◄ النُّشُوزُ مِنَ النَّشْزِ: “نَ شْ ز”، وَهُوَ الالتِئِامُ، وَالانْضِمَامُ، وَالتَّجَمُّعُ. وَهُوَ التَّقَارُبُ.
نُنشِزُهَا/ ٱنشُزُوا/ فَٱنشُزُوا/ نُشُوزَهُنَّ/ نُشُوزًا
يَقُولُ تَعَالَى:
“…وَٱنظُرْ إِلَى ٱلْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ۚ…﴿٢٥٩﴾” البَقَرَة.
فَالعِظَامُ هُنَا التَأَمَت، وَاجْتَمَعَت، وَتَقَارَبَت لِبَعْضِهَا بِتَرْتِيِبٍ، لِتَعُودَ إِلَى سِيِرَتَهَا الأُولَى. وَبِالتَّالِى فَقَدْ صَارَت مُؤَهَّلَةً لِتُكْسَى لَحْمًا. فَنُّشُوزُ العِظَامِ هُنَا هُوَ لَمْلَمَةُ العِظَامِ وَتَجْمِيِعِهَا، لِتَكُونَ عَلَى تَرْتِيِبِ خِلْقَتِهَا الأُولَى.
● كَذَلِكَ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى:
“يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِى ٱلْمَجَـٰلِسِ فَٱفْسَحُوا يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ ۖ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُوا فَٱنشُزُوا…﴿١١﴾” المُجَادِلَة.
نَجِدُ اَنَّ النَّشْزَ هُوَ بِعَكْسِ التَّفَسُّحِ، وَهُوَ لَمْلَمَةُ المَجْلِسِ وَضَمُّهُ لِبَعْضِهِ البَعْضَ.
فَإِذَا كَانَ النُّشُوزُ هُوَ الَّلمْلَمَةُ، وَالاجْتِمَاعُ، وَالتَّقَارُبُ، وَالاِلتِئَامُ، فَكَيْفَ يَكُونُ شَيْئًا مَمجُوجًا فِى الحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ، حَتَّى أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَدَخُّلٍ، وَإِصْلاحٍ، مِنَ الزَّوْجَةِ، وَالأَهْلِ، وَإِلَى عِظَةٍ، وَهَجْرٍ بِالمَضَاجِعِ، وَضَرْبٍ مِنَ الزَّوْجِ، وَتَدَخُّلٍ مِنَ الأَهْلِ أَيْضًا؟!
أَلَيْسَ هُوَ تَقَارُبٌ، وَدُنُوٌّ؟
كَذَلِكَ فَإِنَّنَا نُلاَحِظُ أَنَّ هُنَاكَ اخْتِلاَفًا وَاضِحًا بَيْنَ مُعَالَجَةِ النُّشُوزَيْنِ. فَاَحَدُهُمَا تَطَلَّبَ الصُّلْحَ، وَالأَخَرُ تَطَلَّبَ العِظَةَ، وَالهَجْرَ فِى المَضَاجِعِ، وَالضَّرْبَ (بِالمَعْنَى الَّذِى سَنِصِلُ إِلَيْهِ نِهَايَةً)، فَمَا السَّبَبُ فِى الاخْتَلاَفِ بَيْنَ المَوْضِعَيْنِ؟!
وَلنَبْدَأَ بِبَيَانِ مَعْنَى نُشُوزِ الزَّوْجِ، وَالإِجَابَةِ عَلَى كُلِّ مَا سَبَقَ مِنْ أَسْئِلَةٍ.
● نَأتِى إِلَى النُّشُوزِ فِى العِلاَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ، لِنَجِدَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى:
“وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِنۢ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا ۚ وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ ۗ وَأُحْضِرَتِ ٱلْأَنفُسُ ٱلشُّحَّ ۚ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴿١٢٨﴾” النِّسَآء.
“…وَٱلَّـٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴿٣٤﴾” النِّسَآء.
● فَإِذَا مَا نَظَرْنَا إِلَى نَصِّ الأَيَةِ 128 مِنْ سُورَةِ النِّسَآءِ، فِسَنَجِدُ أَنَّهَا خَاصَّةٌ بِنُشُوزِ الرَّجُلِ، وَقَدْ جَآءَ فِيِهَا:
“وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِنۢ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا …﴿١٢٨﴾” النِّسَآء.
فَنَجِدُ أَنَّ النُّشُوزَ هُوَ ـ كَمَا أَسْلَفْنَا ـ لَمْلَمَةٌ، وَتَقَارُبٌ، جَعَلَ الرَّجُلَ يَتَقَارَبَ، وَيَتَّجَهَ إِلَى وَاحِدَةٍ مِنْ نِسَآءِهِ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى حِسَابِ أُخْرَى، والبَعْلُ ـ كَمَا عَرَّفْنَاهُ سَابِقًا ـ هُوَ الزَّوْجُ المُنْقَطِعُ جِنْسِيًّا عَنْ زَوْجِهِ سَوَآءٌ بِطَلاَقٍ، أَوْ بِإِيِلآَءٍ، أَوْ بِمَرَضٍ، أَوْ لِكِبَرٍ. وَهُوَ هُنَا لَيْسَ وَاحِدًا مِمَّا سَبَقَ، فَانْقِطَاعُهُ ذَلِكَ جَعَلَ الخَوْفَ يَتَسَرَّبُ إِلَى الزَّوْجَةِ، أَنْ يَكُونَ الزَوْجُ بِصَدَدِ عِلاَقَةٍ تُغْنِيِهِ عَنْهَا، أَوْ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهَا بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ غَيْرِهَا، فَتَطَلَّبَ الأَمْرُ الصُّلْحَ بَيْنَهُمَا. وَقَدْ جَآءَت الأَيَاتَان التَّالِيَتَان وَفِيِهِمَا:
“وَلَن تَسْتَطِيعُوٓا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ۖ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ ٱلْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ ۚ وَإِن تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴿١٢٩﴾ وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِۦ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعًا حَكِيمًا ﴿١٣٠﴾” النِّسَآء.
● فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ سَبَبَ النُّشُوزِ هُوَ مَيْلُ الزَّوْجِ عَنْ زَوْجِهِ المَعْنِيَّةِ هُنَا، لِغَيْرِهَا مِنْ نِسَآئِهِ، مَا جَعَلَهُ بَعْلاً لَهَا، وَمَا جَعَلَهَا تَخَافُ أَنْ يَسْتَمِرَّ ذَلِكَ وَيَتَفَاقَمَ. وَلِذَا فَقَدْ أَمَرَهُ اللهُ تَعَالَى بِعَدَمِ المَيْلِ كُلَّ المَيْلِ، دَاعِيًا إِيَّاهُ إِلَى الإِصْلاَحِ، وَالتَّقْوَى، فَإِنْ اسْتَخْدَمَ الزَّوْجُ حَقَّهُ وَطَلَّقَ وَتَفَرَّقَا فَسَيُغْنِىَ اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ.
فَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ نُشُوزُ الزَّوْجِ، فَكَيْفَ يَكُونُ نُشُوزُ الزَوْجَةِ؟!
● قُلْنَا إِنَّ نُشُوزَ الرَّجُلِ هُوَ مَيْلُهُ عَنْ زَوْجٍ إِلَى أُخْرَى. وَكَذَلِكَ فَإِنَّ نُشُوزَ المَرْأَةِ هُوَ مَيْلُهَا عَنِ الزَّوْجِ ـ ظَاهِرِيًّا ـ لِغَيْرِهِ، وَلَكِنَّ النُّشُوزَ هَذَا لاَ يَصْلُحَ بِيْنَ الزَّوْجَيْنِ إِذَا مَا كَانَ المَيْلُ مِنَ الزَّوْجَةِ، لِغَيْرِ الزَّوْجِ، لإِنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِزَوَاجٍ، قَائِمٍ، وَلاَ تَعَدُّدَ لَهَا، بِعَكْسِ الزَّوْجِ، وَمِنْ هُنَا جَآءَ النُّشُوزُ مِنَ الزَّوْجَةِ مَذْمُومٌ، وَتَطَلَّبَ حِزْمَةً مِنَ الإِجْرَاءَاتِ مَعًا، وَلَيْسَ بِتَدَرُّجٍ كَمَا يَفْتِرِىَ المُفْتَرُونَ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَعِظَ الزَّوْجُ زَوْجَهُ، مُذَكِّرًا إِيَّاهَا بِخَطَأِ مَا هِىَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهَا لاَ زَالَت فِى اسْتِحْقَاقِ زَوَاجٍ قَائِمٍ، إِضَافَةً لِهَجْرِهَا فِى المَضْجَعِ (وَهُوَ عَقْلِىٌّ)، مَعَ ضَرْبِهَا. وَهِىَ تَسْتَحِقُّ كُلَّ ذَلِكَ؛ فَكَيْفَ تَتَقَارَبُ، وَتَتَّجِهُ إِلَى غَيْرِ الزَّوْجِ وَهِى لاَ تَزَالُ زَوْجَتُهُ؟
وَالسُّؤَالُ اللاَزِمُ هُنَا، هُوَ:
كَيْفَ يَكُونُ الضَّرْبُ فِى هَذِهِ الحَالَةِ، وَمَا هِىَ فَائِدَتُهُ؟!
وَلِلإِجَابَةِ عَلَى السُّؤَالِ فَلاَبُدَّ مِنَ الانْتِبَاهِ إِلَى الأَتِى:
أَنَّ الضَّرْبُ لَيْسَ ـ كَمَا أُشِيِعَ ـ صَفْعٌ وَرَكْلٌ، أَوْ عَلْقَةٌ تُضْرَبُهَا الزَّوْجَةُ، وَلاَ عِلاَقَةَ لَهُ بِالضَّرْبِ المَعْرُوفِ للعَوَامِ، عَلَى تَفْصِيِلٍ فِى كَلِمَة: “ضَرْب”.
.
نُشِرَ فِى يَوْمِ الخَمِيِسِ 9/10/2014 سَعَت: 3.11.25 ص