلَى المَرْأَةِ، فَما يُزَيِّنُهَا، مِنْهُ؛ مَا هُوَ مِنْ بِنْيَتِهَا، زَيَّنَهَا اللهُ تَعَالَى بِهِ، كَالحُسْنِ، والأرْدَافِ، والنَهْدِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَمِنْهُ مَا يَطْرَأُ مِنْ خَارِجِهَا، كَالحُلِىِّ، وَمَا شَابَه، وَبِالتَّالِى فَإنَّ الزِّيِنَةُ أنْوَاعٌ، فَإِذَا مَا تَعَلَّقَت بِالمَرْأَةِ فَهِىَ أرْبَعَةٌ، وَبِرَفْعِ الطَارِئ مِنْهَا فَهِىَ ثَلاَثَةٌ بِنْيَوِيَّةٌ كَالتَالِى:

1 ـزِيِنَةٌ لاَبُدَّ مِنْ إِظْهَارِهَا.

2 ـزِيِنَةٌ تَصْلُحُ أنْ تَظْهَرَ لِلأَقَارِبِ بِتَفْصِيِلٍ.

3 ـ زِيِنَةٌ مُغَطَّاةٌ تَبْدُوا بِالحَرَكَةِ، وَلاَ يَصْلُحُ إِظْهَارُهَا بِحَرَكَةٍ فَضْلاً عَنْ بِدُونِهَا. وَمَطْلُوبٌ أَنْ تَظَلَّ عَلَى خَفَائِهَا، وَلاَ يُعْلَنُ عَنْهَا بِالاخْتِلاَجِ وَالتَّمَايُلِ.

أَمَّا مَا زَادَ عَنِ الزِّيِنَةِ فَهِى العَوْرَات، كَعَوْرَةُ الفَرْجِ، وَعَوْرَةُ الإِسْتِ، وَهَذِهِ لاَ تَظْهَرُ مُطْلَقًا.

 

وَقَدْ بَيَّنَت ءَايَاتُ سُوَرِ النُّورِ، وَالأحْزَابِ، وَالنَّمْلِ، هَذِهِ الزِّيِنَةِ بِتَفْصِيِلٍ كَالتَالِى:

يَتْبَع .

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x