المَخْلُوقَات 1/ الكَلِمَةُ

.

 

يَخُلُقُ اللهُ الخَلْقَ، وَيُقَدِّرُ القَدَرَ بِكَلِمَاتِهِ، وَعَلَيْهِ فَكَلِمَةُ اللهُ هِىَ تَكْويِنُ الشَيْءِ.

كَلِم/ الكَلِم/ كَلِمَة/ بِكَلِمَةٍ/ بِكَلِمَاتٍ/ كَلِمَت/ كَلِمَتَهُ/ كَلِمَاتُه/ كَلِمَات/ كَلَم/ كَلام/ أكَلِّم/ كَلَّمَ/ كَلَّمَهُ/ تَكَلَّمُ/ تُكَلِّمُهُم/ تُكَلِّمُنَا/ تُكَلِّمون/ تَكلِيمًا/ كَلَّمَهُم/ نُكَلِّمُ/ يُكَلِّمُ/ يُكَلِّمُنا/ يُكَلِّمَهُم/

وَالكَلِمَةُ تُعْرَفُ (فِى المَعنى الدَارِج) بِأَنَّهَا وعاءٌ لِلمَعْنَى، وَبِأخِر حَرْفٍ مِن حُرُوفِهَا يَتِمُّ المَعْنَى المَقْصُودُ مِنْهَا. وَلَكِنَّهَا فِى القُرْءَان شَيْءٌ ءَاخَرٌ؛ فَهِىَ مَوْضُوعٌ مُتَكَامِلٌ يَتَنَاولُهَا الخَلْقُ، أوْ الأمرُ، أوْ التَكليفُ. وَوحْدَةُ بِنَاءِ الكَلِمَةِ (فِى المَعنى الدَارِج) هِى الحَرْفُ، وَهُوَ أيْضًا المُكَوِّنُ الأبْسَطُ فِى كَلِمَةِ الخَلْقِ، أوْ الأَمْرِ، أوْ التَعْبِيرِ عَنْهُمَا.

وَالكَلِمَةُ مِن اللهِ تَعَالى لَيسَت كَأىِّ كَلِمَةٍ، فَكَلِمَةُ اللهِ حَقٌّ، وَبِهَا يَحْدُثُ الوُجُودُ (الكَيْنُونَةُ)، وَتَشمَلُ الخَلقَ، وَالوُجُودَ، والأمَرَ، والكَلِمَاتِ والكَلاَمَ. فَلَوْ كَانَت الكَلِمَةُ خَاصَّةً بخَلْقِ شَيْءٍ مَا، فَقَدْ تَحَدَّدَ الشَيْءُ بالكَلِمَةِ، فَلا يَتَجَاوَزُهَا. وَلَوْ كَانَت الكَلِمَةُ خَاصَّةً بوقُوع حَدَثٍ مَا، فَقَدْ تَحَدَّد الحَدَثُ بالكَلِمَةِ، فَلاَ يَتَجَاوَزُهَا. وَلَوْ كَانَت الكَلِمَةُ خَاصَّةً بوقُوع أعمَالٍ مَا مَطْلُوبَةٌ مِن مُعَيَّنٍ، فَقَدْ تَحَدَّدَت هَذِهِ الأعْمَالُ بالكَلِمَاتِ، فَلاَ تَتَجَاوَزُهَا. وَلَوْ كَانَت الكَلِمَةُ خَاصَّةً بِنَقْلِ مَعانٍى مُحَدَّدَةٍ، فَقَدْ تَحَدَّدَ المَعْنَى بِحِفْظِ كَلاَم اللهِ فِى كُتُبِهِ.

وَالكَلِمَةُ لَهَا مُكَوِّنَاتُهَا، فَهِيَ لِلشَيءِ مَوَادٌّ (حُرُوُفٌ أَوَّلِيّة) بِنِظَامٍ، كَالبُرُوتِينَاتِ، وَالأَحمَاضِ الأَمِينِيَةِ، والمَوَادِّ وَالتَفَاعُلاَتِ الكِيمْيَائِيَّةِ. وَهِىَ لِلحَدَثِ تَرْتِيبُ مُفْرَدَاتِ (حُرُوفِ) المَوْجُودَاتِ، عَلى مِحْوَرِ الزَّمَن، (وَسَيَأتِى بَيَانُ ذَلِكَ).

والكَلِمَةُ فِى أوَّلِ أمْرِهَا هِىَ وَاقِعٌ، لا عِلاَقَة لَهَا بَعد بالنُطقِ، أوْ الإشَارَةِ، أوْ الرَّسْم، أوْ مَا شَابَه، ثُمَّ تَصِير (بِمعْنَاهَا الدَارج) وَسيلَةُ تَخَاطُبٍ، فَتَكُونُ اسمًا، وَفِعلاً، وَنُطْقًا، وَخَطًّا، وَكِتَابَةً، وَمَا شَابَه. وَهَذِهِ الأخيرةِ نَشَأت لِتُعَبِّر عَن الأُولَى، وَتَدُلّ عَلَيها. وَلِتَبْسِيطِ الأمر فَنَقُولُ إِنَّ “الكَلاَمَ” الَّذِى نَعْرِفُهُ عَلَىَ أَنَّهُ وِعَاءٌ لِلمَعْنَى هُوَ تَعْبيرٌ عَن “الكَلِمَاتِ” الأَصْلِ الَّتِى تُشَكِّلُ الوُجُودَ الَّذِى نَعِيشُ فِيهِ.

فكَلِمَةُ “البَحْرِ” المَنْطُوقَةُ أو المَخْطُوطَةُ هِىَ تَعبيرٌ عَن كَلِمَةِ “البَحْر” المَخْلُوق، وَكَلِمَةُ “الأَسَدِ” المَنْطُوقَةُ أو المَخْطُوطَةُ هِىَ تَعبيرٌ عَن كَلِمَةِ “الأَسَدِ” المَخْلُوقِ، . . وَهَكَذَا. فَبَينَمَا تَتَكَوَّنُ الكَلِمَةُ الأَصلُ مِن حُرُوفِ المَوَادِّ المُكَوِّنَةِ، تَتَكَوَّنُ الكَلِمَةُ التَعْبِيِريَّةُ مِن حُرُوفِ الأَبْجَدِيَّةِ المَعْرُوفَةِ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ عَلَىَ حِدَةٍ، وَبِالتَالِى يَؤُولُ التَعْبِيرُ إلى المَخْلُوقِ، وَتَصِيرُ الكَلِمَةُ المَنْطُوقَةُ صَوْتًا، أو المَخْطُوطَةُ خَطًّا، أو المَفْرُوزَةُ كِيميائِيًا (كَمَا عِنْدَ النَمْلِ مَثَلاً)، أو المُخْرَجَةُ حَرَكَاتٍ (كَمَا عِنْدَ النَحْلِ مَثَلاً)، أو ألوَانٍ، أو أضْوَاءٍ، ..الخ، ذَاتَ مَعنًى مَعْرُوفٍ، وَمَفْهُومٍ، وَتَعْكِسُ وَاقِعًا فِى الوُجُودِ.

وَجَمْعُ “كَلِمَةِ” الخَلْقِ، هِىَ وَ: “كَلِمَةِ” الأمْرِ، وَ: “كَلِمَةِ” العَمَلِ، هُوَ: “كَلِمَاتٍ” (1)، بَيْنَمَا جَمْعُ “كَلِمَةِ” التَعبير هُوَ: “كَلاَم”، وَلِذَا يُقَالُ عَن مُحْتَوَى كِتَابِ اللهِ إنَّهُ “كَلاَمُ اللهِ”، الَّذِى يَتَنَاولُ وَيَتَحَدَّثُ عَن اللهِ تَعَالَى، وَعَن كَلِمَاتِ اللهِ بِمَعْنَى خَلْقِهِ، وَتَسْيِيرهِ لِخَلْقِهِ، وَعَن كَلِمَاتِ اللهِ بِمَعنى أوامِرَهُ لِخَلْقِهِ (2). وَلنَتَعَرَّفَ عَلَى بَعضِ أحْوالِ الكَلِمَةِ إذَا مَا تَعَلَّقَت بِالخَلْقِ، وَبِالأَمرِ، وَبِالعَمَلِ.

 


1 ـ جَاءَ لَفظُ: “كَلِمَات” أربَعَةَ عَشر مَرَّةَ، كُلّهَا بَعِيدَةٌ عَن “الكَلاَم المَعْرُوفِ”. وَجَاءَ لَفْظُ: “كَلاَم” أرْبَعة مَرَّاتٍ، كُلّهَا بِمَعنى الكَلاَم المَعْرُوفِ والمُتَدَاول.

2 ـ فَالصَلاَةُ مَثَلاً هِىَ مِن كَلِمَاتِ اللهِ، وَيُفَصِّلُهَا كَلاَم اللهِ، والصِيَامُ هُوَ مِن كَلِمَاتِ اللهِ، وَيُفَصِّلُهُ كَلاَم اللهِ، .. وَهَكَذَا، وَلِذَا فَالمُؤمِن يُؤمِنُ ـ مَوضُوعِيًا ـ بِكَلِمَاتِ اللهِ، وَيُصَدِّقُ ـ فِعْلِيًّا ـ بِكَلاَمِهِ عَمَلاً.

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x