النِّسَآءُ 2

6 ـ أنَّهُ بِفَرْضِ أنَّ لَفْظَ البَنِيِنِ هُنَا يَعْنِى الأوْلاَدَ الذُّكُورَ، فَسَتَكُونُ مَسْألَةُ تَزْيِيِنِهِم لِلنَّاسِ مُقَسَّمَةً بَيَنَ الأَبَاءِ الذُّكُورِ وَالأُمَهَاتِ الإِنَاثِ، لاَ أنْ تَكُونَ مَقْصُورَةً عَلَى الأَبَاءِ الذُّكُورِ فَقَط، وَهُوَ غَيْرُ حَادِثٍ هُنَا عِنْدَ مَنْ قَالُوا إنَّ المَقْصُودَ بِلَفْظِ النَّاسِ هُمْ الذُّكُور.

7 ـ وَلَوْ قُمْنَا بِمُرَاجَعَةِ لَفْظَ “مَتَاع” الوَارِد فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: “ذَ‌ٰلِكَ مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا“، لَوَجَدْنَا أنَّهُ خَاصٌّ بِمَا خَلَقَهُ اللهُ تَعَالَى لِيَسْتَفِيِدَ مِنْهُ الإِنْسَآنُ عُمُومًا، سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أوْ أُنْثَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى بِسُورَةِ الزُّخْرُف:

وَلَوْلَآ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَ‌ٰحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍۢ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴿٣٣﴾ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَ‌ٰبًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِـُٔونَ ﴿٣٤﴾ وَزُخْرُفًا ۚ وَإِن كُلُّ ذَ‌ٰلِكَ لَمَّا مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۚ وَٱلْأَخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ﴿٣٥﴾“.

وَالخِطَابُ هُنَا يَتَنَاوَلُ مَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَان، ذَكَرًا كَانَ أوْ أُنْثَى. وَالفِضّةُ، وَالبُيُوتُ، والسُرُرُ، وَالزُخْرُفُ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ مَتَاعِ الحَيَاةِ الدُّنْيَا لِمَنْ يَكْفُرُ، شَأنُهَا شَأنَ البَنِيِنِ (الأَبْنِيَةِ)، وَالقَنَاطِيِرِ المُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ، وَالخَيْلِ المُسَوَّمَةِ، وَالأَنْعَامِ، وَالأَحْدَثِ مِنَ المَصْنُوعَاتِ. وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:

لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍۢ فِيهَا مَتَـٰعٌ لَّكُمْ ۚ..﴿٢٩﴾“.

فَالمَتَاعُ هُنَا مَشْحُونٌ فِى البُيُوتِ، وَهُوَ مَحَلُّ اسْتِفَادَةٍ (1). بَلْ إنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ قَالَ عَن الدُّنْيَا كُلِّهَا إنَّهَا مَتَاعٌ، وَلَكِنَّهَا مَتَاعُ الغُرُورِ:

.. وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا مَتَـٰعُ ٱلْغُرُورِ ﴿١٨٥﴾ءَال عِمْرَان.

كُلَّ ذَلِكَ المَتَاع المَادِّىّ، جُعِلَ حُبُّهُ مُشْتَهًى مِنَ النَّاسِ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنِ الجِنْسِ. فَكَيْفَ يُمْكِنُ اسْتِبْعَادُ ثَلاَثَة أرْبَاعِ (2) النَّاس مِنَ الاسْتِمْتَاعِ، بَلْ وَجَعْل ثُلُثَيْهِمَا هُمَا أنْفُسُهُمَا مِنَ المَتَاعِ؟!

8 ـ وَلَوْ قُمْنَا بِمُرَاجَعَةِ لَفْظَ البَنِيِن لَوَجَدْنَا أنَّهُ إذَا مَا جَآءَ فِى سِيَاقِ المَادِّيَّاتِ فَهِىَ الأبْنِيَة بكُلِّ أَنْوَاعِهَا مِن بُيُوتٍ، وَقُصُورٍ، وَعِمَارَاتٍ، . . الخ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الشُعَرَاءِ:

وَٱتَّقُوا ٱلَّذِىٓ أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ ﴿١٣٢﴾ أَمَدَّكُم بِأَنْعَـٰمٍۢ وَبَنِينَ ﴿١٣٣﴾ وَجَنَّـٰتٍۢ وَعُيُونٍ ﴿١٣٤﴾“.

وَلَيْسَ مِنَ المَعْقُولِ أوْ المَقْبُولِ أنْ يُقَالَ بِأنَّ المَقْصُودَ هُنَا بِالبَنِيِنِ هُم الأوْلاَدُ، ثُمَّ هُم مُدْرَجُونَ مَع الأَنْعَامِ، بَل وَبَعْدِهَا تَرْتِيِبًا (3).

فَالنِّسَآءُ ـ إذًا ـ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: “زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَ‌ٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ“، تَعْنِي المُتَأَخِّرُ (الأَحْدَثُ) مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَالنَّاسُ كُلُّهُم يَشْتَرِكُونَ فِي حُبِّ المُتَأَخِّر (الأَحْدَث) مِنَ الأَشْيَاءِ، سَوَاءٌ فِي الأَجْهِزَةِ، وَالاخْتِرَاعَاتِ، أَوْ المَلاَبسِ (المُوضَة)، وَهَكَذَا.

وَالبَنِيِنُ ـ إذًا ـ فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: “وَٱلْبَنِينَ“، تَعْنِي الأَبْنِيَةُ، بكُلِّ أَنْوَاعِهَا مِن بُيُوتٍ، وَقُصُورٍ، وَعِمَارَاتٍ، . . الخ. وَالنَّاسُ كُلُّهُم يَشْتَرِكُونَ فِي حُبِّ الأَبْنِيَةُ، بكُلِّ أَنْوَاعِهَا.

هَذِهِ الأَيَةُ (وَغَيْرُهَا مِنَ الأَيَاتِ) كَانَت المُفْتَاحَ لِفَهْمِ مَعْنَى لَفْظِ “النِّسَآءِ”، والسَّبَبِ فِى وَصْفِ الكَثِيِرِ مِنَ الإِنَاثِ بِالنِّسَآءِ، وَكَذَلِكَ بَعْضِ الذُّكُورِ بِهِ. فَقَدْ ذَكَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَفْظَ “النِّسَآء” فِى مَوَاضِعٍ كَثِيرَةٍ بِكِتَابِهِ العَزِيِز، تَنَوَّعَت فِيِهَا المَعَانِى، وَإنْ تَوَحَّدَ أصْلُهَا، وَذَلِكَ عَلَى تَفْصِيِلٍ يَأتِى.

وَلِلحَدِيِثِ بَقِيَّةٌ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ وَهُوَ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: “..وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَـٰعِنَا ..﴿١٧﴾يُوسُف.
..وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَ‌ٰحِدَةً ۚ..﴿١٠٢﴾النِّسَآء.
قَالَ مَعَاذَ ٱللَّهِ أَن نَّأْخُذَ إِلَّا مَن وَجَدْنَا مَتَـٰعَنَا عِندَهُۥٓ ..﴿٧٩﴾يُوسُف.
لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا فِى ٱلْبِلَـٰدِ ﴿١٩٦﴾ مَتَـٰعٌ قَلِيلٌ..﴿١٩٧﴾ءَال عِمْرَان.
2 ـ وَذَلِكَ بِاعْتبَارِ أنَّ الإنَاثَ يُشَكِّلْنَ نِصْفَ المُجْتَمَعِ (تَقْدِيِرًا)، والأَوْلاَدَ الذُّكُورَ يُمَثِّلُونَ الرُّبْع (تَقْدِيِرًا أيْضًا).
3 ـ وَمِثْلُهُ مَا قَالَهُ اللهُ تَعَالَى فِى سُوَرِ الكَهْفِ، وَالإِسْرَآءِ، وَنُوحٍ؛ وَفِيِهِ:
ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۖ وَٱلْبَـٰقِيَـٰتُ ٱلصَّـٰلِحَـٰتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴿٤٦﴾“.
..ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَـٰكُم بِأَمْوَ‌ٰلٍۢ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَـٰكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ﴿٦﴾“.
..يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا ﴿١١﴾ وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَ‌ٰلٍۢ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍۢ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَـٰرًا ﴿١٢﴾“.

.

تَحَرَّرَ فِى لَيْلِ يَوْمِ الجُمُعَةِ 22/5/2015 سعة 2.19 م

التَّعْلِيَقَاتُ مَفْتُوحَةٌ فِى المَقَالِ الأَخِيِر بَعْد اكْتِمَالِ المَوْضُوعِ

المَقَالُ السَّابِقُ

المَقَالُ التَّالِى: تَحْتُ الإِنْشَآء