نُور

النُّورُ؛ هُوَ انْعِكَاسٌ لِلضِّيَاءِ، وَذَلِكَ يُفْهَمُ مِنْ بَيَانِ اللهِ تَعَالَى، أنَّ الشَّمْسَ هِىَ ضِيَاءٌ، وانْعِكَاسَاتُهَا هِى نُورٌ، كَمَا هُوَ الحَالُ مَعَ القَمَرِ، الَّذِى يَعْكِسُ ضَوْءَ الشَّمْسِ فَيَكُونُ نُورًا:

هُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُورًا…﴿٥﴾يُونُس.

وَالنُّورُ هُوَ مَا تَظْهَرُ بِهِ الأَشْيَاءُ، وَتَهْتَدِى بِهِ. وَلأَنَّ خَلْقَ اللهِ كُلَّهُ يِهْتَدِى بِنُورِ اللهِ (..ٱلَّذِىٓ أَعْطَىٰ كُلَّ شَىْءٍ خَلْقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ)؛ فَهُوَ مَصْدَرُ نُورِهِم، بِمَا فِى ذَلِكَ، الجُزْءُ المَادِّىُّ مِنَ الثَقَلَيْنِ (حَرَكَةُ المُخِّ وَالأَعْضَاءِ)، وَيَتَبَقَّى الجُزْءُ المَعْنَوِىُّ مِنْهُمَا (وَهُوَ الَّذِى يُمَثِّلُ حَقِيقَتَيْهِمَا)؛ وَالمُقَدَّرُ بِنِظَامٍ اكْتِسَابِىٍّ لِلنُّورِ، وَيَظَلُّ مُظْلِمًا إلَى أنْ يُوجَدَ النُّورُ، وَإلَى أنْ يَسْعَى الثَقَلاَنِ إلَيْهِ.

أيْضًا فَقَدْ بَيَّنَ اللهُ فِى كِتَابِهِ الكَرِيِمِ أنَّ أصْلَ المَعَارِفِ فِى هَذِهِ الدُّنْيَا هُوَ الظَّلاَمُ أيْضًا، وَأنَّ هَذِهِ المَعَارِفَ تَتَصَحَّحُ وَتَسْتَقِيِمُ إذَا مَا أمَدَّهَا اللهُ تَعَالَى بِنِورِهِ، وَتَوَاصَلَت بِهِ سُبْحَانَهُ؛ فَقَالَ:

..وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورًا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ ﴿٤٠﴾النُّور.

كَمَا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أنَّ هُنَاكَ فَرِيِقَانِ مِنَ النَّاسِ فِى هَذِهِ الدُّنْيَا، أحَدُهُمَا اخْتَارَ أصْحَابُهُ أنْ يَكُونُوا مُؤْمِنِيِنَ، فَأَمَدَّهُمُ اللهُ تَعَالَى بِنُورِهِ، بَيْنَمَا اخْتَارَ الفَريِقُ الأَخَرَ أنْ يَكُونُوا كُفَّارًا؛ فَدَخَلُوا فِى ظُلُمَاتِ الطَّاغُوتِ؛ فَقَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ البَقَرَةِ:

ٱللَّهُ وَلِىُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ ۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَـٰتِ ۗ أُولَـٰٓئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ ﴿٢٥٧﴾“.

ثُمَّ بَدَأَت مَسْألَةُ النُّورِ وَالظَّلاَمِ فِى الظُّهُورِ، وَالانْتِشَارِ بِأَيَاتِ الكِتَابِ شَيْئًا فَشَيْئًا؛ فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى مُبَيِّنًا أنَّهُ يُصَلِّى عَلَى النَّاسِ، هُوَ ومَلاَئِكَتَهُ، لِيُخْرِجَهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ:

هُوَ ٱلَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَمَلَـٰٓئِكَتُهُۥ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَىٱلنُّورِ ۚ وَكَانَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴿٤٣﴾الأحزاب.

وَكَانَ الكِتَابُ هُوَ ءَالِيَّةَ هَذَا الإخْرَاجِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:

الٓر ۚ كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَ‌ٰطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ ﴿١﴾إبراهيم.

هُوَ ٱلَّذِى يُنَزِّلُ عَلَىٰ عَبْدِهِۦٓ ءَايَـٰتٍ بَيِّنَـٰتٍۢ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ ۚ…﴿٩﴾“.

إلاَّ أنَّ الكِتَابَ؛ وَإنْ كَانَ هُوَ ءَالِيَّةَ الإخْرَاجِ، مَنَ الظُلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، إلاَّ أَنَّهُ بِنَفْسِ الوَقْتِ، هُوَ النُّورُ الَّذِى سَيَخْرُجُ إلَيْهِ النَّاسُ، وَبِهِ سَيَهْتَدُونَ إلَى الحَقِّ ـ إنْ أرَادُوا ـ، كَمَا لَوْ قُلْنَا أنَّهُ هُنَاكَ نُورٌ فِى ءَاخِرِ النَّفَقِ المُظْلِمِ، فَمَنْ يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ، خَرَجَ مِنَ النَّفَقِ بِالنُّورِ، وَإلَى النُّورِ أيْضًا:

…قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِى جَآءَ بِهِۦ مُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ ۖ…﴿٩١﴾الأنعام.

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x