لَم يُنْعِم اللهُ علي الإنسانِ بمثلِ ما أنْعَمَ عليهِ من نِعمةِ القَلْبِ. فَبهِ يَتَفَكَّرُ، ويَتَذَكَّرُ، ويَرْتَقي، ويَنْتَقِي، ويُمَيّزُ، ويختارُ، ويَتَّخذُ القرارَ، ويُحَقِّقُ الخلافةَ، ويَحْمِلُ الأمانةَ، ويتأمَّلُ في ءالاء اللهِ فَيُوَثِّقُ صِلَتَهُ باللهِ، ولولاهُ لكان الإنسانُ لا يزال عاجزًا عن التَلَقِّي والترَقِّي، أو التَعَقُّلِ والتَفَضُّلِ، ولكانَ معَ الوحوشِ يسفكُ ويَقْتُل.
وإذا ما تَحَدّثنا عن القلبِ فنحنُ نَتَحَدّثُ عن العَقلِ (وحْدَةُ الحسابِ، والمَنْطقِ)، المُشْتغلِ بتحليلِ المادّياتِ، والمُخِّ (وحْدَةُ الذاكرةِ، ووظائفِ الأعضاءِ Physiolog)، المُشْتغلِ ـ أيضًا ـ بالمادّيات ولكن بعيدًا عن تَحَكُّمِ الإنسانِ، والفؤادِ (وحْدَةُ العواطفِ، والأحاسيسِ)، المُشْتَغلِ بالمَعْنَوياتِ، والمُخَيّلةِ (وحدةُ التَخَيّلِ، والتَصَوّرِ).
نسْتَطيعُ أنْ نقولَ: إنَّ القَلْبَ هو ـ في الحَقيقةِ ـ جوهرُ الإنسانِ، وكلُّ الأعضاءِ الأُخرى هي فى خدْمَتِهِ، إما بالنقل، أو بالتعبير. فالقَلْبُ هو العضوُّ المُدَبِّرُ، الفاهمُ، الواعيُ، العاقلُ، الحسّاسُ، وهو المهيمنُ على الجسدِ كُلّهِ سواءٌ فى المُختار من الأفعال، أو غير المُختار مِنها، وبقيّةُ الأعضاءِ مُلْحَقةٌ بهِ بالتَبَعيّةِ.
ومحلُّ القَلْبِ هو الصدرُ، أو الرأسُ. وقد جاء القرءانُ بالكثيرِ مِن هذه الحقائقِ، ولكن الناس غفلوا عنها، لمّا هجروا القرءانَ، لأقوالِ البشرِ. وقد تسببَ ذَلِكَ في تشويهِ حقيقةِ القَلْبِ عِنْدَهم، فصارَ القلبُ هو ذَلِكَ العضو الباطني، الصنبوري، القابع فى تجويفِ القفصِ الصدريِِّ، والذي يقومُ بضخِِّ الدمِّ إلى جميع أجزاءِ الجسدِ، وأضْحى الصَدرُ هو ذلك القَفَصُ الصَدْريُ، الّذي يتموقعُ فيهِ القَلْبُ المَضَخّة.
والقَلْبُ لغة: هو داخل الشيئ ولُبَّهُ. . . وللحديثِ بقيّةٍ