شَحْرُور: أَخْطَآءٌ فَادِحَةٌ فِى ٱلرِّبَوٰا۟ 1


.

ٱلرِّبَوٰا۟: قَبَّحَهُ اللهُ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِلمُحْتَاجِيِنَ 1

ٱلرِّبَوٰا۟/ يَرْبُوا۟/ يُرْبِى

الرِّبا مِنَ الرَّبْوِ، وَهُوَ الزِّيَادَةُ، وَالنَّمَآءُ، وَاصْطِلاَحًا فَهُوَ أنْ يُعْطِىَ طَرَفٌ طَرَفًا ءَاخَرَ قَدْرًا مِنَ المَالِ عَلَى سَبِيِلِ القَرْضِ، إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، عَلَى أَنْ يَرْبُوَا عِنْدَهُ وَيَزِيِدَ، بِنِسْبَةٍ مُحَدَّدَةٍ سَلَفًا، طِبْقًا لِشُرُوطِ الاقْتِرَاضِ بَيْنَهُمَا. فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ عَلَى رَأسِ المَالِ هِىَ الرِّبَا (اصْطِلاَحًا) فِى كِتَابِ اللهِ.

هَذَا الرِّبَا حَرَّمَهُ اللهُ تَعَالَى، وَفَصَّلَ فِى بَيَانِهِ، فَتَنَاوَلَ فِى الأَيَاتِ 275 مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ، و39 مِنْ سُوُرَةِ الرُّوُمِ مَا نُسَمِّيِهِ فِى أَيَامِنَا بِالقَرْضِ التُّجَارِىِّ، وَتَنَاوَلَ فِى الأَيَةِ 276، و280 مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ مَا نُسَمِّيِهِ فِى أَيَامِنَا بِقَرْضِ الاحْتِيَاجَاتِ الشَّخْصِيَّةِ، وَحَذَّرَ سُبْحَانَهُ المُؤْمِنِيِنَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، مُذَكِّرًا إِيَّاهُم بِاليَوْمِ الأَخِرِ، وَتَوَعَّدَ فَاعِلِيِه بِأَشَدِّ العَذَابِ، وَالخَسَارِ، وَالخُلُودِ فِى دَارِ البَوَارِ، مُبَيِّنًا تَفَشِّيِهِ فِى اليَهُودِ وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ،..الخ. كَمَا وَعَدَ مَنْ يَنْتَهِى عَنْهُ وَيُزَكِّى مَالَهُ ابْتِغَآءَ وَجْهِ اللهِ بِالفَلاَحِ، والرِّبَا عِنْدَهُ تَعَالَى والنَّجَاحِ.

وَبِرَغْمِ كُلِّ ذَلِكَ الوُضُوحِ، وَالوَعِيِدِ، فَقَدْ أَفْتَى البَعْضُ كَشَحْرُورٍ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ الرِّبَا مِنْهُ مَا هُوَ حَلاَلٌ، كَالقُرُوضِ التُّجَارِيَّةِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ حَرَامٌ كَإِقْرَاضِ الفُقَرَآءِ. وَسَرَى كَلاَمُهُ سَرَيَانَ السُّمِّ فِى عُرُوقِ مَنْ تَشَحْرَرُوا، وَمَنْ تَعَصْرَنُوا، وَتَرَكَ الكُلُّ نُصُوصَ الكِتَابِ نَهْبًا لِقِصَرِ الفِكْرِ، وَسَقِيِمِ النَّظَرِ. وَالحَقُّ أَنَّ الرِّبَا هُوَ الرِّبَا، اقْتَرَضَهُ فَقِيِرٌ أَوْ مُسْتَطِيِعٌ، وأَقْرَضَهُ شَخْصٌ أَوْ هَيْئَةٌ، لِلاحْتِيَاجَاتِ الضَّرُورِيَّةِ أَوْ لِلبُيُوعِ، فَالعِبْرَةُ بِالنُّصُوُصِ.

هَذَا وَقَدْ جَآءَت كَلِمَةُ الرِّبَا (اصْطِلاَحًا) فِى كِتَابِ اللهِ بِمُشْتَقَّاتِهَا إِحْدَى عَشَرَةَ مَرَّةً (1):

ثَلاَثَةٌ مِنْهُم بِالأَيَةِ 275 مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ:

ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَوٰا۟ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِى يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مِنَ ٱلْمَسِّ ۚ ذَ‌ٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوٓا۟ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَوٰا۟ ۗ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰا۟ ۚ فَمَن جَآءَهُۥ مَوْعِظَةٌۭ مِّن رَّبِّهِۦ فَٱنتَهَىٰ فَلَهُۥ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ ﴿٢٧٥﴾“.

وَمَرَّتَان بِالأَيَةِ 276 مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ:

يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَوٰا۟ وَيُرْبِى ٱلصَّدَقَـٰتِ ۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴿٢٧٦﴾“.

وَمَرَّةٌ بِالأَيَةِ 278 مِنْ سُورَةِ البَقَرَةِ:

يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَذَرُوا۟ مَا بَقِىَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓا۟ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴿٢٧٨﴾“.

وَمَرَّةٌ بِالأَيَةِ 130 مِنْ سُورَةِ ءَال عِمْرَان:

يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَأْكُلُوا۟ ٱلرِّبَوٰٓا۟ أَضْعَـٰفًۭا مُّضَـٰعَفَةًۭ ۖ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴿١٣٠﴾“.

وَمَرَّةٌ بِالأَيَةِ 161 مِنْ سُورَةِ النِّسَآء:

وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَوٰا۟ وَقَدْ نُهُوا۟ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَ‌ٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَـٰطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًۭا ﴿١٦١﴾“.

وَثَلاَثَةٌ مَرَّاتٍ بِالأَيَةِ 39 مِنْ سُورَةِ الرُّوم:

وَمَآ ءَاتَيْتُم مِّن رِّبًۭا لِّيَرْبُوَا۟ فِىٓ أَمْوَ‌ٰلِ ٱلنَّاسِ فَلَا يَرْبُوا۟ عِندَ ٱللَّهِ ۖ وَمَآ ءَاتَيْتُم مِّن زَكَوٰةٍۢ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ ﴿٣٩﴾“.

وَمِنْ هَذِهِ الأَيَاتِ نَسْتَخْلِصُ الأَتِى:

.

تَعْرِيِفُ الرِّبَا:

الرِّبَا هُوَ كُلُّ مَالٍ يُقْرَضُ بِزِيَادَةٍ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ اسْتِخْدَامِ المُقْتَرِضِ لَهُ، اسْتِهْلاَكِىٌّ كَانَ أَوْ تُجَارِىٌّ، لِغَنِىٍّ كَانَ أَوْ لِفَقِيِرٍ،وَقَدْ شَمَلَت الأَيَاتُ النَّوْعَيْنِ مِنَ المُقْتَرضِيِنَ، وَالحَالَتَيْنِ مِنْ الاقْتِرَاضِ.

.

1 ـ القُرُوضُ الرَّبَوِيَّةُ التُّجَارِيَّةُ:

وَسُمِّيَت هَذِهِ القُرُوضُ بِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ لِدُخُولِهَا فِى العَمَلِيَّاتِ التُّجَارِيَّةِ، وَقَدْ نَصَّ اللهُ تَعَالَى عَلَى هَذَا النَوْعِ مِنَ القُرُوضِ الرِّبَوِيَّةِ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَمَآ ءَاتَيْتُم مِّن رِّبًۭا لِّيَرْبُوَا۟ فِىٓ أَمْوَ‌ٰلِ ٱلنَّاسِ فَلَا يَرْبُوا۟ عِندَ ٱللَّهِ ۖ﴿٣٩﴾الرُّوم.

1 ـ فَقَوْلُ اللهِ سُبْحَانَهُ: “فِىٓ أَمْوَ‌ٰلِ ٱلنَّاسِ“، يُبَيِّنُ أَنَّ المَالَ المُقْتَرَضَ قَدْ صَبَّ فِى أَمْوَالِ مَنْ مَعَهُم أَمْوَالٌ أَصْلاً (أَمْوَ‌ٰلِ ٱلنَّاسِ)، يَقُومُونَ بِتَشْغِيِلِهَا وَإِنْمَائِهَا، حَيْثُ التَقَت الإِرَادَتَان؛ إِرَادَةُ أَصْحَابِ الأَمْوَالِ فِى تَوسِيِعِ أَعْمَالِهِم، وَإِرَادَةُ المُرَابِىِّ أَنْ يَدَفْعَ أَمْوَالَهُ لِتَدْخُلَ مَعَ أَمْوَالِ هَؤُلآءِ النَّاسِ فَتَزِيِدُ مِنْ غَيْرِ مُخَاطَرَةٍ وَلاَ شَرَاكَةٍ، فَقَالَ تَعَالَى لَهُم: لاَ يَرْبُوا عِنْدِى رِبَاكُم.

2 ـ وَعِنْدَمَا أَرَادَ المُرَابُونَ فَلْسَفَةَ رِبَاهِم قَالُوا: “إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَوٰا۟ ۗ”، مُحَاوَلَةً مِنْهُم لإِلبَاسِ بَاطِلِهِم وَفِسْقِهِم لِبَاسَ التَّقْوَىَ، وَالوَرَعِ، بِحُجَّةِ أَنَّ أَمْوَالَهُم تُسْتَأجَرُ لِتَوْسِعَةِ المَشْرُوعَاتِ التُّجَارِيَّةِ كَالبُيُوعِ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى لَهُم:

وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰا۟ ۚ“.

ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ فِى ءَايَةِ الرُّومِ السَّابِقَةِ مَا قُلْنَاهُ مِنْ الرِّبَا بِدَفْعِ القَرْضِ فِى أَمْوَالِ النَّاسِ.

هَذَا الفِعْلُ هُوَ فِى حَقِيِقَةِ الأَمْرِ لاَ يُخَالِفُ بِمَفْهُومِنَا الحَالِىِّ “غَسِيِلُ الأَمْوَالِ، وَتَبْيِضِيِهَا”، لِتَصْوِيِرِ هَذَا الرِّبَا القَبِيِحِ بِأَنَّهُ مُجَرَّدُ نَوْعٍ مِنَ البُيُوعِ. فَقَطَعَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِم الطَّرِيِقَ وَقَالَ:

ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَوٰا۟ لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِى يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ مِنَ ٱلْمَسِّ ۚ ذَ‌ٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوٓا۟ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَوٰا۟ ۗ“.

ثُمَّ خَتَمَ اللهُ كَلاَمَهُ فِى الأَيَةِ مُهَدِّدًا وَمُتَوَعِّدًا فَقَالَ:

وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰا۟ ۚ فَمَن جَآءَهُۥ مَوْعِظَةٌۭ مِّن رَّبِّهِۦ فَٱنتَهَىٰ فَلَهُۥ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ“.

.

فَجَآءَ المُغَفَّلُ شَحْرُور وَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَصِيِبٌ مِنْ إِقْعَادِ الصِّرَاطِ المُسْتَقِيِمِ، وَقَالَ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الرِّبَا التُّجَارِىَّ لاَ بَأسَ بِهِ شَرِيِطَةُ أَلاَّ تَتَعَدَّى فَائِدَتُهُ الضِّعْفَ، تَفْسِيِرًا مَمْجُوجًا لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: “يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَأْكُلُوا۟ ٱلرِّبَوٰٓا۟ أَضْعَـٰفًۭا مُّضَـٰعَفَةًۭ ۖ“، فَقَالَ:

أي أن الله وضع سقفا للفائدة من أجل الناس الذين لا يستحقون الصدقات وليسوا بحاجة إليها، وهؤلاء يشكلون شريحة كبيرة في المجتمع وهم الصناعيون والحرفيون والمزارعون والتجار… وهكذا دواليك. هذه الفائدة هي ضعف مبلغ الدين ولا يمكن أن تزيد عن ذلك(2)!!!

ضارِبًا بِنُصُوصِ الأَيَاتِ عُرْضَ الحَائِطِ، وَدُونَ أَدْنَى تَدَبُّرٍ لَهَا، وَلاَ تَرْتِيِلٍ لِدِرَاسَتِهَا، وَإِنَّمَا هُوَ الخَوْضُ فِى ءِايَاتٍ بَيْنَ يَدَىِّ عَذَابٍ شَدِيِدٍ، بِاسْتِهْتَارٍ يَفُوقُ الوَصْفَ .

هَامِش: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أَيْضًا فَهُنَاكَ كَلِمَاتٌ أَصْلُهَا مِنَ الرَّبَا، كَالرَّبْوَةِ، فَهِىَ مَكَانٍ رَابٍ مِنَ الأَرْضِ، ٱرْتَفَعَ عَنْ بَقِيَّةِ مَاحَوْلَهُ. وَكَذَلِكَ الحَالُ فِى الزَّبَدِ الرَّابِى، فَهُوَ زَبَدٌ نَمَا حَتَّى صَارَ لاَ تُخْطِئُهُ العَيْنُ. وَفِى الرِّبَايَةِ، فَالَّذِى يُرَبِّى وَلِيِدًا يَنَمِّيِهِ مِنْ مَعَارِفِه وَعِلْمِهِ حَتَّى يَعْتَمِدُ عَلَى نَفْسِهِ. وَكَذَلِكَ فِى الأَرْضِ المَيْتَةِ إِذَا مَا أَصَابَهَا المَآءُ اهْتَزَّت وَرَبَت، وَحَدَثَ النُّمُوُّ فِيِمَا اخْتَزَنَتْهُ مِنْ بُذُورٍ. وَأَخِيِرًا فَالأَخْذَةُ الرَّابِيَةُ هِىَ أَخْذَةُ مُمَيَّزَةٌ تَكَاثَر فِيِهَا العَذَابُ الشَّدِيِدُ، فَجَآءَ عَلَى أنْوَاعٍ، وَقُوَّةٍ.

2 ـ انْظُر: الكِتاب والقُرآن لشحرور (ص: 469).

Subscribe
نبّهني عن
guest

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x