◄ الشِّرْعَةُ ـ بِسِكُونِ الرَّآءِ ـ مِنَ “شَ رْ ع”، وَهِىَ الظَّاهِرُ مِنَ الدِّيِنِ، وَالمُؤَدِّى لِلإِسْلاَمِ فِيِمَنْ قَبْلَنَا:
شَرَعَ/ شِرْعَةً/ شَرَعُوا/ شَرِيعَةٍۢ/ شُرَّعًا/
● وَقَدْ جَآءَت كَلِمَةُ “شَ رَ عَ” بِمُشْتَقَّتِهَا فِى القُرْءَانِ خَمْسَ مَرَّاتٍ، كَالتَّالِى:
“..تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا..“، “..شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ..“، “..جَعَلْنَـٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍۢ..“، “شَرَعُوا لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ“، “شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا“.
فَقَرْيَةُ بَنِى إِسْرَائِيِل كَانَت حِيِتَانُهَا تَأْتِيِهَا يَوْمَ سَبْتِهِم شُرَّعًا، ظَاهِرَةً، يَرَوْنَهَا بِلاَ خَفَآءٍ:
“وَسْـَٔلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِى ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ…﴿١٦٣﴾” الأَعْرَاف.
● وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ شَرَعَ لَنَا مِنَ الدِّيِنِ مَا شَرَعَهُ لِمَنْ قَبْلَنَا مِنَ الأُمَمِ؛ أَنْ نُقِيِمَ الدِّيِنَ، وَلاَ نَتَفَرَّقَ فِيِهِ، فَنَكُونَ مِنَ المُشْرِكِيِنَ الَّذِيِنَ فَرَّقُوا دِيِنَهُم وَكَانُوا شِيَعًا:
“۞ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِمَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحًا وَٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِۦٓ إِبْرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓ ۖ أَنْ أَقِيمُوا ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ۚ ٱللَّهُ يَجْتَبِىٓ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِىٓ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ ﴿١٣﴾” الشُّورَى.
وَبِنَبْذِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُفَرِّقَ النَّاسَ وَيَلْبِسَهُم شِيَعًا، يَكُونُ النَّاسُ عَلَى شَرِيِعَةٍ مِنَ الأَمْرِ بِكِتَابِ رَبِّهِم، خَالِصٌ فِيِهَا أَمْرُ رَبِّهِم لَهُم بِالفِعْلِ وَعَدَمِهِ.
.
● وَقَدْ جَآءَت كَلِمَةُ: “شِرْعَة”، وَكَلِمَةُ: “شَرِيِعَة”، مَرَّةً وَاحِدَةً لِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَالفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الشِّرْعَةِ، جَآءَ ذِكْرُهَا ضِمْنَ مَا شُرِعَ لِمَنْ غَبَرَ، عَلَى الإِجْمَالِ، فَلاَ نَعْرِفُ عَمَّا سَبَقَ، إِلاَّ أَنَّهَا تُمَاثِلُ مَا بَيْنَ أيْدِيِنَا، وَقَدْ جَآءَ ذُكْرُهَا كَالتَّالِى:
“وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ ۚ لِكُلٍّۢ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَآ ءَاتَىٰكُمْ ۖ فَٱسْتَبِقُوا ٱلْخَيْرَٰتِ ۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴿٤٨﴾” المَائِدَة.
أَمَّا الشَّرِيِعَةُ فَهِىَ مَبْسُوطَةٌ، دَخَلَت عَلَيْهَا اليَآءُ، فَبَسَطَتْهَا، وَبَيَّنَت أَنَّهَا تَحْتَ اليَدِ، يُطَالِعُهَا مَنْ يَشَآءُ، وَلِذَا فَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى أَنَّهَا هِىَ الَّتِى عَلَيْهَا النَّبِىُّ، وَعَلَيْهَا المُسْلِمُونَ فِى كُلِّ زَمَانٍ، فَقَالَ:
“ثُمَّ جَعَلْنَـٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍۢ مِّنَ ٱلْأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا…﴿١٨﴾” الجَاثِيَة.
● وَالشَّارِعُ هُوَ اللهُ تَعَالَى، وَلاَ يَكُونُ إِلاَّ اللهُ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ؛ وَلِذَا قَالَ:
“شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِمَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحًا وَٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ..﴿١٣﴾“.
مُسْتَنْكِرًا أَنْ يَشَرَعَ غَيْرَهُ سُبْحَانَهُ:
“أَمْ لَهُمْ شُرَكَـٰٓؤُا شَرَعُوا لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنۢ بِهِ ٱللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿٢١﴾” الشُّورَى.
وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ شَرَعَ مِنَ الدِّينِ، أَى: مَا شَرَعَهُ مِنْ أَوَامِرٍ بِالفِعْلِ وَعَدَمِهِ، وَلَمْ يُبْهِم اللهُ هُنَا مَا ضَمَّنَهُ فِيِمَا وَصَّى بِهِ نُوحًا، وَإِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى، وَعِيِسَى، وَمَا أَوْحَاهُ إِلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ:
“…أَنْ أَقِيمُوا ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ..﴿١٣﴾” الشُّورَى.
وَالتَّفَرُّقُ فِى الدِّيِنِ يَكُونُ بِالشِّرْكِ فِيِمَا ءَاتَاهُم، كَمَا قَالَ:
“…وَلَا تَكُونُوا مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴿٣١﴾ مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُوادِينَهُمْوَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴿٣٢﴾” الرُّوم.
وَلِذَا قَالَ فِى نَفْسِ الأَيَةِ: “كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ“. مُبَيِّنًا سُبْحَانَهُ أَنَّ رَسُولَهُ لَيْسَ مِنْ هَؤُلآءِ فِى شَيْءٍ مَمَّا أَحْدَثُوهُ مِنْ تَفَرُّقٍ فِى الدِّيِنِ، وَتَشَيُّعٍ إِلَى مَذَاهِبٍ وَفِرَقٍ؛ فَقَالَ:
“إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْوَكَانُوا شِيَعًالَّسْتَ مِنْهُمْ فِى شَىْءٍ ۚ…﴿١٥٩﴾” الأَنْعَام.
وَبِالتَّالِى فَإِنَّ المُؤِمِنَ يَجِدُ فِى كِتَابِ رَبِّهِ الغِنَى عَنْ كُلِّ مَا عَدَاهُ، وَلاَ يَذْهَبَ لِيَتَسَوَّلَ شَيْئًا مِنْ هُنَا أَوْ هُنَاكَ لِيُلْبِسَهُ ثَوْبَ الحَقِّ مُفْتَرِيًا عَلَى اللهِ الكَذِبَ بِأَنَّ كَذَا أُوْ كَذَا يُوافِقُ مَا شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى فِى كِتَابِهِ. وَمَنْ لاَ يُكْفِيِهِ كِتَابُ رَبِّهِ، فَالأَخِرَةُ مَوْعِدُهُ، لَنْ يُخْلَفَهُ، وَمَا أَقْرَبُهَا.
ثُمَّ إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ فِى كِتَابِهِ أَنَّ مَا يَعْصِمَ مِنْ التَّفَرُّقِ فِى الدِّيِنِ هُوَ كِتَابَهُ أَيْضًا؛ فَقَالَ:
“وَٱعْتَصِمُوا بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ..﴿١٠٣﴾” ءَال عِمْرَان.
وَهَذِهِ الشَّرِيِعَةُ هِىَ مِنَ الأَمْرِ، وَالأَمْرُ هُوَ نِظَامُ التَسْيِيِرِ لِلمَخْلُوق، وَكِلاَهُمَا (الخَلْقُ وَالأَمْرُ) يُلَخِّصَا الوُجُودَ:
“أَلَا لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿٥٤﴾” الأَعْرَاف.
◄ وَالمِنْهَاجُ ـ بِسِكُونِ الهَآءِ ـ مِنَ “نَ هْـ ج”، وَهُوَ البَاطِنُ مِنَ الدِّيِنِ، وَالمُؤَدِّى للإِيِمَانِ:
“وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَـٰبِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ ۚ لِكُلٍّۢ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَآ ءَاتَىٰكُمْ ۖ فَٱسْتَبِقُوا ٱلْخَيْرَٰتِ ۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴿٤٨﴾” المَائِدَة.
فَالشَرِيِعَةُ تُحْكِمُ ظَاهِرَ المُسْلِمِ وَجَوَارِحَهُ، حُدُودًا وَأَحْكَامًا، وَالنَّهْجُ يُحْكِمُ بَاطِنَ المُسْلِمِ وَقَلْبِهِ، حِكْمَةً، وَفُرْقَانًا.
الجُمْعَةُ 26/9/2014 10:37 ص