اليَمِيِنُ، وَالقَسَمُ، وَالحَلِفُ

اليَمِيِنُ:

يَمِيِن/ أَيْمَـٰنٌۢ/ ٱلْأَيْمَـٰنَ/ أَيْمَـٰنِكُمْ / أَيْمَـٰنِهِمْ/

الأَيْمَانُ جَمْعُ يَمِين، وَهُوَ شَامِلٌ لِلقَسَمِ وَالحَلِفِ.

وَلَا تَجْعَلُوا۟ ٱللَّهَ عُرْضَةًۭ لِّأَيْمَـٰنِكُمْ أَن تَبَرُّوا۟ وَتَتَّقُوا۟ وَتُصْلِحُوا۟ بَيْنَ ٱلنَّاسِ ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌۭ ﴿٢٢٤﴾البَقَرَة.

لَا يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِىٓ أَيْمَـٰنِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلْأَيْمَـٰنَ ۖ﴿٨٩﴾المَآئِدَة (1).

وَلَكِنَّ القَسَم غَيْرُ الحَلِفِ، فَالقَسَمُ هُوَ اليَمِيِنُ الصَّادِقُ، وَالحَلِفُ هُوَ اليَمِيِنُ الكَاذِبُ؛ وَلِلبَيَانِ:

القَسَمُ:

قَسَمٌ/ أَقْسَم/ يُقْسِمُ/ أَقْسَمُوا۟/ تَقَاسَمُوا/ أَقْسَمْتُم/ يُقْسِمَانِ/ قَاسَمَهُمَآ/

القَسَمُ يَكُونُ عَلَى الشَيْءِ الَّذِى يَرَاهُ المُقْسِمُ حَقًّا، وَوَاضِحًا لَهُ، وَبَعِيدًا عَنْ الاحْتِمَالِ (بِالنِّسْبَةِ لَهُ)، وَإِنْ كَانَ أَحْيَانًا مَا يَكُونُ فِى الوَاقِعِ غَيْرُ صَحِيحٍ عَنْ سُوءِ تَقْدِيِرٍ مِنْهُ.

وَلأَنَّ القَسَمَ هُوَ اليَمِيِنُ الصَّادِقُ فَنَجِدُهُ هَوَ الَّذِى يَقَعُ مِنْ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ كَمَا قَالَ (مَثَلاً):

۞ فَلَآ أُقْسِمُ بِمَوَ‌ٰقِعِ ٱلنُّجُومِ ﴿٧٥﴾ وَإِنَّهُۥ لَقَسَمٌۭ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴿٧٦﴾الواقعة، وأيضا:

فَلَآ أُقْسِمُ بِٱلشَّفَقِ ﴿١٦﴾ وَٱلَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ﴿١٧﴾ وَٱلْقَمَرِ إِذَا ٱتَّسَقَ ﴿١٨﴾الانْشِقَاقُ.

فَيَكُونُ صِدْقًا.

وَيَقَعُ القَسَمُ مِنَ البَشَرِ عَلَى مَحْمَلِ الصِّدْقِ فِى النِّيَّةِ، وَذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

إِنَّا بَلَوْنَـٰهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا۟ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ﴿١٧﴾ وَلَا يَسْتَثْنُونَ ﴿١٨﴾القَلَم.

وَهُنَا نَجِدُ أَنَّ أَصْحَابَ الجَنَّةِ لَمْ يَمْنَعُهُم مِنْ تَنْفِيذِ مَا أَقْسَمُوا عَلَيْهِ إِلَّا سَبْقِ أَمْرِ اللهِ عَلَى الجَنَّةِ (الحَدِيقَةِ)، وَإِنْ كَانُوا صَادِقِيِنَ فِى تَوَجُّهِهِم.

وَيَقَعُ القَسَمُ مِنَ البَشَرِ عَلَى مَحْمَلِ الصِّدْقِ (وَهُمْ خَاطِئُونَ)، وَذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا۟ غَيْرَ سَاعَةٍۢ ۚ كَذَ‌ٰلِكَ كَانُوا۟ يُؤْفَكُونَ ﴿٥٥﴾الرُّوم.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ يَوْمَ القِيَامَةِ لَيْسَ لِاخْتِلَاقِ الأَكَاذِيبِ، وَلَكِنَّ المُجْرِمُونَ يَعْتَقِدُونَ صِحَّةَ مَا أَقْسَمُوا عَلَيْهِ.

أَمَّا الحَلِفُ فَيَكُونُ كَذِبًا، وَيَقعُ مِنَ الكَذَّابِينَ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ مُسْبَقًا كَذِب أَنْفُسَهُم، وَمِنَ الحَانِثِينَ سَاعَةَ حَلِفُهُم.

الحَلِفُ:

جَآءَ الحَلِفُ فِى كِتَابِ اللهِ فِى ثَلاَثَةِ عَشْرِ مَوْضِعًا، كُلُّهَا تَأتِى مُقْتَرِنَةً بِالكَذِبِ، وَهَذَا وَاضِحٌ بِالكِتَابِ تَمَامًا، وَمِنْ ذَلِكَ:

..وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَـٰذِبُونَ ﴿٤٢﴾التَّوْبَة.

وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ. .التَّوْبَة.

يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ..التَّوْبَة.

يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ..التَّوْبَة.

يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا۟ عَنْهُمْ ۖ …﴿٩٦﴾التَّوْبَة.

..وَيَحْلِفُونَ عَلَى ٱلْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿١٤﴾المُجَادِلَة.

فَكَيْفَ إِذَآ أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌۢ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنْ أَرَدْنَآ إِلَّآ إِحْسَـٰنًۭا وَتَوْفِيقًا ﴿٦٢﴾ أُو۟لَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِىٓ أَنفُسِهِمْ قَوْلًۢا بَلِيغًۭا ﴿٦٣﴾النِّسَآء.

وَدُونَ دَاعٍ لِجَلْبِ كُلِّ مَا جَآءَ فِى الحَلِفِ؛ فَقَدْ تَرَدَّدَ ذِكْرَهُ فِى جَمِيِعِ مَوَاضِعِ القُرْءَانِ الثَّلَاثَةِ عَشْرٍ بِمَعْنَى الحَنْثِ بِاليَمِينِ، وَاقْتِرَانِهِ بِالكَذِبِ، وَصُدُورِهِ مِنْ المُنَافِقِينَ وَالكُفَّارِ، الَّلهُمَّ إِلَّا مَوْضِعًا وَاحِدًا وَأَيْضًا يَخُصُّ الحَنْثَ بِاليَمِينِ وَلَكِنَّ هَذِهِ المَرَّةِ لِلمُؤْمِنِ إِذَا مَا حَدَثَ وَحَنَثَ بِيَمِينِهِ كَمَا جَآءَ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى:

..ذَ‌ٰلِكَ كَفَّـٰرَةُ أَيْمَـٰنِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ﴿٨٩﴾المَآئِدَة.

إِذًا؛ فَالحَلِفُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلأَيْمَانِ الَّتِى تَقْتَرِنُ بِالكَذِبِ إِذَا كَانَت مِنْ غَيْرِ المُؤْمِنِينَ، وَالَّتِى يَعْقِبُهَا حَنْثٌ إِذَا كَانَت مِنَ المُؤْمِنِينَ (عَلَى شَىْءٍ مُسْتَقْبَلٍ بِالطَّبْعِ) .

أَنْتَ الأَنَ صِرْتَ خَبِيِرًا بِمَعْنَى الحَلِف، وَصِرْتَ تَعْرِفُ أَنَّ كُلَّ مَا نَسَبُوهُ كَذِبًا وَزُورًا وَإفْكًا للنَّبِىِّ وَفِيِهِ كَلِمَةُ “الحَلِفِ” عَلَى أَنَّهَا اليَمِيِنُ الصَّادِقِ هُوَ كَذِبٌ عَلَيْهِ (2).

هامش: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ لَمْ يُغْفِلُ القُرْءَانُ مَسْأَلَةَ القَسَمِ بِاللهِ وَإِنَّمَا أَتَى بِهَا صَرَاحَةً، وَذَلِكَ كَمَا فِى قَوْلِهِ تَعَالَى وَهُوَ يُشَرِّعُ الشَّهَادَةَ فِى الوَصِيَّةِ:

..فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى . .“.

وكذلك:

..فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا..“.

وَيَتَّضِحُ هُنَا أَنَّ المَوْلَى سُبْحَانَهُ قَدْ شَرَعَ لِلنَّاسِ القَسَمَ بِهِ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ قَسَمٌ عَظِيمٌ جِدًّاً لَا يَجُوزُ إِلَّا فِى مِثْلِ هَذَا الوَضْعِ الَّذِى شَرَعَهُ سُبْحَانَهُ، وَالَّذِى يُطْلَبُ فِيِهِ الصِّدق التَّامِّ تَحْتَ أَىِّ ظَرْفٍ، وَيَكُونُ جَزَآءُ الحَنْثِ بِهِ هُوَ الخُسْرَانُ المُبيِن يَوْمَ القِيَامَةِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ اليَمِينُ سَيَقَعُ مِمَّن لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْطَعَ بِبِرِّهِ فَلَا يَجْعَلَنَّ اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِهِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ:

وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ“.

وَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ عِلَّةَ ذَلِكَ فَقَالَ (مَوْصُولاً) بِنَفْسِ الأَيَةِ:

..لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ“.

وَالمَعْنَى هُنَا هُوَ أَنَّ الأَيْمَانَ (وَهِىَ لَيْسَت بِقَسَمٍ وَلَا حَلِفٍ) تَكُونُ مُتَعَلِّقَةً بِفِعْل مُسْتَقْبَلِىٍّ لَمْ يَحْدُث بَعْدُ . ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يَجِدُ صَاحِبُ اليَمِينِ أَنَّ هُنَاكَ مَا هُو أَفْضَلُ مِمَّا أَقْسَمَ عَلَيْهِ وَيَكُونُ فِيِهِ البِرُّ وَالتَّقْوَى، وَالإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ؛ فَيَفْعَلُهُ إِذَن، وَلِذَا فَقَدْ نَهَى سُبْحَانَهُ عَنْ أَنْ يَجْعَلَ النَّاسُ اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِهِم .

2 ـ كَالمَروِىُّ بِالصَّحِيِحَيْنِ مِنْ أَنَّ النَّبِىَّ قَالَ (بِزَعْمِهِم): من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت” !!!

.