اللهُ البَارِئُ سُبْحَانَهُ


 

اللهُ تَعَالَى هُوَ البَارِئُ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ عَنْ نَّفْسِهِ:        

هُوَ ٱللَّهُ ٱلْخَـٰلِقُ ٱلْبَارِئُ ٱلْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ ٱلْأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ ۚ.. ﴿٢٤﴾الحَشْر.

وَالبَرْءُ هُنَا جَآءَ بَيْنَ الخَلْقِ وَبَيْنَ التَّصْوِيِرِ؛ فَاللهُ تَعَالَى يَخْلُقُ، وَيَبْرَأُ، وَيُصَوِّرُ المَخْلُوقَ فِى أَىِّ صُورَةٍ يَشَآءُهَا سُبْحَانَهُ.

.

بَرَأَ/ البَارىءُ/ بَارِئِكُم/ نَبْرَأَهَآ/

.

وَالبَرْءُ مِنْ الـ: “بَ رْ ء”. وَهُوَ الإِيِجَادُ، وَالحُدُوثُ، وَالكَيْنُونَةُ، لِكُلِّ مَا هُوَ أَمْرٌ. وَالبَرْءُ يَقَعُ مَا بَيْنَ الخَلْقِ وَبَيْنَ التَّصْوِيِرِ. فَالخَلْقُ وَالتَّصْوِيِرُ يَقَعَان عَلَى الجِسْمِ، وَالبَرْءُ يَقَعُ عَلَى النَّفْسِ، فَيَجْعَلُ مِنَ الإِنْسَانِ شَيْئًا وَاقِعًا، ذُو قُدْرَةٍ وَإِدْرَاكٍ.

وَلَوْ قُلْنَا أَنَّ الجِسْمَ يُمَثِّلُ النَّاحِيَةَ المَادِّيَّةَ العُضْوِيَّةَ (Vitals)، فَإِنَّ النَّفْسَ تُمَثِّلُ النَّاحِيَةَ المَعْنَوِيَّةَ (incorporeal).

وَبِالتَّالِى فَإِنَّ البَرْءَ هُوَ الحُدُوثُ، وَالكَيْنُونَةُ لِلأَمْرِ. وَهُوَ أَيْضًا إِيِدَاعُ النَّفْسِ ـالَّتِى تَقُومُ الحَيَاةُ بِهَا ـفِى الجِسْمِ، لِيَصِيِرَ حَيًّا (بِالمَعْنَى الوَاسِعِ لِلحَيَاةِ)، وَليَصِيِرَا مَعًا قَادِرَيْنِ عَلَى اكْتِسَابِ الرُّوحِ بِإِرَادَةٍ مِنْ صَاحِبَيْهِمَا، حَتَّى يَنْفَصِلاَ مَرَّةً أُخْرَى بِالوَفَاةِ. وَجَآءَ ذِكْرُ البَرْءِ بِكِتَابِ اللهِ عَلَى النَاحِيَتَيْنِ، خَاصٌّ بِالمَعْنَوِيَّاتِ، وَالأَقْدَارِ. يَقُولُ سُبْحَانَهُ:

مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍۢ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَا فِىٓ أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِى كِتَـٰبٍۢ مِّن قَبْلِ أَن  نَّبْرَأَهَآ ۚ إِنَّ ذَ‌ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ ﴿٢٢﴾الحَدِيِد.

أَىْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَصِيِرَ المُصِيِبَةُ شَيْئًا وَاقِعًا لَهُ حَقِيِقَةٌ.

فَالمُصِيِبَةُ هِىَ جَزَآءٌ يَقَعُ كَابْتِلآءٍ، أَوْ بِمَا كَسَبَت أَيْدِى النَّاسِ:

ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوٓا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَ‌ٰجِعُونَ ﴿١٥٦﴾البَقَرَة.

وَمَآ أَصَـٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٍۢ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَن كَثِيرٍۢ ﴿٣٠﴾الشُّورَى.

وَهَذِهِ المَصَآئِبُ، سَوَاءٌ كَانَت فِى الأَرْضِ، كَالزَّلاَزِلِ، وَالبَرَاكِيِنِ، وَالأَعَاصِيِرِ، وَالفَيَضَانَاتِ،..الخ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ نَقْصِ الثَّمَرَاتِ، وَالأَمْوَالِ، أوْ فِى النَّفْسِ، كَالمَرَضِ، وَالعَاهَاتِ، وَالجُرُوحِ، ..الخ، فَهِىَ مَكْتُوبَةٌ فِى كِتَابٍ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدُ بَعْدٌ، أىْ مِنْ قَبْلِ بَرْئِهَا، وَحُدُوثِهَا. وَهُوَ مَا يَعْنِى أَنَّ الأَقْدَارَ (وَهِىَ مِنَ الأَمْرِ) تُبْرَأُ، وَيَبْرَؤُهَا اللهُ تَعَالَى.

كَذَلِكَ فَإِنَّ البَرْءَ يَكُونُ لِلنَّفْسِ؛ وَلِذَا فَعِنْدَمَا جَآءَ أَمْرُ اللهِ لِبَنِى إسْرَائِيلَ بِقَتْلِ أَنْفُسِهِم تَوَجَّهَ الفِعْلُ إلَى اسْمِ البَارئِ سُبْحَانَهُ:

وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِۦ يَـٰقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ فَتُوبُوٓا إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوٓا أَنفُسَكُمْ ذَ‌ٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ﴿٥٤﴾البَقَرَة.

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x