الحَجّ 47


وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُۥ ۚ وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍۢ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴿٤٧﴾” .

التَعْريفُ البَسِيطُ لِلزَّمَنِ فِى دُنْيَانَا هُوَ أنَّهُ مَسْرَحُ الأحْدَاثِ كُلِّهَا، وَفِيهِ يَسْبَحُ المَكَانُ، وَالحَرَكَةُ، وَالتَفَاعُلاَتُ، وَالوَعْىُّ، وَالإدْرَاكُ . . الخ.

وَالزَّمَنُ هُو بُعْدٌ مَعْنَوىٌّ (1)، فِيزْيَائِىٌ (2)، مَخْلُوقٌ كَبُعْدِ المَكَانِ، وَلاَ يَنْفَصِلُ عَنْهُ، وَفِيِهِ تُوجَدُ وَتَتَحَرَّكُ الأشْيَاءُ، وَبِدُونِهِ لَنْ يُوجَدَ شَيءٌ وَلاَ حَرَكَةٌ. وَلأَنَّهُ (بِعَكْسِ بُعْدِ المَكَانِ) ذُو اتِجَاهٍ وَاحِدٍ فَهُوَ المَسْؤُولُ عَن تَرْتِيبِ الأَحْدَاثِ (3).

هَذَا الزَّمَنُ لَيْسَ شَيْئًا وَاحِدًا، بِحَيْثُ يُظَنُّ أنَّهُ مُطْلَقٌ، وَثَابِتٌ فِى أرْجَاءِ الكَوْنِ، وَإِنَّمَا يَتَعَدَّدُ الزَّمَنُ بِحَسَبِ نِسْبِيَتِهِ (4)، فَمَا هُوَ حَاضِرٌ بِالنِسْبَةِ لَنَا، هُوَ مَاضٍ بِالنِسْبَةِ لِغَيْرِنَا، وَمَا هُوَ حَاضِرٌ لَنَا هُوَ مُسْتَقْبَلٌ لِغَيْرِنَا، وَمَاهُوَ يَومٌ عِنْدَ غَيْرِنَا هُوَ زَمَنٌ طَويلٌ بِالنِسْبَةِ لَنَا، وَمَاهُوَ يَومٌ عِنْدَنَا، هُوَ زَمَنٌ طَويلٌ بِالنِسْبَةِ لِغَيْرِنَا، وَلَوْ تَضَاعَفَت سُرْعَةُ دَوَرَان الأَرَض حَوْلَ نَفْسِهَا لَصَارَ اليَومُ 12 سَاعَةً، وَصَارَت السَنَةُ أكْثَرَ مِن 730 يَومًا، كَمَا أنَّ السَنَةَ فِى كَوْكَبِ عَطَارِد تُسَاوى اليَومَ فِيِهِ؛ حَيْثُ يَدُورُ حَوْلَ نَفْسِهِ بزَمَنِ دَوَرَانِهِ حَوْلَ الشَمْسِ، وَيَبْلُغَا 88 يَوْمًا مِن أيَّامِنَا، بَيْنَمَا تَبْلُغُ السَنَةَ فِى الكَوْكَبِ بُلُوتُو 238 سَنَةً مِن سَنَوَاتِنَا، وَلَوْ سَافَرَ أحَدٌ بِسُرْعَةِ الضَوْءِ، لَتَوَقَّفَ الزَّمَنُ عِنْدَهُ، وَلَوْ زَادَ عَن ذَلِكَ، لاسْتَشْرَفَ المُسْتَقْبَلَ أو المَاضِى. كَمَا أنَّهُ هُنَاكَ مَجَرَّاتٌ تَسِيرُ أسْرَعَ مِن سُرْعَةِ مَجَرَّتِنَا، بِفَرْقٍ شَاسِعٍ، حَتَّى صَارَت الهُوَّةُ سَحِيقَةً، وَصَارَت هَذِهِ المَجَرَّاتُ فِى المُسْتَقْبَلِ، وَصِرْنَا بِالنِسْبَةِ لَهَا فِى المَاضِى، وَفِى حُكْمِ الأَمْوَاتِ . . وَهَكَذَا.

فَالزَّمَنُ إذًا هُوَ أمْرٌ نِسْبِىٌّ مُتَغَيِّرٌ بِالنِسْبَةِ لِلمَخْلُوقاتِ، بَعْضُهَا البَعْضُ، وَبِالنِسْبَةِ إلَى أرْجَاءِ الكَوْنِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ مَا نَصَّ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ اليَومَ عِنْدَهُ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا نَعُدُّ (لاَ مِمَّا نَحْسُبُ).

فَكَيْفَ يُقَاسُ الزَّمَنُ عَلَى ثَبَاتِهِ الظَاهِر (وَالخَادِعِ لِلبُسَطَاءِ) فِى مُحِيطِنَا، لِيُعَمَّمَ عَلَى الكَوْنِ بِرِمَّتِهِ، فَيَصِيرُ مُطْلَقًا فِى الكَوْنِ، فَضْلاً عَن مَدِّهِ لِلخَالقِ عَزَّ وَجَلَّ، بِحَيثُ يَصِيرُ حَائِلاً جَامِدًا دُونَ عِلْمِهِ بِالمُسْتَقْبَلِ كَمَا قَالَ الجَاهِلُ شَحْرُور وَأَشْبَاهِهِ؟

. . سُبْحَانَك!!!

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ فَأَمَّا كَوْنُهُ مَعْنَوىٌّ فَلأَنَّهُ يُعْقَلُ.
2 ـ وَأَمَّا كَوْنُهُ فِيزْيَائِىٌ فَلأَنَّه لَهُ عِلاَقَةٌ مُبَاشِرَةٌ بِالحَرَكَةِ، سَوَاءٌ بِحَرَكَةِ الأشْيَاءِ مِن حَوْلِنَا، أوْ بِحَرَكَةِ الأَرْضِ حَوْلَ نَفْسِهَا، وَحَوْلَ الشَمْسِ، مَا يَنْتُج عَنْهُ تَعَاقُبَ الَّيلِ وَالنَّهَارِ، فَالأَيَّامِ والسِنِين.
3 ـ وَأَمَّا كَوْنُهُ مَسْرَحًا لِلأَحْدَاثِ فَلأَنَّ كُلَّ الأشْيَاءَ تَحْدُثُ فِيِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ ذُو اتِجَاهٍ وَاحِدٍ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ (ظَاهِرًا) ثَلاَثَةُ أحْوَالٍ، وَهُم المَاضِى، والحَاضِرِ، وَالمُسْتَقْبَلِ.
4 ـ فَطِبقًا لِنَظَريَّةِ النِسْبِيَةِ الخَاصَّةِ فَإنَّ قِيَاسَاتِنَا لِلأَحْدَاثِ الَّتِي تَقَعُ فِيهِ فَهِيَ دَائِمًا نِسْبيَةً، حَيثُ لاَ يُوجَدُ حَدَثَان مُتَزَامِنَان مَا دَامَ يَفْصِلُ بَيْنِهِمَا مَسَافَةً. فَمَا يَحْدُثُ “الأَنَ” بالنِسْبَةِ لِـ: “س” يَحْدُثُ “بَعْدَ” أَوْ “قَبْلَ” بالنِسْبَةِ لِغَيْرهِ. وَإِذَا قُلْنَا إنَّ سُرْعَةَ سَيَّارَةٍ هِيَ 60 كم/سَاعَة فَإِنَّ ذَلِكَ يَعْنِي سُرْعَتَهَا بالنِسْبَةِ لِلأَرضِ (المُتَحَرِّكَةِ هِيَ أيْضًا) وَإذَا قُلْنَا إنَّ سُرْعَةَ الأَرْض هِيَ 29كم/ثانِيَةٍ فَإنَّنَا نَعْنِي سُرْعَتَهَا بالنِسْبَةِ لِلشَمْس (المُتَحَرِّكَةِ هِيَ أيضًا) وَهَكَذَا بالنِسْبَةِ لِلشَمْس وَلأي جسْم ءَاخَر فِي هَذَا الكَوْن، مِمَّا يَعْنِي أَنَّهُ إذا كَانَ هُنَاكَ مَرْجِعٌ مُطْلَقٌ فَلاَ بُدَّ أَنْ نَبْحَثَ عَنْهُ خَارج الكَوْن وَلَيْسَ دَاخِلَهُ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ غِيَابُ المَرْجِعِيَّةِ المُطْلَقَةِ دَاخِل الكَوْن. فَإلغَاءُ مُطْلَقِيَّةِ الزَمَان وَالمَكَان يُفْرغُ هَذَا الكَوْن مِن أيّ مَرْجِعِيَّةٍ ذَاتِيَةٍ فِيهِ.
Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x