أَوَّلًا: نَقۡدُ ﭐلتَّسۡمِيَةِ:
نَقۡدُ ﭐلتَّسۡمِيَةِ لَيۡسَ بِالأَمۡرِ ﭐلهَّامِّ فِى نَقۡدِ ﭐلمَنۡظُومِىِّ وَمَنۡظُومَتِهِ، حَتَّىٰ يُبۡدَأُ بِهِ، وَلَكِنَّهُ يُسَاقُ هُنَا -ﭐفۡتِتَاحًا-، لِكَوۡنِهِ أَوَّلُ مَا يُقَابِلُ ﭐلمَرۡءَ مِنۡ جَهَالَاتِ مُشۡتُهُرِى (ﭐلمَنۡظُومِىِّ)، عِنۡدَمَا أَرَادَ اَنۡ يَعۡرِضَ بِضَـٰعَتَهُ ﭐلمُزۡجَـٰةَ لِلنَّاسِ، وَكَذَٰلِكَ لِبَيَانِ حَالِ ﭐلمَنۡظُومِىِّ عِنۡدَمَا أَرَادَ أَنۡ يُعَنۡوِنَ لِجَهَاَلَاَتِهِ، بِعُنۡوَانٍ يَقۡطُرُ هُوَ ﭐلأَخَرُ جَهۡلًا وَﭐنۡقِطَاعًا عَنِ ﭐلقُرۡءَانِ، كَبَقِيَّةِ بِضَـٰعَتِهِ ﭐلَّتِى سَنَخۡبُرُهَا هُنَا، فَكَانَ خَيۡرُ مُعَبِّرٍ عَمَّا سَيَأتِىَ تَحۡتَهُ.
1 ـ نَقۡدُ تَسۡمِيَةِ “ﭐلمَنۡظُومَة”.
فَأَوَّلُ مَا يَلۡفِتُ ﭐلانۡتِبَاهَ هُوَ أَنَّ كَلِمَةَ “مَنۡظُومَة”، هِىَ كَلِمَةٌ مُنۡقَطِعَةٌ عَنۡ كَلَـٰمِ ﭐللهِ، فَلَمۡ تَرِدۡ فِى كَتَـٰبِ ﭐللهِ، وَلَا لِمَرَّةٍ وَٰحِدَةٍ، وَهِىَ مِنَ ﭐلأَصۡلِ “نَ ظۡ م”، وَهُوَ أَصۡلٌ مُهۡمَلٌ بِالكُلِّيَّةِ فِى كِتَـٰبِ ﭐللهِ، بِكُلِّ مُشۡتَقَّـٰتِهِ، وَلِعَلَّ ذَٰلِكَ يَبۡدُوا وَكَأَنَّهُ إِشَارَةً أَوَّلِيَّةً تَدُلُّ عَلَىٰ حَالِ ﭐلقَآىِٕلِ، وَﭐنۡقِطَاعِهِ عَنۡ ﭐلقُرۡءَانِ، هُوَ وَمَنۡظُومَتِهِ ﭐلمُجۡتَثَّةِ، قَبۡلَ ﭐلنَّظَرِ إِلَىٰ مَا قَالَهُ فِيِهَا.
2 ـ نَقۡدُ تَسۡمِيَةِ “ﭐلتَّوَاصُلِ”.
ﭐخۡتَارَ “محمد مشتهري”، صَـٰحِبُ “مَنۡظُومَةِ ﭐلتَّوَاصُل ﭐلمَعۡرِفِىِّ” ﭐلِاسۡمَ ﭐلثَّانِى لِمَنۡظُومَتِهِ بِجَهۡلٍ كَجَهۡلِ ﭐلعَوَامِّ، إِذۡ جَهِلَ هَذِهِ ﭐلمَرَّةَ، ﭐلفَرۡقَ بَيۡنَ كَلِمَتَىِّ: ﭐلتَّوَٰصُلِ، وَﭐلِاتِّصَـٰلِ، حَيۡثُ تَعۡنِى كُلًّا مِنۡهُمَا مَعۡنًى بِخِلَافِ ﭐلأُخۡرَىٰ؛ فَكَلِمَةُ “ﭐلتَّوَاصُل” هِىَ مِنَ ﭐلأَصۡلِ “وَ صۡ ل”، وَهُوَ عَكۡسُ ﭐلأَصۡلِ “فَ صۡ ل”، وَمِنۡهُ ﭐلوَصۡلُ، وَعَكۡسُهُ ﭐلۡفَصۡلُ، وَﭐلوُصَالُ، وَعَكۡسُهُ ﭐلۡفِصَالُ، وَﭐلِاتِّصَالُ، وَعَكۡسُهُ ﭐلۡاِنۡفِصَالُ، . . الخ.
وَﭐلتَّوَاصُلُ هُوَ ﭐلۡاسۡتِمۡرَارُ بِلَا ﭐنۡقِطَاعٍ، وَإِذَا ﭐنۡتُحِلَ لِاتِّجَاهٍ فِكۡرِىٍّ فَيَصِيرُ هُوَ أَسَاسَ إِنۡشَآءِ أَىَّ مَذۡهَبٍ، إِذۡ يَزۡعُمُ كُلُّ أَصۡحَــٰبِ مَذۡهَبٍ أَنَّ بِضَاعَتَهُم تَوَاصَلَت مُنۡذُ أَىَّ رَسُولٍ إِلَىٰ يَوۡمِنَا هَذَا، وَهَذَا هُوَ مَا زَعَمَهُ “ﭐلمَنۡظُومِىُّ”، إِذۡ قَالَ مُشۡتُهُرِى فِى تَعۡرِيفِ مَنۡظُومَتِهِ:
“أعني بمنظومة التواصل المعرفي تلك المعارف التي تواصلت. . .“.
“لقد حفظ الله لشعوب العالم، من لدن آدم وعن طريق منظومة التواصل المعرفي، حروف الهجاء التي تنطق بها ألسنتهم، ولولا هذا الحفظ ما استطاع الناس فهم كلمة واحدة من كلمات الرسالات التي بعث الله بها الرسل”.
” فعندما نسمع كلمة «فَم» فإن ذهننا يذهب إلى الصورة المطبوعة في القلب عن طريق منظومة التواصل المعرفي التي نفهم منها معنى هذه الكلمة”.
“منظومة التواصل المعرفي هي التي حملت للناس جميعًا، من لدن آدم عليه السلام، مُسَمَّيات الكلمات التي تنطق بها ألسنتهم، كلٌ حسب لغة ولهجة قومه“.
“أ: أسد – ب: بطة – ت: تمساح – ث: ثعبان – ج: جمل”
فَنَجِدُ هُنَا مُغَالَطَاتٍ تَنُمُّ عَنۡ جَهۡلٍ بِطَبِيعَةِ ﭐلۡمُسَمَّيَاتِ، وَبِطَبِيعَةِ ﭐلۡأَلۡسِنَةِ، وَإِنۡ كَانَ هَذَا لَيۡسَ بِمَوۡضُوعِنَا. فَالۡأَلۡسَنَةُ تَتَأَكَلُ مِنۡ نَاحِيَةٍ وَتَنۡمُو مِنۡ نَاحِيَةٍ أُخۡرَىٰ، وَﭐلَّذِى حَفِظَ لِلسَانِ أَهۡلِ ﭐلۡجَزِيرَةِ، وَبِلَادِ ﭐلۡحِجَازِ، وَقُرَيۡشٍ، مُسَمَّيَّاتَهُم، وَقَوَّمَ لِسَانَهُم هُوَ ﭐلۡقُرۡءَانُ وَلَيۡسَ ﭐلۡعَكۡسُ.
ثُمَّ إِنَّ ﭐلۡقُرۡءَانَ جَآءَ بِكَلِمَــٰتٍ لَمۡ تَكُنۡ قُرَيۡشٌ تَعۡرِفُهَا، وَلَكَنۡ سَنَتَجَاوزُ هَذِهِ ﭐلۡنُّقۡطَةَ لِكَوۡنِهَا لَيۡسَتۡ بِالۡجَوۡهَرِيَّةِ، وَلۡنُكۡمِلَ مَعَ مُشۡتُهُرِى تَعۡرِيفَهُ ﭐلۡفَاسِدَ؛ إِذۡ يَقُولُ:
“أعني بمنظومة التواصل المعرفي تلك المعارف التي تواصلت. . .، ومعارف أممية: وهي المعارف المتفق عليها بين أفراد الأمة الواحدة، مثل: اللغة ـ كيفية أداء العبادات“.
فَنَجِدُهُ قَدۡ قَامَ بِدَسِّ كَيۡفِيَّةِ أَدَآءِ ﭐلۡعِبَــٰدَٰتِ وَسَطَ ﭐلۡمُسَمَّيَاتِ، وَوَسَطَ أ: أسد – ب: بطة – ت: تمساح – ث: ثعبان – ج: جمل!!
فَإِذَا سَلَّمۡنَا -جَدَلًا- بِتَواصُلِ ﭐلۡمُسَمَّيَاتِ، فَمِنۡ أَيۡنَ جَآءَ بِوُجُودِ شَىۡءٍ ﭐسۡمُهُ “ﭐلۡعِبَــٰدَٰتِ” أصۡلًا؟!
لَقَدۡ جَآءَت كَلِمَةُ “عَ بۡ د” بِمُشۡتَقَّاتِهَا 275 مَرَّةً بِكِتَــٰبِ ﭐللهِ، فِى 251 ءَايَةٍ، لَيۡسَ فِيهَا مَرَّةً وَاحِدَةً كَلِمَةُ: “عِبَــٰدَٰتِ”!!
فَهَذَا ﭐلۡجَهُولُ بِخِلَافِ مَكۡرِهِ بِكِتَــٰبِ ﭐللهِ وَكَلَــٰمِهِ لِعِبَــٰدِهِ، فَهُوَ تَبَعٌ لِأَبَآىِٕهِ فِى كُلِّ شَىۡءٍ حَتَّىٰ فِى هَذَا ﭐلۡمُصۡطَلَحِ ﭐلۡمَذۡهَبِىِّ.
حَسَنًا؛ فَلۡنُسَّلِمُ -جَدَلًا- بَأَنَّ مَا سَمَّاهُ بِـ: “ﭐلۡعِبَــٰدَٰتِ”، هُوَ مَا يَعۡنِى عِنۡدَهُ ﭐلصَّلَوةَ، وَﭐلصِّيَامَ، وَﭐلۡحَجَّ. فَكَيۡفَ يَأَمُرُ ﭐللَّهُ عِبَادَهُ بِهَذِهِ ﭐلۡعِبَٰدَٰتِ، دُونَ أَنۡ يُبَيِّنَهَا فِى كِتَــٰبِهِ ﭐلَّذِى قَالَ عَنۡهُ إِنَّهُ تِبۡيَانٌ لِكُلِّ شَىۡءٍ؟
حَسَنًا؛ فَلۡنُسَلِّمُ -جَدَلًا- بِاَنَّ هَذِهِ “ﭐلۡعِبَــٰدَٰتِ” لَمۡ تُبَيَّنۡ فِى كِتَــٰبِ ﭐللَّهِ، فَمِنۡ أَيۡنَ لِلعِبَــٰدَٰتِ ﭐلۡاَبَآىِٕيَّةِ تَوَاصُلُهَا؟!
وَلَوۡ تَوَاصَلَتُ ﭐلۡعِبَــٰدَٰتِ كَمَ زَعَمَ وَخَرَصَ فَلِمَاذَا لَمۡ تَثۡبُتۡ عِنۡدَ مُخۡتَلَفِ ﭐلۡفِرَقِ؟!
سَلَّمۡنَا اَنَّ “ﭐلۡعِبَــٰدَٰتِ” تَوَاصَلَت، فَمِنۡ أَيۡنَ تَتَوَاصَلُ مَعَانِى كَلِمَــٰتِ ﭐلۡقُرۡءَانِ، بَيۡنَمَا فِيهَا مَا لَا يُمۡكِنُ بُلُوغَ مَعۡنَاهُ إِلَّا بِالدِّرَاسَةِ؟!
بَلۡ إِنَّ أَىَّ حَدٍّ، أَوۡ حُكۡمٍ، أَوۡ حِكۡمَةٍ، أَوۡ ذِكۡرٍ . . الخ، لَا عِلَاقَةَ لَهُم بِمَا سَمَّاهُ قَوَامِيسَ ﭐللُّغَةِ، وَمَعَاجِمَهَا، بَلۡ إِنَّ ﭐلۡعِلۡمَ بِهِمۡ قَآىِٕمٌ عَلَىٰ ﭐلتَّرۡتِيلِ، وَﭐلتَّدُبِّرِ، وُصُولًا لِقِرَآءَةِ (فَهۡمِ) كَلَــٰمِ ﭐللَّهِ، وَمَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَىٰ عَنۡهُ، وَهُوَ مَا نَصَّ ﭐللَّهُ عَلَيۡهِ:
“وَرَتِّلِ ٱلْقُرْءَانَ تَرْتِيلًا”.
“كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ مُبَـٰرَكٌۭ لِّيَدَّبَّرُوٓا۟ ءَايَـٰتِهِۦ“.
“أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ”.
“بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَـٰبَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ“.
فَكَيۡفَ يَخَرۡصُ مُشۡتُهُرُى وَيَقُولُ:
“الالتزام بأحكام القرآن كما أنزلها الله، بدلالات كلماتها اللسانية التي حفظها الله في معاجم اللغة العربية” اهـ.
فَقَوۡلُ مُشۡتُهُرِى بِتَواصُلِ دَلَالَاتِ كَلِمَــٰتِ ﭐلۡقُرۡءَانِ فِى مَعَاجِمِ ﭐللُّغَةِ ﭐلۡعَرَبِيَّةِهُوَ قَوۡلُ كَذِبٍ، وَمَرۡدُودٌ عَلَيۡهِ، عَلَىٰ ﭐلۡاَقَلِّ بِمَا رَدَّ هُوَ بِهِ عَلَىٰ تَوَاتُرِ ﭐلۡحَدِيِثِ، وَمَا قَالَ مَا قَالَهُ إِلَّا لِجَهۡلِهِ بِبِنۡيَةِ كَلِــٰمِ رَبِّ ﭐلۡعَــٰلَمِينَ، كَمَا سَنُنَاقِشُهُ هُنَا فِى حِينِهِ.
إِذًا؛ فَلَا مَا سَمَّاهُ بِالۡعِبَــٰدَٰتِ ﭐلۡأَبَآىِٕيَّةِ يُمۡكِنُهُ إِثۡبَاتَ تَوَاصُلِهَا. وَلَا هَذِهِ ﭐلۡعِبَــٰدَٰتِ شَيۡئًا وَاحِدًا. وَلَا جَعَلَ ﭐللَّهُ هَذَا ﭐلتَّوَاصُلَ سَبِيلًا لِعِبَادَتِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ ﭐلۡكِتَــٰبَ هُوَ سَبِيلُ ﭐلۡعِبَــٰدَةِ، فَقَالَ:
“إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ فَٱعْبُدِ ٱللَّهَ…”.
وَﭐلۡاَيَــٰتُ كَثِيرَةٌ فِى إِثۡبَاتِ ذَٰلِكَ، فَضۡلًا عَنۡ إِثۡبَاتِهَا لِكِفَايَةِ كَلَــٰمِ ﭐللَّهِ وَكَمَالِهِ.
بَلۡ إِنَّ ﭐللَّهَ قَالَ عَنِ ﭐلتَّوَاصُلِ ﭐلۡمَذۡكُورِ:
“وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا۟ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُوا۟ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ ۚ أَوَلَوْ كَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ”.
فَلَوۡ كَانَ هُنَاكَ تَوَاصُلٌ فَلِمَاذَا كَانَ ﭐللهُ سَيَقُولُ ذَٰلِكَ؟!
إِذًا فَمَسۡـــَٔلَةِ ﭐلتَّوَاصُلِ بِلَا ﭐنۡقِطَاعٍ، وَلَا ﭐنۡفِصَالٍ، هِىَ فِرۡيَةٌ مِنۡهُ، وَلَوۡ كَانَ يَفۡهَمُ لَمَا دَسَّ ﭐلۡعِبَــٰدَٰتِ وَسَطَ ﭐلۡمُسَمَّيَاتِ وَﭐلِّسَانِ، وَلَاكۡتَفَىٰ بَتَرۡوِيجِ ﭐلۡمَعَاجِمِ وَﭐلۡقَوَامِيسِ ﭐلَّتِى فَرِحَ بِهَا، وَلَقَالَ: “مَنۡظُومَةُ ﭐلۡاِتِّصَالِ ﭐلۡمُعۡجَمِىِّ”.
وَنَظَرًا لِأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ مَنۡظُومَتَهُ وَحۡدَهَا، دُونَ غَيۡرِهَا، ﭐلَّتِى تَمۡلُكُ مَفَاتِحَ فَهۡمِ ﭐلدِّيِنِ، لِمَا فِيِهَا -عِنۡدَهُ- مِنۡ قَوَاعِدٍ، وَأُسُسٍ، لِفَهۡمٍ ﭐلمُسَمَّيَاتِ، وَﭐلأَلۡفَـٰظِ ﭐلَّتِى جَآءَ بِهَا ﭐلقُرۡءَانُ، مِنۡ مَنۡظُورٍ أَبَوِىٍّ -كَمَا زَعَمَ- فَهُوَ ﭐتِّصَالٌ، لَا تَوَاصُلٍ، لِغِيِابِ ﭐلطَّرَفِ الۡأَبَوِىِّ ﭐلۡمُعۡطِى، وَلِكَوۡنِ ﭐلۡمُعۡطَىٰ قَبۡلَ ﭐلرُّشۡدِ غَيۡرُ مُعۡتَبَرٍ كَمُتَوَاصِلٍ، بَلۡ كَمُتَلَقًّى، لِغِيَـٰبِ إِرَادَةِ ﭐلمُتَلَقِّى. وَكَانَ ﭐلأَوۡلَىٰ لَهُ أَنۡ يُسَمِّيِهَا بِـ: “مَنۡظُومَةِ ﭐلِاتِّصَالِ ﭐلمَعۡرِفِى”، كَمَنۡظُومَةٍ مَرۡجِعِيَّةٍ، مِنۡ صُنۡعِ خَيَالِهِ وَأَوۡهَامِهِ.
فَهُوَ قَدۡ جَهِلَ حَتَّى كَيۡفَ يُسَمِّىَ مَنۡظُومَتَهُ ﭐلمُفۡتَرَاةُ.
3 ـ نَقۡدُ تَسۡمِيَةِ “ﭐلمَعۡرِفِىِّ”.
فَتَسۡمِيَةُ ﭐلمَنۡظُومَةِ بِـ: “مَنۡظُومَةُ ﭐلتَّوَاصُلِ ﭐلمَعۡرِفِىِّ”، حَمَّلَتَ ﭐلِاسۡمَ بِمَحۡدُودِيَّةِ مَنۡظُومَتِهِ، وَجَعَلَهَا تَدُورُ عَلَىٰ ﭐلمَعۡرِفَةِ لَا ﭐلعِلۡمِ، وَحَكَمَ عَلَيۡهَا بِالتَّقَزُّمِ إِزَآءَ ﭐلقُرۡءَانِ.
فَالمَعۡرِفَةُ هِىَ دَرَجَةٌ مَحۡدُودَةٌ مِنۡ دَرَجَـٰتِ ﭐلۡإِدۡرَاكِ، وَجُزۡىِٕيَّاتُهَا سَطۡحِيَّةٌ، وَمُتَغَيَّرِةٌ، وَنِسۡبِيَّةٌ، لِكَوۡنِهَا شَيۡئٌ مُغَايِرٌ لِلعِلۡمِ، ﭐلَّذِى هُوَ مُنۡتَهَىٰ دَرَجَـٰتِ ﭐلۡإِدۡرَاكِ.
وَإِنَّمَا هِىَ مَعۡرِفَةٌ لِلشَّىۡءِ، وَتَمۡيِيِزٌ لَهُ، عَلَىٰ مَا هُوَ عَلَيۡهِ دُوَنَ تَمۡحِيِصٍ، لَا عَلَىٰ حَقِيِقَتِهِ، وَلِذَا تَأتِىَ ﭐلنِّسۡبِيَّةُ، وَﭐلتَّغَيُّرِ بِاعۡتِبَارِهَا أَقۡصَىٰ ﭐلمُتَاحِ لِصَـٰحِبِهَا.
فَالنَّاسُ -مَثَلًا- يَعۡرِفُونَ ﭐلشَّمۡسَ، وَﭐلقَمَرَ، وَﭐلجِبَالَ، وَﭐلدَّوابَّ، يُمَيِّزُونَ بَيۡنَهُم، وَلَا يَعۡلَمُونَهُم، وَإِنَّمَا يَعۡلَمُ عَنۡهُم ﭐلقِلَّةُ مِنَ ﭐلعُلَمَآءِ، كُلٌّ بِحَسَبِ تَخَصُّصِهِ ﭐلعِلۡمِىِّ.
فَالمَعۡرَفِةُ هِىَ ﭐلأَدۡنَىٰ مَقَامًا، مِنَ ﭐلعِلۡمِ، فَكَيۡفَ تَتَحَكَّمُ ﭐلۡمَعۡرِفَةُ فِى ﭐلۡعِلۡمِ، أَوۡ تَكُونُ حَاكِمَةً عَلَيۡهِ، بَينَمَا أَنَّ العِلۡمَ حَاكِمٌ عَلَىٰ ﭐلمَعَارِفِ، وَمُتَسَلِّطٌ عَلَيۡهَا، وَمُغَيِّرٌ لَهَا أَيۡضًا إِذَا مَا اقۡتَضَىٰ ﭐلحَالُ.
وَمِنۡ ثَمَّ؛ فَإِنَّ ﭐلمَعۡرِفَةَ هِىَ بِخِلَافِ ﭐلعِلۡمِ، ﭐلَّذِى يَدُورُ ﭐلقُرۡءَانُ عَلَيۡهِ، كَمَا قَالَ سُبۡحَـٰنَهُ:
“وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَـٰهُ حُكْمًا عَرَبِيًّۭا ۚ وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُم بَعْدَمَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِىٍّۢ وَلَا وَاقٍۢ ﴿٣٧﴾” ﭐلرَّعۡد.
فَمُحَاوَلَةُ ﭐلمَنۡظُومِىُّ تَحۡكِيِمَ ﭐلمَعۡرِفَةِ فِى ﭐلعِلۡمِ تَدُلُّ عَلَىٰ مَوۡقِعِهِ مِنَ ﭐلفَهۡمِ، وَﭐلإِدۡرَاكِ، وَﭐلإِعۡرَابِ – خُصُوصًا وَعُمُومًا-.