.
◄ عِنْدَمَا صَلَّىَ اللهُ تَعَالَى عَلَى النَّاس وَأَرْسَلَ لَهُم أَنْبِيَآءَهُ بِرِسَالاَتِهِ، فَقَدْ زَادَ فِي صَلاَتِهِ بأَنْ أَنْزَلَ مَعَ الكِتَابِ بُرْهَانًا فَوْقَ اسْتِطَاعَةِ البَشَرِ لِيَتَيَقَّنُوا مِنْ أَنَّ هَذِهِ الرِّسَالَةَ الأَتِيَةَ مَعَ الرَّسُولِ هِىَ مِنْ عِنْدِ الخَالِقِ سُبْحَانَهُ، الَّذِي غَيَّرَ قَانُونَ الخَلْقِ فِي “الأَيَةِ البُرْهَانِ” المُصَاحِبَةِ لِلرِّسَالَةِ، كَمَا حَدَثَ فِي يَدِّ مُوسَى، وَعَصَاهُ. وَتَحْويِلِ عِيِسَى الطِّيِنِ لِطَيْرٍ، وَإِبْرَاءِهِ لِلأَكْمَهِ وَالأَبْرَصِ، وَإِحْيَائِهِ لِلمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ، وَهَكَذَا.
● وَبِرَغْمِ هَذِهِ الأَيَاتِ الحَسِّيَّةِ الظَّاهِرَةِ، فَإِنَّ الكَثِيرَ مِمَّنْ عَايَنُوهَا كَذَّبُوا بِهَا، فَمَنَعَ اللهُ تَعَالَى نُزُولِ أَيّ ءَايَاتٍ حَسِّيَّةٍ مُصَاحِبَةٍ لِرِسَالَةِ النَّبِيِّ الخَاتِم مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلاَم؛ وَقَالَ فِي ذَلِكَ:
“وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلْءَايَـٰتِ إِلَّآ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلْأَوَّلُونَ ۚ.. ﴿٥٩﴾” الإسراء.
● وَمِنْ ثَمَّ فَقَدْ بَدَّلَ اللهُ تَعَالَى الأَيَاتِ الحَسِّيَّةِ الَّتِي كَذَّبَ بهَا الأَوَّلُونَ بِأَيَاتٍ مِنْ نَوْعٍ مُخْتَلِفٍ، سَتَسْتَمِرُّ إِلَى نِهَايَةِ الدُّنْيَا، وَهِىَ ءَايَاتُ القُرْءَانِ، لِتَكُونَ هِىَ البُرْهَانُ المُصَاحِبُ لِلرِّسَالَةِ، وَهِىَ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْظُومَةٍ مِنَ الحَقَائِقِ الكَوْنِيَّةِ مَكْنُونَةٍ فِي حِجَابِ الزَّمَنِ، لاَ يَسْتَطِيعُ كَائِنًا مَنْ كَانَ مِنَ المَخْلُوقِينَ أَنْ يَصِلَ إِلَى مَعْرِفَتِهَا كُلِّهَا، وَإِدْرَاكِهَا فِي زَمَنِهِ. وَإِنَّمَا سَيَصِلُ كُلُّ عَصْرٍ وَكُلُّ جِيلٍ إِلَى مَعْرِفَةِ بَعْضِهَا بِحَسْبِ مَا تَكُوَّنَ لَهُ مِنْ قَاعِدَةٍ عِلْمِيَّةٍ بِمُرُورِ الزَّمَنِ، وَبِالتَّرَاكُمِ الزَّمَنِيِّ، وَمِنْ خِلاَلِ تَطْويرِ وَسَائِلِ الإِدْرَاكِ وَالبَحْثِ، كَالمَيكرُوسكوبَاتِ وَالمَنَاظِيرِ، وَالتِّليسْكُوبَاتِ، وَأَدَواتِ المَعَامِلِ، . . الخ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَعْتَمِدُ عَلَى عُنْصر الزَّمَنِ.
وَبِذَلِكَ نَفْهَمُ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى:
“الٓر ۚ تِلْكَ ءَايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ وَقُرْءَانٍۢ مُّبِينٍۢ ﴿١﴾” الحِجْر.
“طسٓ ۚ تِلْكَ ءَايَـٰتُ ٱلْقُرْءَانِ وَكِتَابٍۢ مُّبِينٍ ﴿١﴾” النَّمْل.
بِأَنَّ الكِتَابَ الَّذِى بَيْنَ أَيْدِيِنَا فِيِهِ ءَِايَاتٌ هِىَ ءَايَاتُ الكِتَابِ، وَأُخَرُ هِىَ ءَايَاتُ القُرْءَانِ، وَالأَخِيِرَةُ بُرْهَانٌ لِلأُولَى.
وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
“..مُصَدِّقًۭا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ.. ﴿٩٧﴾” البَقَرَة.
“وَٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ هُوَ ٱلْحَقُّ مُصَدِّقًۭا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ۗ.. ﴿٣١﴾” فَاطِر.
وَهِىَ ءَايَاتُ القُرْءَانِ.جَآءَت مُصَدِّقَةٌ لِمَا فِى الكَوْنِ مِنْ حَقَائِقٍ عِلْمِيَّةٍ تُكْتَشَفُ أَوَّلاً بِأَوَّلٍ، فَيَجِدُوا أَنَّ القُرْءَانَ يُصَدِّقُهَا.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ:
“وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقًۭا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ .. ﴿٤٨﴾” المَائِدَة.
وَهِىَ ءَايَاتُ الكِتَابِ، جَآءَت مُصَدِّقَةٌ لِمَا أَنْزَلَهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ كُتُبٍ عَلَى رُسُلِهِ مِنْ قَبْل .