لَبَسَ – لِبَاسُ التَّقْوَى

عِنْدَمَا خَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ، خَلَقَهُ مُيَسَّرٌ لِلنَّقِيِضَيْنِ، وَهَدَاهُ النَّجْدَيْنِ، فُخِلَقَ وَسَوْءَتُهُ فِيِهِ كَامِنَةٌ، وَعَدُوُّهُ عَامِلٌ عَلَيْهَا، يُرِيِدُ أَنْ يُثِيِرَ كَوَامِنَهُ، وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيِفًا.

● وَقَدْ قَصَّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْنَا مَا حَدَثَ لأَبَوَيْنَا فِى الجَنَّةِ، إِذْ وَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ بِالبَقَآءِ الأَبَدِىِّ، وَأَنَّ السَّبِيِلَ إِلَيْهِ هُوَ الأَكْلُ مِنَ الشَّجَرَةِ:

فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ لِيُبْدِىَ لَهُمَا مَا وُۥرِىَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَ‌ٰتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَىٰكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلَّآ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَـٰلِدِينَ ﴿٢٠﴾ وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّى لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّـٰصِحِينَ ﴿٢١﴾ فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورٍۢ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَ‌ٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ ۖ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴿٢٢﴾الأَعْرَاف.

● حَتَّى هَذَا الوَقْتِ لَمْ يَكُنْ ءَادَمُ وَزَوْجُهُ يَعْرِفَانِ طَرِيِقًا لِلمَعْصِيَةِ بَعْدُ، وَلاَ يَدْرِيَانِ بِمَا يَقْبَعُ دَاخِلَهُمَا مِنْ اسْتِعْدَادٍ لِعِصْيَانِ اللهِ، فَلَمَّا أَنْ صَدَّقَا بِوُقُوعِ الخُلْدِ، وَنَسِيَا، وَأَكَلَا مِنَ الشَّجَرَةِ وَقَدْ نُهِيَا عَنْهَا، حَتَّى بَدَت لَهُمَا سَوْءَتُهُمَآ، وَعَرِفَا مِنْ نَفْسَيْهِمَا مَا كَانَا يَجْهَلاَنِ. وَالسَوْءَةُ هِىَ مَصْدَرُ السُّوءِ، وَالسَّيِّئَاتِ، وَهِىَ مِنَ النَّفْسِ بِالقَلْبِ:

…إِنَّ ٱلنَّفْسَ لَأَمَّارَةٌۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّىٓ ۚ… ﴿٥٣﴾يُوسُف.

وَنَفْسٍۢ وَمَا سَوَّىٰهَا   ﴿٧﴾  فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَىٰهَا  ﴿٨﴾الشَّمْس.

● مِنْ هُنَا فَقَدْ أَرْشَدَ اللهُ الإِنْسَانَ إِلَى أَنَّهُ بِهِ فِى تَكْويِنِهِ نِظَامًا، إِذَا مَا فَعَّلَهُ فَلَنْ يَقَعَ فِيِمَا وَقَعَ فِيِهِ أَبَوَاهُ، وَهُوَ نِظَامُ التَّقْوَى؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ:

يَـٰبَنِىٓ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَ‌ٰرِى سَوْءَ‌ٰتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذَ‌ٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَ‌ٰلِكَ مِنْ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴿٢٦﴾ يَـٰبَنِىٓ ءَادَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَ‌ٰتِهِمَآ ۗ إِنَّهُۥ يَرَىٰكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُۥ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَـٰطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿٢٧﴾ وَإِذَا فَعَلُوا فَـٰحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَآ ءَابَآءَنَا وَٱللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ۗ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ ۖ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴿٢٨﴾ قُلْ أَمَرَ رَبِّى بِٱلْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍۢ وَٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴿٢٩﴾ فَرِيقًا هَدَىٰ وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلضَّلَـٰلَةُ ۗ إِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَـٰطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴿٣٠﴾الأَعْرَاف.

فَلَخَّصَ اللهُ حَالَ الدُّنْيَا فِى هَذِهِ الأَيَاتِ، لِيُسَاعِدَ النَّاسَ عَلَى فَهْمِ حَقِيِقَةِ الرَّحِلَةِ، وَعَلَى التَّقْوَى، وَالصَبْرِ عَلَيْهَا. مُبَيِّنًا لَهُم أَنَّ عَدُوَّهُم لاَ يَفْتَأُ إِلاَّ وَيَنْزِعَ عَنْهُم لِبَاسَهُم، لِيُوقِعَهُم فِى مُخَالَفَةِ اللهِ تَعَالَى وَمَعْصِيَتَهُ.

وَالمَطْلُوبُ مِنَ الإِنْسَانِ هُوَ أَنْ يَتَلَبَّسَ بِلِبَاسِ التَّقْوَى، لِيُوارِى سَوْءَتَهُ الخُلُقِيَّةَ، كَمَا يَلْبَسُ الثِّيَابَ لِيُوَارِىَ سَوْءَتَهُ الخَلْقِيَّةَ.

إِذًا؛ فَمَا يَعْنِى قَوْلُهُ تَعَالَى:

…فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَ‌ٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ ۖ…﴿٢٢﴾الأَعْرَاف.

فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَ‌ٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ ۚ …﴿١٢١﴾طَه.

وَلِلحَدِيِثِ بَقِيَّةٌ .

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x