مداخلاتي بموضوع يوسف

قُلتُ مِن قَبل إنَّ إبراهيم هُوَ أحد الزائغين عَن كتاب الله، وأنَّهُ يُغْرِقُ في الأوهام، ليُشَتِّت مُناظريه، ولَكِنَّهُ هُنا وَجَدَ مَن يقوم بتعقب كلّ لفظٍ لَفَظَ بِهِ ليتمّ فضح مستواه العلميّ، وبيان ركاكة سفاهاته، عَلّهُ يُحَسِّنُ مِن مستواه، أو يقول يومًا ما شيئًا مُقْنِعًا، وهُنا في موضوعنا زعم المدعو إبراهيم بن نبيّ أن النبي يعقوب يرمز لكوكب المريخ، ثُمَّ عاد وقال: إنَّ يعقوب هو كل هذه المجموعة الشمسية، ثُمَّ عاد وقال: إنَّ يعقوب هو الكل التجريدي 😥 ، ثُمَّ عاد وقال: إنَّ يعقوب هو الأب والموّلد لكل هذه المجموعة، ولم يكتفِ بهذا الخبط، فقال: إنَّ إتمام النعمة على يوسف هو وضعه في مكانه، وأنَّ وضع إسم الأنبياء على أسماء هاته الأجرام هو وضع للحياة فيها فمثل هاته الأسماء خالدة حيّة حياة القرءان.

ثُمَّ ذَهَبَ إلي أنَّ اسم إبراهيم وإسحاق هُما الكوكبين الّذان حُضرّا قبل الأرض وهيئّا لظهور الحياة فيهما قبل الأرض، ويقول: “والأسماء في نظري لا تعدو عطارد والزهرة والمريخ وإن كنت أميل إلى عطارد والزهرة لقربهما من الشمس، وتبقى أمامنا إشكالية في التأويل ، إذ كيف يكون يعقوب شاملا لكل المجموعة و يكون أبواه إبراهيم و إسحاق جزءا من المجموعة؟”!!!

وقد كان لنا كمٌّ وجمٌّ غفير من الانتقادات على طرحه، نُجمله أولاً في التالي، (وأعتذر للقاريء قبل البدء علي ما قد يُصيبه مِن ملل) ثُمَّ نعود وننقل الردود والمناظرة علي الطبيعة: 

1 ـ أنَّهُ مُغرقٌ في الخيال دون أسس يبني عليها أوهامه، أو حتى الرضوخ إلي المنهج الَّذي سرقهُ مِن هُنا وهُناك!!!

2 ـ فقد حوّل معنى الرؤية إلى السجود.

ـ ثم اعتمد تكرار للسجود، مع أن الأية لم تتحدث إلا عن سجود واحد: “إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ”.

ـ والسجود كان له تأويلاً واحدًا وتحقق: “وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا”، لكنه جعل التأويل تأويلين أحدهما تاريخي تمّ، والآخر مستقبلي وسيأتي، وبدون أدنى دليل معتبر ولو من بعيد.

3 ـ ثم قال إبراهيم: إن سجود الشمس والقمر هو في خضوعهم لنا بإستفادتنا من طاقة الشمس، بينما نجد أن الله تعالى سمى هذا الانتفاع بالتسخير ولم يقل سبحانه أبدًا ولو لمرة واحدة أنه سجود. فحتى اللفظ لم يحدث فيه توفيق!! بل إن الناس بجهلها هى التي قد تسجد للشمس والقمر!

ثم قال إن سجود الشمس والقمر هو في خضوعهم لنا، بينما نجد أن كلمة خضع جاءت في القرآن مرة واحدة فقط وذلك في قوله تعالى: ” فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ”. وواضح أن الخضوع هنا لا علاقة له بالسجود!

4 ـ ثم قال إبراهيم إن الإنسانية ستخضع ما حولها من  كواكب، وهو قول لا علاقة له بالسورة مطلقًا، ولم يدلل عليه إلا بالرأي.

5 ـ ثم قال إبراهيم إن الآيات 101، 102 من سورة يوسف تضعنا على حقيقة كبرى مفادها تحكم الإنسانية في الكواكب الإحدى عشر، وقد طالعناها فلم نجد فيها شيئًا مما يقول ولو من مكان بعيد.

6 ـ ثم قال إبراهيم بدون أي دليل إن الكواكب الإحدى عشر سيسجدوا وسيخضعوا لبرنامج سكان الأرض.

7 ـ ثم قال إبراهيم بدون أي دليل إن يعقوب هو رمز لكوكب المريخ.

8 ـ ثم قال إبراهيم مستأنفًا لتأويله العجيب أن معنى ارتداد بصر يعقوب له هو أنّ الإنسانية ستنجح في زرع غلاف جوّي في يعقوب “المريخ”  وسترسل له من يفعّل هذا الزرع.

9 ـ وأن هذا إرهاص أنّ كوكب يعقوب “المريخ” سيكون مآوى لنا مستقبلا .

10 ـ ثم قال إبراهيم بأن المقصود بقوله تعالى: “مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى” هو قصة يوسف، وهو بعيد تمامًا عن الحق، فقوله تعالى: “مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى” تعود على حديث الله تعالى (القرءان) كله وليس فقط على قصة يوسف تحديدًا، ولَذا قال تعالي مُكَمّلاً الأية التي اجتزأها المذكور: “. . مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ”، فالّذي هُوَ تَصديق الَّذي بينَ يديه وهُدى ورحمة هُوَ القرءان.

11 ـ ثم قال إبراهيم بأن ليوسف أخ اسمه بنيامين دون دليل!

12 ـ ثم قال إبراهيم إن عبارة “بين يديه” تدل في القرءان على ما يستقبل دائما وأبدا وليس على حدث ماضي وهو كلام غير صحيح، فعبارة بين يديه تأتي لتدل على الحاضر.

13 ـ ثم قال إبراهيم إن قوله تعالى: “لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ” تعني: من تعاضدت أياديهم في البحث للوصول إلى الهدف المنشود في أول حلقات الخلافة وهي تحكمنا في الكواكب الإحدى عشر بما فيها الكوكب الأزرق دون أدنى دليل؟!!!

14 ـ ثم قال إبراهيم إن المقصود بقوله تعالى عن القرآن: “وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ” هى قصة يوسف!!!

15 ـ ثم قال إبراهيم إن مسؤوليتنا كبيرة في فتح الكتاب للإنسانية الواسعة بهدم السلطات الكهنوتية كلّها لينفتح من نفخ الله فيهم الروح على كلامه ليضيئوا لنا الطريق، وهو وهم وسراب؛ فلن تنهدم أبدًا السلطات الكهنوتية كلّها، بل ستظل على قيد الحياة إلى نهاية الدنيا، والكتاب موجود إلى قيام الساعة، وهو بذاته مفتوح لمن شاء أن ينهل من علمه.

16 ـ ثم قال إبراهيم إن الفاتح “الر” ءايات كونية ونحن في سورة يوسف في منحدر عميق يرسمه حرف الراء، وهو خيال لا دليل عليه، ولا معنى له. وقد تكرر بسور أخرى كثيرة، ولا تعليق عنده على ذلك.

17 ـ ثم قال إبراهيم إن الذي لا شك فيه أنّ الأية 3 تضعنا على مفصل القرءاة اليوسفية : “وإن كنت من قبله لمن الغافلين” فهذا المقطع بلفظ “غافلين” إستنهاض للهمم وليس تذكيرا بحدث منسي فقط، والله تعالى يقول لنبيه: “نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ” ليبين للناس أنه حتى شخص النبي بدون القرآن فهو أمي لا يعلم شيئًا وهو من الغافلين. وكذلك قومه الذين هم بدون القرآن أميون لا يعلمون شيئًا هم أيضًا:”لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ”.

18 ـ ثم قال إبراهيم:

وتأتي عبارة “أحسن القصص” لتصور تكامل التطابق بين القصص التاريخي بتتبع مفاصله لربطها بالقصص الإنساني في بحثه لإخضاع الكواكب حوله.

فيحشر دائمًا خياله في النصوص التي لا نجد فيها شيء مما يقول.

19 ـ ثم قال إبراهيم إن مشروع تعمير الكواكب سيقلل من حقد البشرية على بعضها وسيضعها في المشروع الواحد لتستثمر مالها و جهدها في البحث بدل صرفه في صنه أسلحة الدمار و الخراب، وهو خيال غير علمي، فالآيات تبين أن الاختلاف واقع بين الناس إلى يوم القيامة، وسيظل صنع الأسلحة وبدء الحروب قائم على قدم وساق إلى يوم القيامة!

20 ـ ثم قال إبراهيم إن مشروع الخلافة هو المشروع الوحيد القادر على إطفاء السلوك الهمجي الذي تميزنا به طوال مسيرتنا المؤسفة في كوكبنا الأزرق، وهو وهم ترده الآيات.

21 ـ ثم قال إبراهيم إن يوسف ليس لقبا بل مفهوما، فجعل أسماء الأشخاص مفاهيم دون أدنى بينة!!

22 ـ ثم قال إبراهيم إنه يجهل البنية اللفظية في القرءان، ومع ذلك فقد غير جل معاني الألفاظ التي أقر بأنه يجهل بنيتها.

23 ـ ثم قال إبراهيم إنه يخمن في دليل الألفاظ فقط!!

24 ـ ثم قال إبراهيم إن يـ  و  سـ  ف  تمثل أيادي متضامة، دون أن يبين ما معنى ذلك، وما دليله على ما يقول!!

25 ـ ثم قال إبراهيم إن يـ  و  سـ  ف  تمثل أيادي متضامة وسير بفعل الياء في البداية، فلم يوضح معنى السير!!!

26 ـ ثم قال إبراهيم: “ولكنّي لا أعرف دليل الفاء”، كما لو أن كل الباقي كان معروفًا!!!

27 ـ ثم قال إبراهيم: “ولا أعرف ما الدليل الذي يولده إرتباط “يو” بـ “سف”، كما لو كان هناك دليل أصلاً، فالعجب أن يفترض وجود دلالة للارتباط ثم يقر بجهله إياها!!

28 ـ ثم قال إبراهيم إن البنية اللفظية في التوراة مرتبطة بالبنية اللفظية في القرءان، دون أن يدلل على ذلك بشيء؛ فهو كلام لا حظّ له من العلم مطلقًا، ولا نصّ عليه، ولا حتى إشارة واحدة.

29 ـ ثم قال إبراهيم إن معنى قوله تعالى: ” مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” أن القرءان نسخ حروف وعلامات توراتية كالباء والعين والصاد وغيرها وأنسى أخرى كالـ p و v  وغيرها من العلامات!!!

وقد بينت هناك فساد هذا القول من جميع جوانبه كما بينت معنى الآية الواضح أصلاً لمن يتدبر.

30 ـ ثم قال إبراهيم إن إسم يوسف من الأسماء المنسوخة في القرءان ويمكن إحداث التطابق في البنية بين حروفه الأربعة التوراتية والقرءانية، وهو وهم لم يدلل على شيء منه!

31 ـ ثم قال إبراهيم إن مثل هذا البحث عن التطابق بين علامات التوراة والقرءان  دعت إليها الأية 106 من سورة البقرة ودعت إليه الأية 17 من سورة هود، وقد ناقشنا الآيتين فلم نجد من كلامه إلا الخيال!

32 ـ ثم قال إبراهيم إن الجذر الأصلي لـ “يوسف” هو حرف الفاء باعتباره أن الياء والواو والسين توابع جذرية تدخل على الجذور الأصلية، وهو استئناف منه لوهم لم يدلل عليه بشيء!!

33 ـ ثم قال إبراهيم إن جذر يعقوب بتوابعه يدل على ما يبنيه المرء على مثاله دون تدخل مباشر منه في عملية هذا البناء وهو أيضًا استئناف منه لوهم لم يدلل عليه بشيء!!

34 ـ ثم قال إبراهيم إن يعقوب إسم يتعلق بالمفهوم أعلام ومن معانيه الكوكب الذي سبق كوكبنا الأزرق فنحن من عقبه ليُعْلمنا الرّب بطريقة صنع الحياة ونقلها. وهو استئناف منه لوهم لم يدلل عليه بشيء!!

35 ـ ثم قال إبراهيم إن الفاتح “الر” ذو أهمية قصوى، ثم قال بالحرف الواحد: “والحقيقة أنّي لم أدرس الموضوع بعد”!!!

36 ـ ثم قال إبراهيم إن كل جزء في القرءان له مقابله الكوني، وهو استئناف منه لوهم لم يدلل عليه بشيء!!

37 ـ ثم قال إبراهيم إن “الحديث” متعلق بمفهوم الشيء الذي يخرج ويتسع ظهوره بعد خفاء وستر وهو استئناف منه لوهم لم يدلل عليه بشيء!!

38 ـ ثم قال إبراهيم إن الثاء في أخر لفظ “أحاديث” تدل على البث والإنتشار، وهو استئناف منه لوهم لم يدلل عليه بشيء!!

39 ـ ثم قال إبراهيم إن ما يخرجه الدماغ في النوم هو نقل مشفر للأحداث التي  أبصرناها في يقظتنا، وقد طبقنا قوله هذا على رؤية الملك للسبع بقرات السمان، والسبع العجاف، والسبع سنبلات الخضر، والسبع اليابسات فوجدناه خطأً واستئنافًا للوهم ولم يدلل على قوله بشيء!!

40 ـ ثم قال إبراهيم إن الرءيا ربط بين عالمين بهمزة تتوسط اللفظ في الفضاء: “ر ء يا”، وهو استئناف منه لوهم لم يدلل عليه بشيء!!

41 ـ ثم قال إبراهيم إن العالمين منفصلين ينتظران حلقة الوصل وهى التأويل الذي يربط بين طلاسم الرءيا وحقائق الأحداث. وهو استئناف منه لوهم لم يدلل عليه بشيء!!

42 ـ ثم قال إبراهيم إن يوسف بلغ مستوى ربط العالمين وفق تربص طويل، وهو استئناف منه لوهم لم يدلل عليه بشيء!! فيوسف وصل إلى تأويل الرؤى وفق تعليم علمه الله إياه، وليس وفق تربص طويل.

وللبيان:

يقول إبراهيم بن بني:

“فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ” هذه الأية تخبر وعدا أنّ يعقوب سيصبح بصيرا أي أنّه سيفرق الأشعة الواصلة إليه من الشمس ومعنى هذا الكلام أنّ الإنسانية ستنجح في زرع غلاف جوّي في يعقوب “المريخ”  و سترسل له من يفعّل هذا الزرع. هذا إرهاص أنّ كوكب يعقوب “المريخ” سيكون مآوى لنا مستقبلا.

لقد بنى المذكور شبهاته على أساس أن هناك رؤيا رأها يوسف وتحتاج إلى تحليل كوني مستقبلي لها، وذلك برغم أن الله تعالى قد نصّ في آخر سورة يوسف على أن للرؤيا تأويل وهو كذا وكذا. ولكن المذكور تجاهل هذا النصّ، واعتبر أن الرؤيا لا تزال تحتاج إلى تأويل، وأن هذا التأويل يُفْتَرض أن يقوم به كل ناظر على حدى.

ولو صدق فيما يقول لكان يعقوب الأب هو الشمس لا المريخ، ولاستحال تحديد أمّه!!!

ولنعد إلى الرؤيا في قوله تعالى: “نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ● إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ● قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ● وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ”.

وقد جاء تأويل الرؤيا في قوله تعالى وهو ينقل قول أخوة يوسف لأبيهم يعقوب: “قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ● قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ● فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آَوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آَمِنِينَ ● وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا”.

يتبين من بلاغ الله تعالى أن تأويل رؤيا سجود الإحدى عشر كوكبا والشمس والقمر ليوسف كان عبارة عن سجود أبويه وأخوته له: “هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ”.

ويتبين من بلاغ الله تعالى أن تأويل الرؤيا كان على الحقيقة: “قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا”.

ولكي لا يشطح خيال أحد في هذه الرؤيا فقد تخللت قصة يوسف رؤىً أخرى تم تأويلها كلها في الواقع القريب، ولعل تناولها يساعد القاريء على تمييز الحق من الباطل.

يخبرنا ربنا سبحانه أن يوسف قد دخل السجن معه فتيان، وأن كل واحد منهما كان له رؤيا خاصّة به، كالتالي: “وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ”. وبالتالي فقد أصبح عندنا رؤيتان جديدتان بخلاف رؤية يوسف:

1 ـ رؤيا السجين الأول: “إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا” التي أولها يوسف كالتالي: “أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا”.

2 ـ رؤيا السجين الثاني: “وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ” التي أولها يوسف كالتالي: “وَأَمَّا الْآَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ”.

3 ـ رؤيا الملك: “وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ” التي أولها يوسف كالتالي: “قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ● ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ ● ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ”.

ونلاحظ هنا

1 ـ أن تأويل الرؤيا تمّ على يد النبي الكريم يوسف.

2 ـ وتحقق في حياة الرائي، أو قل: في العهد القريب.

3 ـ ونقل القرآن تأويل الرؤيا.

4 ـ ونقل القرآن تحقق الرؤيا.

5 ـ أن تأويل الرؤيا كان علمًا ربانيًا:

“رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ”.

ويقول إبراهيم:

ونرى فصل فعل الرؤية الكواكب والشمس والقمر: “إنى رأيت أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين” دليل على الفصل بين سجود أول وسجود يأتي في مرحلة ثانية.

وهذا الذي شغل إبراهيم شغل من قبله أهل الرواية، ولكنهم ـ كالمعتاد ـ اختلفوا في هذا التكرار:

● فمنهم من قال بأن قوله: “رأيت، رأيتهم” للتوكيد وذلك مثل: تفسير الطبري (15/556): “وقال: رأيتهم، وقد قيل: إني رأيت أحد عشر كوكبًا، فكرر الفعل، وذلك على لغة من قال: كلمت أخاك كلمته، توكيدًا للفعل بالتكرير”.

وتفسير الألوسي (8/429): “رَأَيْتَهُمْ: تأكيد لما تقدم تطرية للعهد كما في قوله تعالى: أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وعظاما أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ”.

● ومنهم من قال: ليس بتكرار مثل: تفسير البحر المحيط (6/482): “وقال الزمخشري: (فإن قلت) : ما معنى تكرار رأيتهم؟ (قلت): ليس بتكرار، إنما هو كلام مستأنف على تقدير سؤال وقع جواباً له، كأن يعقوب عليه السلام قال له عند قوله: إني رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر: كيف رأيتها ـ سائلاً عن حال رؤيتها؟ ـ فقال : رأيتهم لي ساجدين”.

وفتح القدير (4/2)” وجملة: (رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) مستأنفة لبيان الحالة التي رآهم عليها”.

وتفسير الرازي (8/494) نقلاً عن القفال: “ذكر الرؤية الأولى لتدل على أنه شاهد الكواكب والشمس والقمر، والثانية لتدل على مشاهدة كونها ساجدة له”.

● ● وقد جمع أقوالهم ابن عادل بتفسير اللباب (9/206) فقال (باختصار): “قوله: (رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) يحتمل وجهين: أحدهما: أنَّها جملة كُرِّرت للتوكيد؛ لما طال الفصل بالمفاعيل، كما كُرِّرت «أنكُم » في قوله تعالى: (أَنَّكُمْ إِذَا مِتٌّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ) [المؤمنون: 35]. والثاني: أنه ليس بتأكيد، وإليه نحا الزمخشريُّ؛ فقال: ليس بتكرار؛ إنَّما هو كلام مُستأنَف على تقدير سؤال وقع جواباً له؛ كأنَّ يعقُوب عليه الصلاة والسلام قال لهُ عند قوله : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً والشمس والقمر) كيف رأيتها؟ سائلاً عن حال رؤيتها، فقال : (رأيتهم لي ساجدين) وهذا أظهر. وقال بعضهم : إن إحداهما من الرُّؤية ، والأخرى من الرُّؤيا. قال القفَّال : ذكر الرُّؤية الأولى؛ ليدل على أنَّه شاهد الكواكبِ ، والشَّمس والقمر ، والثانية؛ ليدل لا على مشاهدة كونها ساجدة لهُ”.

ونرى في الأقوال السابقة ما هو ظاهر الفساد، ومنه ما هو مقبول، مثل القول بالاستئناف وأن الرؤية واحدة: ويؤيده أنه لوحذفنا رأيت الأولى لصار الكلام كالتالي: “إن أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين”، . . وواضح ركاكة الطرح!

ولوحذفنا رأيت الثانية لصار الكلام كالتالي: “إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر لي ساجدين”، . . وواضح أيضًا ركاكة الطرح؛ إذ يمكن للناظر أن يفهم أن هناك رؤية للأحد عشر كوكبًا، كما أن الشمس والقمر كانا له ساجدين، وبالتالي يعود السجود على الشمس والقمر فقط!!

وسيقول قائل: لو كان كذلك لجائت: “ساجِدَيْن”، لا: “سَاجِدِينَ”. فيفترض إلمام الناس بالنحو والإعراب والتشكيل. أما وجود كلمة: “رأيتهم” يحسم القضية وفيه قطع الطريق على سوء الفهم.

على أي حال فإن قول إبراهيم بوجود سجودين هو أفسد ما قيل:

1 ـ إذ أنه حوّل معنى الرؤية إلى السجود.

2 ـ وعليه فقد اعتبر تكرار لفظ الرؤية هو تكرار للسجود!!!

3 ـ مع أن الرؤية قد تكون لأشياء وأشياء بخلاف السجود، فتوهم كونها رؤيتين، ثم توجيهها لتكون بمعنى السجود هو أبعد ما يكون عن الحق!!

4 ـ أنه لو قلنا برؤيتين (وهو فاسد) فسيكون الأقرب أن الأولى كانت للرؤية المجردة، والثانية كانت لرؤية السجود!

5 ـ أنه في جميع الأحوال (بفرض تكرر الرؤية وهو غير صحيح) فلم تتحدث الآية إلا عن سجود واحد: “إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ”.

إلا أن يقول أن المعتمد عنده هو: “يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبًا والشمس والقمر لي ساجدين رأيتهم لي ساجدين!!!

وهو ما أستبعده منه لوضوح ركاكته وسقوطه!

6 ـ أنه لو كان هناك تأويلين للرؤيتين، أحدهما تاريخي واقعي، والآخر مستقبلي تأويلي، لكان لزامًا أن يأتي ذكر بالنصّ المتعبد به لهذين التأويلين!!

ولكن هذا غير حادث، فالذي جاء بأخر السورة هو تأويل واحد لرؤية واحدة لسجود واحد:

” وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا”.

فلو استرسلنا مع وهم أن هناك تأويل مستقبلي يضاهيء السجود التاريخي لصار السجود المستقبلي هو سجود واحد أيضًا فقط. ويكون القول بسجودين هو من باب الوهم المتواصل بلا هوادة.

ثم يقول إبراهيم:

فسجود الشمس والقمر هو في خضوعهم لنا بإستفادتنا من طاقة الشمس الهائلة  الطبيعية والصناعية مستقبلا الذي بدأت بوادره الأن وإستفادتنا من القمر كقاعدة إنطلاق.

والسؤال هنا هو: أين هذا السجود؟!

إن الله تعالى سمى هذا الانتفاع بالتسخير ولم يقل سبحانه أبدًا ولو لمرة واحدة أنه سجود. ولنطالع بعض ذلك:

“وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ”.

وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى”.

وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ”.

وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ”.

فحتى اللفظ لم يحدث فيه توفيق!!

ولم يقل سبحانه أنه أسجد الشمس والقمر لنا، أو الكواكب وغيرها، وإنما قال سبحانه أن سجود المخلوقات يكون له سبحانه: “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء”.

بل إن الناس بجهلها هى التي قد تسجد للشمس والقمر: “وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ”!!!

فهل سيرجع إبراهيم عن قوله هذا ويلتزم بنصّ الكتاب المنزل؟!

وهل سينصحه المقربون له بالالتزام بالنصّ قبل فوات الأوان؟!

نأتي للقول بأن السجود هو الخضوع، إذ يقول إبراهيم:

“فسجود الشمس والقمر هو في خضوعهم لنا”.

فقد جاءت كلمة خضع في القرآن مرة واحدة فقط وذلك في قوله تعالى: “يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا”.

ودون تفكيك لبنية الآية فواضح أن الخضوع لا علاقة له بالسجود!

ثم يقول إبراهيم عن السجود الثاني الذي تخيله:

وبين سجود مستقبلي بجعل الكواكب الأخرى خاضعة لبرامجنا المستقبلية. ويظهر من هذه القراءة أنّ يوسف رمز لكوكبنا الأزرق بل أبعد من هذا فهو في السورة تعبير عن الإنسانية السائرة إلى إخضاع ما حولها من  كواكب.

ولا أدري من أين يستقي إبراهيم معلوماته هذه؟

فأين في القراءة السابقة أنّ يوسف رمز لكوكبنا الأزرق؟

وأين في السورة أنّ يوسف هو تعبير عن الإنسانية السائرة إلى إخضاع ما حولها من  كواكب ؟

وأين في الآيات أن الكواكب الأخرى ستكون خاضعة لبرامجنا المستقبلية؟

وما هى برامجنا المستقبلية؟

وما هو نوع الخضوع الذي اكتشفه؟

وهل كان يمكن ألا تخضع هذه الكواكب فاحتجنا لهذه البشرى؟

وما قيمة هذه المعلومة (بفرض صحتها)؟

هل سيؤدي اكتشافه هذا ـ مثلاً ـ إلى طمئنة المبرمجين الذين سيبرمجون البرامج المستقبلية فيستمروا في البرمجة وهم واثقون بناجحها كنتيجة لخضوع الكواكب لما سيبرمجونه مستقبلاً؟!!

أليس الخيال بعيد وعديم الفائدة؟!

ثم يقول إبراهيم: 

تضعنا الأيات 101 و 102 من سورة يوسف على حقيقة كبرى مفادها تحكم الإنسانية في الكواكب الإحدى عشر.

حسنًا فهذه هى الآيات رقم 101، 102: “رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ● ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ”.

فأين فيهما ما يفيد تحكم الإنسانية في الكواكب الإحدى عشر ولو من مكان بعيد؟!

المنصف لن يجد فيهما حقيقة كبرى كالتي صرح بها إبراهيم ولا حتى حقيقة صغرى تقترب مما يقول!!

ولأن إبراهيم توهم أن يوسف أصبح رمزًا للإنسانية، وهو المخضع للإحدى عشر كوكبًا فقد ذهب هذا المذهب، ولكنه ـ كما يتلاحظ لنا ـ بُنِىَ كله على أوهام لا تقوم لها أمام التمحيص قائمة.

ثم يقول إبراهيم:

تضعنا الأيات 101 و 102 من سورة يوسف على حقيقة كبرى مفادها تحكم الإنسانية في الكواكب الإحدى عشر فهؤلاء سيسجدوا وسيخضعوا لبرنامج سكان الأرض.

ولو سايرناه فيما يقول لكان السؤال المُلِّحُ هو: كيف ستسجد وتخضع الكواكب الإحدى عشر؟!

هل (مثلاً) لن تمتنع أن يقضم أهل الأرض منها قطعة؟!

أم سترضخ لهبوط سفن الفضاء على سطحها؟

أم أنها لن تمانع في إنشاء الإنسان لبعض المنشاءات على سطحها . . . الخ؟

وكيف ستتحكم الإنسانية في الكواكب الإحدى عشر؟

هل (مثلاً) ستغير من اتجاه دورانها؟!

أم ستحول جوها إلى الأكسجين وثاني أكسيد الكربون . . الخ؟!

أم ستحولها إلى نسخة أخرى من كوكب الأرض؟!

أم أنها ستتحكم في سطحها؟

أم ستتحكم في باطنها؟!

أم ستتحكم في حرارتها؟

أم ستتحكم في درجة قربها من الشمس؟!

أم ستقربها من كوكب الأرض ليسهل الانتقال إليها؟!

إن أهل الأرض لم يًخضِعوا الأرض بعد وهاهى أمريكا الأمبراطورية العظمى في العالم تعاني من بعض الهواء الذي يلتف ويصير إعصارًا، فتعلن حالة الطواريء وتعلن أماكن زيارة الإعصار مناطق منكوبة . . الخ!!!

فما بالك بالزلازل، والبراكين، والفيضانات، والأوبئة، والإرهاب العالمي، والحوادث العرضية كتشرنوبيل وغيره . . الخ؟!

عجيب مثل هذا الخيال غير المحسوب؟!

وواسع هو خيال تحكم الأرضيون في كواكب المجرة!!

ثم يقول إبراهيم:

ويضعنا القرءان على مفصل أخر في سيرنا اليوسفي التأويلي للحدث في قول يعقوب: “قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ”

إنّ يعقوب يدرك خطورة هذه الرءيا على يوسف إن هو قصّها على إخوته و ينصحه بإخفاءها وهو في ريعان الشباب والصبا لم يصل بعد إلى فهم حقيقة الصراع بين الأطراف وهذا ما يجعلنا نرى في يعقوب رمزا لكوكب المريخ الذي سبق وأن ظهرت فيه الحياة أو إرهاصاتها قبل أن يضمحل و ينهار و يجف صعيدا جرزا.

سبحان الله: أين في قوله تعالى: “قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ”

وأين في إدراك يعقوب لخطورة هذه الرءيا على يوسف إن هو قصّها على إخوته ونصحه ليوسف بإخفاءها

ما يجعل أحد يرى في يعقوب رمزا لكوكب المريخ؟!!!

أين؟!

هل يرى إبراهيم بمنظور خاص أوتيه وحده؟

أم أن آيات الكتاب مستباحة لتغيير معانيها بهذه الجراءة؟!

هل سيكون أحد سعيدًا بوقوفه بين يدي ربه وهو قد أفسد معاني آياته بهذه الطريقة؟!

ثم يقول إبراهيم مستأنفًا لتأويله العجيب:

“مثل هذا التأويل تؤيده الأية 96 من سورة يوسف: “فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ”

هذه الأية تخبر وعدا أنّ يعقوب سيصبح بصيرا أي أنّه سيفرق الأشعة الواصلة إليه من الشمس ومعنى هذا الكلام أنّ الإنسانية ستنجح في زرع غلاف جوّي في يعقوب “المريخ”  وسترسل له من يفعّل هذا الزرع. هذا إرهاص أنّ كوكب يعقوب “المريخ” سيكون مآوى لنا مستقبلا .

يوسف هو رمز لظهور الحياة في كوكب الأرض وصولا إلى ظهور الإنسان فيه في حلقة متصاعدة و نصيحة يعقوب أن لا يقفز يوسف المراحل و لا يستثير الأخرين لكي لا يفهموا أنّه مريد تسلط وهيمنة عليهم فيحوّلوا حلمه ورءياه جحيما. وهنا نصعد درجة أعلى في التأويل.

ولنفكك هذه الجمل التي لا ترابط بينها على الإطلاق ونعطي لكل منها نمرة لنقارن بينها:

1 ـ “فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ”

2 ـ “هذه الأية تخبر وعدا أنّ يعقوب سيصبح بصيرا أي أنّه سيفرق الأشعة الواصلة إليه من الشمس”!

3 ـ “ومعنى هذا الكلام أنّ الإنسانية ستنجح في زرع غلاف جوّي في يعقوب “المريخ” 

أين الترابط بين:1، 3، أو: 2، 3، أو: 1، 2، 3 علمًا بأنه كلام متصل كما نقلناه في الاقتباس؟!!

هل يقول منصف أن معنى ارتداد يعقوب بصيرًا هو أن البشرية ستنجح في زرع غلاف جوّي في المريخ؟!!!!!!!!

4 ـ “وسترسل له من يفعّل هذا الزرع”!

أين الترابط بين:1، 4، أو: 2، 4، أو: 3، 4، أو بين 4، وأكثر من مقطع؟! . . علمًا بأنه كلام متصل كما نقلناه في الاقتباس؟!!

5 ـ “هذا إرهاص أنّ كوكب المريخ سيكون مآوى لنا مستقبلا”!! . . أين الترابط بين 5، وأي مقطع من المقاطع الأخرى؟!

وواضح لكل منصف أن هذا الذي ذهب إليه إبراهيم لا يمت للنصوص بصلة، ولا يوجد له ما يسانده إلا الوهم.

ويمكن أن يأتي أحد ءاخر فيقول إن يعقوب هو رمز للشمس، وهى التي تحوطنا بدفئها كما كان يعقوب يحنو بدفئه على يوسف . . الخ!

وهو كلام مغاير ومستغرق في الخيالات مثل ما تخيله إبراهيم، ويمكن أن يُصَنَّفُ كله على أنه كلام لا حظ له من العلم!

ثم يقول إبراهيم جعدون عن يوسف النبي:

هو رمز لحياة الإنسان بما هو إنسان أي ببعده الأخلاقي النابع من نفخ الروح فيه. فلا هيمنة ولا تسلط ولا محاولة لنقل الحياة إلى الكواكب الأخرى أو إخضاعها.

كلام ليس له أي معنى ولا يفيد في أي اتجاه، ودعنا نعتبره ذا معنى ونحلله:

فيكون البعد الأخلاقي النابع من نفخ الروح مؤدي إلى انعدام الهيمنة والتسلط وانعدام محاولة نقل الحياة إلى الكواكب الأخرى أو إخضاعها، وبالتالي فسيكون المفهوم تلقائيًا أن البعد غير الأخلاقي سيجعل هيمنة وتسلط ومحاولة نقل الحياة إلى الكواكب الأخرى!!!!

أرأيتم قيمة مثل هذا الكلام؟!

ثم يقول إبراهيم:

يوسف لا يمثل فقط الحياة الإنسية على كوكب الأرض بل هو رمز لحياة الإنسان بما هو إنسان أي ببعده الأخلاقي النابع من نفخ الروح فيه. فلا هيمنة ولا تسلط ولا محاولة لنقل الحياة إلى الكواكب الأخرى أو إخضاعها بنفس الأسلوب الذي بدأ به ءادم سيره بمعاشرة الهمج وسفك الدماء وتقسيم الوحدة الإنسانية أعراقا وأحزابا ومللا إلى الصراع الدائم على ثروات محصورة بائدة.

من الذي أخبر إبراهيم بأن ءادم بدأ سيره بمعاشرة الهمج وسفك الدماء وتقسيم الوحدة الإنسانية أعراقا وأحزابا ومللا؟!!! . . أليس هذا افتراءًا على ءادم عليه السلام؟!

إن موضوع شجرة الهمج الذي كتبه إبراهيم يكتظ بفساد الاستدلال، وسأفصل له ردًا وحده، ولكن لنراجع استدلالاً واحدًا منه لنرى حقيقة القول:

يقول إبراهيم في شجرة الهمج معلقًا على قوله تعالى: “وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ”:

ولم ينتبهوا أنّ القرآن قال عنها “الشجرة” تعريفا، ولو كانت شجرة فاكهة لوضح ماهيتها.

1 ـ ومن سلم بأنها شجرة فاكهة؟!

هل قال الله تعالى أنها شجرة فاكهة؟!

ولكنها شجرة معروفة لأدم وزوجه، ولذا جاء قوله تعالى: “هذه”!!

2 ـ ثم ماذا كان يظن إبراهيم أن يكون البديل؟!

أيأتي بها الله منكرة فيقول سبحانه: “ولا تقربا هذه شجرة”؟!!!

3 ـ ثم ما فائدة توضيح ماهيتها لأدم وزوجه بعد أن قال لهما سبحانه: “هَـذِهِ الشَّجَرَةَ”؟!!

ألم تتضح ماهية الشجرة لأدم وزوجه بعد قوله: “هَـذِهِ الشَّجَرَةَ”؟!!

أليس: “هذه” هو اسم إشارة؟ . . . فماذا بعد الإشارة من تعريف؟!

4 ـ ولو جاء إيضاح ءاخر بعد قوله: “هَـذِهِ الشَّجَرَةَ”، مثل: “التي تنتج اللوز في فصل الشتاء”، فماذا أضاف مثل هذا التعريف لأدم وزوجه بعد أن تمّ التحديد بإسم الإشارة “هذه”؟!!!

كل مثل هذه المحاولات من إبراهيم جعدون لكي يصل بالقاريء في النهاية إلى أن شجرة الهمج هى الشجرة التي نُهِىَ آدم عن الأكل منها، وذَلِكَ بعد أن أعجبته عِند طائفته مِن الروافض السراة فسرقها منهم كما سرقوها هُم أيضًا مِن عالم سبيط النيلي الرافضي أيضًا!!!

ولكن كيف سيأكل آدم من شجرة الهمج ـ أي البشرـ؟!

فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى”.

إذن فهو ليس بأكل، والشجرة ليست شجرة، والتذوق ليس بتذوق، ولم يتبق إلا أن يقول إن ءادم ليس بأدم!!!

وللحديث بقية

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x