محنتى مع القرآن/ عَبَّاس عَبْدُ النُّورِ 2

 

.

بِاخْتِيَارِ عَبَّاسٍ لِعُنْوَانِ كِتَابِهِ فَقَدْ اعْتَرَفَ ضِمْنِيًّا باللَّهِ وَبِكِتَابِهِ القُرْءَان، وَهُوَ مَا سَنَصِلُ لَهُ فِى نِهَايَةِ المَقَالِ. وَالنَّاظِرُ بِتَأَمُّلٍ إِلَى عُنْوَانِ الكِتَابِ “محنتي مع القرءان. ومحنتي مع الله في القرءان يَجِدُ أَنَّهُ عُنْوَانٌ لِرَجُلٍ مَمْحُونٍ، جَرِيِءٍ عَلَى خَالِقِهِ، مَرِيِضَةٌ نَفْسُهُ. إِذْ أَنَّ أَوَّلَ مَا يَلْفِتُ الانْتِبَاهَ هُوَ عُنْوانُ رِسَالَتِهِ الَّتِي سَمَّاهَا بـ: محنتي“!!

فَكَانَ الأَوْلَي لَهُ لَوْ كَانَت مِحْنَتُهُ شَخْصِيَّةٌ أَلاَّ يَطْرَحَهَا عَلَى العَامَّةِ، فَلَرُبَّمَا تَنْفَكُّ مِحْنَتَهُ بَعْدَ حِيِنٍ دُونَ أَنْ يُوقِعَ فِي شِرَاكِ مِحْنَتِهِ أَحَدًا. وَلَكِنَّ الرَّجُلَ ءَاثَرَ إِلاَّ أَنْ يَنْقُلَ مِحْنَتَهُ “العَقْلِيَّةَ” إِلَى النَّاسِ فَتَنْتَشِرَ كَالفَيْرُوسَاتِ فِي عُقُولِ الجَهَلَةِ مِنْ أَمْثَالِهِ.

.

وَلَوْ نَظَرْنَا لِمَا خَطَّهُ عَبَّاسٌ بِيَمِينِهِ عَنْ مِحْنَتِهِ الحَقِيقِيَّةِ فَسَنَجِدُ أَنَّهَا لاَ عِلاَقَةَ لَهَا بِالقُرْءَانِ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ، وَلنَسْتَعْرِضَ مَا قَالَهُ عَنْ مِحْنَتِهِ:

وقعتُ في أزمات وشدائد وركبتني ديون وهموم وغموم لا مخرج منها لقد أقفلت الدنيا في وجهي وانسد امامي كل أفق فلم اترك بابًا إلا قرعته ولا طريقًا إلا سلكته لقد “أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة” ثم لما أحسست بعجزي وسقط بالكلية اختياري تذكرت قوله تعالي: أم من يجيب المضطر إذا دعاه؟“.

يا إلهي! إستمع إلي من قلب الجوع من قلب الحاجة من قلب الحرمان من قلب المعانة أناديك لقد تراكمت ديوني وعظمت كثيرًا إلهي؟ لقد إدخرتك لهذه الساعات السوداء فكيف أقضي هذه الديون؟ هل أبيع بيتي وهو كل ما أملك؟ أين عساي أسكن أنا وعائلتي إذن؟ يا من عندك خزائن السموات والأرض “ولله خزائن السموات والأرض”، “وإن من شئ إلا عندنا خزائنه”. اللهم تكفيني سنبلة واحدة من السنابل السبع التي وعدت بها من ينفق ماله في سبيلك “مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم“.

وابتهلت ثم ابتهلت وجاء الابتهال نحيبًا مناجاة همسًا متواصلاً خفيضًا وأدعية خاشعة تطلب العون والرحمة والمغفرة وعندما تأملت دعائي وجدته ملحًا في طلب الدنيا رغابًا في وفاء الدين والتوسعة في الرزق وطلب المال والغني فلم أكف عن الابتهال والدعاء وأخذت أعتذر عن الدنيا التي أحملها فوق ظهري فأنوء بها وتنوء بي وسقطت منهوك القوي تسيل مدامعي وأنا في حالة من الضعف والإعياء تتقطع لها نياط القلب!

وانتظرت ثم انتظرت عسي الله أن يأتي بالفرج ولكن عبثًا. وأخذت الشكوك تستيقظ في نفسي بعد أن كانت هاجعة مقموعة لقد تجددت الشكوك وذر قرنها مرة أخري لتفتنني في ديني . .“.

.

إِذًا فَقَدْ عَرِفْنَا مِمَّا خَطَّهُ بِيَدِهِ أَنَّ دَوَافِعَهُ كَانَت عِبَارَةً عَنْ حُنْقٍ خَالِصٍ عَلَى خَالِقِهِ لِتَأَخُّرِهِ فِي إِجَابَةِ مَا سَأَلَهُ إِيَّاهُ، وَلاَ عِلاَقَةَ لِلقُرْءَانِ بِشَيْءٍ مِمَّا حَدَثَ لَهُ، . . . انْظُرُوا لِقَوْلِهِ:

وهنا تسارعت الأحداث بيني وبين ربي لقد خاب أملي به كما خاب أملي بيسوع. فكلاهما أفلس من أخيه“.

فهل يعرف الصديق (أي الله) إلا في وقت الضيق؟“.

لقد انقطعت علاقتي بالله منذ زمن لا أسأله شيئًا ولا أطلب منه شيئًا، بل إني أتحداه أن يمنع تحقيق ما يمكنني تحقيقه أو تحقيق ما لا سبيل إلي تحقيقه، فأنا لا حاجة بي إليه إذا كان حقًا له دخل في قضاء الحاجات أو يسمع دعائهم أو ـ بالأحري ـ يعلم بوجودهم!“.

يا حسرتي علي عمر ابتز فيه سبحانه جهدي وعرقي، وحرمني شبابي، وكاد يأتي علي ما تبقي من شيبتي، لولا أن تنبهت من غفلتي. لقد نصبته وصيًا علي بإرادتي وإختياري، فأورثتني هذه الوصاية السخف والبلاهة والغباء، حتي لكدت أفقد الرشد إلي حد الهراء“.

.

فَأَيْنَ ـ إِلَى هُنَا أَنَّ القُرْءَانَ لَهُ دَخْلٌ بِدَوَافِعِهِ، وَبِمَا حَدَثَ لَهُ، وَرَوَاهُ بِنَفْسِهِ؟!

فَالرَّجُل ـ كَمَا خَطَّت يُمْنَاهُ ـ لَمْ يَصْبِر عَلَى صُرُوفِ الدُّنْيَا، (فَلَعَلَّهُ يَصْبِرُ عَلَى نَارِ الحَرِيِقِ) فَأَصَابَهُ الحُنْقُ وَالغَيْظُ، ثُمَّ انْقَلَبَ حُنْقُهُ هَذَا إِلَى كُفْرٍ بِمَا هُوَ ظَاهِرٌ لاَ مِرَاءَ فِيِهِ، وَرَاحَ يُرْجِعُ كُلَّ شَيءٍ إِلَى اللَّاَشَيءِ، وَيَتَطَاوَلُ عَلَى اللهِ العَلِيِّ وَيَقُولُ:

إذا كان الله غير عابئ بي ولا يبدي أي اهتمام بمصالحي وحاجاتي، فلماذا أشغل نفسي به؟“.

ألله هو الوهم الأكبر، ولذلك فهو الملاذ الأكبر“.

هل أطفأ الله حريقًا؟ هل أنقذ غريقًا؟ هل شفي مريضًا؟ هل أطعم جائعًا؟ هل كشف ضرًا؟ هل فرج كربًا؟“.

لا دليل على وجود الله ولا حاجة إلى الله، وكل شيء في هذا العالم يجري وكأن الله مجرد إضافة ابتكرها العقل لسد ما يراه في العالم من ثغرات وما يصادفه من خيبات الأمل“.

والحق الذي لا جمجمة فيه، إن الله ليس فيه نقطة دم واحدة تجعله يحس بأوجاع هذا العالم وآلامه!“.

.

فَكَأَنِّى بِهِ لَمْ يَرِد عَلَيْهِ قَوْلُ الحَقِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:

۞  لَّا يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوٓءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ… ﴿١٤٨﴾“.

وَهُوَ أَمْرٌ يَتَّفِقُ عَلَيْهِ كُلُّ الأَسْوِيَآءِ وَالأَشْخَاصِ المُحْتَرَمُونَ، وَلَكِنْ يَبْدُو أَنَّهُ ءَاثَرَ أَنْ يَقْبَعَ فِي دَرَكَاتِ التَّدَنِّي يُسَابِقُ عَلَيْهَا الرِّيِحَ، فَكَالَ السِّبَابَ وَالسُّخْرِيَةَ لِلقُرْءَانِ وَمُنَزِّلَهُ سُبْحَانَهُ، حَتَّى كَادَ الكِتَابُ أَلاَّ تَخْلُو صَفْحَةٌ مِنْ صَفَحَاتِهِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ. وَبِرَغْمِ ذَلِكَ فَقَدْ سَجَّلَ فِى مُقَدِّمَتِهِ إِسْتِنْكَارَهُ لِلقَذْفِ وَالتَّشْهِيِرِ، لِيُلْبِسَ عَلَى القَارِئِ أَنَّهُ حَسَنُ المَسْلَكِ، فَقَالَ:

كذلك لن تجد فيه كلمة تشهير، أو كلمة قذف، او أي إشارة إلي الحياة الخاصة للأشخاص الذين سأتحدث عنهم، كما في كتابات سلمان رشدي مثلاً الذي أربأ بنفسي أن أهبط إلي مستواه وأرفض أي مقارنة بين كتابه وكتابي هذا. فالقذف والتشهير ليسا من أخلاق العلماء“.

وَمَعَ ذَلِكَ فَالكِتَابُ كُلُّهُ قَذْفٌ وَتَشْهِيرٌ.

.

وَاَخِيِرًا هُنَا فَالرَّجُلُ يَقُولُ إِنَّهُ عَرَكَ القُرْءَانَ وَحَلَّلَهُ ءَايَةً ءَايَةً:

لم يتخلص لي الحق الذي انتهيت إليه إلا بقراءة القرآن . . . قراءة تحليل وتركيب وموازنة ومقارنة وموازنة وشك ونقد وتقويم وتتبع كل آية فيه واستنطاقها علي حدة وربطها بغيرها من الآيات وذلك بعد فهرستها وتبويبها وتقسيمها إلي موضوعات وألحقت كل آية بالموضوع الخاص بها“.

وَهُوَ فِيمَا قَالَ كَاذِبٌ؛ فَلَا هُوَ بِالَّذِي قَرَأ القُرْءَانَ (فَهِمَهُ)، وَلاَ هُوَ بِالَّذِي يَدْرِي عَنْهُ شَيْئًا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كُلُّ مَا سَنُورِدُهُ فِي سِلْسِلَةِ هَذَا الرَدِّ.

.

وَمَا يَنْبَغِى الانْتِبَاهَ إِلَيْهِ فِى هَذَا المَقَالِ هُوَ:

1 ـ أَنَّ الرَّجُلَ بِرَغْمِ حُنْقِهِ عَلَى اللهِ وَكُفْرِهِ بِهِ إِلاَّ أَنَّ سُطُورَهُ ـ رَغْمًا عَنْهُ ـ نَضَحَت بِالاِعْتِرَافِ بِاللهِ!!!

فَكَيْفَ ذَلِكَ؟!!

وَالجَوَابُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ اللهُ مَعْدُومًا عِنْدَهُ فَكَيْفَ يَلُومُ مَعْدُومًا؟!!

لَقَدْ عَنْوَنَ الكِتَابَ بِقَوْلِهِ: “محنتى مع الله”، فَهَلْ تَكُونُ مِحْنَةً مَعَ مَعْدُومٍ.

اُنْظُر مَثَلاً لِقَوْلِهِ: والحق الذي لا جمجمة فيه، إن الله ليس فيه نقطة دم واحدة تجعله يحس بأوجاع هذا العالم وآلامه!“. تَجِدُ أَنَّهُ يُقِرُّ رَغْمًا عَنْ أَنْفِهِ بِاللَّهِ، وَإِلاَّ لَقَالَ مَثَلاً إِنَّهُ: “لاَ وُجُودَ للَّهِ وَلِذَا فَلاَ أَحَدٌ يَحُسُّ بِأَوْجَاعِ العَالَمِ وَأَلاَمِهِ”، وَلَكِنَّهُ رَاحَ يَسُبُّ اللهَ وَيَتَّهِمَهُ بِأَنَّهُ لاَ يَحُسُّ بِأَوْجَاعِ العَالَمِ وَأَلاَمِهِ، فَهَذَا إِقْرَارٌ بِاللَّهِ قَابِعٌ وَرَآءَ السُّطُورِ.

.

2 ـ أَنَّ الرَّجُلَ يُقِرُّ وَيَعْتَرِفُ ــ رَغْمًا عَنْهُ ــ بِأَنَّ القُرْءَانَ هُوَ كِتَابُ اللهِ!!!

فَكَيْفَ هَذَا؟!

وَالجَوَابُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ القُرْءَانُ لَيْسَ كِتَابَ اللهِ فَلِمَ اسْتَهْدَفَهُ إِذًا؟!!

وَلِمَاذَا لَمْ يَسْتَهْدَفْ كُتُبًا غَيْرَهُ كَالإِنْجِيِلِ وَالتَّوْرَاةِ، أَوْ كُتُبَ بُوذَا أَوْ كُونْفُشيوس الخ الخ؟!

لاَ سِيَّمَا أَنَّهُ ــ كَمَا رَأَيْنَا سَلَفًا ــ فَالقُرْءَانُ لاَ عِلاَقَةَ لَهُ بِمَا حَدَثَ لَهُ، وَلَكِنَّ عَبَّاس يَعْرِفُ الحَقَّ جَيِّدًا وَيَجْحَدُهُ.

وَبِالتَّالِى فَبِمَا أَنَّ عَبَّاسَ عَبْدَ النُّورِ، المُلْحِدُ الكَفُورُ، يَعْرِفُ فِى قَرَارَةِ نَفْسِهِ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ هُوَ مَنْ يُسَيِّرُ الأَحْدَاثَ، وَأَنَّ كِتَابَهُ الظَّاهِرَ وَالمَحْفُوظَ هُوَ القُرْءَان، فَقَدْ كَالَ لَهُ مَا اسْتَطَاعَ، وَخَانَهُ مَا بِدَاخِلِهِ مِنْ إِقْرَارٍ؛ فَاضْطَّرَبَ، وَتَنَاقَضَ، وَهَرِفَ بِمَا يُدِيِنُهُ فِى الدُّنْيَا، بِقَلَمِ عَبْدٍ مِثْلِى!!

فَمَا بَالُنَا بِمَوْقِفِهِ، يَوْمَ تَجْثُو الأُمَمُ حَوْلَ جَهَنَّمَ، لَيْسَ لأَحَدٍ مَنْ يُنْجِيِهِ إِلاَّ اللهَ؛ الَّذِى تَطَاوَلَ عَلَيْهِ هَذَا الأَخْرَقُ الكَذَّابُ؟!!!

وَلِلحَدِيِثِ بَقِيَّةٌ طَوِيييييلَةٌ .

 

 

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x