“۞ وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ ﴿٥٧﴾ وَقَالُوٓا۟ ءَأَالِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ۚ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًۢا ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴿٥٨﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَـٰهُ مَثَلًۭا لِّبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ﴿٥٩﴾ وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَـٰٓئِكَةًۭ فِى ٱلْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ﴿٦٠﴾ وَإِنَّهُۥ لَعِلْمٌۭ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِ ۚ هَـٰذَا صِرَٰطٌۭ مُّسْتَقِيمٌۭ ﴿٦١﴾“.
.
◄ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: “وَإِنَّهُۥ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ“، يَبْدَأُ مِنْ بِدَايَةِ السُّورَةِ، إِذْ يَقُولُ اللهُ تَعَالَى:
“حمٓ ﴿١﴾ وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ ﴿٢﴾ إِنَّا جَعَلْنَـٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿٣﴾ وَإِنَّهُۥ فِىٓ أُمِّ ٱلْكِتَـٰبِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ ﴿٤﴾” الزُّخْرُف.
.
● فَبَدَأَ سُبْحَانَهُ بِالكَلاَمِ عَنِ القُرْءَانِ، ثُمَّ سَارَ نَهْجُ السُّورَةِ عَلَى التَّنَقُّلِ مَا بَيْنَ المَواضِيِعِ ثُمَّ العَوْدَةِ لِلقُرْءَانِ مَرَّةً أُخْرَى، فَبَدَأَ سُبْحَانَهُ مِنَ الأَيَة رَقْمِ “5” فِى الكَلاَمِ عَنْ قَوْمِ الرَّسُولِ، وَعَادَ لِلكَلاَمِ عَنْ القُرْءَانِ مَرَّةً أُخْرَى فِى الأَيَةِ “31”:
“وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانُ عَلَىٰ رَجُلٍۢ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴿٣١﴾” الزُّخْرُف.
.
● ثُمَّ عَادَ الكَلاَمُ مَرَّةً أُخْرَى عَنْ قَوْمِ الرَّسُولِ حَتَّى انْتَقَلَ لِذِكْرِ القُرْءَانِ مَرَّةً أُخْرَى فِى الأَيَةِ “43، 44”:
“فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِىٓ أُوحِىَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ ﴿٤٣﴾ وَإِنَّهُۥ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْـَٔلُونَ ﴿٤٤﴾” المَائِدَة.
.
● ثُمَّ عَادَ الكَلاَمُ مَرَّةً أُخْرَى لِلخِطَابِ مَعَ الرَّسُولِ، عَنْ مُوسَى ـ عَلَيْهِمَا السَّلاَم ـ وَقَوْمِهِ، حَتَّى الأَيَةِ “56”، ثُمَّ انْتَقَلَ لِلكَلاَمِ عَنْ عِيِسَى، ثُمَّ انْتَقَلَ فِى الأَيَةِ “60” لِلكَلاَمِ عَلَى مَشِيِئَةِ جَعْلِ مَلاَئِكَةٍ مِنَ النَّاسِ يَخْلُفُونَ، ثُمَّ انْتَقَلَ لِذِكْرِ القُرْءَانِ مَرَّةً أُخْرَى فِى الأَيَةِ “61”، فَقَالَ عَنِ القُرْءَانِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ:
“وَإِنَّهُۥ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِ ۚ هَـٰذَا صِرَٰطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴿٦١﴾” الزُّخْرُف.
فَظَنَّ مَنْ انْقَطَعَ عَنْ سِيَاقِ ءَايَاتِ السُّورَةِ أَنَّ عِيِسَى هُوَ المَقْصُودُ بِأَنَّهُ عِلْمٌ لِلسَّاعَةِ، وَأَنَّ هَذَا يَخْدِمُ مَسْأَلَةَ عَوْدَتِهِ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى الدُّنْيَا، فَقَصَرُوا الخِطَابَ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: “فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا“، عَلَى مَنْ سَيَكُونُونَ مَوْجُودِيِنَ عِنْدَ قِيَامِ السَّاعَةِ وَعَوْدَتِهِ الوَهْمِيَّةِ فَقَط. وَهُوَ ظَاهِرُ الفَسَادِ، وَإِنَّمَا الَّذِى هُوَ عِلْمٌ لِلسَّاعَةِ ــ فَقَط ــ هُوَ ذِكْرُ اللهِ الَّذِى يُخْبِرُ النَّاسَ بِمَا هُوَ ءَاتٍ، وَفِى الغَيْبِ، بِعِلْمٍ، وَبِتَفْصِيِلٍ يَنْفَعُهُم فِى حَيَاتِهِم، وَلِذَا رَتَّبَ عَلَيْهِ اتِّبَاعِ الرَّسُولِ فِيِمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنَ الكِتَابِ تَمَشِّيًا مَعَ نَمَطِ السُّورَةِ مِنْ أَوَّلِهَا، كَمَا ذَكَرْتُ.
وَلِذَا فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى بَعْدَهَا بِخَمْسِ ءَايَاتٍ:
“هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةًوَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴿٦٦﴾” الزُّخْرُف.
.
ثُمَّ أَخَذَ سُبْحَانَهُ يُعَدِّدُ فِيِمَا سَيَحْدُثُ عِنْدَ السَّاعَةِ، وَمَا بَعْدَهَا، بَدْءًا مِنَ الأَيَةِ التَّالِيَةِ، وَعَلَى مَدَى خَمْسَةِ عَشْرَةِ ءَايَةٍ؛ فَقَالَ:
“هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿٦٦﴾ ٱلْأَخِلَّآءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلْمُتَّقِينَ ﴿٦٧﴾ يَـٰعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلَآ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ ﴿٦٨﴾ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا بِـَٔايَـٰتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ﴿٦٩﴾ ٱدْخُلُوا ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَٰجُكُمْ تُحْبَرُونَ ﴿٧٠﴾ يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍۢ مِّن ذَهَبٍۢ وَأَكْوَابٍۢ ۖ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلْأَنفُسُ وَتَلَذُّ ٱلْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ ﴿٧١﴾ وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِىٓ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٧٢﴾ لَكُمْ فِيهَا فَـٰكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿٧٣﴾ إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِى عَذَابِ جَهَنَّمَ خَـٰلِدُونَ ﴿٧٤﴾ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴿٧٥﴾ وَمَا ظَلَمْنَـٰهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوا هُمُ ٱلظَّـٰلِمِينَ﴿٧٦﴾ وَنَادَوْا يَـٰمَـٰلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ۖ قَالَ إِنَّكُم مَّـٰكِثُونَ ﴿٧٧﴾ لَقَدْ جِئْنَـٰكُم بِٱلْحَقِّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَـٰرِهُونَ ﴿٧٨﴾ أَمْ أَبْرَمُوٓا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ﴿٧٩﴾أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَىٰهُم ۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴿٨٠﴾” الزُّخْرُف.
.
ثُمَّ بَدَأَ سُبْحَانَهُ فِى الكَلاَمِ عَنْ نَفْسِهِ تَعَالَى مِنَ الأَيَةِ التَّالِيَةِ، وَحَتَّى الأَيَةِ “85”، وَعَلَى مَدَى خَمْسَةِ ءَايَاتٍ، فَقَالَ:
“قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلْعَـٰبِدِينَ ﴿٨١﴾ سُبْحَـٰنَ رَبِّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴿٨٢﴾ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّىٰ يُلَـٰقُوا يَوْمَهُمُ ٱلَّذِى يُوعَدُونَ ﴿٨٣﴾ وَهُوَ ٱلَّذِى فِى ٱلسَّمَآءِ إِلَـٰهٌ وَفِى ٱلْأَرْضِ إِلَـٰهٌ ۚ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْعَلِيمُ ﴿٨٤﴾ وَتَبَارَكَ ٱلَّذِى لَهُۥ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُۥ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٨٥﴾” الزُّخْرُف.
لِيَخْتِمَ اللهُ تَعَالَى السُّورَةِ بَعْدَهَا بِخَمْسِ ءَايَاتٍ، عَنِ الَّذِيِنَ لاَ يُؤْمِنُونَ.
وَلِعَلَّنَا لاَحَظْنَا فِى الأَيَةِ رَقْمِ “85”، قَوْلَهُ تَعَالَى:
“وَعِندَهُۥ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ…﴿٨٥﴾” الزُّخْرُف.
.
● فَالَّذِى عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِسُبْحَانَهُ، قَدْ اسْتَوْدَعَ مِنْهُ فِى كِتَابِهِ الكَرِيِم عِلْمٌ لِلسَّاعَةِ، حَيْثُ جَآءَ ذِكْرُ السَّاعَةِ بِالقُرْءَانِ 39 تِسْعَةٌ وَثَلاَثِيِنَ مَرَّةٍ.
.
◄ وَبِالتَّالِى نَسْتَطِيِعَ أَنْ نَفْهَمَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ تَحَدَّثَ عَنِ القُرْءَانِ فِى سُورَةِ الزُّخْرُفِ فَقَالَ:
“حمٓ ﴿١﴾ وَٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ ﴿٢﴾ إِنَّا جَعَلْنَـٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّۭا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴿٣﴾ وَإِنَّهُۥ فِىٓ أُمِّ ٱلْكِتَـٰبِ لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ ﴿٤﴾“.
“وَقَالُوا۟ لَوْلَا نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانُ عَلَىٰ رَجُلٍۢ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴿٣١﴾ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍۢ دَرَجَـٰتٍۢ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًۭا سُخْرِيًّۭا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌۭ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴿٣٢﴾“.
“وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُۥ شَيْطَـٰنًۭا فَهُوَ لَهُۥ قَرِينٌۭ ﴿٣٦﴾“.
“فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِىٓ أُوحِىَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ ﴿٤٣﴾ وَإِنَّهُۥ لَذِكْرٌۭ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْـَٔلُونَ ﴿٤٤﴾“.
“وَإِنَّهُۥ لَعِلْمٌۭ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِ ۚ هَـٰذَا صِرَٰطٌۭ مُّسْتَقِيمٌۭ ﴿٦١﴾ وَلَا يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ ۖ إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوٌّۭ مُّبِينٌۭ ﴿٦٢﴾“.
.
تَحَرَّرَ فِى يَوْمِ الأَرْبَعَآء 1/10/2014 السَّاعَة: 3.11 م