اللهُ الرَّحِيِمُ سُبْحَانَهُ

ٱلرَّحِيمُ: هُوَ اسْمُ اللهِ تَعَالَي الَّذي يُشِيرُ إلَى جَانِبِ الرَّحْمَةِ المُصَاحِبَةِ لِلقُدْرَةِ وَالقُوَّةِ، وَالسَيْطَرَةِ، وَالتَقْدِيرِ، وَالتَدْبِيرِ، وَالعِزّةِ . . الخ. وَهُوَ مُشَارٌ إلَيهِ بالاِلتِصَاقِ باسْمِ الرَّحْمَانِ ليُظْهِرَ التَوَازُنَ الَّذِى أرَادَ اللهُ تَعَالَى أنْ يُظْهِرَهُ لِنَفْسِهِ تَعَالَى. وَلَوْ طَالَعنَا ءَايَاتِ الكِتَابِ فَسَنَعْرفُ شَيْئًا عَن هَذا التَوَازُن، كَقْولِهِ تَعَالَى:

ٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ وَأَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ ﴿٩٨﴾المائدة.

… إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٌۭ رَّحِيمٌۢ ﴿١٦٥﴾الأنعام.

نَبِّئْ عِبَادِىٓ أَنِّىٓ أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴿٤٩﴾ وَأَنَّ عَذَابِى هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلْأَلِيمُ ﴿٥٠﴾الحجر.

وَنُلاَحِظُ أَنَّ كُلَّهُ يَجِيِءُ عَلَى نَفْسِ مِنْوَالِ: “ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ”، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ عَرِفْنَا المَعْنَى الصَّحِيِحَ لاسْمِ ٱلرَّحْمَـٰنُ.

.

وَالرَّحْمَةُ مِنْهَا مَا هُوَ عَامٌّ فَى الدُّنْيَا، لِتَسْيِيِرِ وَتَيْسِيِر حَيَاةِ المَخْلُوقِ، وَجَبْرِ ضَعْفِهِ بِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَيَ بِسُورَةِ القَصَصِ:

وَمِن رَّحْمَتِهِۦ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا۟ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا۟ مِن فَضْلِهِۦ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿٧٣﴾“.

وَهُوَ ٱلَّذِىٓ أَرْسَلَ ٱلرِّيَـٰحَ بُشْرًۢا بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِۦ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءًۭ طَهُورًۭا ﴿٤٨﴾الفُرْقَان.

وَمِنْهَا مَا هُوَ خَاصٌّ، فِى الدُّنْيَا وَالأَخِرَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَيَ:

يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِۦ مَن يَشَآءُ ۗ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ ﴿٧٤﴾ءَالَ عِمْرَان.

ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ مُبَيِّنًا حُدُودِ هَذِه الرَّحْمَةِ الخَاصَّةِ:

..قَالَ عَذَابِىٓ أُصِيبُ بِهِۦ مَنْ أَشَآءُ ۖ وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْءٍۢ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِـَٔايَـٰتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴿١٥٦﴾الأعراف.

وَقَدْ فَهِمَ المُؤْمِنُونَ ذَلِكَ، كَمَا بَيَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:

أُو۟لَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُۥ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُۥٓ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًۭا ﴿٥٧﴾الإسراء.

.

إذًا فَمِنَ الوَاضِحُ هُنَا أنَّ اسْم “الرَّحْمَانِ” يَأتِى مُقْتَرِنًا بِالقُدْرَةِ، وَالقُوَّةِ، وَالسَيْطَرةِ، وَالتَقْدِيرِ، وَالتَدْبِيرِ، وَالعِزَّةِ، وَالخَلْقِ، وَالبَرءِ، وَالتَصْويرِ، وَالهَيْمَنَةِ، وَالتَكَبُّرِ، ..الخ. بَيْنَمَا يَأتِى اسْم “الْرَحِيمُ” مُقْتَرِنًا بِالرَأفَةِ، وَالمَغْفرةِ، وَالتوْبَةِ، وَالوُدِّ، وَالحُلْمِ، وَالهُدَى، ..الخ، وَلاَ يَنْفَصِلُ اسْمٌ مِن أسْمَاءِ اللهِ عَن غَيْرِهِ مِن بَقِيّةِ الأَسْمَاءِ، إذ أنَّ هَذِهِ الأَسْمَاءُ فِى مُجْمَلِهَا هِىَ للهِ الوَاحِدِ الأحَدِ، بَل إنَّ الاسمَ الوَاحِدَ أحْيَانًا مَا يَشْتَرِكُ تَحَقُّقَهُ بَينَ أنْ يَكُونَ رَحْمَةٌ، وَبَيْنَ أنْ يَكُونَ نِقْمَةٌ، كَالرِزْقِ مَثَلاً (فِى حَيِّزِ الابْتِلاءِ). فَالرِزْقُ هُوَ تَحَقُّقٌ لاسمِ الرَزَّاقِ، كَمَا أنّ الخَلْقَ هُوَ تَحَقُّقٌ لاسمِ الخَالِقِ .. الخ، بَيْنَمَا نَجِدُ أنَّ اللهُ تَعَالَى يَرْزُقُ الكَافِرَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ لَهُ، وَإنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ لَهُ، وَيَرزُقُ المُؤْمِنِينَ رَحْمَةً مِنْهُ لَهُم، وَيُجِيبُ المُضْطَرَّ التَقِىَّ؛ فَيُعْطِيهِ رَحْمَةً مِنْهُ لَهُ، وَيُجِيبُ المُضْطَرَّ المُجْرِمَ؛ فَيُعْطِيهِ اسْتِدْرَاجًا مِنْهُ لَهُ:

وَلَا يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌۭ لِّأَنفُسِهِمْ ۚ إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوٓا۟ إِثْمًۭا ۚ وَلَهُمْ عَذَابٌۭ مُّهِينٌۭ ﴿١٧٨﴾ءَال عِمْرَان.

. . وَهَكَذَا نَجِدُ التَدَاخُلَ وَالتَرَابُطَ وَالتَكَامُلَ وَاقِعٌ بَيْنَ الأَسمَآءِ بَعْضِهَا البَعْضُ، وَكَيفَ لاَ وَهِىَ أسْمَآءُ اللهِ الوَاحِدُ، القَائِلُ عَنْ نَفْسِهِ:

قُلِ ٱدْعُوا۟ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُوا۟ ٱلرَّحْمَـٰنَ ۖ أَيًّۭا مَّا تَدْعُوا۟ فَلَهُ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ ۚ﴿١١٠﴾الإسراء.

ٱللَّهُ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ ﴿٨﴾طه.

.

هَذَا هُوَ اللهُ تَعَالَيَ، . . لَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَي، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

فَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ اللهُ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ، الّذي يُشَرِّعُ، وَيُعْبَدُ، فَيَنْبَغِيَ أَنْ نَعْرِفَ عَنْهُ مَا أرَادَ هُوَ أَنْ يُعَرِّفُنَا بهِ عَنْ نَفْسِهِ تَعَالَيَ، وَلنَسْتَعْرضَهُ فِي عُجَالَةٍ لِنَسْتَطِيعَ مِنْ خِلاَلِ هَذِهِ المَعْرفَةِ أَنْ نَرْسِمَ مَلاَمِحَ شَرْعِهِ، وَحُدُودَ تَنْزيلِهِ عَلَي النَّاسِ، وَلنَربطَ بَيْنَ هَذهِ المعْرفَةِ، وَبَيْنَ أسْمَائِهِ الحُسْنَيَ سُبْحَانَهُ .

هامش: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

انتبه إلَى أَنَّ القُدَامَى ذَهَبُوا إلَي القَوْلِ بِأَنَّ اسْمَيّ: “ٱلرَّحْمَـٰنُ”، و: “ٱلرَّحِيمُ” بِمَا أَنَّهُمَا مُشْتَقَّانِ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الرَّحْمَة، فَيَكُونُ ذِكْرَهُمَا مَعًا مِنْ بَابِ التِّكْرَارِ، وَأَنَّ هَذَا التِكْرَارَ لِلرَّحْمَانِ وَالرَّحِيمِ مَرْجِعَهُ إلَي أَنَّ اللهَ تَعَالَي هُوَ رَحْمَانٌ بِكُلِّ الدُنْيَا، لَكِنَّهُ رَحِيمٌ بِالمُؤْمِنِينَ فَقَطْ. وَهُوَ كَلاَمٌ مَعْيُوبٌ؛ يُنَاقِضُ القُرْءَانَ الَّذِى يَقُولُ تَعَالَى فِيهِ:

إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌۭ رَّحِيمٌۭ ﴿٦٥﴾الحَجّ.

يَقُولُ ابن كَثِير فِي تَفْسِيرِهِ (1/124):
[الرحمن الرحيم] اسمان مشتقان من الرحمة على وجه المبالغة، ورحمن أشد مبالغة من رحيم، وفي كلام ابن جرير ما يُفْهِم حكاية الاتفاق على هذا، وفي تفسير بعض السلف ما يدل على ذلك، كما تقدم في الأثر عن عيسى عليه السلام، أنه قال: والرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم الآخرة“. ثُمَّ:
قال أبو علي الفارسي: الرحمن: اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى، والرحيم إنما هو من جهة المؤمنين، قال الله تعالى: [وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا]“.

بَيْنَمَا ذَهَبَ البَعْضُ إلَي عَدَمِ وُجُودِ فَرْقٌ بَيْنَ الاسْمَيْن مِثْلَ الوَاحِدِيّ الَّذِي يَقُولُ فِي وَجِيزِهِ (1/1):
[الرَّحمن الرَّحيم]: صفتان لله تعالى معناهما: ذو الرَّحمة، [أَي: الرَّحمة لازمةٌ له] ، وهي إرادة الخير، ولا فرق بينهما“.

.

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x