مِلْكُ اليَمِيِنِ 1

 

 

خَلَقَ اللهُ النَّاسَ وَهُمْ مُتَفَاوِتِونَ فِى مُقَدَّرَاتِهِم، وَمِنْهَا الرِّزْقُ، فَجَعَلَ بِهِ النَّاسَ مَا بَيْنَ غَنِىٍّ وَفَقِيِرٍ:

قُلْ إِنَّ رَبِّى يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦ وَيَقْدِرُ لَهُۥ ۚ وَمَآ أَنفَقْتُم مِّن شَىْءٍۢ فَهُوَ يُخْلِفُهُۥ ۖ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّ‌ٰزِقِينَ ﴿٣٩﴾سبأ.

وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۢ فِى ٱلرِّزْقِ ۚ ..﴿٧١﴾النحل.

وَقَدْ جَعَلَ اللهُ مِن هَذَا التَفَاوُتِ، وَالتَّفْضِيِلِ، فِتْنَةً وَابْتِلاَءً لِلقُطْبَيْنِ (الأَغْنِيَاءُ وَالفُقَرَاءُ)؛ فَقَالَ:

إِنَّمَآ أَمْوَ‌ٰلُكُمْ وَأَوْلَـٰدُكُمْ فِتْنَةٌ ۚ وَٱللَّهُ عِندَهُۥٓ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿١٥﴾التغابن.

فَأَمَّا ٱلْإِنسَـٰنُ إِذَا مَا ٱبْتَلَىٰهُ رَبُّهُۥ فَأَكْرَمَهُۥ وَنَعَّمَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّىٓ أَكْرَمَنِ ﴿١٥﴾ وَأَمَّآ إِذَا مَا ٱبْتَلَىٰهُ فَقَدَرَعَلَيْهِ رِزْقَهُۥ فَيَقُولُ رَبِّىٓ أَهَـٰنَنِ ﴿١٦﴾الفجر.

وَلَكِنَّ هَذَا التَفَاوُتَ؛ وَإنْ أحْدَثَ طَبَقِيَّةً مُجْتَمَعِيَّةً، إلاَّ أنَّهُ لَمْ يُنْقِصَ أحَدًا قَدْرَهُ، أوْ يُزِدْهُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى شَيْئًا، فَالكُلُّ عِنْدَهُ وَأمَامَهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ سَوَاسِيَةً، وَلِذَا قَالَ:

وَمَآ أَمْوَ‌ٰلُكُمْ وَلَآ أَوْلَـٰدُكُم بِٱلَّتِى تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰٓ إِلَّا مَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَـٰلِحًا فَأُولَـٰٓئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِى ٱلْغُرُفَـٰتِ ءَامِنُونَ﴿٣٧﴾سبأ.

يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَـٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَـٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴿١٣﴾الحجرات.

وَقَدَ كَانَ ظُهُورُ مِلْكِ اليَمِيِنِ، هُوَ أحَدُ انْعِكَاسَاتِ هَذَا التّفَاوُتِ الاقْتِصَادِىِّ بَيْنَ النَّاسِ. ونَظَرًا لِوُجُودِهِ فِى جُلِّ المُجْتَمَعَاتِ فَقَدْ شَرَّعَ اللهُ تَعَالَى لَهُ مِنَ التَشْرِيِعَاتِ مَا يُنَظِّمُ بِهِ العِلاَقَةَ مَع الطَرَفِ الأَخَرِ، وَهُوَ مَالِكِ اليَمِيِنِ؛ فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَضْعَهُم فِى بُيُوتِ مَالِكِى الأيْمَانِ، وإمْكَانِيَّةَ نِكَاحِهِم، وَعُقُوبَةَ مَنْ تَأتِى الفَاحِشَةَ مِنْهُم، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِى مَوْضِعِهِ. وَلْنَبْدَأَ فِى مُنَاقَشَةِ وَتَنَاوُلِ بَعْضَ التَّفَاصِيِلِ.

مِلْكُ اليَمِيِنِ:

اسْمُ “مِلْكِ اليَمِيِنِ”؛ يَتَكَوَّنُ مِنْ لَفْظَيْنِ، يَسْتَقِلُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنَفْسِهِ مُنْفَرِدًا، وَهُمَا: “مِلكٌ”، و: “يَمِيِنٌ”. وَقَدْ اصْطُلِحَ عَلَى أنَّهُ إِذَا مَا جُمِعَا مَعًا فَيَكُونُ النَّاتِجُ (مِلْكُ اليَمِيِنِ) هُوَ َتَعْرِيفٌ لِمَجْمُوعَةٍ مِنَ النَّاسِ، مَوْجُودَةٍ فِى كُلِّ زَمَانٍ، مَعَ تَغَيُّرِ المَكَانِ وَالبِيِئَةِ المُتَوَاجِدِيِنَ بِهَا، وَكَذَلِكَ مَعَ تَغَيَّرِ مُسَمَّاهَا مِنْ عَصْرٍ لأَخَرِ، وَإِنْ بَقِيَت حَقِيِقَةُ وُجُودِهِم كَمَا هِىَ بِلاَ تَغْيِيرٍ.

مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ /  مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ /  مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُنَّ /  مَلَكَت يَمِيِنُكَ/

وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ مِلْكَ اليَمِيِنِ بِكِتَابِهِ أرْبَعَةَ عَشْر مَرَّةً(1)، فِى سَبْعِ سُوَرٍ، بَدَأَهَا سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ سُورَةِ النِّسَآءِ:

وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِى ٱلْيَتَـٰمَىٰ فَٱنكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَ‌ٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ ۚ ذَ‌ٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُوا ﴿٣﴾“.

وَانْتَهَت بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ المَعَارِجِ:

وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ ﴿٢٩﴾ إِلَّا عَلَىٰٓ أَزْوَ‌ٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴿٣٠﴾“.

فَتَبَيَّنَ أنَّ أشْخَاصَ مِلْكِ اليَمِيِن، هُم مُخَالِطُون لِلمُجْتَمَعِ، وَإنْ تَمَيَّزُوا، وَيُصَاهَرُونَ وَإنْ تَأخَّرُوا.

وَفِى الأَمْرِ تَفْصِيِلٌ .

هَامِش:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ وَهَذِهِ المَوَاضِعُ بِسَبْعِ سُوَرٍ، كَالتَّالِى:

النِّسَآءُ: 3، 24، 25، 36. النَّحْلُ: 71. المُؤْمِنُون: 6. النُّور: 31، 33، 58. الرُّوم: 28. الأَحْزَاب: 50، 52، 55. المَعَارِج: 30.