◄ التَّرَفُ مِنَ الـ: “تَ رْ ف”، وَالتَرْفُ هُوَ فِعْلُ تَمَحْورٍ عَلَى الذَّاتِ، نَاتِجٌ مِنْ الشُّعُورِ بِالامْتِلآءِ، وَالاسْتِغْنَآءِ، المُؤَثِّرُ عَلَى البَصِيِرَةِ، وَالمُفْسِدُ لَهَا، فَيَصِيِرُ المُتْرَفُ كَالأَعْمَى، لاَ يَرَى مَا أَمَامَهُ، فَيُمْسِكُ بِتَلاَبِيِبِ مَنْ سَلَفَ، وَيُعْرِضُ عَنْ النُّورِ الأَتِى مِنَ اللهِ تَعَالَى، فَيَكْفُرُ، وَيَفْسُقُ، وَيَظْلِمُ، وَيَطْغَى، وَيُوَلِّى مُسْتَكْبِرًا.
تَرَفَ/ مُتْرَفِيِهَا/ مُتْرَفُوهَا/ مُتْرَفِيِهِم/ مُتْرَفِيِن/ أُتْرِفُوا/ أُتْرِفْتُم/ وَأَتْرَفْنَاهُم/
● وَقَدْ جَآءَ لَفْظُ التَّرَفِ بِكِتَابِ اللهِ بِمُشْتَقَّاتِهِ ثَمَانِيَةُ مَرَّاتٍ، كُلُّهَا تَتَحَدَّثُ عَنْ فِئَةٍ مِنَ النَّاسِ لَهَا صِفَاتٌ وَاحِدَةٌ، تَتَكَامَلُ لِتُنْتِجَ شَخْصَ المُتْرَفِ. وَطِبْقًا لِكَوْنِ الإنْسَان قَدْ اخْتَارَ أَنْ يَحَمْلَ الأَمَانَةَ، وَفِى ظِلِّ نَفْخِ الرُوحِ فِيِهِ، وَكَذَلِكَ إرْسَالِ الرِسَالاَتِ إلَيْهِ، فَقَدْ كَانَ مِنَ المُفْتَرَضِ أنْ يَكُونَ هَذَا الإنْسَانُ لِرَبِّهِ شَكُورًا، وَأنْ يَعْتَرِفَ بِنِعَمِ اللهِ عَلَيْهِ، وَعَلَى رَأسِهَا نِعْمَةُ الدِينِ وَالرِسَالَةِ. ألاَّ أنَّ الزَّمَنَ أثْبَتَ عَكْسَ ذَلِكَ، مُبَرْهِنًا عَلَى أَنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ كَفُورٌ. وَمِنْ هُنَا وُجِدَ المُتْرَفُونَ.
● وَالتَرَفُ بِخِلاَفِ الغِنَىَ، فَكَم مِن أغْنِيَآءٍ قالَ اللهُ تَعَالَى فِيِهِم:
“ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَآ أَنفَقُوا مَنًّا وَلَآ أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿٢٦٢﴾“البَقَرَة.
وَإنَّمَا التَرَفُ هُوَ مَرَضٌ سُلُوكِىٌّ، يَنْمُو، وَيُصِيبُ الكَثِيريِنَ مِن أفْرَادِ المُجْتَمَعِ، مِمَّنْ يَجْمَعُهُم الاسْتِعْدَادُ لِلانْحِرَافِ السُلُوكِىّ، وَيَمِيلُونَ إلَى الرَاحَةِ، وَالدَعةِ، وَعَدَمِ الالْتِزَامِ بِأىِّ دَعْوَةٍ تُقَيِّدُ انْحِرَافَهُم، فَيَشِيعُ الفَسَادُ عَلَى أيْدِيهِم، بَعْدَ أنْ مَلأَ الطَمَعُ قُلُوبَهُم، وَيَسْتَشْرِى الظُلْمُ، وَالعُدْوَانُ، بَعْدَ أنْ هَجَرُوا أحْكَامَ اللهِ لَهُم، وَارتَضَوْا أنْ يَسِيرُوا عَلى مَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفَهُم، وَءَابَائَهُم.
.● هَذَا التَرَفُ يَتَسَلَّلُ إلَى جَمِيعِ مَنَاحِى الحَيَاةِ عِنْدَ المُتْرَفِين، وَمِنْ ثَمَّ فَسَيَنْشَأُ عِنْدَهُم دِينُ التَرَفِ البَدِيلِ لِدِينِ اللهِ، وَثَقَافَةُ التَرَفِ، وَاقْتِصَادُ التَرَفِ، وَسِيَاسَاتُ التَرَفِ، وَدُسْتُورُ التَرَفِ، وَقَوَانِينُ التَرَفِ، وَعُلُومِ التَرَفِ، وَجُيُوشُ التَرَفِ، وَتِجَارَةُ التَرَفِ، وَفُنُونُ التَرَفِ، وَفَلْسَفَةُ التَرَفِ، وَمَنْطِقُ التَرَفِ، . . الخ. وَهَكَذَا، لَنْ يُغَادِرَ التَرَفُ أىّ مَنْحْى مِن مَنَاحِى الحَيَاةِ عِنْدَهُم إلاَّ وَسَيَكُونُ قَابِعًا فِيِهِ، وَمُخْتَلِطًا بِهِ، بَل وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ.
أيْضًا فَإِنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ مِنْ أوْجُهٍ قَدْ نَمَا وَتَرَعْرَعَ فِى ظِلِّ التَرَفِ لِيَكُونَ إحْدَى دَعَائِمِهِ، وَلِكَىّ يُشَكِّلَ المُتْرَفُ دَائِرَةً مُغْلَقَةً خَاصَّةً بِهِ، وَيَسْتَقِلَّ بِذَاتِهِ، وَيَسْتَغْنىَ عَنْ كُلِّ مَا سُواهُ، حَتَّى وَلَوْ كَانَ مِنَ اللهِ؛ فَهُوَ قَدْ استَغْنَى عَنِ الجَمِيعِ حَتَّى ظَنَّ أنَّه اسْتَغْنَى عَنِ اللهِ أيْضًا.
وَهَؤُلاَءِ المُتْرَفُونَ مُلْتَصِقُونَ بِالأَرْضِ، وَمُنْقَطِعُونَ عَنِ السَمَاءِ، بَعْدَ أنْ امْتَلأوا بِالأنْسَنَةِ، وَفَرَغُوا مِنَ الرُقِىّ، وَغَرَّتْهُمُ الحَيَوَاةُ الدُنْيَا، وَغَرَّهُم بِاللهِ الغَرُورِ، وَلِذَا نَجِدُ أنَّ كُلَّ الاتِجَاهَاتِ المُنْحَرِفَةِ تَجْتَمِعُ فِى المُتْرَفِين عَلَى اخْتِلاَفِ اتجَاهَاتِهِم، وَتَبَايُنِ انْتِمَائَتِهِم؛ فَالطَاغُوتُ مُتْرَفٌ، وَالمُنَافِقُ مُتْرَفٌ، وَالكَافِرُ مُتْرَفٌ، وَالمُلْحِدُ مَتْرَفٌ، والمُشْرِكُ مُتْرَفٌ، وَهَاجِرُ كِتَابِ اللهِ لأَقْوَالِ الأَبَآءِ مُتْرَفٌ، وَالفَاسِقُ مُتْرَفٌ، وَالمُسْتَغْنٍ عَنِ اللهِ مُتْرَفٌ، . . وَهَكَذَا دَوَالِيك.
وَكَوْنُ المُتْرَفِينَ عَلَى الحَالِ السَّابِقِ لاَ يَعْنِى أنَّهُم شَيْئًا وَاحِدًا، أوْ أنَّهُم يَجْتَمِعُونَ تَحْتَ مَذْهَبٍ فِكْرِىٍّ وَاحِدٍ، أوْ أنَّهُم يُقَاتِلُونَ تَحْتَ رَايَةٍ وَاحِدَةٍ، الخ. بَلْ إِنَّ المُتْرَفَ قَدْ يُقَاتِلُ مُتْرَفًا مِثْلَهُ لاِخْتِلاَفِ المَشَارِبِ والانْتِمَاءَاتِ، أوْ لِتَضَادِّ المَصَالِحِ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا يَدْعُونَا لِتَنَاولِ صِفَاتَ المُتْرَفِينَ كَمَا جَآءت بِكِتَابِ اللهِ، . . . النُور الأَتِى مِنْهُ سُبْحَانَهُ:
◄ قُلْنَا إِنَّ لَفْظَ التَّرَفِ جَآءَ بِكِتَابِ اللهِ بِمُشْتَقَّاتِهِ ثَمَانِيَةُ مَرَّاتٍ، كُلُّهَا تَتَحَدَّثُ عَنْ فِئَةٍ مِنَ النَّاسِ لَهَا صِفَاتٌ وَاحِدَةٌ، تَتَكَامَلُ لِتُنْتِجَ شَخْصَ المُتْرَفِ، وَهَذِهِ الصِّفَاتُ كَالتَّالِى:
1 ـ الكُفْرُ بِالرُسُلِ.
2 ـ الاغْتِرَارُ بِمَا أعْطَاهُ اللهُ لَهُم.
3 ـ اسْتِغْنَائُهُم عَنْ اللهِ.
4 ـ النُّكُوصُ عَنْ كِتَابِ اللهِ وَهَجْرِهِ.
5 ـ التَسَلُّفُ.
6 ـ كُرْهُ الحَقِّ.
7 ـ فَسَادُ المَنْطِقِ.
8 ـ الضَّلاَلُ.
9 ـ الطُّغْيَانُ.
10 ـ الاسْتِكْبَارُ.
وَلِلبَيَانِ:
1 ـ الكُفْرُ بِالرُسُلِ:
فَالكَافِرُ بِأىّ رَسُولٍ مِن رُسُلِ اللهِ مُتْرَفٌ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى:
“وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍۢ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِهِۦ كَـٰفِرُونَ﴿٣٤﴾” سبأ (1).
وَمَا شَجَّعَهُم عَلَى هَذَا الكُفْرِ إلاَّ مَا خَوَّلَهُم اللهُ إيَّاهُم مِن رِزْقٍ وَنِعْمَةٍ، وَهُوَ مَا يَنْقِلُنَا إِلَى الصِفَةِ التَالِيَةِ:
2 ـ الاغْتِرَارُ بِمَا أعْطَاهُ اللهُ لَهُم:
المُغْتَرُّ بِمَا أعْطَاهُ اللهُ لَهُ مُتْرَفٌ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى (تَكْمِلَةً لِلأَيَةِ السَابِقَةِ):
“وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَٰلًا وَأَوْلَـٰدًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴿٣٥﴾ قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿٣٦﴾ وَمَآ أَمْوَٰلُكُمْ وَلَآ أَوْلَـٰدُكُم بِٱلَّتِى تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰٓ إِلَّا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحًا فَأُولَـٰٓئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِى ٱلْغُرُفَـٰتِ ءَامِنُونَ ﴿٣٧﴾” سبأ.
وَهَكَذَا هَلَكَ المُتْرَفُونَ بَعْدَ أنْ اغْتَرُّوا بِنِعَمِ اللهِ عَلَيْهِم، وَظَنُّوا أنّهُم لَمْ يَعُودُوا بِحَاجَةٍ إلَى رَبِّهِم، فَاسْتَغْنَوْا وَطَغُوا، وَهُوَ مَا يَنْقِلُنَا إِلَى الصِفَةِ التَالِيَةِ:
3 ـ اسْتِغْنَائُهُم عَنْ اللهِ:
وَهُوَ مَا ظَهَرَ مِنْ الأَيَاتِ السَّابِقَةِ، وَيَزِيِدُهُ ظُهُورًا قَوْلُهُ تَعَالَى فِيهِم:
“كَلَّآ إِنَّ ٱلْإِنسَـٰنَ لَيَطْغَىٰٓ﴿٦﴾ أَن رَّءَاهُ ٱسْتَغْنَىٰٓ﴿٧﴾” العلق.
وَبِالتَالِى فَإِنَّ مَنْ يَكْفُر بِالرُسُلِ، مُغْتَرًا بِمَا أعْطَاهُ اللهُ لَهُ، وَمُسْتَغْنٍى بِهِ عَمَّن أعْطَاهُ إيَّاهُ، وَمُنْكِرًا أَنْ يُعَذَّبَ، فَلاَ بُدّ وَأَنْ يَنْكُصُ عَنْ كِتَابِ اللهِ، وَهُوَ مَا يَنْقِلُنَا إِلَى الصِفَةِ التَالِيَةِ:
4 ـ النُّكُوصُ عَنْ كِتَابِ اللهِ وَهَجْرِهِ:
فَالهَاجِرُ لِكِتَابِ اللهِ مُتْرَفٌ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى:
” حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْـَٔرُونَ ﴿٦٤﴾ لَا تَجْـَٔرُوا ٱلْيَوْمَ ۖ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ ﴿٦٥﴾ قَدْ كَانَتْ ءَايَـٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰٓ أَعْقَـٰبِكُمْ تَنكِصُونَ﴿٦٦﴾مُسْتَكْبِرِينَ بِهِۦ سَـٰمِرًا تَهْجُرُونَ﴿٦٧﴾ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا ٱلْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلْأَوَّلِينَ﴿٦٨﴾” المؤمنون.
وَذَلِكَ بَعْدَ أنْ كَفَرَ المُتْرَفُونَ الأبَاءُ (الَّذِينَ يُشَكِّلُونَ الطَاغُوتَ) بِالرِسَالَةِ، وَوَضَعُوا البَدِيلَ الَّذِى ارتَضَاهُ الخَلَفُ كَبَدِيلٍ لِكِتَابِ اللهِ:
“وَمَآ أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍۢ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِهِۦكَـٰفِرُونَ﴿٣٤﴾” سبأ.
◄ قُلْنَا إِنَّ المُتْرَفِيِنَ هُم فِئَةٌ مِنَ النَّاسِ لَهَا صِفَاتٌ وَاحِدَةٌ، تَتَكَامَلُ لِتُنْتِجَ شَخْصَ المُتْرَفِ، ذَكَرْنَا مِنْهَا أَرْبَعَةً، وَنَسْتَأنِفُ هَذِهِ الصِّفَاتِ كَالتَّالِى:
5 ـ التَسَلُّفُ:
المُتَسَلِّفُ عَلَى حِسَابِ الكِتَابِ مُتْرَفٌ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى:
“وَكَذَٰلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍۢ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٍۢ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَـٰرِهِم مُّقْتَدُونَ﴿٢٣﴾” الزخرف.
فَهَؤُلاَءِ يُمَثِّلُونَ قُوَى المُعَارَضَةِ لِكُلِّ مَا هُوَ ءَاتٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَالمُكَذِّبُونَ بِرُسُلِ اللهِ، لِيَرْتَضُوا وَيَنْصُرُوا مَا بَيْنَ أيْدِيهِم مِن تُرَاثٍ أبَوِىٍّ، وَبِالتَالِى فَقَدْ اجْتَمَعَ مَع التَسَلُّفِ هَجْر الكِتَابِ، والنُّكُوصِ عَنْهُ.
6 ـ كُرْهُ الحَقِّ:
وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى فِيهِم:
“حَتَّىٰٓ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْـَٔرُونَ ﴿٦٤﴾ لَا تَجْـَٔرُوا ٱلْيَوْمَ ۖ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ ﴿٦٥﴾ قَدْ كَانَتْ ءَايَـٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰٓ أَعْقَـٰبِكُمْ تَنكِصُونَ ﴿٦٦﴾ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِۦ سَـٰمِرًا تَهْجُرُونَ﴿٦٧﴾أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا ٱلْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُم مَّا لَمْ يَأْتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلْأَوَّلِينَ ﴿٦٨﴾ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُۥ مُنكِرُونَ ﴿٦٩﴾ أَمْ يَقُولُونَ بِهِۦ جِنَّةٌۢۚ بَلْ جَآءَهُم بِٱلْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَـٰرِهُونَ﴿٧٠﴾”المُؤَمِنُون.
وَهَل هُنَاكَ حَقٌّ أوْضَحُ مِمَّا جَآءَ بِكِتَابِ اللهِ؟! …وَلَكِنَّهُم يَكْرَهُونَ الحَقَّ، وَكُلَّ مَا يَمُتّ للهِ بِصِلَةٍ، فَضْلاً عَمَا عَرِفْنَاهُ عَنْهُم ـ قَبْلاً ـ مِنْ كُفْرِهِم بَالرُسُُلِ، وَنُكُوصِهِم عَنِ الأَيَاتِ.
7 ـ فَسَادُ المَنْطِقِ:
وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى فِيهِم:
“وَقَالَ ٱلْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَآءِ ٱلْءَاخِرَةِ وَأَتْرَفْنَـٰهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا مَا هَـٰذَآ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ﴿٣٣﴾ وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَـٰسِرُونَ ﴿٣٤﴾ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَابًا وَعِظَـٰمًا أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ ﴿٣٥﴾ ۞ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ﴿٣٦﴾ إِنْ هِىَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴿٣٧﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُۥ بِمُؤْمِنِينَ ﴿٣٨﴾ ” المُؤَمِنُون.
فَنَجِدُ أنَّنَا أمَامَ مَنْطِقٍ فَاسِدٍ مُنْقَطِعِ النَّظِيرِ. فَقَدْ كَفَرُوا بِالرَسُولِ لِكَوْنِهِ بَشَرٌ مِثْلَهُم. وَكَفَرُوا بِالبَعْثِ بِحُجَّةِ اسْتِمْرَارِيَّةِ المَوْتِ وَالحَيَاةِ، وَكَذَلِكَ فَقَدْ سَبَقَ أنْ طَالَعَنا قَوْلِهِم بِصِحَّةِ مَا هُم عَلَيْهِ بِحُجَّةِ أنَّهُم الأَكْثَرُ أوْلاَدًا وَأَمْوَالاً. وَهَكَذَا يَسِيرُ مَنْطِقُهُم عَلَى غَيْرِ هُدَىً، وَبِفَسَادِ اسْتِدْلاَلٍ.
8 ـ الضَّلاَلُ:
وَذَلِكَ لِتَسْمِيَةِ اللهِ لَهُم بِالضَّالِّيِن، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ فِيهِم:
“إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُتْرَفِينَ﴿٤٥﴾ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ ﴿٤٦﴾ وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَـٰمًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴿٤٧﴾ أَوَءَابَآؤُنَا ٱلْأَوَّلُونَ ﴿٤٨﴾ قُلْ إِنَّ ٱلْأَوَّلِينَ وَٱلْءَاخِرِينَ ﴿٤٩﴾ لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَـٰتِ يَوْمٍۢ مَّعْلُومٍۢ﴿٥٠﴾ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضَّآلُّونَ ٱلْمُكَذِّبُونَ﴿٥١﴾ لَءَاكِلُونَ مِن شَجَرٍۢ مِّن زَقُّومٍۢ﴿٥٢﴾ فَمَالِـُٔونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ ﴿٥٣﴾فَشَـٰرِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِ﴿٥٤﴾فَشَـٰرِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ ﴿٥٥﴾ هَـٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ ٱلدِّينِ ﴿٥٦﴾”الوَاقِعَة.
9 ـ الطُّغْيَانُ:
وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى فِيهِم:
“حَتَّىٰٓ إِذَآأَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْـَٔرُونَ ﴿٦٤﴾” المُؤَمِنُون.
إِلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
“۞ وَلَوْ رَحِمْنَـٰهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّۢلَّلَجُّوا فِى طُغْيَـٰنِهِمْ يَعْمَهُونَ﴿٧٥﴾”.
فَاَثْبَتَ لَهُم اللهُ طُغْيَانَهُم الَّذِى لاَ يُفَارِقُونَهُ حَتَّى وَلَوْ عَادُوا.
10 ـ الاسْتِكْبَارُ:
وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى فِيهِم، امْتِدَادًا لِلأَيَاتِ السَّابِقَةِ:
“وَلَقَدْ أَخَذْنَـٰهُم بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ﴿٧٦﴾ حَتَّىٰٓ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا ذَا عَذَابٍۢ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴿٧٧﴾”.
“قَدْ كَانَتْ ءَايَـٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰٓ أَعْقَـٰبِكُمْ تَنكِصُونَ ﴿٦٦﴾ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِۦ سَـٰمِرًا تَهْجُرُونَ﴿٦٧﴾”المُؤَمِنُون.
والصِفَاتُ غَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، وَلَكِنِّى أكْتَفِى بِأَظْهَرِهَا، وَعَلَى مَن يُرِيدُ المَزِيدَ أنْ يُرَتِّلَ الأَيَاتِ، فَهَى نُورٌ مِنَ اللهِ الكَرِيم. أَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَحْفَظَنَا أَنْ نَقَعَ فِى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَلَوْ شَيْئًا قَلِيِلاً.
هَامِش:ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ سَبَقَ وَأَنْ بَيَّنْتَ أنَّ القَرْيَةَ فِي القُرْءَانِ هِيَ المَدِينَةُ الكُبِيْرَةُ، الَّتِي تُمَاثِلُ المَمْلَكَةَ، أَوْ الإِمْبِرَاطُورِيَةَ عِنْدَنَا، وَهِىَ الّتي يُرْسلُ فيها الرُسُلُ، ويطمعُ فِيهَا المُلوكُ.
.
تَحَرَّرَ فِى صَبَاحِ يَوْمِ الجُمُعَة 14/11/2014 سعة 2.06 ص
التَّعْلِيَقَاتُ مَفْتُوحَةٌ